المحكمة الدولية واتهام البشير
د. ياسر سعد
تتوجه أنظار العام إلى لاهاي حيث من المقرر أن يمثل المدعي العام لوي مورينو أوكامبو أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية ليقدم ما يعتبره أدلة على جرائم الحرب ارتكبت في دارفور طالبا توجيه اتهامات لمسؤولين سودانيين قد يكون على رأسهم الرئيس عمر البشير.
مسألة توجيه الاتهام للبشير أصابت السودان بغضب شديد ودفعته لتحرك دبلوماسي عربي وأفريقي ودولي. الموقف السوداني حاز على تأييد الإتحاد الأفريقي وعلى إسناد صيني وإن كان طلبه بعقد قمة عربية قد لا يحصل في ظلال الانقسامات العربية والجمود الكبير الذي يصبغ الموقف العربي الرسمي.
رجل الشارع العربي يرى المسألة سياسية بالدرجة الأولى, وهو مقتنع بأن الغرب يستخدم حقوق الإنسان وحرياته كأدوات سياسية لفرض هيمنته وتمرير مخططاته. فعلى الرغم من أن الموقف السوداني بشكل عام يظهر تعاونا في مسألة دارفور ويعلن الاستعداد التام للتوقيع على اتفاقيات سلام مع المتمردين, ويحاول جاهدا إرضاء الولايات المتحدة والتفاهم معها, فإن وتيرة الهجمة السياسية والدبلوماسية عليه تزداد حدة وقسوة.
هناك تشابه كبير ما بين أحداث العراق والسودان. وسواء شملت قائمة الاتهام البشير أم لم تشمله فإن رسالتها وصلت, وهي مع ما حدث لصدام حسين تظهر أن مرحلة سيادة الدول وحصانة الرؤساء يراد لها أن تطوى وأن تستبدل بالتدخل الخارجي في صياغة المنطقة وتشكيلها. إضعاف الحكومة المركزية والحديث عن الفيدرالية وتوزيع الثروة وحقوق الإنسان والأقليات أمور تكررت في البلدين والتي يبدو أنها تستهدف تفتيت المنطقة تحت الشعار الأمريكي المعلن في رسم الشرق الأوسط الجديد.
هل يجرؤ المدعي العام أوكامبو أو غيره على توجيه اتهام للوزير الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر لقتله الأسرى المصريين؟ ولماذا لا يحاكم أحد على ما حدث لقطاع غزة من حصار وصفه جيمي كارتر والقس ديزموند توتو بجريمة ضد الإنسانية؟ وأين الضمير العالمي مما حصل في العراق من حرب غير مشروعة دوليا ولا أخلاقيا استندت على أدلة كاذبة وأدت لمقتل أكثر من مليون عراقي وعن ملايين المهجرين والأيتام والأرامل المعوزين فيما تنهب ثروات العراق جهارا نهارا؟
الأمر المثير للاستغراب هو في ازدواجية الموقف الأمريكي. فقد أعلنت الخارجية الأمريكية أن المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية بصدد إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني بتهم ارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وردا على سؤال بشأن إمكانية إدراج اسم الرئيس البشير في لائحة الاتهام قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية شون مكورماك: " لننتظر ونرى ما سيحدث يوم الاثنين وسنتعامل مع الحقائق التي أمامنا".
الولايات المتحدة كانت من أشد المعارضين لفكرة المحكمة الجنائية الدولية وحين أقر نظامها الأساسي في روما 1998 كانت مع إسرائيل ضمن سبعة دول فقط عارضته, بحجة أن لها جنود منتشرين في العالم ولا يمكن تصور جنودها المنتشرين بعيدًا عن وطنهم الأم معرضين لضغوط ولإجراءات تلاحقهم سـياسيًا وقضائيًا. وبتاريخ 2-1-2000 أدلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، أمام مجلس الأمن، بأن المحكمة الجنائية الدولية المقترحة لا تؤمن الحماية الكاملة للجنود الأميركيين من المقاضاة، وأنه إذا كانت الأمم المتحدة تريد فرض سلطتها على الشعب الأمريكي، فمعنى ذلك أنها تبحث عن مجابهة ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة رفضت التصديق على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وقد ضغطت في صيف 2002 على مجلس الأمن مهددة بسحب بعثاتها التي تعمل في مجال حفظ السلام، ما لم يصدر المجلس قرارا يحصن جنودها العاملين في قوات حفظ السلام ومسؤوليها في الخارج من الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية وهو ما حصل بالفعل.