لبنان وصفقة الأسرى
د. ياسر سعد
كان يوم الأربعاء يوما لبنانيا بامتياز, فقد تزامن الاجتماع الأول للحكومة اللبنانية والتي تشكلت من مختلف الأطياف السياسية مع إغلاق ملف الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية في عملية تبادل أتمها حزب الله وحازت على إجماع لبناني شعبي ورسمي, واعتبرتها سائر الأطراف سواء ممن كانت في صف الموالاة والمعارضة احتفالا لبنانيا وطنيا. عملية التبادل أعطت حزب الله دعما معنويا كبيرا بعد الانتصار السياسي الذي حققه في اتفاق الدوحة ودخوله الحكومة وفق شروطه القديمة.
صفقة الأسرى تثير العديد من النقاط منها:
- حين اسر حزب الله الجنديين الإسرائيليين، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها موقف حكومته قائلا: "لن نرضى بعملية الاستفزاز هذه، ولن نتفاوض مع الإرهابيين، خصوصا وأن الأمر يتعلق بحياة جنود قوات الدفاع الإسرائيلية." الإسرائيليون بقبولهم لما رفضوه وشنوا تحت ذريعته الحرب يقرون ضمنا بفشل حربهم الكامل على لبنان. كما سيرى الكثير من الإسرائيليين في الصفقة تراجعا مهينا وتنازلا مؤلما.
- إسرائيل كانت ترفض تماما الإفراج عن سمير القنطار بذريعة أنها لا تطلق من يداه ملطختان بدماء الإسرائيليين. وفي صفقة تبادل الأسرى عام 2004, قال وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم عن قضية القنطار: “لإسرائيل أيضا خطوطها الحمراء ولا يمكن تخطيها”. إسرائيل تخطت خطا أحمرا وفتحت الباب واسعا أمام الكثير من المناضلين والمجاهدين ليكونوا عناوين صفقات قادمة.
- نجاح صفقة حزب الله ستزيد حركة حماس صلابة في مفاوضاتها لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل الجندي جلعاد شاليط وهو ما عبر عنه سيلفان شالوم بقوله بأن عملية تبادل الأسرى الحالية سيترتب عليها دفع ثمن باهظ مقابل إطلاق سراح شاليط.
- سمير القنطار اعتقل خلال عملية فدائية في مدينة نهاريا الإسرائيلية عام 1979 أطلق عليها اسم "جمال عبد الناصر"، بإشراف جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو العباس الذي توفي في معتقل أمريكي بالعراق, والآن يفرج عنه بصفقة رعاها حزب الله وحملت اسم الرضوان. وهو ما يشير إلى التحولات الفكرية والمنهجية في المنطقة وتقدم الفكر الإسلامي في ساحات المواجهة على حساب التيارات الأخرى.
الحكومة الإسرائيلية وهي تقدم على صفقة الأسرى تحاول كما قال حسن نصر الله في خطابه مطلع الشهر الجاري سحب الذرائع من حزب الله وبالتالي إعادة طرح موضوع سلاح الحزب إقليميا ودوليا خصوصا مع الحديث عن مبادرات باتجاه قضية مزرعة شبعا وعن تقدم المفاوضات في المسار السوري.
إسرائيل ستحاول تحقيق انجازات على الأرض تعوضها عن عجزها العسكري من خلال الاستفادة من التناقضات في الساحة اللبنانية وجراحات أحداث لبنان الأخيرة والتي تختفي خلف تفاهمات سياسية ما تزال عاجزة عن الإجابة عن الكثير من الأسئلة. كما أن حل إشكالاتها مع الجانب اللبناني وتفاوضها مع دمشق يراد منه عزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي والاستفراد بها خصوصا مع الضعف الشديد للسلطة الوطنية الفلسطينية.
المطلوب من حزب الله الذي نجح في تحرير الأسرى أن يحرر لبنان من الخوف من هيمنته ومن سلاحه ومن تحكم إيران في قراره. على حزب الله التوجه بالمصالحة للطائفة ألسنية والتي جرعها سلاح الحزب المهانة والأذى حين احتل مقاتلوه المناطق السنية واستباحوا المراكز الإعلامية فيها. تحرير السجناء يسعدنا جدا ولكن من الضروري أيضا نزع فتيل الفتن الطائفية في العالم الإسلامي والتي تهدده بالتمزق.