الدور المصري وأنفاق غزة

الدور المصري وأنفاق غزة

د. ياسر سعد

[email protected]

نقلت رويترز عن مصادر أمنية قولها أن وفدا عسكريا أمريكيا زار يوم الاثنين منطقة الحدود بين مصر وقطاع غزة ضمن برنامج لمساعدة المصريين على كشف الأنفاق المؤدية إلى القطاع. وذكرت المصادر أن الوفد قام بتجربة أجهزة أمريكية لكشف الأنفاق تسلمتها مصر بعد تدريب مصريين على استعمالها في الولايات المتحدة. وتعتبر الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون على أعماق كبيرة الرئة التي يتنفسون فيها من الحصار الشديد وغير الإنساني والذي تفرضه السلطات الإسرائيلية عليهم. الجدير ذكره أنه ومنذ بداية العام الحالي زار مسؤولون أمنيون في السفارة الأمريكية بالقاهرة وأعضاء في الكونجرس الأمريكي المنطقة الحدودية.

كانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد كشفت في عددها الصادر الأربعاء 11 يونيو الجاري عن أن الولايات المتحدة تقوم بتدريب جنود مصريين على تحديد مواقع الأنفاق وتدميرها في مسعى لتحسين قدرة الجيش المصري على منع عمليات التهريب من سيناء إلى قطاع غزة. وقالت الصحيفة إن دفعة ثانية من العسكريين المصريين ستصل قريبا إلى الولايات المتحدة لتلقي التدريبات التي تتم في قاعدة عسكرية في تكساس،ويطلع خلالها الجنود على سبل استخدام معدات تقنية متطورة تختص بالعثور على الأنفاق وتدميرها. ونقلت الصحيفة عن رئيس قسم الأبحاث في مخابرات الجيش الإسرائيلي قوله إن هناك تحسنا في الجهود المصرية على طول الحدود لمنع تهريب الأسلحة إلا أنه وصف الأداء المصري في هذا الإطار بأنه نقطة في بحر.

الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية مارستا ضغوطا كبيرة على القاهرة لتشديد الخناق على قطاع غزة فيما دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس السلطات المصرية علنا وفي أكثر من مناسبة لتشديد سيطرتها على الحدود. وكانت مصادر فلسطينية قد اتهمت مؤخرا السلطات المصرية بتسميم الأنفاق بغازات قاتلة أدت إلى مصرع العديد من الفلسطينيين.

مصر الدولة العربية الكبرى والتي قدمت للعرب وقضاياهم الكثير لا ينبغي ولا يصح أن يتحول دورها إلى حارس يتلقى التدريبات والرغبات الأمريكية والتوجيهات الإسرائيلية ويقوم بتنفيذها. في احتفال عيد الشرطة في يناير الماضي قال الرئيس حسني مبارك أن جهود السلام لم تعد تحتمل فشلا آخر‏,‏ وأن مصر لن تسمح بتجويع الفلسطينيين في غزة‏,‏ أو أن يتحول الوضع في القطاع لكارثة إنسانية‏.‏ جهود السلام يعبث بها الاستهتار الإسرائيلي من خلال المماطلة والاندفاع الاستيطاني وعدم الوفاء بأية التزامات, ويقتلها الانحياز الأمريكي  والذي تبدى صارخا في كلمة جورج بوش في الكنيست الإسرائيلي وفي تعامله مع القيادة المصرية في شرم الشيخ خلال زيارته الأخيرة للمنطقة. أما الوضع في غزة فهو كارثة إنسانية بكل المقاييس, والفلسطينيون يتعرضون لمجاعة قاتلة ولأزمات حادة بحسب منظمات دولية, ويرتكب بحقهم جريمة ضد الإنسانية برأي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. القس ديزموند توتو وصف ما تتعرض له غزة من حصار في زيارته الأخيرة بأنه "غير مقبول" وأضاف: "سمعنا عن غزة الكثير حتى الآن، وما سمعناه يكفي لأن يصل بنا الحد للبكاء الشديد".

الأوضاع المعيشية في مصر صعبة تماما, فهناك توترات ناتجة عن أزمة الغلاء الطاحنة والظروف القاسية. غير أن تفاعل تلك العوامل مع شعور شعبي بسلبية الدور المصري في المنطقة قد يؤدي إلى توترات وانفجارات اجتماعية وسياسية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط صرح مؤخرا بأن مصر ترى إيران "في فورة" في العالم العربي وتستخدم الكثير من أوراق اللعب السياسية والدبلوماسية بغض النظر عن المصالح العربية. وقال أبو الغيط "هذه الكروت السياسية التي تمسك بها إيران لا تمسك بها رغبة في الدفاع عن مصالح عربية ولكنها تمسك بها رغبة في الدفاع عن مصالح إيرانية. قد يكون هذا حق إيران أن تسعى.. ولكن حق مصر أن تدافع عن الأرض العربية". نحن بكل شوق ومحبة نتطلع إلى ذلك اليوم الذي ستمارس فيه مصر هذا الحق وتعود لتلعب دورا رياديا يحافظ على أمنها القومي ومكانتها التي تليق بشعبها الأصيل وبتاريخها العريق.