محنة اللاجئين العراقيين

محنة اللاجئين العراقيين

د. ياسر سعد

[email protected]

نددت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها بتخلي المجتمع الدولي عن واجبه الأخلاقي فيما يتعلق بأزمة اللاجئين والنازحين العراقيين بالرغم من اتخاذها "أبعادا مأساوية" حسب توصيف التقرير, والذي اعتبر إن حكومات العالم لم تفعل سوى القليل للمساعدة في هذا الشأن. تقرير المنظمة -والذي استند إلى دراسة أوضاع اللاجئين العراقيين في سوريا والأردن- أشار إلى أن اللاجئين يعيشون أوضاعا مزرية ويتهددهم مزيد من الفاقة، وأن المعاملة الدولية لهم تسوء فهناك تضييق عليهم مما أدى لارتفاع حالات العودة القسرية التي تمارسها دول أوربية. و جاء في التقرير أن عدد المهجرين العراقيين هو الأعلى في العالم بما يربو على 4,7 مليون نازح ولاجئ.

وتقول المنظمة في تقريرها أن الكثير من المهجرين العراقيين لا يستطيعون مغادرة البلاد؛ أما أولئك الذين استطاعوا ذلك فإن ظروفهم في الخارج تزداد سوءا. وأوضح تقرير المنظمة أن العديد من الأسر العراقية في المهجر تعاني الفقر المضني وتواجه خيارات قاسية ومخاطر جدية من بينها تشغيل الأطفال الصغار والدعارة وأحيانا كثيرة العودة الاضطرارية للعراق.  وتعتبر المنظمة أن الأمن و الاستقرار لم يستتب بالعراق ليستقبل من جديد هؤلاء اللاجئين على الرغم من بعض التحسن الملحوظ على الصعيد الأمني. وناشدت منظمة العفو المجتمع الدولي تخصيص مزيد من الموارد لمعالجة أوضاع اللاجئين متوقعة أن تحتاج أزمتهم إلى تضافر جهود المجتمع الدولي لعدة سنوات من أجل حلها.

تقرير منظمة العفو الدولية والتقارير الأخرى ومنها إعلان الأمم المتحدة في العام الماضي أن الأوضاع في العراق أدت إلى اكبر موجة نزوح في المنطقة منذ عام  1948 بعد احتلال فلسطين. هي شهادات إدانة دولية للاحتلال الأمريكي والذي تسبب بكوارث إنسانية كبيرة وفادحة, فالاحتلال هو المسؤول المباشر قانونيا وماديا عن محنة اللاجئين. الحديث عن تحسن الأوضاع في العراق والذي تردده الإدارة الأمريكية يُحسب من خلال خسائر جنودها والنجاح المرحلي في شراء ولاءات في العراق وتوجيه الصراع لينتقل إلى داخل الطوائف, أما تفاقم معاناة الملايين من العراقيين وتدمير حياتهم ومستقبل أطفالهم, فلا يدخل ضمن الحسابات الأمريكية -والتي تضغط من أجل تمرير قانون النفط- من قريب ولا بعيد.

وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت مؤخرا تقريرها حول الاتجار بالبشر, وزعت فيه شهادات الإدانة والتقريع على دول في العالم لمواقف حكوماتها من صور الاستعباد البشرية والتي منها الاستغلال الجنسي للنساء. التقارير الدولية والإعلامية ما تنفك تتحدث عن اضطرار أطفال ونساء عراقيات لامتهان الدعارة من أجل سد الرمق. أليست الإدارة الأمريكية هي المسؤولة قانونيا وأخلاقيا وماديا عما يجري لأولئك الضحايا من إذلال ومعاناة؟ وماذا فعلت للمساهمة في حل مشكلة صنعتها بشكل مباشر من خلال احتلال العراق وتدمير مؤسساته الأمنية وبناه التحتية؟ 

الحكومة الأمريكية أعلنت قبولها 1141 لاجئ خلال أيار الماضي، وذلك ضمن خطتها لقبول 12 ألف لاجئ عراقي هذا العام. وقال جيمس فولي، المسؤول عن ملف اللاجئين العراقيين في وزارة الداخلية الأمريكية، إن حوالي 4742 لاجئ عراقي دخلوا الولايات المتحدة منذ بداية العام الجاري, مضيفا أن: "للولايات المتحدة التزام خاص تجاه العراقيين الذي قاموا بخدمتنا في العراق، أو هؤلاء المهددة حياتهم لارتباطهم بنا بأي شكل من الأشكال." أمريكا ملتزمة فقط بمساعدة اللاجئين من العملاء, كما إن في الموقف الأمريكي اعترافا ضمنيا بسوء الأحوال الأمنية في العراق.

من الأمور المؤسفة أن نسمع عن مناشدة من الأمم المتحدة للمجتمع الدولي التبرع بـ 60 مليون دولار كمساعدات طارئة للتعامل مع اللاجئين العراقيين, في حين نقرأ عن عشرات المليارات العراقية المنهوبة وعن أخرى مجمدة في البنك الأمريكي المركزي, وعن تعويضات بمئات الملايين ما زال العراق المحتل, ومنذ أكثر من خمس سنوات, يدفعها لاحتلال نظامه الكويتي لشهور معدودة. وبغض النظر عن التجاوزات والانتهاكات الأمريكية, فإن على الدول العربية أن تمد يد العون والمساعدة وبشكل مباشر لملايين من العراقيين اللاجئين في محنتهم القاسية العصية عن الوصف.