ألف تحية للجيش اللبناني

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

المتداول والمعروف في سورية عندما يذكر الجيش اللبناني يُنعت بـ(جيش أبو الزلف) استهزاءاً واستصغاراً من قدراته وشجاعة أفراده.. جيش أبو الزلف هذا – كما يُنعت في سورية – أرعب الجيش الصهيوني وفاجاه في تصديه لمحاولته اقتلاع شجرة من أرضه اعتبرها مساً بكرامته وسيادة وطنه، وتصدى بما يمتلك من أسلحة متواضعة لدورية صهيونية مسربلة بأمنع الأسلحة المتطورة والثقيلة، حاولت اقتلاع شجرة من أمام بعض كمراته التي تراقب الأراضي اللبنانية لرصد تحركات الجيش اللبناني والمقاومة الوطنية اللبنانية.  

جيش أبو الزلف هذا تصدى بشجاعة نادرة لدورية عسكرية صهيونية حاولت اختراق السيادة اللبنانية، وسارع إلى إطلاق النار على أفرادها، مما أدى إلى مقتل ضابط صهيوني كبير برتبة مقدم، وإصابة آخر واستشهاد ثلاثة لبنانيين، اثنان منهما صحافيان.

أفراد الجيش اللبناني الشجعان الذين سارعوا إلى إطلاق النار باتجاه الدورية الصهيونية كانت صدورهم خالية من النياشين والأوسمة، وأكتافهم لم تتزاحم عليها النسور والنجوم، كانت مليئة بالإرادة والتصميم على التضحية بأغلى ما يملكون في سبيل صد العدوان الذي يستهدف التراب والحجر والشجر اللبناني الذي هو جزء من كيان وجودهم ومصيرهم.   

القيادة العسكرية للدولة العبرية بادرت بتعزيز قواتها على طول الحدود، وحشدت أعداد كبيرة من الدبابات، والشيء نفسه قامت به وحدات الجيش اللبناني في تحد لم يعهده قادة الدولة العبرية العسكريين والمدنيين، غير واضع في حساباته انجراره إلى معركة غير متكافئة يفرضها العدو الصهيوني ويحدد زمانها ومكانها.

وإذا كانت محاولة الدولة العبرية قلع شجرة على الحدود، تعترض كاميرات مراقبة، أدت إلى انتفاض (جيش أبو الزلف) والتصدي للمعتدين دون حسابات الربح والخسارة أو المكان والزمان قد اقلق الدولة العبرية وجعلتها تهرول إلى مجلس الأمن تشتكي ما قام به الجيش اللبناني لتسجل انتصاراً في أروقة الأمم المتحدة اعتماداً على الدعم الأمريكي وقد أخفقت في تحقيق أي انتصار من اعتدائها على الأرض.  
ايهود باراك وزير دفاع الدولة العبرية هدد بأن جيشه سيرد (في المستقبل) على أي اعتداء – حسب قوله – وهو يعرف جيدا أن من بدأ بالعدوان هو جيشه الذي فوجئ برد الجيش اللبناني البطولي الفوري المزلزل، الذي كان مخولاً بقرار الرد والمواجهة من القيادة العليا، لثقة هذه القيادة بجنودها، ولأن الوقت والمكان والظرف لا يحتمل انتظار الأوامر.

فِعل (جيش أبو الزلف) يجعلنا نستعيد فعل جيشنا العقائدي في سورية منذ إلباسه هذا اللقب (الجيش العقائدي) بدلاً من (جيش سورية الوطني الذي عرف به منذ الاستقلال) عقب انقلاب الثامن من آذار عام 1963 على يد العقائديين البعثيين الذين حولوا جيش سورية الوطني إلى جيش عقائدي مهمته حماية النظام والدفاع عنه، دون الوطن والذود عن حياضه وصون كرامة أبنائه، ولا أعتقد أننا نغالي في ما ندعي إذا ما كشفنا أوراق هذا الجيش الذي لم يسجل له أي انتصار منذ العام 1963.

فالهزائم والانكسارات التي ألحقها الجيش العقائدي بالوطن الحديث عنها ذو شجون. ففي عام 1967 أخلى الجيش العقائدي، مرتفعات الجولان السوري والقنيطرة دون دفع أو مدافعة أو مقاومة بعد ست ساعات من العدوان الصهيوني، وفي عام 1973 تخلى الجيش العقائدي عن بقية المناطق التي لم يحتلها العدو الصهيوني عام 1967 وانسحب منها (34 قرية) حتى وصلت طلائع جيش العدو الصهيوني إلى مشارف العاصمة دمشق (54كم) التي باتت على مرمى المدفعية الصهيونية، وفي عام 1982 خسر الجيش العقائدي مئة طائرة مقاتلة إضافة إلى عشرات بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات المنصوبة عند الحدود السورية – اللبنانية، عند غزو جيش الدولة العبرية للبنان.

ولم يحرك هذا الجيش العقائدي ساكنا أمام خروقات واعتداءات جيش العدو الصهيوني. وكان أهم هذه الاعتداءات والخروقات ضرب الثكنات العسكرية السورية في عين الصاحب، وتحليق الطيران الصهيوني فوق القصور الرئاسية في دمشق واللاذقية، وتوج جيش الدولة العبرية عدوانه بضرب ما وصفه بالمنشآت النووية السورية في دير الزور في عمق الأراضي السورية (نحو ألف كيلو متر عن حدود فلسطين المغتصبة)، دون أن تتحرك لهذا الجيش العقائدي جارحة أو يرف لأحد قادته جفن وقد ملأت الأوسمة والنياشين صدورهم، وتزاحمت النجوم والنسور على أكتافهم، ولم يسمع منذ العام 1974 صوت أزيز رصاصة تطلق من قبل أي جندي في الجيش السوري باتجاه الجولان، الذي ينعم فيه المستوطنون الصهاينة بما حباه الله من خيرات وطبيعة ومياه، وحجة أولي الأمر في دمشق في الإحجام عن التصدي لأي من هذه الخروقات والاعتداءات، أن سورية لن تنجر إلى معركة يفرض العدو الصهيوني مكانها وزمانها، وهذا التعليل الذي مجّته الجماهير السورية وسئمت سماعه، ما زال هو شعار القيادة السورية منذ ما يزيد على ثلاثين سنة، حتى أن ثلاثة أجيال من السوريين الذين ولدوا في عهد النظام العقائدي، لا يعرفون شيئاً عن الجولان المحتل!!