الرئيس .. والوصيف

الرئيس .. والوصيف !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يبدو ، والله أعلم ، أن العمر السياسي الافتراضي لفخامة الرئيس الفلسطيني ، آية الله " محمود رضا عباس ميرزا " رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود ، والسفاح النازي اليهودي " أيهود أولمرت " رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب ، قد انتهى ، وأنه آن الأوان لاستبدالهما ، وتحريك آليات جديدة لإقامة ديكور سياسي يتكون من شخصيات جديدة ، وصفقات ورقية جديدة ، بعد محادثات عبثية جديدة ، يتم في خلالها – كما يأمل اليهود النازيون الغزاة في فلسطين المحتلة كسب المزيد من الوقت ، لنزع سلاح المقاومة ، والقضاء على عناصرها ، وتيئيس الشعب الفلسطيني من الأمل ، بل بصيص الأمل ، في أدنى حياة حرة كريمة ، فضلاً عن عودة المشرّدين في المنافي والملاجئ والمخيمات .

في أواخر سبتمبر 2008م ، تنتهي المدة الرئاسية لآية الله أبى مازن ، ومن المتوقع أن يرفض الترشيح مرة أخرى ، بعد أن خذلته الولايات المتحدة ، وأصدقاؤه الأحباب من أبناء العم الصهيوني ، فضلا عن قلبه الموجوع ، واستغناء السادة الأمير كان عن خدماته.

ويبدو أن أمريكا قررت التخلص أيضا من " أيهود أولمرت " ، لتجد سبباً شبه مقنع ، تقدمه إلى العرب الطيبين أو العرب " الميتين " وفقاً لمفهوم صهيوني ، وقد تحركت مؤخرا التحقيقات حول تلقيه أموالاً ورشاوى في الانتخابات من يهودي أميركي وفي الغالب ستتم إدانته ، وإقالته وبعدها نشاهد الصراع السياسي بين الطامحين لرئاسة السلطة الصهيونية : باراك – ليفنى – نتنياهو – وربما غيرهم ، وينشغل العالم بمن يغلب أو يصعد لسدة الحكم ، حيث يبدأ – كما هي العادة – بتصريحات ساخنة ومتشدّدة ، ضد العرب الفلسطينيين وخاصة فصائل المقاومة ، وحزب الله ، وسوريا وإيران ، أو ما يسمي الإرهاب وفقا لمصطلحاتهم !.

وفى الوقت ذاته ، فإن فخامة الرئيس جورج بوش ، يكون آنئذ " بطة عرجاء " في انتظار الرئيس الجديد للولايات المتحدة ( ومتى كان بطة سليمة ؟ )

وفى كل الأحوال ، فإن سلاح الجو الصهيوني بأحداث طائراته ( إف 18 ) وأقوى صواريخه ، يقصف ويدمر ويضرب قطاع غزة المحاصر ، ويقتل أطفاله ونساءه وشيوخه تحت دعوى الدفاع عن النفس ، أملاً في طرد سكانه إلى سيناء ، كي يخلو الجوّ لليهود لاستخراج الغاز الطبيعى الذي يعوم فوقه القطاع ، والدنيا آنئذ مشغولة باستبدال الرؤساء في السلطة والكيان والإمبراطورية .

وإذا كنا لا نعلم من الذي سيحكم خلفاً لأولمرت وبوش ، فإن الصهاينة يُهيئون المجال ، ليكون " مروان البرغوثى " السجين الفلسطينى الأشهر ، ليكون وصيفاً لفخامة الرئيس أبى مازن ، لتتحقق من خلاله غايتان ؛ الأولى : مواصلة المحادثات العبثية التي  تدور غالباً حول تصفية المقاومة والقضاء عليها بحجة مكافحة الإرهاب تطبيقاً لاستحقاقات " الرباعية ! " ، والآخر وقف تمدّد حماس في الضفة الغربية ، ومنعها من السيطرة عليها لكيلا تنقلب المعادلة القائمة في الضفة ، التي تقضى بترك المجال للجيش الصهيوني كي يُلاحق المقاومين ، وقيام أجهزة عباس بمساعدته وتقديم المعلومات عن الناشطين عموماً ، مقابل استفادة رموز السلطة الفاسدة بالاستثمار الشخصي الآمن ، داخل الخط الأخضر وخارجه !

لقد دعا مجرم الحرب وقاتل الأسرى المصريين ، الصهيوني " بنيامين بن أليعازر " وزير البنية التحتية في الكيان الغاصب أكثر من مرة ، إلى إطلاق سراح البرغوثى ، مؤكداً أن البرغوثى وحده هو القادر على تغيير الصورة ، مع احترامه لأبي مازن وسلام فيّاض بوصفهما شخصين جيّدين من وجهة نظره ، ولكنه يبحث عمن يعقد معه صفقة !

ويبدو – كما يقول يهودا ليطانى في يديعوت 18 /5/2008م – إن القيادة الصهيونية توافق على إطلاق سراح مروان البرغوثى ، قبل ميعاد الترشح لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية الإدارية المحدودة بوقت كاف ، ضمن صفقة إطلاق سراح الأسير الصهيوني " جيلعاد شاليط " ، أو غيرها. لقد وافق نائب وزير الدفاع ، ما تان فلتائي بطل هولوكست غزة ، وإفرايم سينيه عضو الكنيست والوزير السابق ، وجدعون عزرا الوزير الحالي ، وهناك ما يُشبه الموافقة الضمنية من السفاح " أيهود باراك " وزير الحرب الصهيوينى .

ويعتقد الصهاينة بصفة عامة أن البرغوثى يؤيد من سجنه اتفاق سلام (؟) وهدوء بين الفلسطينيين والغزاة ، ويُشيرون إلى أنه بادر من سجنه إلى صياغة عدة اتفاقيات بوقف إطلاق النار مع العدو ، وفى الساحة الفلسطينية الداخلية بين فتح وحماس .

المنهج البراجماتى للغزاة اليهود ، يوازن بين المصالح والمنافع ، ويرى في إطلاق سلاح البرغوتى المحكوم عليه سجناً بعشرات السنين ( أضعاف عمره الخمسينى ) ، فائدة أكبر من بقائه داخل أربعة جدران ، فهو يملك شعبية كبيرة ، ويملك قدرة على أن يحول بين اليهود الغزاة وتحويل الضفة إلى قاعدة " إيرانية ؟ " قبالة القدس ومطار بن غويون وتل أبيب ! إذاً البرغوثى هو الوحيد القادر على منع سيطرة حماس على الضفة كما يقول " يهودا ليطانى " ، وأمن الصهاينة يتطلب تحريره من السجن !

ويبدو أن التلكؤ أو رفض التهدئة مع حماس من جانب الصهاينة ، أو وضع العراقيل في وجه الوساطة المصرية ، يهدف إلى كسب الوقت لإطلاق سراح " البرغوتى " والاستفادة من شعبيته في قلب موازين القوى داخل الضفة والقطاع ، وإن كان الحصار الصهيوني الشرس للشعب الفلسطينى عامة وغزة خاصة ، لن يُحقق هذا الحلم الصهيوني ، فقد تأكد العرب جميعاً ، باستثناء أقلية قليلة ، أن طريق الانبطاح أمام الإرادة الصهيونية والأمريكية لن يُنجز شيئاً على الأرض لصالح الفلسطينيين ، لدرجة أنه منذ أنا بوليس حتى الآن لم يُفتح معبر واحد ، ولم تتم إزالة حاجز واحد ، أو إزاحة ساتر ترابي واحد !

إن الأجيال الفلسطينية الجديدة تحت الحصار ، تؤمن بأن المقاومة هي الطريق إلى استعادة الحقوق والكرامة ، وقد فقدت هذه الأجيال الثقة في كل من :

1-  القيادة الفلسطينية الحالية ممثلة في فخامة الرئيس عباس ، وفاسدي فتح الذين تحوّلوا إلى مليونيرات وأغنياء ، ولم تعد تعنيهم الحرية ، ولكن يعنيهم الثراء ، وخاصة الثراء السريع الحرام عن طريق التماهى مع العدو .

2-  الدول العربية التي أصمت أذنيها عن عذاباتهم ، وراح بعضهم سرّاً وعلناً يسعى لكسب الودّ الصهيوني ، فهناك من يدعم الصهاينة بالغاز الرخيص جداً ويحرم شعبه منه ، وهناك من يغازلهم بالإشارات أو التطبيع أو الحلوى أو البقلاوة الدمشقية .

3-  الغرب الصليبي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة ، وقد كشف هذا الغرب القناع عن خداعه ومكره ، ومشاعره الحقيقية في احتفالات الصهاينة بمرور ستين عاماً على اغتصابهم لفلسطين ، حيث بدا بعض القادة الغربيين صهيونياً أكثر من الصهاينة ، وتلمودياً أكثر من أهل التلمود .

لذا فإن تغيير الوصيف ( البرغوثى ) بالرئيس ( عباس ) ، لن يُحدث تأثيراً كبيراً في الواقع الفلسطينى ، اللهم إلا المزيد من المقاومة وبذل التضحيات .

              

هامش :

الأصدقاء الفضلاء الذين سألوني عن بقية حلقات " الحزب المستحيل وفقه الاصطياد" التي توقفت مع تتابع لأحداث العربية والمحلية المؤسفة ، أقول لهم : قريبا - إن شاء الله - سنكملها ، وبعونه تعالي سننشرها ، وليثقوا أن صدر الموقع رحب للغاية ؛ وليس كما تصوروا ، أو كما يفعل أدعياء التنوير والتقدم الذين لا يحاورون إلا أنفسهم في وسائط مملوكة للأمة كلها وليست لهم وحدهم !