تشكيل الحكومة الامتحان الصعب
محسن المطراوي
ان ما سنخرج به هذه المرة هو درس جديد في الدكتاتورية والتمسك في السلطة والاذعان الى الارادة الخارجية .
بالامس القريب اطاحت الارادة الدولية بنظام صدام وسحل الرمز في شوارع بغداد وبدات تتقاذفه احذية الفقراء والمعدومين مع ان حظوظه بين الناس من المؤيدين تتجاوز 30 % وان الاصوات التي يحصل عليها في انتخابات مشابهة لانتخابات 2010 تتعدى الرقم 600 الف بكثير وكل ذلك لم يكن شفيعا له, ويبدو ان غرام السلطة يقودنا من جديد الى ذات المسرحية المذلة والمهينة .
واذا كنا نحمل من مشاعر الحزن والاسف على حكومة صدام فهي بفضل من التجربة الديمقراطية الحالية ( جرب غيرنا .. تعرف خيرنا) ودون الغوص في تفاصيل كثيرة يكفي ان نقول ان صدام دمر البلاد واودى بمئات العراقيين لكن الحكومة الحالية جاءت بتدخل اجنبي دمر البلاد واودى بملايين العراقيين وهجر الملايين منهم ولسنا ممن يدافع عن صدام لكن يكفي القول انه في ظل انخفاض اسعار النفط بنى شيئا واعاد الكهرباء وكانت في ظل الحصار هناك حصة تموينية مقبولة قياسا لمفرداتها اليوم ولم نرَ في عهده بعدد سراق اليوم وبالارقام المذهلة التي تهدر والتي وصلت على احد اعتراف اعضاء في الحكومة الى اكثر من 300 مليار دولار.
بعد كل هذا كانت مبررات القبول بالواقع والتوجه صوب الانتخابات امرا حتميا وما لم يستثمر الساسة هذه الفرصة لاستحصال رضا الجماهير عنهم فان ارادة الشعوب في التغيير قادمة وحالة الاستعصاء الحالية هي البذرة الاولى للثورة وحالة الغليان الحالية المتاثرة باجواء تموز شهر الثورات وانقطاع التيار الكهربائي اما ان تكون سلبية باتجاه الثورة الدامية او ايجابية باتجاه المفاوضات الواقعية والاستحقاق الانتخابي المقبل باتجاه التغيير وفي ظل هذه الخيارات نقول اننا نقترب من الحل ومن تشكيل الحكومة .
السيد مقتدى الصدر اقترب من السنة مع بداية المقاومة فافشل الاحتراب الطائفي المبكر الا ان توافق الاجندة الامريكية والايرانية ونجاح ايران في اختراق التيار الصدري ونجاح ايران في اختراق تنظيم القاعدة اسهم في اشعال الفتنة.
والسؤال المطروح هنا هل سيكون السيد مقتدى رسول السلام الجديد لانهاء ازمة تشكيل الحكومة؟
كيف تمكن الصدر من تجاوز حقول الالغام والخطوط الحمراء التي وضعتها ايران على العراقية؟
ان الاجابة على هذه الاسئلة تحدد طبيعة المفاوضات ومدى جديتها وبغض النظر عن نتائج هذه المفاوضات نقول ان حالة الاستعصاء الحالية ستجبر الجميع على التركيز على موضوع رئاسة الوزراء وتسمية بديل عن المالكي في حين يبقى التقسيم السابق لرئاسة البرلمان ومجلس الرئاسة بالمحاصصة السابقة . لكن ثمة مشكلة جديدة اثارها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وهي رئاسة مجلس القضاء والمجلس الاتحادي ما يستدعي من الفرقاء وضعها في الحسبان لاسيما بعد مشكلة الاراء التي صدرت عن مدحت المحمود والتي ستكون سابقة سيئة في تاريخه المهني كشف فيها عن انحياز هذه المؤسسة للحزب الحاكم وتسببها في تاخير تشكيل الحكومة وطعنها في قدرة العراقيين على الاستجابة للتجربة الديمقراطية. والتي تتطلب ان يكون مجلس القضاء منتخبا بالاجماع اي اجماع الكتل الاربعة ( علاوي- المالكي – الحكيم – الاكراد ) بغض النظر عن مشاركتها في الحكومة او اختيارها لصفوف المعارضة وضرورة النظر الى هذه المؤسسة كمؤسسة مستقلة .
اما رئاسة المجلس الاتحادي فلا يلوح في الافق اثراً لدورها في الوقت الراهن مع ان استعصاء التوافقات الحالية يمكن احالة التحكيم فيها قضائيا الى المحكمة الاتحادية او ربما سياسيا الى المجلس الاتحادي الذي يفضل ان يكون انتخابه كل ثمان سنوات لتفادي الفراغ الدستوري ويكون المجلس الاتحادي الحكم بين الفرقاء لتقريب وجهات النظر وحل العقد.
نقترب من نهاية المدة المحددة دون ان يتبلور مشروع حكومة مبني على عملية سياسية وعلى نتائج انتخابات ديمقراطية تعكس التحول في العراق وتعكس نجاح المشروع الامريكي في بناء الديمقراطية في العالم العربي.
حكومة تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتؤمن بالمشاركة السياسية والتعددية والمؤسساتية وتنبذ جميع اشكال التسلط والاستبداد.
في مفاوضات سوريا بين زعيم القائمة العراقية اياد علاوي وبين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كانت تتقد العيون املا في وضع نهاية للركود السياسي الذي يرافقه تردِ خطير في الامن ويرافقه قلق وتوتر مشوب بالحذر من وقوع كارثة احتراب جديدة لتمرير اجندة معينة ولكن على ما يبدو انها لن تكون اكثر من رسائل ابتزاز غير مسؤولة تسعى للدفع بالسيد المالكي الى التنازل عن رئاسة الوزراء للائتلاف الوطني الذي ضحى بالمنصب في الدورة السابقة لصالح حزب الدعوة الذي لم يكن يملك سوى 8 مقاعد ليستاثر بالسلطة والمؤسسات ويسخرها لحزبه الذي تمكن بمختلف الاساليب من الوصول الى التنافس وفي اعتقادي هذه الرسالة تعد الابلغ والاقوى والاكثر اغراءاً ذلك ان علاوي والصدر قطبين متنافرين وكان وجود الصدر بعيداً عن الحكيم في التفاوض مع العراقية ضمانة للسيد المالكي للاطمئنان على مسيرة التفاوض ,فيمكن القول ان المفاوضات الاخيرة اربكت موازين كثير فللمرة الاولى يبدي ائتلاف دولة القانون مرونة في تصريحات الاديب عن امكانية طرح مرشح بديل عن المالكي لتشكيل الحكومة ,مع انهم على استعداد للتخلي عنها والرجوع الى التعنت .
يبقى المشهد السياسي العراقي 2010 من أكثر المشاهد السياسية تعقيداً في المنطقة، منذ الصراع السياسي في الجزائر في الثمانينيات من القرن الماضي بين الإسلاميين والحزب الحاكم، بل نستطيع القول أنه لم يحدث أن شهدت أي من دول المنطقة طوال القرن العشرين مشهداً معقداً تداخلت وتضاربت فيه أجندات العديد من الدول القريبة والبعيدة كما يحدث اليوم في العراق. لكن يبدو أن الأحداث الحالية المعقدة ستتمخض عن ولادة حركات تحررية وطنية، تنهض بالعراق نهضة عملاقة لأن الحس الوطني والرغبة في التغيير والانطلاق تتولد عادة من ردود فعل على واقع مؤلم، ولهذا شواهد كثيرة لا مجال لذكر تفاصيلها كأغلب الثورات التحررية في العالم.
ولعل ما ذكرناه آنفاً يدعونا إلى القول أن بعضاً من سمات الحركات التحررية ينطبق على كتلة العراقية كون جل الذين صوتوا لها ينشدون التغيير، وإذا قسمنا حركات التحرر إلى ثورية وسلمية فإن كتلة العراقية تندرج بالتأكيد ضمن حركات التحرر السلمية، لكن يبقى الجزء الغائب في العراقية هو تطبيقها لشعارات التغيير بعد اجتيازها للامتحان الصعب في تشكيل الحكومة .
![]()