ذكرى احتلال العراق والرقص على الجراح

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

سكتت قاذفات القنابل العملاقة ,والتي كانت ترميها على بغداد في مثل هذا اليوم

إنها تزن اثنا عشر طنا

ترمي بها وتسبب هزات أرضية متتالية تصل إلى ثلاثة ونصف الدرجة على مقياس رختر

آلاف القتلى والجرحى والدمار في كل مكان

وتتجول العربات الأمريكية في شوارع بغداد

مع كل الألم الذي أحاط بنا والخوف  والدمار والمتفجرات التي تلقى في كل مكان

ومع احتلال العراق والسقوط إلى الهاوية في كل شيء

ولا أحد يرى بصيص نور في المستقبل القريب

مع هذا كله

مع الألم كله, والجروح العميقة, والجثث المتناثرة في كل مكان, من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى  الشرق

ولكن نفسي تناست كل ذلك

تناست حتى الذي حصل لي

تناست كل الجروح ولم تُنس

من كل ماسبق ,وما تبع ذلك من جروح وقتل وتدمير وتهجير

تبقى صورتين ماثلتين أمامي

كلما تذكرت العراق

عندما بقيت وحدي في البيت

كان لي صديق عراقي وهو جاري , وزوجته أصلها إيراني

وكنا على صداقة قوية أي صداقة أسرتين , وجارين متحابين

عزمني صديقي على الغذاء

وذهبت لتناول الطعام معهم

وما أن انتهينا من الطعام وأردنا شرب الشاي

ويهتف الناس إنهم الأمريكان في الفرع الذي نسكن فيه

يخرج هو وزوجته لخارج الدار يلوحون للأمريكان بالفرح والسرور ,وكأنهم جند العراق عائدون من المعركة بعد أن كان النصر حليفهم

ونادا علي تعالى ياأبو مصطفى وحيي الأمريكان

فلم اخرج وبعد فترة علمت أن الأمريكان قد ابتعدوا ,خرجت من البيت ولم أدخل ذلك البيت بعد ذلك أبدا

والصورة الأخرى في تلك الفترة

الجنودالأمريكان سكنوا مكانا يسمى المطبعة (مطبعة النقود في العامرية بغداد)

وكان الحرس يقف على الباب

وشاهدت سيارة صغيرة(تكسي)يقودها رجل وزوجته بجانبه, وطفل لهما لم يبلغ السادسة من عمره

وقفت السيارة عند الجنود الأمريكان , ونزل منها الأب والزوجة والولد

ومعه وردة حمراء قدمها للجندي الأمريكي وسلم الرجل وزوجته بحرارة كبيرة جدا وصافحواالجنود والضحك يعلو

والمصيبة أن المرأة محجبة حجابا شرعيا

وركبوا السيارة وهم يلوحون للأمريكان بالتحيه

هل وهم عشت فيه

هل ان الوضع طبيعي

وهل أملك درجة من الحساسية عالية حتى تبقى تلك الصورتين أمامي

أم هي بالفعل

قاسية وصعبة ومن الصعب النسيان

تلك هي مصيبتنا

نرقص على جراحنا ونحب عدونا ونكره بعضنا

تلك هي مصيبتنا

نحيي الظالم ونهتف له

وندوس على العادل واللعنة ترافقه

متى نصحوا من غفوتنا

متى نعلم عن حالنا

أننا بشر يملكون كرامة

متى نعرف أننا نحن من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم

وصحبه والتابعين التابعين

لن نجد لكرامتنا مكانا مالم نعرف أننا بشر

تلك هي مصيبتنا

سكتنا عن الحقوق

سكتنا عن الدفاع عنها

لنكون فريسة سهلة لكل مفترس مهما بلغ من جبن.