الرجال مواقف
محمد فاروق الإمام
[email protected]
من
قلب العاصمة باريس.. إحدى القلاع الداعمة للدولة العبرية.. أعلن رئيس وزراء تركيا
رجب طيب أردوغان أن (إسرائيل تشكل حاليا الخطر الرئيسي على السلام في الشرق
الأوسط)، وقال في مستهل زيارته إلى باريس: (إذا استخدم بلد قوة غير متكافئة في
فلسطين، في غزة، إذا استخدم قنابل فوسفورية فلن نقول له عافاك الله، بل نسأله كيف
أمكنه فعل ذلك).
وأضاف للصحافيين قبل غداء عمل
مع
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، (لقد حصل هجوم أوقع 1500 قتيل (في غزة) والدوافع
التي حكي عنها كانت أكاذيب)، مضيفا: (غولدستون يهودي وتقريره واضح) في إشارة إلى
القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون الذي انتدبته الأمم المتحدة للتحقيق في
الحرب على غزة ووضع تقريراً اتهم فيه الدولة العبرية بارتكاب جرائم حرب خلال هجومها
على القطاع
.
هذه
الدولة المارقة التي تم فرضها على المنطقة تحت مظلة الأمم والمتحدة وتآمر الغرب
الإمبريالي والشرق الماركسي على حساب اقتلاع شعب بأكمله من جذوره، باتت أحد المصادر
الأبرز خطورة في الشرق الأوسط وعدم استقراره وبالتالي تهديد العالم بأسره بمخاطر
اندلاع حرب عالمية ثالثة قد لا يكون السلاح النووي هو وحده الوسيلة التي قد يستعمل
في حال اشتعالها، والويل للعالم.. كل العالم من مصير لا يعرف إلا الله نتائجه، إن
لم يوقف هذه الدولة العنصرية عند حدودها ويلجم قادتها العنصريون الذين يتحدون
المجتمع الدولي بسيف أمريكا والغرب.
السيد أردوغان هو بحق ودون منازع رجل مواقف من الطراز الأول.. أثبت وفي مناسبات
كثيرة أنه رجل يتمتع بشجاعة يندر مثيلها في العالم الإسلامي حاليا، وهي شجاعة
مسؤولة، تعكس ضميراً حياً، وموقفاً إنسانيا عزَّ نظيره في عالم اليوم، الأمر الذي
جعله موضع احترام وتقدير مليار ونيف من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وحيثما
صدح النداء الخالد (الله أكبر.. الله أكبر). فرئيس الوزراء التركي لم يتهيب من قول
الحق في باريس إحدى عواصم هيمنة اللوبي الصهيوني وسيطرة المال الصهيوني والإعلام
الصهيوني واليمين المسيحي المتصهين المعادي للإسلام والمسلمين.
أردوغان هو الوحيد الذي يتحدث في كل مناسبة عن المجازر الصهيونية في قطاع غزة،
واستخدام جيشها الفوسفور
الأبيض لحرق جثث الأطفال والمدنيين، وهو الوحيد الذي يدين صمت العالم على هذه
المجازر الوحشية التي فاقت ما قامت به النازية والفاشية في القرن العشرين.
أحاديث أردوغان
ومواقفه هذه التي عبر عنها في عشاء خاص، جمعه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي،
المعروف بانحيازه الكامل إلى الدولة العبرية والذي حل في الإليزيه بدعم من
الصهاينة، وجاءت مواقف أردوغان هذه تعقيباً على الحملة التي قادها أحمق الدولة
العبرية ووزير خارجيتها ليبرمان الذي شبه أردوغان
بالزعيمين الليبي معمر القذافي والفنزويلي هوغو تشافيز، وأنهاها نتنياهو بالتعبير
عن
أسفه لما سمّاه بالهجمات التركية المتكررة على إسرائيل.
إن
المقاربة التي تنطّع بها ليبرمان بتشبيه أردوغان بالقذافي وتشافيز تؤكد إلى أي درك
من الحماقة وصل إليها وزير خارجية الدولة العبرية وخروجه عن كل الأعراف الدبلوماسية
والأخلاقية بالتطاول على زعماء عرب ومسلمين، وقادة تحدوا الغطرسة الأمريكية ووقفوا
في مواجهة هيمنتها على دول أمريكا اللاتينية.
كنا
نتمنى أن تكون للعرب مواقف كمواقف أردوغان من جرائم الدولة العبرية وما يقترفه
مجرموها بحق أهلنا في فلسطين المحتلة، وملاحقة قتلتها للمناضلين الفلسطينيين في
مجمل ساحات دول العالم دون تهيب أو احترام لسيادة أي دولة!!
كان
باستطاعة السيد أردوغان الذي كانت بلاده حتى الأمس القريب تقيم علاقات
قوية مع الدولة العبرية، أن لا يكون عربياً أكثر من العرب ولا فلسطينياً أكثر من
الفلسطينيين، ولكنه تصرف بأخلاقه، وانطلق من قيم الإسلام العريقة، وتراث الشعب
التركي الحافل بماضيه المشرق في الدفاع عن الأمة الإسلامية وعقيدتها.
ما
يميز أردوغان عن العديد من الزعماء العرب والمسلمين أنه اعتلى سدة الحكم في أنقرة
عبر
صناديق الاقتراع الحرة النزيهة والشفافة، وعلى نصاعة اليد غير الملوثة لا بدم ولا
مال، وعلى أرضية اقتصادية وديمقراطية قوية، في حين وصل الآخرون إلى الحكم على ظهر
دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني، أو عبر انتخابات هزيلة مزورة.. استمرؤوا
الجلوس في كرسي الحكم على أرضية الفساد والقمع ونهب
المال العام.