الحل العربي الأقل كلفة من الصلح مع إسرائيل
الطاهر إبراهيم *
مؤتمرات القمة التي يجتمع فيها القادة العرب سنويا بشكل دوري غير فاعلة وغير مجدية. فهؤلاء القادة يخدعون الشعوب ويضيفون لأنفسهم ما لا يفعلون ولا يستطيعون، إذ يزعمون أن هذه القمم ستخرج بحلول لمشاكل العرب ولقضية فلسطين. بينما في الحقيقة هم يتكئون على واشنطن في وعود تزعم فيها أنها ستضغط على إسرائيل لعقد صفقة سلام تنهي نزاع العرب وإسرائيل بدون حرب.
بعض الأنظمة العربية مستعدة للموافقة على الصفقة من دون قيد أو شرط حتى وهي تدرك عبثية الحل السلمي.كما يقال أن بعض الأنظمة وعدت بتغطية تكاليف الحل السلمي المالية. وهذه التكاليف أهون عندها من الدخول في مواجهة مع إسرائيل، وهي لم توطن نفسها على خوض حرب معها. بعض الأنظمة الأخرى وعدت بتحمل تكاليف الحل السلمي السياسية، فهي مستعدة لقمع شعوبها التي تعارض حلا سلميا يفرّط بالحقوق. منظرو الأنظمة هؤلاء وأولئك يبادرون فيستشهدون بشعر "زهير بن أبي سلمى":
وما الحرب إلا ما عرفتم وذقتمو (في 48 و67 و 73) وما هو عنها بالحديث المرجّم.
أنظمة الاعتدال العربي ليست وحدها من يبشر بالحل السلمي. فالدول "المقامعة" (المقاومة -الممانعة) هي الأخرى لا تضع في حسابها المواجهة مع إسرائيل، وأقصى ما تفعله هذه الأنظمة أن تزايد في إعلامها على أنظمة الاعتدال. فهي -مثل تلك- قد ألقت السلاح. وإلا لأخذ الجميع –المعتدلون والمقامعون- احتياطاتهم للحرب مع إسرائيل.
ربما تقتضي الحكمة أن لا نطالب الدول العربية إعلان النفير العام في ظل التشرذم العربي الذي يعبر عنه المثل العامي "ربي أسألك نفسي". فلو أُعلِنت الحرب وهي غير مستعدة لها، فسنجد أنفسنا نقطف ثمار هزيمة أخرى كهزيمتي 1967 و 1973. ومن دون الدخول في جدل بيزنطي عما إذا كانت حرب عام 1973 انتهت بنصر أم بهزيمة. ( على الجانب المصري، ما تزال ثغرة "الدفرسوار" ماثلة للعيان عندما عبَرَ الجنرال "أرييل شارون" قناة السويس من تلك الثغرة إلى ضفة القناة الغربية، وأصبح الطريق أمامه مفتوحا إلى القاهرة. أما على الجانب السوري فقد انتهت الحرب باستيلاء إسرائيل على بضع وعشرين قرية أخرى، إضافة إلى ما خسرته سورية في حرب 1967 ..كنت شاهد عيان) .
قد يبدو من الكلام أعلاه أننا نحن أيضا من أنصار المصالحة مع إسرائيل. لذا لا بد لنا من توضيح ما أردناه بكلامنا آنفا.
فإسرائيل الحالية لم تعد هي إسرائيل التي كانت في عهد (بن غوريون وموشي ديان). ربما كان "أرييل شارون" المرمي جثة هامدة تحت رحمة أجهزة الإنعاش في غرفة العناية الفائقة هو آخر صقور العسكر الإسرائيلي.
فرغم ما تتبجح به إسرائيل عندما تصف جيشها بأنه الجيش الذي لا يقهر، فقد ذاق حكام إسرائيل من (كاديما وليكود) الأمرّين في حروبهم مع حزب الله وحماس.
ففي جنوب لبنان في صيف عام 2006 اضطر جيش إسرائيل "الذي لايقهر" للانكفاء جنوبا تحت غطاء القرار رقم 1701 الذي تم تبنيه من قبل مجلس الأمن في 12 آب "أغسطس" عام 2006، ليستر عجز إسرائيل عن تحقيق أي مكاسب لها على الأرض.
وربما كان عجز "تل أبيب" عن تحقيق أي مكاسب لها في حربها ضد حماس في شتاء عام 2009 هو أكثر وضوحا. فمع أنه لم يكن لدى حماس صواريخ كصواريخ حزب الله بعيدة المدى التي تطاول أبعد المواقع في فلسطين المحتلة. ولم يكن لها العمق الاستراتيجي الذي توفره سورية لقوات حزب الله الخلفية فتمده بالأسلحة والتمويل والتموين الآتية من إيران. وحتى إمدادات الطعام والدواء كادت تقطع عن غزة بعد أن أمعن النظام المصري في حصاره لغزة وحماس. ومع كل هذه المعوقات، فقد شاهد العالم صمود غزة رغم إمكانات حماس المتواضعة في وجه آلة القتل الصهيونية وكأن أهل غزة لا يخافون الموت. ما دعا الاستراتيجيين العسكريين في العالم كي يضعوا ألف إشارة استفهام وتعجب حول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
إذا كان هذا هو الواقع الذي تتردى فيه إسرائيل يوما بعد آخر، وهي آخذة في التقهقر أكثر فأكثر، فلماذا لا يقلب القادة العرب الطاولة على واقعهم المهترئ، ويفكرون بحل ينقذ ماء وجوههم ويستر تخاذلهم، ويوقفون انزلاقهم في هاوية العجز أكثر فأكثر؟
هذا الحل يُختصر في أمرين: الأول وضع المساعي الأمريكية الخادعة وراء ظهورهم، إن كان لا بد من تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. لأن الحل الذي يحفظ ماء وجه العرب لا وجود له عند واشنطن إلا وفق ما ترضي إسرائيل. أما الأمر الثاني، فيتمثل بدعم صمود الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
فإذا حصل وتجرأ العرب على رفض وساطة واشنطن المنحازة، فإنهم يسحبون البساط من تحت إسرائيل، ويسقطون أهم الذرائع التي تبتزهم بها واشنطن، وهي الزعم بأنها تضغط على إسرائيل لتوافق على قيام دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين. وعلى كل حال فإن تل أبيب لن تستجيب لواشنطن إذا وجدتها جادة في مساعيها.
وعندما يقتنع العرب بتوظيف أموالهم في دعم صمود الفلسطينيين على الأرض في مواجهة محاولات إسرائيل اقتلاعهم من أرضهم فإن عليهم في هذه الحالة التأكد من أن الدعم المالي لن يذهب إلى جيوب "بارونات" الفساد في سلطة الحكم الذاتي في رام الله الذين ينهبون أكثر من 95% من أموال الدعم التي تقدمها الدول العربية المانحة للفلسطينيين.
فلو تبنى القادة العرب هذا الحل البسيط بشقيه، فإن ذلك سيزيد في مقدرة الفلسطينيين على الصمود أكثر فأكثر. ومن جهة أخرى فربما يرغم واشنطن –بعد أن تتأكد أن العرب جادين في مواقفهم- كي تفكر بجدية بمعالجة القضية بعيدا عن ابتزاز إسرائيل، وتعترف بحقوق الفلسطينيين على أرضهم، وعندها لكل حادث حديث.
أما القمم العربية والمبادرات التي تطرح فيها، فهي مبادرات لا ترقى إلى مستوى التفكير
وكم كان أمير قطر الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" صادقا في تعبيره عندما اعترف أثناء انعقاد القمة في 27 شهر آذار2010 في "سرت" في ليبيا قائلا: " خلال رئاستي لمؤتمر القمة على مدى عام كامل لم أقدم أي إضافة. وأي دولة تستضيف القمة مستقبلا لن تستطيع هي الأخرى أن تقدم شيئا مفيدا لفلسطين"؟... وهذه شهادة شاهد من أهلها.
وكيف يستطيع القادة العرب تقديم شيء لفلسطين وهم قد اختاروا السلام مع إسرائيل كخيار استراتيجي ووحيد وأسقطوا سلاح المقاومة من أجندة مؤتمرات القمة ومن أجنداتهم كحكام من دون مقابل من واشنطن وتل أبيب؟فهل يدرك ملوك العرب ورؤساؤهم أن القمم العربية التي دأبوا على عقدها سنويا، لا تسمن ولا تغني من جوع، وأنها ضحك على ذقون الشعوب العربية؟
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.