ذاهبون إلى انابوليس

ذاهبون إلى انابوليس

 بدون شريك سلام إسرائيلي 

جميل السلحوت

[email protected]

لا يحتاج المرء الى كثير من الذكاء ليعرف ان دعوة الرئيس الامريكي لمؤتمر انابوليس هي محاولة منه للخروج من الأزمات السياسية التي يعيشها ، والتي اوقع بلاده فيها في غزوه واحتلاله لأفغانستان والعراق ، ومحاولاته التدخل في بؤر صراع مثل اقليم دارفور السوداني ، ولبنان وغيرها .

واذا كانت الادارة الامريكية قد أدركت فعلا أن الصراع العربي الاسرائيلي وعدم حل المشكلة الفلسطينية هو لبّ الصراعات في الشرق الاوسط ، هذه الصراعات التي لها تأثير على مجمل السلم العالمي ، فإنها كما يبدو لم تدرك حتى الآن أن دعمها وانحيازها اللامحدودين لسياسة اسرائيل الاحتلالية العدوانية هو الذي يقف سدّا منيعا في تحقيق السلام في هذه المنطقة .

وواضح ان ايهود اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية هو من أضعف ان لم يكن الأضعف في رؤساء الحكومات الاسرائيلية الذين تعاقبوا على دفة الحكم في اسرائيل. وأن حكومته ايضا حكومة ضعيفة تقوم على تحالف هشّ مع احزاب يمينية متطرفة، تقوم برامجها السياسية على التوسع الاحتلالي ، ومعاداة اي توجه سلمي والتنكر الكامل للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة .

وحكومة ايهود اولمرت تثبت يوميا انها ذاهبة لمؤتمر أنابوليس المزمع عقدة في السابع والعشرين من الشهر الحالي من باب رفع العتب لا اكثر . فكل التصريحات الصادرة عن المسؤولين الاسرائيليين تحث على عدم التفاؤل بنتائج ايجابية قد تصدر عن المؤتمر . وهم ذاهبون للمؤتمر غير جاهزين لتقديم أي تنازلات قد تساهم في حل الصراع الذي طال أمده . بل هم يسعون الى تطييع العلاقات مع الدول العربية في ظل استمرار احتلالهم لأراضي الدولة الفلسطينية العتيدة ومرتفعات الجولان السورية ، ومزارع شبعا اللبنانية . وما حضورهم للمؤتمر الا استمرار للسياسة الاسرائيلية المعروفة بإجادة فن ادارة الصراع ليوهموا الرأي العام العالمي انهم دعاة سلام .

واولمرت ذاهب الى المؤتمر وهو مسلح بلاءات شهيرة مثل : لا للانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة عام 1967 ، ولا لعودة الاجئين الفلسطينيين ، ولا لتفكيك المستوطنات ، وغيرها .

وهو يطبق مقولة اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق عندما ضغط عليه الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الأب لحضور مؤتمر مدريد عام 1991 والقائلة " بأنه سيفاوض العرب عشرات السنين دون ان يعطيهم شيئا " واولمرت يذهب للمؤتمر وسياسة حكومته على ارض الواقع تمنع أي تحقيق للسلام العادل والشامل مستقبلا ايضا ، فالبناء الاستيطاني لم يتوقف يوما ، ومصادرة الاراضي العربية مستمرة ، وبناء جدار التوسع الاحتلالي الصهيوني الاسرائيلي مستمر ايضا ، والحواجز العسكرية الاحتلالية الاسرائيلية التي تزيد على الخمسمائة حاجز تمزق احشاء الضفة الغربية ، وتجعل من الشعب الفلسطيني في هذه الاراضي سجناء ورهائن جيوب منعزلة ومحاصرة ، وقطاع غزة  يعيش حصارا تجويعيا محكما على حوالي مليون وربع المليون فلسطيني .

والاجتياحات الاسرائيلية لمناطق في قطاع غزة والضفة الغربية تكاد تكون شبه يومية ، واحتجاز اكثر من عشرة آلاف فلسطيني وعربي في السجون في ظروف حياتية مأساوية بينهم نساء واطفال وبينهم شيوخ مضى على سجنهم اكثر من ثلاثين عاما ،اضافات الى الاعتقالات المستمرة. والحفريات لااسرائيلية تحت المسجد الاقصى وفي رواقه مستمرة ايضا .

وبما ان الرئيس الامريكي صرح سابقا بأن هناك حقائق على الارض لا يمكن تجاهلها في الحلول السلمية ، ويقصد بذلك المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية ، فإن حكومة اولمرت كسابقاتها معنية بمواصلة البناء الاستيطاني ورفدها بآلاف المستوطنين سنويا لعمل توازن ديمغرافي مع ابناء الشعب الفلسطيني لفرض هذه الحقائق كسياسة أمر واقع ، خصوصا وان الضغوطات السياسية والاقتصادية الهائلة التي تمارسها اسرائيل تدفع الى هجرة الاف الفلسطينيين من الاراضي المحتلة بحثا عن الأمن الشخصي والأمن الغذائي .

والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو : هل حقا ان الرئيس الامريكي معني بحل عادل وشامل للصراع العربي الاسرائيلي خصوصا وانه الرئيس الامريكي الاكثر مزايدة في دعم اسرائيل وسسياساتها التوسعية العدوانية ؟؟

فمعروف ان الادارة الامريكية هي التي تملك ادوات الضغط الفاعلة لاجبار اسرائيل على الرضوخ لمتطلبات السلام ، لكن الدلائل تشير الى عكس ذلك لأن الرئيس الامريكي الحالي  الذي يزعم بأنه يتلقى اوامره من الرب يؤمن بضرورة قيام مملكة اسرائيل الكبرى ايذانا بعودة المسيح المنتظر، كما ان الحكومة الاسرائيلية الحالية غير معنية بانهاء الصراع قبل تنفيذ المشروع الصهيوني طويل المدى القائم على التوسع والاحتلال . وهكذا فإن العرب ذاهبون الى أنابوليس في ظل عدم وجود شريك اسرائيلي معني بالسلام .