وقفات مع الخدمة الإلزامية في سوريا-5

وقفات مع الخدمة الإلزامية في سوريا

-5-

د.خالد الأحمد *

خدمة العلم نعني بها الخدمة العسكريـة الإلزاميــة ، المفروضة على كل مواطن سوري ( ذكر ) إذا بلغ الثامنة عشرة من العمر ....

ذكرت في الحلقة الأولى التربية العسكرية ، ومكانتها في المجتمع المسلم ، وعرضت في الحلقة الثانية مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) كما درستها في المرحلة الثانوية ، وذلك في دار المعلمين بحمص ( 1962 – 1965 م) ، ولابد من التنوية بأن مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) تمهيد للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا ، ثم تطرقت إلى لمحة تاريخية للخدمة الإلزامية في سوريا وسوف أستمر في هذه الحلقة بعرض صور معاصرة للخدمة العسكرية الالزامية في النظام الأسدي  ...

الســخرة لصالح الضباط الكبار :

كثير من الضباط الكبار في الجيش ( العقائدي ) الأسدي ،لهم مشاريع ضخمة مثل مزارع البرتقال ، أو الزيتون ، التي يعمل فيها عشرات المجندين ، طوال مدة خدمتهم الإلزاميـة ، وفي هذه المشاريع يقام فيها مبانـي حديدها وإسمنتها من مستودعات الجيش السوري ، وعمالها ( النجار والحداد والباطنجي والبلاط والسباك والكهربائي ....)من مجندي الخدمة الإلزامية في الجيش العقائدي الأسدي ...

وكثير من الضباط الكبار استصلحوا أراضي وعـرة مليئـة بالحجارة البازلتيـة السوداء في أماكن انتشار وحداتهم ، والأراضي فيها أملاك للدولـة ، والضباط الكبار هم أرباب الدولة ، والدولة لهم ، والمجندون عمال يخدمونهم ( ســخرة ) ، وأقاموا في هذه المناطق الوعرة مزارع لأشجار الفاكهة ، في أرض بكـر بازلتيـة خصبـة ...

إجـازات وهـدايــا :

أما الضباط الصغار ، فيرسلون أفراداً من وحداتهم في إجازات يقضونها بين أسرهم وذويهم ، ويعود المجند محملاً بالهدايا مثل [ تنكة سـمن عربي ثمنها بضعة آلاف ليرة سورية] ، أو خروف ( أيضاً ثمنه بضعة آلاف ) يذبحـه المجند في ريف حماة أو ريف حمص أو حوران ، وينظفه ، ويضعه في ( الفريزر ) بضع ساعات كي يجمد ، ثم يسافر بـه إلى بيت الضابط مباشرة في دمشق أو حولها ، كي يدخله ثلاجـة منزل الضابط الصغير ... أو ( تنكة جبن عربي من حماة أو حمص يصل ثمنها بضعة آلاف ليرة سورية ) ، والضابط الصغير يوزع هذه الخيرات على أقاربه المقربين ، وقد يبيع بعضها ، أو يقايض بها على مواد تموينية أخرى ، وفي النهاية يعيش هذا الضابط الصغير وأقاربه حياة مرفهة على خيرات سوريا الطبيعية مجاناً على حساب المجندين الفقراء ، الذين يستدينون في بعض الحالات لشراء ( الهديـة ) للضابط الصغير ....

ولمـا صارت ( الهدايـا ) أو ( الأتاوات ) ملازمـة للإجازات ، نقصت رغبة المجندين في طلب الإجازات ، ليخففوا عن أسرهم مشقة وعبء توفير المال لشراء هذه الهدايا الأتاوات ....حتى صار الضباط الصغار يدفعون المجندين ويحثونهم على هذه الإجازات ...

وحدثني أكثر من شخص أن الضابط فلان أرسل وراء العسكري فلان وقال : لِمَ لاتطلب إجازة ؟ ماعندك أم وأب ؟ فيرتبك العسكري الفقير ويحار في الجواب حتى يسبقه الضابط ويقول : لاتبخل علينا يكفي خروف واحد فقط هاته معك مذبوح ومنظف (( ثمن الخروف الواحد ( 2000 ـ 4000) ليرة سورية (40 ـ 80 ) دولار . وقد يكون دخل والد هذا العسكري لايزيد عن ثمن الخروف الواحد في الشهر الواحد )).

مصيبـة السـائق :

أما السائق في الخدمة العسكرية ، فصار مكلفاً بإصلاح سيارته العسكرية التي يعمل عيلها في الوحدة ، يصلحها في ورشـة مدنيـة ويدفع أجرة الإصلاح ، وثمن قطع الغيار من جيب والده المسكين ، حيث صار الضابط الكبير يبيـع قطع الغيار المخصصة لورشات الإصلاح العسكرية ، وتبقى هذه الورشات بدون عمل حقيقي ...

هذه بعض صور من المأساة في واقع الخدمة العسكرية الإلزامية المعاصرة ، كما هي في الجيش الأسدي ، وسوف أعرض في الحلقة القادمة البـدل النقـدي كما هو اليوم . 

               

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية