الشّوكُ والمُرّار
صالح أحمد
ألا يا غادين مني على بطن ظامر |
وتسبق صف الصافنات وطار |
سووها ولاد الخاطي وصارت |
وعجتها خشت عليّ الدار |
باجي تدبرها وباجي تديرها |
بدبرها وصعبت التدبار |
بديرها على السهل ترجع على الجبل |
أنا عبتطني الشوك والمرار |
بقينا بخير يا رغد عيشنا |
نضحك ونلعب عايشين أحرار |
نذبح ذبايحنا ونقري ضيوفنا |
وكاس الهنا ما بينا دوار |
إن جيت يا طير على يافا سريعا بلا بطا |
إن جيت لصحابها عزيزين الجار |
من شقت العمود تسمع لجرنا |
مهباشنا يعزم على الخطار |
بعض من كلمات فلاح فلسطيني مسن قالها في الأيام الأولى لنكبة فلسطين 48 ؛ وفي قلبه "شوك ومرار " وصدمة تكررت بقسوة في النكسة عام 67. (نقلا عن موقع الأديبة –ربيحة علان / من مخيم الجلزون فلها الشكر والتقدير)
وهنا اقول: ما الذي تغيّر فينا؟ وما الذي تغيّر فيهم؟
لقد جاؤوا إلى بلادنا مشبعين بفكرتين أساسيتين:
الأولى: "أنت قوي مادام خصمك ضعيف..."
وأما الثانية: إن أسهل الطرق لتدمير حضارة أو إبادة شعب، ان تقنعه بأنك البديل الأفضل له. وهي الملخص الذكي الذي استوحوه من كل فكر الاستشراق، وهي –بكلمات أخرى الفلسفة التي انطلق منها الاستعمار والمستشرقون، والهدف: إقناع الشرق بأن دوره قد انتهى، وأن حضارته قد نفد تاريخها ، ومات تأثيرها، وبات من المستحيل إحياؤها، وأنها أصلا لم تكن ذات نفع، وان البديل هو الحضارة الغربية القادمة إليه، والتي من مصلحته أن يستقبلها بالترحاب.
وسنتركز اليوم في الفكرة الأولى: والتي مهد لها الغرب المجرم تمهيدا فظيعا ومدروسا بقوة. إذ عمل من خلال الاستعمار بكل أشكاله : عسكريا وسياسيا وفكريا وحضاريا... على تجريد الانسان العربي من قوته وعلى جميع الأصعدة.. وكان الاستشراق أحد اذرع الاستعمار. بل الممهد لكل أعماله.
اليهود جاؤوا مشبعين بهذه الأفكار، مهيئين لإكمال ما بدأه الاستعمار الغربي المجرم.. فهم أبناؤه... والمتابع للتاريخ يجد أن رؤوس الفكر الصهيوني هم من مدرسة الغرب الاستعماري... وأنهم قد تلقوا الملف جاهزا ، وما كان عليهم إلا أن يكملوا المشوار بطريقتهم.
درس اليهود ما تلقوه من تقارير الاستعمار البريطاني ، وفهموا أن حياة الانسان العربي أرضه. لذلك جاء تركيزهم على الأرض. سلب الأرض بكل وسيلة كان الهدف. وقد ترك الانجليز البلاد مهيأة، إذ جردوا أهلها من كل أسباب القوة، ثقافيا، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وعسكريا... فقد جردوا الانسان العربي من أبسط حقوقه... وسمحوا لأنفسهم بمنح أرضه وبلاده لليهود، وتحت مظلة كل الأجهزة والمؤسسات الدولية، والتي لم تكن يوما، ولن تكون؛ إلا لخدمة مصالح الغرب..
وهكذا: دخل المحتل اليهودي البلاد بنفسية القوي، فهو يملك المال، والسلاح والدعم السياسي والعسكري والمعنوي من الغرب... مقابل الانسان العربي الذي جرّد من كل شيء! سوى حبه لأرضه ووطنه، وروحه وجسده.. يدافع بها عما يحب.
فما الذي تغير اليوم؟ ما الذي تغيّر فينا، وما الذي تغيّر فيهم؟ لا شيء، المعادلة ما زالت نفس المعادلة: قوي يتجبر، لأنه على قناعة تامة بضعف خصمه! وعلى جميع الأصعدة، وعلى مستوى العالم العربي والإسلامي كله.
وما دمنا في أجواء يوم الأرض، والذي لم يأت إلا من تبعات نفس المنطق: "كن قويا تأخذ ما تريد" لذلك، كان استعراض القوى يوم الأرض، غزو لقرى آمنة بكل أنواع الأسلحة المرهبة... وتمهيد لذلك، بإضعاف صلة الفلاح العربي بأرضه، وتعلقه بما تتيح له من مصادر رزق هي أوفر له واثبت. وممارسة كل الوسائل للإبقاء على الإنسان العربي ضعيفا، ولزيادة ضعفه، يجب التركيز على إضعاف صلته بالأرض، وخاصة الزراعية منها .
والخارطة تشهد:
لقد تمكنوا من القضاء على الثروة الحيوانية بتحريش المراعي، والتضييق على المزارع العربي.
كما تمكنوا من تضييق مساحة الأرض المفتلحة، بتحديد إمكانيات الزراعة، والتحكم بالأسواق، وقبل كل ذلك؛ التحكم بالمياه.
تضييق المناطق السكنية، وفتح إمكانية تبادل الأراضي (تبديل أرض زراعية بأرض للبناء) الفخ الذي وقع فيه الكثيرون من أهلنا بكل براءة وسذاجة، فقاموا بتبديل عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية ببضعة أمتار في منطقة البناء (المسموح والمرخص).
فتح باب العمل للمواطن العربي، ومعه باب الانفتاح العمراني الاستهلاكي، الذي يجعل الشاب العربي يتخلى عن حياة البساطة والقناعة... ويطمح الى التطاول بالعمران، والتمادي بأسباب الرفاه الشكلية والمادية والمظهرية... متنازلا في سبيل ذلك عن الكثير الكثير!!
إغراء البعض من ضعاف النفوس بالمال لشراء الأراضي لحساب اليهود. بعد رفع ثمنها الى مستوى مغرٍ بالطبع.
بالمقابل ماذا فعلنا نحن كعرب:
هل أقمنا التعاونيات الإقتصادية للنهوض بالاقتصاد الذاتي؟
هل أقمنا التعاونيات الزراعية للنهوض بالزراعة العربية ورفع المستوى الإنتاجي والتسويقي للزراعتنا؟
هل أقمنا الشركات الاستثمارية لتعهد البناء للشباب وخلق مناخ عمراني ملائم لهم.
هل وضعنا خططا عملية، وجدولة زمنية، لتحسين البنى التحتية لبلداننا.
هل وضعنا خططا مدروسة لتوحيد الأراضي الزراعية في مخطط استثماري نهضوي يخدم الجميع، ويكفل تحسين المرافق والخدمات.
هل وضعنا خططا للنهوض بالمناظق الصناعية في بلداننا؟
هل وضعنا خططا للتوعية الثقافية، السياسية، الحضارية، الاجتماعية، الاقتصادية... لشبابنا ؟
هل وضعنا خططا لبناء مراكز خدماتية حيوية للمواطن العربي . وصولا إلى المجتمع العصامي الذي يمتلك الكفاية الذاتية؟
كل ما فعلناه يا سادتي: أننا أقمنا المهرجانات، وأتعبنا حناجرنا بالخطابات والهتافات، ونفخنا أنفسنا بشوفانية لا رصيد لها... مكررين أنفسنا بلا طائل، وكأننا وأفعالنا نسخ كربونية .
يا سادتي... إن لم نفعل ما يجب –إن لم نتغير لنغيّر فنحن لا نعي واجبنا، بل ونساهم في إضعاف أنفسنا، وتقوية خصمنا...