وفي الليلة الظلماء
جميل السلحوت
[email protected]
تمر
هذه الايام الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس ياسر عرفات ، ومع ان ملابسات رحيله
تحرك في القلب مرارة وغصة لا تنمحي، الا ان التاريخ سيسجل سيرة الرجل بماء الذهب
لما قدمه لشعبه وأمته كونه افنى عمره في خدمتهما .
واذا كان من يسيرون في الليالي المظلمة يفتقدون القمر البدر ، فإن الانشقاق الذي
تعيشه الساحة الفلسطينية والترهل الذي تعيشه حركة فتح العامود الفقري للحركة
الوطنية الفلسطينية ، تجعل كل فلسطيني يفتقد الرئيس الراحل ، الذي كان يمتلك قدرة
عجيبة في حسم الأمور وقبر الفتن والخلافات في مهدها .
والراحل ياسر عرفات لا يفتقد على الساحة المحلية فقط ، بل على الساحتين
الاقليمية والدولية ، كونه القائد الذي حظي بما يشبه الاجماع من قبل شعبه وأمته ،
خصوصا وانه شخصية لن تتكرر في المنظور القريب . وسيندم خصومه واعداؤه ومن تآمروا
عليه ، ومن دسوا له السم كونهم لم يعرفوا قدر الرجل ، فهو الوحيد الذي كان قادرا
على تحقيق السلام العادل الدائم في المنطقة ، من خلال تقديم تنازلات مؤلمة من دون
التفريط بحقوق شعبه . وهو الوحيد الذي كان قادرا على رص شعبه في خندق واحد لخوض
معركة السلام ، تماما مثلما وحده في خوض معركة النضال ، وهذا ما لم يرق لأعداء
السلام العادل في المنطقة سواء من الطرف الآخر ، او من القوى المؤثرة في الساحة
العالمية ، فالطرف الآخر غير المؤهل وغير المستعد للسلام العادل رأى خطورة في
التوجه السلمي لياسر عرفات اكثر من رؤيتهم لخطورته في ساحة النضال ، لذا
فإنهم رأوا فيه عدوا حقيقا يجب الخلاص منه ، وهذا ما كان.
أما
القوى المؤثرة وفي مقدمتها القوة الأعظم فقد انساقت ونتيجة لانحيازها الاعمى الى
الطرف الاخر خلف الطروحات والرؤى العمياء لهذا الطرف فتساوقت معه للخلاص من ياسر
عرفات.
وواضح ان قوى المعارضة الفلسطينية لياسر عرفات والقوى المعادية له لم يعرفوا
قدر الرجل الا بعد رحيله .
وبما ان الحياة ليست مخلدة لأحد ، وان مصائر الشعوب ليست حكرا على انسان بعينه ،
فإن الشعب الذي انجب ياسر عرفات هو نفس الشعب الذي انجب خليفته محمود
عباس شريك ياسر عرفات في تأسيس حركة فتح .... وفي قيادة النضال الوطني
المعاصر للشعب الفلسطيني وها هو الرئيس محمود عباس يخوض معركة السلام ...
رغم الانشقاق في الساحة المحلية الناتج عن انقلاب غزة .... ورغم التصريحات الرعناء
لبعض قادة الانقلاب بتمرير انقلاب آخر في الضفة الغربية ، هذا الانقلاب الذي لا
يبرره الفساد الموجود في مؤسسات السلطة ... وهذا العناد الذي هو نتيجة حتمية لوجود
الاحتلال على مناطق السلطة. ومن يعتبر قطاع غزة أو مناطق " أ " في الضفة الغربية
محررة فهو واهم ولا يعيش الواقع ... وما فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية الا تنفيذ
لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يلبي طموحات المتطرفين الاسرائيليين الذين يرون
قيام دولة فلسطينية في قطاع غزة تمتد الى سيناء ... وابقاء الضفة الغربية نهبا
للاستيطان ... سواء اراد الانقلابيون ذلك بحسن نية او غيرها ؟؟؟ فالأمور تقاس
بنتائجها . ولا يفهم من هذا الكلام الدفاع عن الفساد و المفسدين ... فمظاهر الفساد
يجب ان تحارب وان يقضى عليها بالوسائل السلمية .
وما
النهج السلمي الذي يسير فيه الرئيس محمود عباس الا قراءة موضوعية للواقع
المحلي والاقليمي والدولي ... وهذا ما تجمع عليه كافة اطياف الشعب الفلسطيني
السياسة التي أوكلت مهمة التفاوض الى مؤسسة الرئاسة والى منظمة التحرير الفلسطينية
التي يرأسها محمود عباس .وبما ان الرئيس الامريكي جورج بوش الابن المنحاز
بشكل اعمى الى اسرائيل والذي قاد بلاده الى حروب خاسرة في افغانستان والعراق
وغيرهما .. والحق خسائر فادحة بشعبه وبحزبه معني بانقاذ ما يمكن انقاذه بناء على
نصيحة مستشاريه في سنته الاخيرة من ولايته الثانية قد دعا الى مؤتمر او لقاء لبحث
قضية الصراع العربي الاسرائيلي، كمدخل ومحاولة لرفع شعبيه حزبه في انتخابات الرئاسة
الاميركية في تشرين ثاني القادم ، ورغم كل الدلائل والتصريحات الاسرائيلية والتي
تفيد بأن اسرائيل معنية بالاستيطان والتوسع اكثر مما هي معنية بالسلام الا ان ذلك
يحتم ضرورة انهاء الانشقاق على الساحة الفلسطينية ، وضرورة اعادة اللحمة الي شطري
الوطن قطاع غزة و الضفة الغربية للمشاركة في المؤتمر المزمع عقده بصوت واحد ورؤى
واحدة ... حتى وان لم يحقق هذا المؤتمر نتائج ايجابية ملموسة .
ووحدة الصف الفلسطيني تتطلب ضرورة الالتفاف حول الرئيس المنتخب محمود
عباس وضرورة احترام نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت حركة حماس بالاغلبية
فيها ، فمن العار ان يستمر هذا الانشقاق الذي يلحق الاذى الجسيم بالمصالح العليا
للشعب الفلسطيني .... ومن المضحك المبكي ان تكون لنا حكومتان خصوصا ونحن نعيش تحت
احتلال اهلك الحرث والزرع .
واحترام ذكرى ياسر عرفات ووفاء لدماء الشهداء وأنات الاسرى ، ووفاء للوطن
الذبيح يجب الترفع عن الخلافات وعن الصراع على سلطة لا تملك من السلطة الا اسمها
ويجب العودة الى وحدة الصف.