ماذا بعد لعبة الشطرنج في اليمن؟

ماذا بعد لعبة الشطرنج في اليمن؟

محمد المذحجي

لندن – «القدس العربي»: تلاحقت الأحداث والتطورات في اليمن بشكل سريع ومفاجئ وعلى الرغم من كل التوقعات سيطرت جماعة «أنصار الله» الموالية لإيران على العاصمة صنعاء، وأثارت موجة من القلق بين الأوساط السياسية والإعلامية والنخب في المملكة العربية السعودية. لكن الأوساط الحكوميةالسعودية اتخذت موقف الصمت تجاه أحداث اليمن مع تأييد علني من الأمير فيصل، وزير الخارجية، لاتفاق جماعة التمرد الحوثي مع عبد ربه منصور هادي وأطراف سياسية أخرى في اليمن. ويعتبر هذا السكوت الخليجي عن التطورات المتسارعة في اليمن تأييداً لإسقاط الحكومة، وفضلّت بعض دول الخليج العربي سيطرة التمرد الحوثي على صنعاء بدلاً من حكومة إخوانية الطابع في اليمن.

عودة علي عبد الله صالح وابتعاد قطر عن أحداث اليمن وتشجيع بعض دول الخليج العربي عبد ربه منصور هادي على توقيع اتفاق مع التمرد الحوثي والترحيب الإقليمي والدولي وبعض قضايا أخرى تُلمح بوجود بعض الترتيبات والتنسيقات المسبقة حول ما حدث في اليمن مؤخراً. وينبغي ألا نتجاهل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة واستغلال بعض قرارات الحكومة بهذا الشأن من قبل جماعة «أنصار الله».

وليس من الخطأ أن نعتبر ما حدث في اليمن والسعي إلى نجاحه في واقع الأمر استمراراً للصفقة الإقليمية والدولية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية في العراق التي أدت لتوافق نسبي بين حلفاء إيران والغرب من جهة وحلفاء بعض الدول الخليجية من جهة أُخرى وإعادة فتح سفارات بعض الدول العربية في بغداد بعد أكثر من عقد. وتلت هذه الصفقة «لقاءات ناجحة» بين بعض مسؤولي وزارة الخارجية السعودية والإيرانية وتصريحات ودية وتصالحية لوزيري خارجية الحكومتين في نيويورك. وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين لم تصل بعد إلى مستوى يمكن القول إن المحورين السعودي والإيراني وصلا إلى التعاون والشراكة، إلا أن السعي الأمريكي لتقارب وجهات النظر السعودية الإيرانية والمخاطر المحدقة بالطرفين ومنها الانتشار السريع للإرهاب والتطرف في منطقة الشرق الأوسط، تدفع المحورين الإيراني والسعودي لتحقيق تفاهم وإنشاء نظام إقليـــــمي جديد سيخلق ميزان قوى وقواعد جديدة بين حلفاء البلدين في المنطــــقة. 

وفي الوقت ذاته، ليس صحيحاً أن مخرجات الأحداث في اليمن كانت نتيجة تفاهم وتوافق سياسي إيراني سعودي مسبق، لكن تحققت بعض مصالح الطرفين عبر الحالة اليمنية الجديدة.

ويمكن القول إن حلفاء المملكة العربية السعودية فضلوا التمرد الحوثي أي حليف إيران وحزب الله اللبناني في اليمن، على استمرار سلطة الإخوان المسلمين وسهلوا الطريق لسيطرة «أنصار الله» على صنعاء واستغلوهم للتخلص من الحكومة اليمنية. وسجل سقوط صنعاء بيد «أنصار الله» والاتفاق الذي تلاه، ابتسامة على وجه الإيرانيين لسببين مهمين وهما تثبيت موقع قدمهم على «بوابة فتح السعودية» وتمكنهم من السيطرة المستقبلية على مضيق باب المندب الاستراتيجي، على غرار إضعاف المحور التركي القطري. وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي السعي لنجاح مخرجات أحداث اليمن إلى صفقات أُخرى بين المحورين السعودي والإيراني لعل أبرزها، تشكيل حكومة توافقية في لبنان وحصول نوع من الانفراج المحتمل للأزمة السورية.

وكما يبدو أن إيران مستعدة لصفقة إقليمية كبيرة وأظهر السعوديون جديتهم بالتحرك في هذا الاتجاه، وفي الوقت نفسه، ينبغي ألا يتم تجاهل الدور المؤثر الأمريكي في هذا الشأن. فمن جهة تسعى الولايات المتحدة وإيران لبناء جسور بين الحكومة العراقية والمملكة العربية السعودية، ومن جهة أُخرى تبذل إيران كل جهدها لخلق فرص تلاقي المصالح المشتركة للسعودية والنظام السوري، فضلاً عن التعاون الإيراني في اليمن لنجاح الاتفاق الأخير ومحاربة خطرالقاعدة الذي يهدد المملكة العربية السعودية.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، تحكم علاقات المحور الإيراني السعودي حالة من الحرب النيابية التي تمتد من البحرين إلى العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن وفي جميع المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وحتى الرياضية، لكن إيران تحاول تحسين علاقاتها الإقليمية وعلى وجه الخصوص مع المملكة العربية السعودية بعد مجيء حكومة حسن روحاني ضمن استراتيجية واضحة تتطابق مع الاستراتيجية الغربية في العديد من القضايا والأزمات، والاحتفاظ ببعض الخطط الأمنية ضد المحور السعودي. وتحتاج إيران تحسين علاقاتها بشكل مُلح وسريع مع البلدان الأُخرى بسبب أزمتها الاقتصادية الخانقة التي دفعت البلد إلى حافة الانهيار النهائي.

وحصول أي تقارب وتوافق بين إيران والمملكة العربية السعودية يحتاج الى تنازلات عينية وملموسة من الطرفين، وما حصل في العراق واليمن يظهر استعداد إيران والسعودية لتقديم «التنازلات اللازمة» من أجل الحصول على بعض «المصالح الضرورية» وبإخراج أمريكي، وكما يبدو بدأ تقديم «التنازلات اللازمة» في البحرين ولبنان ومن المحتمل ان تبدأ التنازلات بشأنسوريا.

وفي 26 أيلول/سبتمبر الماضي، كشف موقع «تابناك» المقرب جداً من محسن رضائي، سكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، نقلاً عن مصدر دبلوماسي إيراني طلب عدم الإعلان عن اسمه، إنه ستحدث أحداث إيجابية في البحرين قريباً. وأوضح الدبلوماسي الإيراني «تجري مفاوضات بين مندوبي العائلة الملكية والمعارضة للتوصل إلى اتفاق ثنائي حالياً وستكون مخرجات هذه المفاوضات مشاركة المعارضة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في البحرين».

ونقل الموقع عن مصدر مقرب للمعارضة البحرينية أنه إذا تمت تلبية «بعض الطلبات المحددة للمعارضة ستنتهي الأزمة البحرينية» وأضاف ا أن المعارضة تتفاوض مع الحكومة البحرينية حول إصلاح النظام الانتخابي وتغيير تركيبة مجلس الوزراء والإفراج عن السجناء السياسيين الذين «لم يطالبوا بالإطاحة بالحكومة». كل هذه الأحداث والقضايا تظهر أن إيران والسعودية بدأتا في التــقارب، وتكشف عن بعض الزوايا لاستراتيجية إقليمية جديدة يحاك لها من قبل القوى العظمى وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأمريكية.