رأس الحربة التشدد الديني

سهير أومري

تقول الحكمة : (إذا رُدَّت الإساءةُ بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة !! )

وكذلك الأمر في كل خطأ ينتشر بيننا، فإن رُدَّ الخطأ بالخطأ ، وصُدَّ الإرهاب بالإرهاب ، وحورب التشدد بالتشدد ، فمتى سينتهي كل ذلك ؟!! متى سنبني الوطن وننعم بالأمن ونحقق لنا وللأجيال من بعدنا الحياة الحرة الكريمة؟!!

ربما يبدو الأمر حالماً أو طوباوياً زيادة ، وستكون الصورة المقابلة لعدم الرد بالمثل هو الهزيمة  والاستسلام وعدم الدفاع عن النفس ، ووضع الرأس على التراب بانتظار أن يُداس أو يُذبَح ... وهنا علينا أن نعي أن كلامنا هذا إنما هو ضمن البيئة التي يحيا أفرادها لهدف واحد أو يدّعون ذلك على الأقل ، وفي حالتنا السورية ( بناء سوريا الجديدة) ، أما ردّ العدوان ودحر الظلم ، فهو أمر بديهي وأكيد ، فلا يفلّ الحديد إلا الحديد ، ولكن انشغال الفئات والجهات التي تعمل لبناء سوريا الجديدة بردّ الفعل دائماً، وعلى نحو يكافئ الفعل نفسه في نوعه وشدته وطبيعته فإن ذلك سيجعل الخطأ ينتشر بلا نهاية ، وسيكون أكبر وقود لامتداد نار عدونا التي تريد حرق ثورتنا وإضعافنا وسحقنا...

وهنا يتعيّن علينا أن ندرك تماماً أن دحر الخطأ لا يكون إلا ببتر أسبابه وتجفيف منابعه فهذا هو الوسيلة الأنجح والأجدى لزواله ولبناء مجتمع سليم معافى...

فعلى سبيل المثال فإن ما يسمى بداعش وأخواتها لم تكن لتصل لما وصلت إليه اليوم لولا جملة متشابكة وعميقة من العوامل والأسباب التي عاشتها مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ، ومجتمعنا السوري أيضاً، وبالتالي فإن زوال داعش أو مواجهتها عسكريا فقط لن يكون مجدياً ما لم نجتث من تربة مجتمعاتنا تلك الأسباب ، ونعالج تلك العوامل ، أي أن نجفف مواردها من الذخائر البشرية الذين ينتمون كل يوم إليها ، أو يدعمونها ، أو يشكلون لها حواضن شعبية يخضعون لها ويدافعون عنها... وإلا فإن العمل العسكري وحده لن يكون إلا تقوية لها بكسب التأييد على أنها قوة تريد إقامة شرع الله ولذلك فهي تُحارَب وتُعارَض

وهنا يبرز التشدد الديني أحد أهم أسباب ظهور داعش ومثيلاتها من الجماعات التي وإن كدنا نجزم بعمالتها على مستوى القيادات ، إلا أنها بلا شك تضم بين صفوفها آلافاً من الجنود هم أبناؤنا وأخوتنا ممن اتخذوا من التشدد الديني عقيدة لهم حتى وصلوا إلى ما هم عليه من الانتماء لداعش والقتال لتحقيق أهدافها التي ظاهرها إقامة شرع الله وبناء الدولة الإسلامية ، وباطنها ترسيخ كل ما يريده عدونا من ارتباط الإسلام بالإرهاب ، وتقديمه بشكلٍ وحشي مخيف تمثِّل الأنظمة القمعية أمامه الخيار الأفضل الذي ستسعى إليه الشعوب بأرجلها ، وتقيمه بأيديها وتختاره بحرّ إرادتها على أن تكون خاضعة لسيوف تقطع رؤوسها وتسفك دمها تحت نداء : الله أكبر ....

وهنا يتعيّن علينا معرفة أسباب التشدد الديني ليحمل كل منا مسؤوليته في زواله سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات...

وتتجلى هذه الأسباب في:

1-  الجهل : فالجهل يجعل صاحبه تربة صالحة لغرس أي فكر مغلوط شرط أن يكون مصحوباً بثقة المتكلم وعاطفته وفصاحته

2-  التعصب وضيق الأفق وذلك يرجع للتربية التي لا مساحة فيها للحوار ولا إبداء الرأي ولا تقبل الرأي الآخر الأمر الذي يهيئ صاحبه للتشدد والتعصب

3-  الإرهاب العالمي الذي مارسته وتمارسه القوى العالمية تجاه شعوبنا الضعيفة والذي يجعلها مهيأة لتبني كل فكر يحقق لها التميز ويجعلها في مواجهة ظلم تلك الأنظمة وإرهابها...

4-  الاستبداد والقمع الذي تعانيه شعوبنا بسبب الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمها والتي لا مساحة فيها لرواج أي فكر يعارضها ، ناهيك عن معاداتها الواضحة والجلية للأحزاب الإسلامية والتضييق عليها ، لذا يغدو المواطن المتعطش للتعبير عن رأيه والمندفع للرد على أنظمته التي قمعته وانتهكت حقوقه صالحاً للتشدد والتطرف

5-  الفقر الذي يجعل المواطن سهل الانقياد جاهزاً للانضواء تحت لواء أية جهة أو تنظيم يغدق عليه المال أو يوفر له أسباب الحياة مستعداً لتنفيذ أهدافه والدفاع عنها

6-  الحاجة الماسة لإثبات الذات وتحقيق الهوية والتميز والتكريم ، إذ تعاني شعوبنا العربية عموماً وشعبنا السوري خصوصاً من الغربة  وإن كان يعيش على أرضه، فالمواطن عندنا لا يجد أي احترام لإنسانيته أو كرامته ، حتى يغدو مجرد الحصول على حقه حلماً يعيش كل عمره ليحصل على بعضه إن استطاع... !!

وهذا يجعل المواطن فريسة سهلة لمن يعزز في نفسه شعور الانتماء ، وكان لهذا الانتماء خصوصية تجعل صاحبها مقدماً على كل من دونه ، إذ تغرس هذه الجماعات في نفوس أفرادها أنهم وحدهم من أهل الجنة ، وأنهم مكرَّمون يتمتعون بالحصانة طالما أنهم يتبعونها ويبايعون أميرها .

7-  ارتهان المؤسسات الدينية في مجتمعاتنا للأنظمة وتسيسها وفق مصالح الطغاة مما جعلها تفقد المصداقية لدى الشعوب وتغدو بعيدة كل البعد عن إقناعها أو الانتماء لها، وبالتالي تغدو صالحة لتبني الفكر المتشدد الذي يقف من المؤسسات الدينية موقفاً حاسماً .

 

هذه الأسباب وغيرها للتشدد الديني تمثل رأس الحربة في كل طعنةٍ تتلقاها أمتنا اليوم ، هذه الأسباب تُحمِّلنا جميعاً - سوريين ومسلمين وعرباً – مسؤولية علاجها ، سواء أكنا أفراداً أو مؤسسات .

أسبابٌ إن بقيت ، فلن تكون ثمرتها  داعش وحدها ، بل  ستنمو لتعطي ثماراً خبيثة أخرى تجني شعوبنا نتائج ويلاتها التي كانت 11 أيلول إحداها ، ولن تكون كل جرائم داعش اليوم في سوريا والعراق آخرها...