ستقوى داعش ولن تهزم ما لم تُعالج الأسباب

ستقوى داعش

ولن تهزم ما لم تُعالج الأسباب

عقاب يحيى

ـ مقال ـ  

لا يكفي رمي حجارة الكلمات من النوع الكبير.. كي نعتقد أننا قمنا بالواجب، و"رجمنا" داعش على الطالع والنازل.. وأنهينا المشكلة بكم شتيمة، وكم مقطع على الفيسبوك، أو كم بيان استنكار وشجب.. ورفض..أو تلك التأييدات اليومية "للحلف" الذي ينهض.. ولما تريده الإدارة الأمريكية ..

داعش نتاج

وداعش ردّ فعل

وداعش الوجه الآخر المناقض لما فعلوا

وحين نسمع أن أعداد قوات داعش في العراق تصل السبعين ألف مقاتل، وأن ضباطاً كثراً وعناصر عديدة من الجيش العراقي السابق، ومن أطياف غير متطرفة، وعشائر "سنية" قد التحقت بها، وأن تزاحماً متصاعداً للتطوع في صفوفها ناهيكم عن " الأجانب " الذين تختلف التقديرات في أعدادهم( بين عشرين إلى خمسين ألف)..

علينا أن نمعن التأمل في الأسباب القريبة والبعيدة التي كوّنت هذه الحالة، وأن نقلل من أهمية قصة الاختراق والتصنيع لنقف على عوامل رئيسة تقع في صلب هذا النمو والاستمرار  :

1 ـ مواقف الدول الغربية، وعلى رأسها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقبلها السياسات البريطانية المُنشئة والخبيثة، من القضايا العربية على العموم، والقضية الفلسطينية على الخصوص، وذلك الدعم ـ الأبدي ـ اللامحدود لدولة الكيان الصهيوني في جميع الحالات، وتغطية عدوانيتها، وجرائمها، وما تقوم به من أفعال بحق العرب والفلسطينيين بما يوجد الأرض الخصبة لردود فعل قوية تستقي منها القوى المتطرفة وتبثّ فيها آراءها لتصبح حواضن إيجابية لنمو التشدد.وكذلك ما جرى في السنوات الأخيرة ـ بعد تدمير البرجين 2001ـ من إجراءات وحروب على المسلمين وتضييقات وقوانين وسجون وغيرها من معاملات شملت معظم الدول الغربية.

2 ـ الغزو الأمريكي للعراق وما أوجده ـ بتخطيط ـ من وقائع على الأرض : تدمير الدولة العراقية، وحلّ الجيش العراقي، وضرب القوى الوطنية، وقتل عشرات الآلاف من المواطنين، خاصة في المناطق السنية، وتسليم العراق للنفوذ الإيراني، وتنصيب القوى الطائفية في مواقع المسؤولية وما قامت به من مذابح وموبقات رهيبة، ومن تهميش مقصود للسنة، وسياسات لها علاقة بالانقسام المذهبي، وتكريس المحاصصات الطائفية والإثنية سبيلاً للتقسيم شبه المرسّم، واستكمال تلك الأفعال الطائفية بما يجري في سورية، ودور الفعل الطائفي، خاصة بعد انفضاح تدخل حزب الله واقرانه، وإيران وأذرعها بشكل مباشر في قتل السوريين وإنجاد نظام لا يخفي جانبه الطائفي، وحقده ..

وفي هذا المجال يجب الوقوف طويلاً عند ما قام به النظام السوري المجرم، الفئوي من أفعال ومجازر وأعمال إبادية ضد الشعب السوري، وخاصة "المناطق السنية" ووضوح موضعاته الطائفية، وسياسته الباطنية التي تعتمد على الطائفة العلوية بشكل رئيس، خاصة في أجهزة الأمن وكبار الضباط، ضمن مروحة شعاراته الكاذبة، ثم النتائج الشرسة لدخول حزب الله، و"أشقائه" في الحرب المباشرة لجانب النظام، ومن خلفهم إيران ، وما خلقه ذلك من مناخات طائفية أريد بها حرف الثورة وتشويهها، وجرّها بكل السبل إلى مستنقعات الحرب الأهلية، والصراعات المذهبية المطحنة .

3 ـ واقع الأمة العربية في ظل ما تفعله نظم الأحادية والاستبداد والفساد والنهب من اغتيال الحقوق، وهدر الكرامات، واستباحة مقدسات وسيادة الدول، وتغييب المواطن وتهميشه.. وأكوام التراكمات التي قادت لذلك الانفجار الرهيب : ثورات الربيع العربي، وما أتاحته من مجالات لتفاعل، وغزو، وتدخل كافة الاتجاهات السياسية، والقوى المحلية والإقليمية والدولية..ووضوح الفعل القصدي بمنع انتصار تلك الثورات ومحاولات إغراقها في الحروب البينية، والصراعات التناحرية، وسياسة التدمير المنهّج .

ـ هنا يجب التأكيد ـ الموضوعي ـ أن مواقف الإدارة الأمريكية من ثورة وتضحيات الشعب السوري، وجلاء تلك المواقف المتصفة بالخذلان والتواطؤ، وحتى التآمر الذي يبقي النزيف مستمراً، والامتناع المخطط عن تقديم المطلوب الذي من شأنه إسقاط النظام بوقت مبكر، وقبل انفلات الأوضاع وما عرفته الفترة الأخيرة من تحولات رهيبة.. إنما تتحمل المسؤولية الأولى في إيجاد مناخات ردّ الفعل، وفي نمو التطرف : الأرض الخصبة لأفكار وتنظيمات القاعدة وغيرها ..

****

ويجب أن ندرس بعد هذه العوامل، وارتباطاً بها : وجود مشروع خاص لدى داعش، وقيادة موحدة، واستراتيجية مسبقة للخطوات والتكتيكات، والوسائل، وان مسار داعش لم يكن عفوياً، أو نتيجة ردّ فعل قاصر، كما كان حال القوى والكتائب المحسوبة على الجيش الحر التي افتقرت للقيادة الموحدة، وغرقت في التنافس والصراع على المغانم والمواقع، وعلى إثبات الموجودية الخاصة.. لتصبح"لقمة" سهلة وسائغة ..وبات واضحاً أن "داعش" كانت تخطط في تحركاتها وتكتيكاتها طوال تناميها في سورية، وصولاً إلى القفزة الكبرى التي حققتها في العراق، وركوباً على عوامل الثورة هناك .

ـ لذلك فأي حلف دولي، ومهما احتشدت فيه من قوى ودول، ومهما امتلك من أسلحة لن ينجح في القضاء على هذه الظاهرة ما لم تعالج بعض جذورها، وفي مقدمها : تلبية حقوق الشعوب العربية الأساسية في الحرية والتعبير والحكم والعدالة، وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وفي تكريس المساواة بين المواطنين على اساس المواطنة وليس الدين أو المذهب، او القومية، أو الإثنية.. وإسقاط نظم الإجرام الفاحشة، خصوصاً في سورية والعراق وإقامة النظم الديمقراطية، الوطنية، التعددية.. التي تصون الوحدة الوطنية، وتبني معادلة الأوطان على أساس الانتماء للوطن وليس للدين أو المذهب أو الإثنية ..