مهلاً أيها الأستاذ.. فالذئاب لا ترعى مع الغنم

يأتي زمان على البشرية تنعم فيها بالسلام والأمن والأمان، حتى ترعى الذئاب مع الغنم، ويدخل الوليد يده في فم الحية فلا تضره.

بهذه المعاني جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة، مهما تهكّم أُسارى الفكر الغربي والمُقدّمون عقولهم على النقولات الصحيحة.

وقبل هذا الزمن، فتبقى الذئاب ذئابًا تتربّص بالغنم، وتبقى الثعابين ثعابين تغدر بالوليد، ويبقى الطاغية يُلازمه طغيانه وتعطّشه للدماء والدمار.

*طالعتُ في تتمة الشهر المنصرم، مقالة للكاتب المعروف الأستاذ عبد الباري عطوان، حول تكوين حلف رباعي مكون من السعودية وتركيا والأردن بالإضافة إلى نظام الأسد، لمواجهة ما اعتبره الخطر الأعظم الذي يتهدّد هذه الدول والمنطقة، وهو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وبنى الأستاذ رأيه على زيارة وليد المعلم لموسكو، ولقائه الفوري بالقيادة الروسية، وإطّلاعه على خطّة روسيةٍ جديدة ترمي إلى تشكيل هذه التوليفة لمواجهة داعش.

والنقطة الأبرز في المقالة هو قول الأستاذ أن الرئيس الروسي لا يمكن أن يلجأ إلى هذا الطرح إلا بعد تلقّيه طلبات جدية ورسمية من الدول الثلاثة (السعودية، والأردن، وتركيا)، لإقناع النظام السوري بالانضمام إلى التحالف الجديد لاستشعارها خطر الدولة الإسلامية، وإيمانها بنظرية بوتين في أن الحرب على داعش لا يمكن أن تنجح بدون مشاركة نظام الأسد.

*ورجّح الكاتب الشهير أن تلجأ تركيا إلى التحالف مع الأسد لضمان عدم قيام دولة كردية في الشمال السوري، حتى لا يلجأ للتحالف مع داعش، مضيفًا أن تركيا لا يُستبعد أن تكون قد طلبت وساطة روسية لتسهيل هذا التوجّه بحكم علاقتها المتينة مع دمشق.

كما رجّح الكاتب أن تكون السعودية قد أعلنت خلال زيارة (ولي ولي العهد محمد بن سلمان) إلى موسكو، عن رغبتها في فتح حوار مع نظام الأسد، واستند على عدة مصادر وصفها بأنها وثيقة– لم يُسمّها– في القول بأن (ولي ولي العهد) قد فاتح القيادة الروسية برغبة بلاده في التراجع عن سياستها في سوريا، غير مستبعد أن يكون الأمير (بن سلمان) والرسائل التي حملها للرئيس بوتين من والده الملك، هي الدافع الرئيسي لحديث موسكو عن التحالف الرباعي الجديد.

وأنهى الكاتب المعروف كلامه بالترحّم على 300 ألف شهيد سوري سقطوا في خديعة كبرى، مُتعاطفًا مع أربعة ملايين لاجئ سوري مُشرد، وحزينا لتدمير أكثر من نصف سوريا.

تأمّلت المقالة فإذ بي أقف على بعض النقاط التي لم أجد بُدّا من طرقها، أبرزها ما يلي:

أولاً: رأيتك يا سيدي تعتمد في تقرير حقيقة هذا التحالف الغريب على خطة روسية، وجزمت بأن تلك الدول قد أرسلت طلبات جدية لإشراك الأسد في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش.

"أبعدت النُّجعة".. هكذا تقول العرب لمن يبعد عن مواطن الكلأ، ويعنون به من يخطئ الطريق إلى هدفه.

وأراك أيها الأستاذ قد أبعدت النُّجعة، وألزمت بما لا يلزم، فأوجدت تلازمًا بين طموحاتٍ وتطلُّعاتٍ روسية لإنشاء هذا التحالف بمشاركة الأسد، وبين موافقة جدية من قِبل دول السعودية وتركيا والأردن.

يا سيدي من يصعد الجبل الشاهق ويقول بصوت جهوري: (أنا ربكم الأعلى)، ليس بالضرورة أن يكون "فرعون" الذي يدّعي الربوية، فربما كان يقرأ الآية.

وليس بالضرورة كذلك مع وجود تصوّر روسي لمثل هذا التحالف في مواجهة داعش، أن تقبل به الأطراف الأخرى، وليس مجرد وجود تصور يعني أن ينتقل إلى حيز التنفيذ.

وبالمناسبة، ماذا عن أمريكا؟

أليست أمريكا لاعبًا أساسًا في تلك اللعبة، وتقود تحالفًا دوليًا ضد (الدولة الاسلامية) داعش؟

كيف يا سيدي استثنيتها، واعتبرت أن روسيا تعبث في المنطقة وتُكرّس لمثل هذا الحدث الضخم، دون التنسيق مع واشنطن؟

ولا أتصور يا سيدي أنك لم تُحط خُبْرًا بتصريح وليد المعلم الذي تفوح منه الدهشة، أليس هو القائل: "أعرف أن روسيا بلد يصنع المعجزات، لكن أن نتحالف مع السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة فهذا أمر يتطلب معجزة كبيرة جدًا"!

فهو يدرك أن هذه الدول يستحيل أو يصعب تحالفها مع نظام الأسد.

وأستأذنك في التفاتة قصيرة إلى قارئي الذي ربما ينتظر قراءتي المتواضعة لذلك المشهد، لأقول له: أرى أن الأمر لا يعدو أن يكون تصورًا روسيًا لإنقاذ الأسد ومنحه قبلة الحياة، عبر إشراكه في تحالف رسمي، ينسف جهود الثورة السورية ضد الطاغية، وذلك على اعتبار أن نظام الأسد كان ولا يزال حليفًا استراتيجيًا لروسيا.

ومن جهة أخرى، هو مناورة روسية لكسب نفوذ في المنطقة أمام النفوذ الأمريكي.

ثانياً: أراك يا أستاذ قد أوهمت قراءك بأن الأسد هو طوق النجاة لتلك الدول التي ذكرت أنها تواجه خطر (الدولة الاسلامية) داعش، وأن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية لا يمكن حسمها إلا من خلال مشاركة الأسد.

أي أسدٍ تعني يا أُستاذي؟

أهو ذلك المهزوز المُترهّل الذي فقد السيطرة على معظم المناطق السورية في مواجهة الثوار؟

أم ذلك الذي قُصم ظهره؟

نعم، تذكرت أن أقول لقُرّائي الذين يقتسمون معي البساطة التي أكتب بها- وليس لك فحتمًا أنت تعرف– أن الانشقاقات دبّت في صفوف العلويين الذين هم ظهر الأسد وسنده.

فماذا عن إيران؟

أليست هي "أوكسجين" رئتي الأسد؟، أليست هي من يدعمه عسكريًا ولوجستيًا، وتدير له معاركه على الأرض بمعرفة الحرس الثوري الإيراني؟

ومع ذلك، يجرّ أذيال الخيبة إذا ما حمي الوطيس. .

يا سيدي تعلم ونعلم أنه لولا التقاعس العربي في دعم الثورة لكنا شاهدنا بشار الأسد في أحد أقفاص حديقة الحيوان بدمشق، قبل أن يُعلّق على أحد أعواد المشانق.

فهل هذا هو الأسد المُخلص الذي سيحمي الحمى، ويكون كلمة السر في حسم المواجهات مع داعش؟!

ثالثاً: تأملت مقالتك أيها الأستاذ، فوجدتّها مبنية على اعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية هو الخطر الأعظم الذي يهدد دول المنطقة، وكأن الدول العربية قد باتت آمنة من هذين الخطرين، وليس أمامها سوى استئصال تنظيم الدولة الإسلامية.

فأين ذهبت الأطماع الإسرائيلية؟

أين ذهب المشروع الصفوي الإيراني؟

يا أستاذي لنكن واقعيين، تنظيم الدولة الإسلامية، رغم قوته العسكرية والتنظيمية، إلا أنه ليس بالقوة الأسطورية التي تجعله الخطر الأعظم على أمن الدول العربية والإسلامية، وإلا لاستطاع السيطرة على العراق منذ زمن، فلا هو يمتلك أسطولًا بحريًا، أو سلاحًا جويًا، ولا يمتلك مصانع الأسلحة والمعدات الثقيلة، فهو تنظيم يعتمد على الضربات الخاطفة وتكتيكات حرب العصابات.

يا سيدي الأستاذ، أُذكرك: أحداث 11 سبتمبر كانت ذريعة للهجمة الصليبية على العالم الإسلامي، وإنما أسميتها صليبية اقتباسًا من (فلتة) لسان بوش الابن، هكذا وصفها.

أُذكّرك أيها الأستاذ أن عدالة الأمريكان ونزاهتهم جعلت عقوبة تدمير برجين: احتلال دولتين، والبطش بشعبين.

أمريكا والغرب بل وحتى روسيا، يمارسون ذات الدور، يستغلون الحرب ضد (الدولة الاسلامية) أو تنظيم داعش في ترسيم جديد للمنطقة، وجعلوها مظلة يتحركون تحتها للعبث في المنطقة.

هو ميراث قديم لأولئك الطغاة الذين طوّعوا الأحداث لخدمة أطماعهم، هم ورثة أمثال أبرهة الأشرم الحبشي الذي بنى كنيسة القليس ليحج الناس إليها بدلًا من الكعبة، فجاء رجل من العرب فلطخها بالعذرة.

ومن أجل العذرة وإهانة القليس، تحركت الجيوش الجرارة لهدم الكعبة، وهكذا يفعل أعداء الأمة اليوم.

*وأتفق مع الأستاذ محمود عثمان في قوله: "بات من المؤكد أن مصطلح الحرب على تنظيم داعش إنما هو غطاء لحسابات جيوسياسية وطبخات استراتيجية لا علاقة لها بتنظيم داعش من قريب أو بعيد، بل يستخدم فيها التنظيم شماعة وغطاء لعملية إعادة التموضع الجيو استراتيجي والجيوسياسي، أو بتعبير أدق إعادة ترسيم المنطقة وتقسيمها وفق معطيات جديدة."

فالحرب على داعش وخطر داعش، صارت ذريعة استنزاف غربي للدول الإسلامية والعربية، ووسيلة للزج بها لاتخاذ مواقف مُعينة تتفق والمصالح الأمريكية.

رابعاً: تركيا إزاء مخاوفها من إقامة دولة كردية في الشمال السوري يكون أمامها أحد الخيارين: التحالف مع تنظيم الدولة، أو مع نظام الأسد لمنع إقامة دولة كردية.

هذا ما وجدتك تُصرّح بمعناه في مقالتك أيها الأستاذ..

والتمس لي العذر في أن أُجدّد التساؤل: لماذا وضعت حتمية التحالف مع أحد الفريقين؟

إن تركيا كقوة عسكرية كبيرة في المنطقة لديها القدرة والمُبرّر معًا للتدخل في الشمال السوري، دون التحالف مع نظام بشار الأسد أو تنظيم الدولة الإسلامية.

أما قيام تركيا بمُغامرة خارج الحدود ضد تنظيم الدولة فهو أمر بعيد، فتركيا يهُمّها أمنها القومي، والذي يتعرض للتهديد من الأكراد، ولذلك تُصرّ على منطقة عازلة في شمال سوريا، حماية لأمنها القومي، ومن أجل استيعاب اللاجئين السوريين، ولذا تعمل على عدم تمكين الميليشيات الكردية من تغيير التركيبة السكانية لعرب سوريا في الشمال.

تركيا يا أستاذي إن كانت ترى في تنظيم الدولة الإسلامية- داعش أنه إرهابي، فهي ترى أن نظام الأسد وبقاءه هو منبع الإرهاب، ولولاه لما أصبحت الشام مسرحًا لما يشبه حربًا عالمية من نوع جديد.

تركيا يا أستاذي تدرك أنه لا يوجد حل لمواجهة (داعش) إلا من خلال تسوية الأزمة السورية، والتي لن تقوم إلا على رحيل الأسد ونظامه.

تركيا يا أستاذي لن تستجير من الرمضاء بالنار، وهي تعرف أن إحياء نظام الأسد من جديد، لو افترضنا أنه سيخلصها من الخطر الكردي والداعشي، فهو سيجعل الحدود التركية مرتعًا للنفوذ الإيراني الذي يتحكم بالأساس في الشأن السوري، ومن المعلوم أن إيران هي المنافس التقليدي لتركيا في المنطقة، رغم وجود قنوات اتصال بينهما، خاصة في المجال الاقتصادي، ولستُ أُلقي بالاً لكُلّ التصريحات والمجاملات الدبلوماسية.. فالدول الذكية تُلاعب الجميع وتتلاعب بالجميع من أجل تكريس أمنها ومصالحها (من تحت الطاولة)، وهي تُغرقُنا بالابتسامات الدبلوماسية)..!!

خامساً: كان من أبرز النقاط التي أثارت دهشتي في مقالتك، أن السعودية يتعرض أمنها القومي لخطر تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وعلى هذا الأساس ستقبل بالتحالف مع الأسد من أجل الحفاظ على أمنها القومي.

هل نسي الأستاذ أن الخطر الحقيقي الذي يهدد الأمن القومي السعودي هو خطر الحوثيين، الذراع اليمني لإيران؟

فأين عاصفة الحزم والتي ما زالت عملياتها العسكرية مستمرة إلى الآن، لإعادة الشرعية ودرء خطر الحوثيين الذين يُنفّذون أجندة إيرانية، وأحد المحطات المهمة في المشروع الإيراني للسيطرة على باب المندب، والسيطرة على مناطق التهديد المباشر للسعودية ودول الخليج؟

إن التهديد الحقيقي لأمن السعودية هو إيران، وخاصة بعد اتفاقية النووي الإيراني التي تمت بين أمريكا وإيران، وجاءت على حساب أمن الخليج، ومن ثم توتّرت العلاقات بين السعودية وأمريكا، وكان أحد إفرازاتها الاتفاقية النووية التي تمّت بين السعودية وروسيا للأغراض السلمية، وهو ما يشير إلى أن السعودية تتخلص من التبعية لأمريكا في عهد الملك سلمان.

يا أستاذي، كيف تُقدم السعودية على التحالف مع الأسد ومنحه قبلة الحياة، وهي تعلم أنه مجرد أداة في يد إيران؟

القيادة السعودية تدرك أن إيران تستميت في الحفاظ على نظام الأسد، وتستنفرُ ميليشياتها الشيعية من كل البقاع لدعم الأسد، لأنه لن يُكتب النجاح لمشروع الهلال الشيعي الإيراني إلا من خلال سوريا التي تمثل قاعدة للمشروع.

فكيف يُقال إن السعودية تُداوي ذلك الضبع المفترس من جراحه لكي يقضم رقبتها؟!

وهل ستقبل القيادة السعودية بتبديد كل الجهود عبر أربع سنوات لإسقاط الأسد؟.. هل ستقبل بضياع دماء مئات الألاف وتشريد الملايين؟

قل لي: السياسة تُعلي المصالح فوق المبادئ.

أقول لك: وماذا عن كتائب الثوار في سوريا؟ ماذا ستكون ردة فعلها تجاه السعودية إن أقدمت على مثل هذه الحماقة وتحالفت مع عدوها اللدود؟ ألا تتفق معي أن هذه الكتائب التي خبرت القتال سوف تكون خنجرًا في خاصرة السعودية بعد أن تتهمها بإجهاض الثورة السورية؟

ألا ترى معي أن هذه الكتائب سوف تكون تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي السعودي؟

يا سيدي، السعودية اليوم ليست هي السعودية بالأمس، السفينة السعودية تسير بها قيادة واعية، أصلحت وتُصلح شأنها الداخلي، ورتّبت وتُرتّب أوراق الداخل، وغيّرت وتُغيّر سياستها الخارجية، انتقلت من حالة التعامل برد الفعل، إلى حالة المُبادرة.

السعودية اليوم في ظل القيادة الجديدة تقف منافسًا شرسًا لإيران التي تعبث في المنطقة، وتقف على بوابة الخليج بالمرصاد للتمدد الإيراني، وتشارك في دعم ثوار سوريا ضد نظام الأسد، فكيف تتحالف مع طاغية الشام؟

وأما الأردن فهي لا يُمكُنها اتّخاذ أي قرار من هذا النوع– إن قدر وجوده– بدون التنسيق مع السعودية، خاصة وأن العلاقات الأردنية الإيرانية تتجه صوب الفتور، كان آخر علاماته إحباط السلطات الأردنية مخططًا إرهابيًا لعناصر من فيلق القدس، ومن قبله نقلت وسائل إعلام تهديدات من قبل قاسم سليماني موجهة للأردن.. * وبالمناسبة ( لم أبحث في حقيقة هذا الأمر ولن أبحث.. أقصد المخطط الإرهابي لأحد عناصر فيلق القدس في الأردن)، لكني أنقُل ما أراد النظام الأردني أن يُخبر به الجميع، ولا ندري أهو خبر حقيقي تمّ تسريب بعضه لجسّ نبض ردّات الفعل؟، أم هو مجرّد تكهُن؟، أم لا أصل له ولا فصل وما جاء إلا لغاية ما.. سنكتشفها مع الأيام..؟!

أخيراً..

يا سيدي لك حق الكتابة وفق ما تؤول إليه اجتهاداتك وتحليلاتك السياسية، لكن مثل هذا التناول الخطر لقضية بهذا الحجم على النحو الذي ذكرت، دون مُستند قوي، لهو مرتع خصب يجول فيه المُغرضون ويصولون.

فمهلاً أيها الأستاذ، مع فائق احترامي وتقديري.

وسوم: العدد 625