«زفة التفريعة»: حصري على التلفزيون المصري!

أراد التلفزيون المصري أن يقول لمشاهديه، بالنقل الحصري لمهرجان افتتاح «التفريعة» الجديدة لقناة السويس إن «الدهن في العتاقي». وقبل الدخول في الموضوع، فمن الواضح أن بعض السادة القراء قد نسوا ما ذُكروا به، فكتب أحدهم معلقاً كيف لي أن أترك القضايا الكبرى وأتفرغ لقضايا تافهة مثل عدد القنوات وما إلى ذلك؟! ولا أعرف من أخبر الفتى أنني مشغول بما يشغله من هذه القضايا فأقدم على قراءة ما كتبت في الأسبوع الماضي، حتى فوجئ بانشغالي بقضايا تندرج تحت عنوان «علم لا ينفع وجهل لا يضر»!

قبل ثلاثة عشر عاماً بدأت الكتابة لهذه الزاوية «فضائيات وأرضيات» وأكدت المرة تلو المرة والكرة تلو الكرة، أنني لست مشغولاً بالقضايا الكبرى للأمة، بل لست مشغولاً بالأمة نفسها، ومن ينشغل بالأمة وقضاياها فأرض الله واسعة، وكتاب «القدس العربي» غيري قد يفيدونه أكثر، بدلاً من التورط في القراءة لكاتب تشغله محطة تلفزيونية، ويهتم بأخبار مذيعة هل هي متزوجة أم أرملة؟ ويكتب عن عائشة الكيلاني، قبل عملية التجميل، أكثر من الكتابة عن الراحلة فاتن، ولا مؤاخذة، حمامة، التي كانت آخر أعمالها من الدنيا هي تأييد عبد الفتاح السيسي!

ويا عزيزي المشغول بالأمة وقضاياها أرجو أن تكتفي بهذا القدر وتغادر حتى لا تزعج نفسك وتزعجني باهتماماتك!

المهم، فالعتاقي، من «عتقية»، وهي الدجاجة كبيرة السن، والدهن هو ما كانت البشرية تظن أنه مفيد، عندما كان يقال وصفاً لقوة شخص ينتمي للأجيال السابقة أنه من «جيل السمنة البلدي» قبل اكتشاف الكولسترول، ومؤخراً قرأت لمن يعتبر الكولسترول مؤامرة على الأمة، ويقال إن هناك مؤتمراً علمياً انعقد في المملكة العربية السعودية خلص إلى هذه النتيجة والله أعلم.

 المتاجرة بالبث

 التلفزيون المصري، لم نعد نتذكره إلا في المناسبات الوطنية الكبرى، وليس هناك أكبر من «زفة التفريعة»، الذي حصل فيها على النقل الحصري لوقائع الإحتفال وحرص على الكتابة على شاشته، إن النقل للقنوات الأخرى من إشارته ليس مجاناً، وهكذا لم يعد لديه ما يتاجر فيه إلا هذا النقل بعد انهيار آخر قلاعه ممثلاً في قطاع الإنتاج، بمغادرة الراحل ممدوح الليثي للقطاع الذي كان مسؤولاً عن صناعة الدراما المهمة. وفي الواقع أن صناعة الدراما لم تنته بذلك فقط، وبدخول منتجين فهلوية للمجال، ولكن أيضاً بغياب الكتاب الكبار، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، فقد رحل أسامة أنور عكاشة، ولا نعرف أين اختفى مجدي صابر؟

لم تكن هناك مناقصة، أو مزاد، فاز فيه التلفزيون المصري بنقل وقائع الإحتفال بافتتاح «التفريعة الجديدة»، ليكون من حقه المتاجرة، فالعطاء قد رسا عليه باعتبار أن العملية في بيتها، فالبث الحصري مجاملة من الحكومة، لتفتح أمام التلفزيون باباً من أبواب التمويل، بعد أن صار عبئاً على الموازنة العامة للدولة، وبات لا أمل في النهوض به، فاختيار قياداته يتم وفق المعايير المعتمدة في ظل الأنظمة العسكرية، أهل الثقة المقدمين على أهل الخبرة!

وقد حرص هذا التلفزيون على افتعال أجواء فرح، فتخرج المذيعة أمام الكاميرا منشرحة الأسارير، ولم تكد الكاميرا تغادر وجهها، حتى تختفي الابتسامة لتعود مرة أخرى إلى الحالة ضاحكة مستبشرة، وفي مرات كثيرة كانت الكاميرا تحط فجأة فيمكن لمتربص مثلي أن يكتشف حجم التصنع في الموضوع!

ولأن الفرح فرحنا، فقد نافست القنوات التلفزيونية الخاصة، التلفزيون الرسمي في ذلك، وكما أن «مانشيتات الصحف» تصدر في ظل حكم الإنقلاب العسكري موحدة، فلا يمكن التمييز بين صحيفة حزبية، ورسمية، وخاصة، فكذلك كانت القنوات التلفزيونية، فلم أستطع أن أميز بين أداء هذه القنوات، وكانت الأغاني تذكرني بالأيام الأخيرة لعهد السادات، فمعظم هذه الأغاني كانت تذاع في هذه الأيام ثم توقفت على خبر مصرعه، لتعاود الظهور في أيام مبارك الأخيرة!

وربما يعتقد القارئ أنه مجرد إحساس كاذب، فالجائع يحلم بسوق الخبز، لكن ربما لا يعلم القارئ الذي يظن بي ظن السوء، ويعتقد أنني أتمنى نهاية للسيسي كنهاية السادات، أنني لا أريد له هذه النهاية، التي تجلب التعاطف بمرور الوقت، فلست طيباً لهذه الدرجة فأنا أريد أن يمد له في عمره حتى يتمنى الموت فلا يجده!

 التعاطف مع السادات

 لقد وصل التعاطف مع الرئيس السادات، حد أن أعداءه يتهمون الآن الإخوان المسلمين باغتياله، ويأخذون على الرئيس محمد مرسي أنه دعا ضابط المخابرات الحربية السابق عبود الزمر، أحد المتهمين باغتياله في الاحتفال بانتصارات أكتوبر، مع أن اليسار المصري على وجه التحديد هلل لاغتيال السادات، واحتشد محاموه للدفاع عن الذين قتلوه، وكتب أحمد فؤاد نجم قصيدة في مدح المتهم الأول في عملية اغتياله «الملازم أول» خالد الاسلامبولي، وكانت تصريحات أحد قادة أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي لوسائل الإعلام عقب حادث الاغتيال مؤيدة ومباركة، وكان الدفاع عن المتهمين باغتياله عملية وطنية بامتياز!

الآن تغير كل هذا، وصار اغتيال السادات عملاً جباناً يُتهم به الإخوان، ويهاجمون لأن الرئيس دعا أحد المتهمين جنباً لجنب مع أرملة الرئيس الراحل في يوم نصر أكتوبر. وهو تعاطف لا أريده للسيسي، الذي لا أتمنى له أن يموت فجأة ولو بالسكتة القلبية. يا لي من شخص شرير!

في إطار التنافس بين القنوات التلفزيونية المختلفة فإن إحداها قدمت «ليلى علوي» من ميدان التحرير، وكانت هناك بمفردها، وتقدم «وصلة حب» في قناة السويس الجديدة، وبحسب ما قالت «ليلى» إن العالم كله يسأل كيف نجحنا في ذلك. ولم تقل لنا أين التقت بالعالم لتسمع منه هذا السؤال؟!

بدا لي أنها تعوض ما فاتها، فلم تشارك في «مهرجان ألمانيا» مما كان مثار تساؤل من كثيرين، ولم يكونوا يعلمون أنها كانت قد طلقت حديثاً بعد زواج قصير، لكن أعجبني فيها أنها تعالت على جراحها وخرجت لتنظم مظاهرة وحدها في حب القناة، مع أن القانون يحظر تجمع ثلاثة بدون ترخيص، وقد كانت هي أربعة أشخاص معاً. وربما خشيت مع تكرار السؤال عن الغياب عن «موقعة ألمانيا» أن تتهم بتراجعها عن تأييد السيسي فاحتلت ميدان التحرير وحدها لتعلن تأييدها له بهذه المناسبة الوطنية الكبرى!

 الجدوى الاقتصادية

 في الأجواء الاحتفالية، حرصت القنوات المحتفلة كلها بهذه المناسبة العطرة، أن تبتعد عن أي حديث عن الجدوى الاقتصادية للتفريعة الجديدة، وتفنيد كلام المعارضين المتآمرين ضد هذا المشروع العملاق، وظننت أن المهمة سيقوم بها عبد الفتاح السيسي ليكون السبق له، لا سيما وأنه قد تم الإعلان على أنه سيلقي خطاباً مكتوباً هو من كتبه بنفسه، وتذكرت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وكنت قد أعلنت ما اعترف به جليسه عبد الله السناوي بعد سنتين من أنه هو من كتب خطاب الانقلاب الذي ألقاه السيسي!

لقد حرصت في يوم الفرح على التمترس أمام التلفزيون المصري صاحب النقل الحصري لوقائع هذا اليوم التاريخي، وظهر السيسي بالبزة العسكرية الأقرب شكلاً من بدلة الرئيس السادات، وكانت السيدة جيهان من بين المدعوين، وربما قلب عليها «المواجع» بما رأت. وكان وهو في هذه الحالة على متن يخت المحروسة الذي شهد مغادرة الملك فاروق بعد ثورة يوليو 1952. تصرفات كلها تذكر بالنهايات!

وهو ينتصب خطيباً ظهر السيسي ببدلة مدنية، ولأن وجود ذبابة واحدة في مكان يزعجني للغاية، فقد راعني تكاثر الذباب في مكان انعقاد الاحتفال، فبدا لي الأمر وكأنه تم على عجل وبدون استعداد، وبين الحين والآخر تحط ذبابة على وجه السيسي فيهشها فتأتي أختها، وبدا الضجر على وجوه الحاضرين، فيبدو أن المنظمين لم يراعوا وضع مكيفات فيه ومصر تشهد موجة حارة وغير مسبوقة!

شعرت بخيبة الأمل، والسيسي يقلل من أهمية الخطاب المكتوب، ليتحدث مع الناس كما تعود حديث القلب للقلب، وهو رجل لا يجيد الكلام، ولا يجوز أن يترك احتفالا كهذا لأداء ارتجالي، ممن يفتقد مقوماته، فليس هو عبد الناصر الذي كان يلهب المشاعر بحديثه مرتجلاً، وليس هو السادات الذي كان يجذب أسماع الناس عندما يتكلم بتلقائية!

كان السيسي متواضعاً، وأشفقت على مترجم الحفل، قبل أن أعلم بأن كلامه لم يترجم أساساً. كان قطعاً متناثرة، وبدلاً من أن يكون لائقاً بخطاب يوجه للعالم بدا كما لو كان خطاب افتتاح الوحدة المحلية لقرية مطوبس.. وفجأة اختفى السيسي من أمامي ليظهر عادل إمام وهو يلقي قصيدة «الحلزونة» في فيلم «مرجان أحمد مرجان» بعد افتقاده للنص المكتوب!

وبعد حديث القلب كان حديث الفم، فإذا بالخطاب المكتوب متواضعا للغاية، بدا لي أن تلميذا في المرحلة الإعدادية كتب موضوع إنشاء، فلم يكن هذا هيكل، أو حتى مجدي الجلاد، وكان طبيعياً أن يخطئ خطأ عظيماً لا يليق بهذه المناسبة فبعد أن كحلها باستدعاء مقولة لجمال حمدان، أعماها بذكر أنه قالها من عشر سنوات، في حين أن جمال حمدان مات في أبريل/نيسان سنة 1993، إن لم يكن قال ما ذكره السيسي بعد وفاته!

لم يذكر السيسي أهمية «القناة الجديدة» للعالم، وجدواها الاقتصادية، إنما ترك هذا كله وركز على مقاومة الإرهاب وتجديد الخطاب الديني، لدغدغة مشاعر الغرب! لا بأس فقد غادر «المعازيم» الفرح، ليبدأ الحساب ويصبح من الطبيعي أن يسأل المواطن العادي عن ما تحصل عليه من وراء هذا المشروع القومي الكبير الذي كان شعار الفضائيات في يوم افتتاحه: «مصر بتفرح»؟! فهل فرحت مصر فعلاً؟!

وسوم: العدد 628