لا تثقوا بالولايات المتحدة 14

لا تثقوا بالولايات المتحدة:

(14) هل كانت الولايات المتحدة

تستحق ضربة بيرل هاربُر ؟

د. حسين سرمك حسن

# المهارة الأميركية في تزوير وقائع التاريخ :

تتمتع الولايات المتحدة الأميركية بقدرة هائلة على تزوير وقائع التاريخ والتلاعب بها وفق مصالحها ، محكومة بموقف بنيوي من التاريخ أسّسته عوامل النشأة القائمة على انقطاع تاريخي كامل ومحاولة إشادة أمّة على ركائز تاريخ حديث النشأة (منذ عام 1776 رسميّاً) . هذا التلاعب بوقائع التاريخ كانت له آثار وتأثيرات واضحة في تشكيل عقول "النخبة المثقفة" في أغلب بقاع العالم وفق معطياتها، خصوصا فيما يخص الحوادث الفاصلة في التاريخ ومنها ما يرتبط بسلوكها الإستعماري العدواني الدموي في الحرب العالمية (الغربية) الثانية. وقد قمت بتجربة بسيطة عند إعداد هذه الحلقة سألت فيها مجموعة من الأصدقاء من الكتاب العراقيين عن معلوماته عن معركة "بيرل هاربر" ، فأشارت غالبيتهم إلى أنها "اعتداء" اليابان على ميناء بيرل هاربر "الأمريكي" . وأين يقع ميناء بيرل هاربر ؟، أجابوا : في الولايات المتحدة وهو ميناء أميركي فلا يحق لليابان الإعتداء عليه . من أين جاء هذا الميناء للولايات المتحدة ؟ لا أحد يعرف !! وما هو سبب هجوم اليابان ؟ لأنها حليفة ألمانيا وإيطاليا (دول المحور) في الحرب الثانية وضد اميركا . هكذا سلسلة من المغالطات عن معركة بيرل هاربر نجحت الماكنة الدعائية الرهيبة للولايات المتحدة الأميركية في ترسيخها في أذهاننا – أذهان النخبة فتصوّر - وخصوصا في ما شاهدناه من أفلام سينمائية مُحكمة عن هذه المعركة .

# تساؤلات هامّة :

------------------

إن "عدوان" اليابان على بيرل هاربور يوم السابع من كانون الأول عام 1941 ينقصه سؤال : كيف امتلك الأمريكان قاعدة عسكرية في بيرل هاربر ؟ وكيف تسنى لهم الإحتفاظ بمستعمراتهم في هاواي جملة ؟

ولنسأل أوّلاً : ما هو "بيرل هاربر " ؟ وهل هو أرض أميركية أصلاً ؟

إنّه ميناء يقع في جزيرة "هاواي" .

طيّب .. وما هي هاواي ؟

إنّ هاواي الآن ولاية تابعة للولايات المتحدة الأميركية .

وهذه كارثة إذا اكتفينا بهذا الجواب . فكيف صارت هاواي ولاية اميركية ، وماذا كانت ؟

هنا يأتي التاريخ المغيّب الذي تلاعبت به الولايات المتحدة .

لقد كانت هاواي أيها الأخوة مملكة مستقلة فيها شعب وله دولة يحكمها ملك . ثم احتلتها الولايات المتحدة وضمّتها إلى أراضيها وصارت الولاية الخمسين ، وصار ميناء بيرل هاربر (ميناء اللؤلؤ) أرضاً أمريكية بالإحتلال والإكراه وخلع الملكة وسجنها !! فكيف تمّ ذلك ؟

# نبذة عن مملكة هاواي :

-------------------------

هاواي تتكون من أرخبيل من الجزر في المحيط الهادي تبلغ مساحته 166,642 كم. وبحسب إحصائات السكان لعام 2000، فإن عدد سكان هاواي هو 1,211,537 نسمة. "هنولولو" هي العاصمة وأكبر المدن، تتكون هاواي من 19 جزيرة رئيسية.

بيئيا وزراعيا، تعتبر هاواي عاصمة الأنواع المهددة بالانقراض في العالم ، وهي المكان الوحيد الذي تعتبر فيه صناعة القهوة جزءا من الإنتاج الصناعي في الولايات الأمريكية المتحدة. كما أن من أهم منتجات هاواي الزراعية هي الأناناس والموز وقصب السكر وجوز الهند.

وبيرل هاربور (بالإنجليزية: Pearl Harbor أي ميناء اللؤلؤ) ميناء يقع على جزيرة أواهو، التي ينتمي إلى جزر هاواي. ويُعتبر هذا الميناء أحد أميز المرافئ في العالم بمساحته الشاسعة وموقعه البحري ذي الحماية الطبيعية. ويتشكل من مصبّين لمجرى نهر بيرل على مسطح مائي تربو مساحته على 26 كم² صالحة للملاحة، وبه ثلاث (أشباه بحيرات) وهي بحيرات بشواطئ أرضية شبه مكتملة. واشتُق اسم الميناء من محار اللآلئ الذي كان ينمو بمياهه قديمًا.

# الوحش الأمريكي يقترب :

---------------------------

في عام 1898، أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة "جيمس بلين" – بعد أن هناك ثلاثة أمكنة مهمة تستحق الاحتلال الأولى هاواي ثم كوبا وبورتو ريكو.

جزيرة هاواي تثير الشهية لأكثر من سبب كونها محطة عالمية في الطريق إلى الصين، إضافة إلى أنها تتمتع بمياه غنية بالأسماك. وقد تعوّدت السفن الأمريكية أن ترسو في موانئها منذ عام 1820 وفي العام ذاته عين الرئيس مونرو ممثلاً دائماً لأمريكا في هونولولو. ولم تتأخر الإرساليات البروتستانتية بإقامة مراكز دعوة لها في كل مكان من الجزيرة، وعملت هذه الإرساليات بنشاط لدعوة السكان إلى الدين المسيحي مرفقة بحملة دعائية لصالح أمريكا  على المدى الطويل. في الفترة ما بين 1820 - 1840 كان أكثر من 400 مركب صيد تتردد سنوياً على مرافئ هاواي. وقامت تجارة ثلاثية الأطراف بين المرافئ الأمريكية على المحيط الهادي وهونولولو والصين،  وكان خشب الصندل لجزيرة هاواي مطلوب جداً، وكذلك منتجات الشرق الأقصى التي تصدرها الإمبراطورية الوسطى. ومنذ عدة سنوات كان المستوطنون الأمريكان قد اختاروا هذا الركن من العالم وسط الأمواج العالية حيث استولوا على مزارع قصب السكر، وكان السوق الوحيد المفتوح أمامهم بالطبع هو سوق الوطن الأم. ومع مرور الزمن حيكت الأواصر الضرورية من أجل ضم الجزيرة مستقبلاً. فالإرساليات أبهرت العقول، والمستوطنون أمّنوا الإنتاج ، وتم توقيع معاهدة للتبادل التجاري بين الملك كالاكاوا والرئيس غرانت عام 1875. حسب نصوص هذه المعاهدة يُسمح للمنتجات في هاواي أن تدخل بحرية إلى الولايات المتحدة، كذلك تم تأمين استعمال مرفأ بيرل هاربر أمام سفن العم سام.

ومن جديد نحتاج لأن نقول إن "عدوان" اليابان على بيرل هاربور يوم السابع من كانون الأول عام 1941 ينقصه سؤال : كيف امتلك الأمريكان قاعدة عسكرية في بيرل هاربر ؟ وكيف تسنى لهم الإحتفاظ بمستعمراتهم في هاواي جملة ؟

# كيف احتلت الولايات المتحدة هاواي وسجنت ملكتها وضمّتها إلى أراضيها ؟ :

--------------------------------------------------------------

والجواب كما يقول تشومسكي : (هو أننا سرقنا هاواي من شعبها، بالقوة والخداع ، قبل نصف قرن تماما من ذلك التاريخ المشؤوم . وكان من دوافع ذلك الحصول على قاعدة بيرل هاربر . لقد دافعت الولايات المتحدة عن استقلال هاواي طيلة عهد قوة الرادع البريطاني . وفي عام 1842 أعلن الرئيس "جون تايلر" الرئيس العاشر للولايات المتحدة أن لا رغبة للولايات المتحدة بأية منافع خاصة في هاواي ، وهي راضية كل الرضا عن وجودها المستقل . وقد اعترفت بلدان أوروبا الرئيسية وغيرها باستقلال هاواي الذي تقرّر بمعاهدات وإعلانات كثيرة) . لكن ظهر بعد قليل أن هذا الموقف موقف سافل آخر من الأمريكيين حيث انتهت هاواي لتصبح ولاية أمريكية أصيلة . كيف حصل ذلك ؟ وأين وعود هذا الرئيس باحترام استقلال هاواي ؟ وأين ذهبت اعترافات دول أوروبا بها كدولة ؟

بدأ المستوطنون الأمريكيون بالتغلغل شيئا فشيئا في الجزيرة ، وأقاموا مصانع للسكر ، وبدأ الساسة الأمريكيون بالإعلان أن أهمية الجزيرة التجارية والعسكرية لا تُقدر بثمن للإنطلاق صوب اسواق المحيط الهادي . وبدأ المستوطنون بإثارة المشاكل للسكان الأصليين وحكومة المملكة، وطلبوا المساعدة من الولايات المتحدة. فحصل أول إنزال لقوات مشاة البحرية من أجل مساندة المستوطنين عام 1873 أي بعد ثلاثين سنة من إعلان الرئيس "تايلر" المدوّي لاستقلال هاواي. وبعد فشل طغمة المزارعين المستوطنين في الوصول إلى السلطة عن طريق انتخابات عام 1886، عمدوا إلى تنظيم انقلاب عسكري نُفّذ بعد عام من ذلك بمساعدة ذراعهم العسكري "رماة هاواي" ، وضَمَن الدستور الذي فُرض على الملك "كالاكوا" بقوّة الحراب ، حق المواطنين الأمريكيين بالتصويت لأنهم "يملكون" ، ونُزع هذا الحق عن جزء كبير من السكان الأصليين لأنهم لا "يملكون" ، ومنع المهاجرين الآسيويين بوصفهم "غرباء" ، كما كان من نتائج الإنقلاب تسليم مصب "نهر اللؤلؤ – Pearl River" للولايات المتحدة لتقيم قاعدة عسكرية فيه.

ضَمَن التدخل الأمريكي العسكري المتكرّر حسن سلوك الناس. صارت السفن الحربية تحمي المصالح الأمريكية التي صارت تتضمن أربعة أخماس الأرض الصالحة للزراعة في هاواي .

بعد وفاة الملك "كالاكوا" اّل العرش لشقيقته "ليلوكيل" التي حاولت – في كانون الثاني 1892- تغيير الدستور ليسمح للسكان الأصليين بمارسة حق الإنتخاب سواءً أكانوا يملكون أم لا يملكون، وتقليص نفوذ الأمريكيين. أدى ذلك لضغوط من المستوطنين الأمريكان على الملكة لإلغاء تلك التعديلات. ثمّ إتصل ممثل أمريكا في هاواي بالملكة وعرض عليها ربع مليون دولار كرشوة لضم هاواي لأمريكا إلا أنها رفضت. وتمّ إستدعاء الأسطول الأمريكي الذي وصل عام 1893 وأعلن الأمريكيون نهاية النظام الملكي وإقامة جمهورية.  استسلمت الملكة - برغم احتجاجها - للقوة الأمريكية المتفوقة، وتنازلت عن العرش أملا بإنقاذ أنصارها من الموت. غُرّمت الملكة الأسيرة خمسة آلاف دولار وحُكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة بسبب جرائمها ضد النظام العام (خُفّض الحكم عام 1896).

هكذا أُسّست الجمهورية في هاواي تحت حراب المحتل الأمريكي، ونَصّب المزارع الأمريكي "ستانفورد دول" نفسه رئيسا في الرابع من تموز 1894 (تُقدّم كل رشفة عصير الأناناس من ماركة "دول" فرصة طيبة للاحتفال بانتصار آخر من انتصارات الحضارة الغربية كما يقول تشومسكي ) . وإعترف الرئيس الأمريكي "هارسون" بالنظام الجديد. وفي عام 1898 إعلن الكونغرس ضم هاواي لأمريكا !!. وبرغم ذلك ، ولأن البيض كانوا أقلية، فإنها لم تُمنح وضع ولاية إلّا في عام 1959.

أزالت قبضة الحكم الحديدية أي تدخل باقٍ من قبل "الأغلبية الجاهلة" كما سمّاهم المزارعون الأمريكيون الأغنياء مع أنهم مازالوا يشكلون 90% من السكان . وسرعان ما تم تشتيتهم وإفقارهم ومحقهم وطمس ثقافتهم وسرقة أراضيهم.

وقد تكشّفت معلومات لاحقاً تشير إلى أن المستوطنين الذين استولوا على الحكم - ولأنهم مرتزقة وليسوا سياسيين - باعوا الجزيرة للحكومة الأمريكية مقابل 60 مليون دولار!!.

بهذه الطريقة، صارت بيرل هاربر قاعدة عسكرية كبرى في هاواي المستعمرة الأمريكية المحتلة. وتعرّضت بعد خمسين عاماً لـ "هجوم غادر" مشين من قبل اليابانيين الوحوش كما يصفهم الساسة الأميركيون، فهل كان هجوما غادراً ؟ وهل كانت الولايات المتحدة مسكينة ومظلومة في هذا العدوان ؟

# دفاع رئيس وزراء اليابان قبل شنقه :

------------------------------------

عندما تم شنق رئيس الوزراء الياباني "هيديكي توجو" عام 1948 كمجرم حرب من الدرجة الأولى دافع بعناد عن الهجوم على بيرل هاربر بأنه كان فعلا اضطراراريا. فهل يكمن في دفاعه هذا جزء مهم من الحقيقة، وما هو ؟

#  جذور الإستفزاز الأمريكي لليابان :

------------------------------------

بعد أن خاطرت الإمبريالية الأمريكية بنفسها، وذلك بالتدخل للمرة الأولى خارج منطقة نفوذها، أقحمت نفسها بالسير وراء الإنكليز عندما فتح هؤلاء الباب أمامها بإجبارهم الصينيين على توقيع معاهدة نانكين في 29 آب 1842. فقد شاركت الولايات المتحدة عام 1844 في إخضاع الإمبراطورية الوسطى، واستفادت مادياً من أرباح تجارة الأفيون.

في عام 1854 وصل الأميركيون إلى اليابان، وتحت تهديد المدافع أجبر الكومندان ماتو غالبوث بري (1794-1858) الذي اشترك في الحرب ضد المكسيك، اليابانيين على ترك أسطوله أن يحط مرساته أمام مدينة "أدو" اليابانية، خيار "أدو" لم يكن وليد صدفة. بالنسبة لليابانيين كانت أدو مركزاً حيوياً أعلن الأمريكيون عن عزمهم على قصفه أو إغلاقه بالحصار في حالة عدم استجابة اليابان لشروطهم. وبما أنهم أُجبروا على الإذعان، فقد تنازل اليابانيون ووقّعوا الاتفاقيات التجارية الأولى مع الولايات المتحدة، ولم يسبق لليابان أن قدمت مثل هذه التنازلات إلى أجنبي. أما الولايات المتحدة التي تشجّعت فقد عمدت إلى السير قدماً فيما حصلت عليه، فمعاهدات التبادل التي تم التفاوض عليها بالابتزاز والتهديد بالحرب من قبل القنصل الأمريكي "توسن هاريس" بدت أنها مجحفة بحق اليابان. وفي عام 1864 خفضت اليابان رسوم الجمارك إلى 5% من القيمة مما أدى إلى  سلب سيادتها، أما الغربيون الذين لحقوا بالأمريكيين المستفيدين الرئيسيين بذلك فقد حققوا أرباحاً كثيرة عن طريق المضاربات في التعامل بمبدأ الذهب والفضة الذي لم يكن وفق النظام ذاته ذاته في اليابان. واستفادت بشكل أساسي من ذلك الولايات المتحدة فأصبحت المورد للأسلحة وللسفن التي كانت تغذّي الصراعات الداخلية. وساهمت زيادة الأسعار الناتجة عن استبدال النسيج المحلي بالنسيج الأجنبي والمحاصيل المخيبة للآمال نتيجة التكاليف الباهظة بارتفاع البطالة وبالضياع الاجتماعي في أرخبيل اليابان. وأمام هذا الغبن لن يتأخر اليابانيون بالتعبير عن ردة فعلهم التي يبدو أنها ستتطلب استفزازات أمريكية أكثر وأكبر لكي تنفجر في صورة ردّ عنيف.

# الإستفزازت الأمريكية لليابان تستمر :

---------------------------------------

طلب وزير الخارجية الأمريكي "كورديل هل" في مفاوضاته مع الأدميرال الياباني "نومورا" قبل الهجوم على بيرل هاربر ، أن تفتح اليابان أسواقها وأسواق دول شرق وجنوب شرق آسيا ، وخصوصا الصين التي تسيطر عليها، أمام حرية التجارة الأمريكية . وافق اليابانيون في 7 تشرين الثاني ، ولكنهم طالبوا بمبدأ المعاملة بالمثل في مختلف أنحاء العالم .

هل في هذا الطلب بالمعاملة بالمثل اي شيء من الغرابة ؟

نعم . فالسياسي الأمريكي يقوم سلوكه على أساس الإستهتار والبلطجة . ولهذا كان وقع الطلب الياباني شديدا على "هل" ، وقد قام بتذكير محدثي النعمة الوقحين هؤلاء بوجوب اقتصار تطبيق هذا المبدأ على منطقة النفوذ الياباني وحدها فحسب. وفي سياق رفضه الطلب الوقح الذي قدمه اليابانيون أسف "هل" : "لسذاجة تفكير الجنرالات اليابانيين الذين كان صعبا عليهم أن يفهموا لماذا كان على الولايات المتحدة أن تؤكد زعامتها في نصف الكرة الغربي بمبدأ مونرو من ناحية، وأن تتدخل في الزعامة اليابانية في آسيا من جهة أخرى" ، مذكّراً تلاميذه المتخلفين "الصفر الصغار" أن مبدأ مونرو "بصيغته الموحدة التي نفهمها ونطبقها منذ عام 1823 ، لا يتضمن إلا خطوات لحماية وجودنا المادي" .

# وقفة عند "مبدأ مونرو" :

-----------------------------

لنسأل الآن ما هو "مبدأ مونرو" الذي يتحجج به الوزير الأمريكي هذا والذي يمنع اليابان من النشاط التجاري في نصف الكرة الغربي خصوصا ؟

إنّه مبدأ أعلنه الرئيس الأمريكي "جيمس مونرو" (خامس الرؤساء الأمريكيين) في رسالة سلّمها للكونجرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م. نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم. ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لايجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات لأي قُوى أوروبية في المستقبل.

في الظاهر سيدهشك الحرص الإنساني الأمريكي، أمّا في الباطن فقد كان هذا الإعلان (مثل حق تقرير المصير الولسوني) سبب خراب شعوب أمريكا الجنوبية حيث صار شريعة للوحش الأمريكي لاحتلالها ومصادرة ثرواتها على أساس أن أمريكا الجنوبية هي "حديقة منزلنا الخلفي" كما كان يردد المسؤولون الأمريكيون. استبدل هذا المبدأ الإستعمار الأوروبي لأمريكا اللاتينية بالإستعمار الأمريكي.

ففي أوائل القرن العشرين، أعطى الرئيس الأمريكي "ثيودور روزفلت" حياة ومعنىً لمبدأ مونرو؛ فقد أشار إلى أن الضعف والممارسات الخاطئة في أي من الدول الأمريكية الصغيرة ربما تغري الدول الأوروبية بالتدخل، وتؤثّر على الأمن القومي الأمريكي.

ظهر للرئيس روزفلت أنَّ الدول الأوروبية لها ما يبرِّر مُحاولتها حماية أرواح مواطنيها وممتلكاتهم أو جمع الديون المُستحَقَّه لها في أمريكا اللاتينية، لذلك أكّد على أنَّ الدّفاع عن مبدأ مونرو يتطلّب من الولايات المتحدة منع هذا التّدّخل المبرَّر؛ وذلك عن طريق التّدخّل بنفسها. وتحت هذه السياسة، سياسة العصا الغليظة أرسلتْ الولايات المتحدة جيوشها إلى جمهورية الدومنيكان في عام 1905م، وإلى نيكاراجوا عام 1912م، وهاييتي عام 1915م. تلا ذلك رفع مبدأ مونرو كشمّاعة لكل المحاولات التدميرية والإغتيالات وفرق الموت والقصف الجوي والحصارات وغيرها الكثير من الأساليب التي اتبعتها الولايات المتحدة ضد كوبا وفنزويلا وغواتيمالا والإكوادور وهندوراس والسلفادور وتشيلي وغيرها الكثير من دول أمريكا اللاتينية التي أُخرج بعضها من الحياة والتاريخ .

# عودة : الولايات المتحدة تستعد لحرق اليابان قبل بيرل هاربر :

------------------------------------------------------------

لا أحد يجادل بأن اليابان كانت تمارس حقها المشروع في الدفاع التحسّبي عن النفس عندما قصفت قواعد عسكرية في مستعمرتي أمريكا الفعليتين : هاواي والفيلبين، وذلك لعلم اليابانيين بأن القلاع الطائرات الأمريكية من طراز (ب – 17) كانت يومها تترى خارجة من مصانع بوينغ في الولايات المتحدة، وكان في مقدورهم أن يقرأوا في الصحافة الأمريكية أن تلك الطائرات قادرة على إحراق طوكيو تماماً، وهي "المدينة المشيّدة بيوتها بالخشب وورق الأرز". واستقبل وزير الخارجية "كوردل هل" خطة لقصف طوكيو ومدن كبيرة أخرى - في تشرين الثاني 1940 - بحماسة منقطعة النظير . في حين طرب الرئيس الأمريكي الثاني والثلاثين "فرانكلين روزفلت" (يختلف عن الرئيس السادس والعشرين "تيودور روزفلت" ويلتقي معه في الجدّ الخامس) - ببساطة - للفكرة التي شرحها على الخرائط عقلها المُدبّر جنرال سلاح الجو "كلير لي شنو" بأنها تستهدف "إحراق القلب الصناعي للإمبراطورية بإلقاء القنابل الحارقة على الأوكار الخيزرانية العاجّة بالنمل في هونشو وكيوشو" ، على حدّ وصفه . ولم يحل شهر تموز1941 ، إلّا وكان الفيلق الجوي قد بدأ يشحن بحراً طائرات (ب – 17) إلى الشرق الأقصى استعداداً لتدمير اليابان، ناقلاً نصف مجموع عدد قاذفاته الضخمة من المسالك البحرية في المحيط الأطلسي إلى تلك النقطة ، وعند الضرورة لن تتورّع عن استخدام الطائرات "لإضرام النار في مدن اليابان الورقية"، هذا ما قاله الجنرال "جورج مارشال" في إيجاز صحفي خاص أدلى به في 15 تشرين الثاني من ذلك العام ، مضيفاً بأنه "لن يكون هناك أي تردّد في قصف المدنيين" . وبعدها بأربعة ايام أفاد كبير مراسلي نيويورك تايمز معتمدا على إيجاز جورج مارشال ، بأن الطائرات الأمريكية ستقصف اليابان من قواعد في سيبريا والفلبين ، كان سلاح الجو ينقل إليها على عجل قنابل حارقة لضرب أهداف مدنية في اليابان، وقد علمت واشنطن من برقيات استطاعت أن تفك شيفرتها أن اليابانيين كانوا على علم بشحن طائرات (ب – 17) .

إن كل هذا يوفر مسوّغا أقوى بمراحل للدفاع التحسّبي عن النفس والحرب الوقائية من كل ما ابتدعه بوش وبلير وشركاؤهما بعد ذلك خصوصا في هجومهم على العراق وتدميره.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت الحياد في الحرب الثانية من الناحية الرسمية، إلا أنها شاركت في الحرب منذ أن بدأت بتقديمها الدعم والإمدادات إلى الدول التي كانت تواجه قوى المحور محاولة منها للحد من التوسع الياباني والألماني.

وفي عام 1940، أوقفت الولايات المتحدة شحنات الطائرات، وقطع الغيار، والمعدات الآلية، وبنزين الطيران، استناداً لقانون الرقابة على الصادرات. الأمر الذي أعتبرته اليابان عملاً عدوانياً.

ثم أوقفت الولايات المتحدة صادرات النفط إلى اليابان في صيف عام 1941 بسبب القيود الأميركية الجديدة التي طُبقت على الاستهلاك المحلي للنفط. نقل الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" أسطول المحيط الهادئ إلى هاواي، وأمر بزيادة القوات العسكرية في الفلبين على أمل إحباط أي عدوان يابانى في الشرق الأقصى.

وهنا قرّرت اليابان القيام بهجوم استباقي لحماية نفسها ، بدلاً من انتظار التدمير الأمريكي الذي يكون وحشيّاً ودمويّاً عادة ، فكانت ضربة "بيرل هاربر" .

# نتائج هجوم بيرل هاربر:

--------------------------

نتج عن الهجوم اغراق أربع بوارج حربية من البحرية الأمريكية، كما دمَّرت أربع بارجات أخرى. أغرق اليابانيون أيضاً ثلاثة طراريد، وثلاث مدمِّرات، وزارعة ألغام واحدة، بالإضافة إلى تدمير 188 طائرة. أسفرت الهجمات عن مقتل 2,402 شخص ، وجُرح 1,282 آخرين. لم تُصب الهجمات محطة توليد الطاقة، وحوض بناء السفن، ومركز الصيانة، ومحطة الوقود، ومخازن الطوربيد، فضلاً عن أرصفة الغواصات، ومقر البحرية الأمريكية ومقر قسم الاستخبارات. بينما كانت الخسائر اليابانية ضئيلة، فقد دُمِّرت 29 طائرة وأربع غواصات قزمة، وقُتل أو أُصيب 65 جندياً فقط.

قال هتلر في كلمة ألقاها بعد هجمة بيرل هاربر :

 (لحقيقة أن الحكومة اليابانية التي ظلت تتفاوض لسنوات مع هذا الرجل "فرانكلين روزفلت" ، أصبحت في النهاية تشعر بالملل من سخريته منها بهذه الطريقة الغير لائقة).

لم تنفّذ القوات اليابانية المرحلة الثالثة من الهجوم التي كانت كفيلة بإخراج الولايات المتحدة من الحرب لأكثر من خمس سنوات ، وذلك لسوء التقديرات وللخلافات داخل القيادة العسكرية اليابانية.

# تساؤل مهم جدا :

يتساءل مؤلّف "كتاب أمريكا المستبدة" الفرنسي عن موقعة بيرل هاربر بالقول :

(يجب أن نعترف بأن أسطولاً يابانيا بهذه الأهمية وقادراً على التوجه إلى جزر هاواي، دون أن يتمكن النظام الدفاعي الأمريكي من اكتشافه، يشكل أمراً مشبوهاً ، وخاصة إذا علمنا أن إدارات مسؤولَيْن كبيرين في القيادة الأمريكية قد تم إخطارها بالتهديد الياباني، وهذان المسؤولان هما : الجنرال جورج مارشال رئيس أركان الجيش الأمريكي ، والأميرال كنغ قائد أسطول الأطلسي.

وَفَّرَ الهجومُ الياباني على بيرل هاربر العنصر الحاسم الذي جعل الولايات المتحدة تقرر دخول الحرب. لكن هل كان ذلك مفاجأة ؟ ودون اللجوء إلى الإدعاء كما فعل بعض المؤرخين بأن اقتراب الأساطيل اليابانية الذي حدث قصداً من أجل أن يصبح اشتراك الولايات المتحدة في الحرب أمراً لا يمكن تحاشيه. إلا أننا بالمقابل نستطيع أن نؤكد بأن المجابهة مع اليابانيين كانت مُخططة سلفاً، وإلا كيف لنا أن نفسر الإجراءات الاقتصادية بحق اليابان في أيلول 1940 إلى تموز 1941 التي هدفت إلى حرمان هذا البلد من المنتجات الإستراتيجية خاصة البترول؟) .

# النفاق السياسي الأمريكي؛ أمريكا تغض الطرف عن جرائم اليابان في الصين، وتعيد الفاشية إلى الحكم بعد الحرب :

-------------------------------------------------------------------

قبل موقعة بيرل هاربر، كان معظم رجال الأعمال الأمريكيين وكثير من المسؤولين في الولايات المتحدة يرفضون "الفكرة الشائعة القائلة إن اليابان كانت "بلطجيا – Bully" كبيرا، وأن الصين ضحيّة تُداس بالأقدام من قبلها" .

لماذا ؟

لأنه كانت هناك مصالح وأموال تأتي للأمريكيين من اليابان، ولذلك لم يقل قادة الولايات المتحدة أي كلمة إدانة عن جرائم اليابان التي قتلت (10 – 13) مليوناً من الصينيين حسب أقل التقديرات ، خلال فترة 1937 – 1945 !!

السفير "جوزف غرو" (وهو شخصية ذات وزن في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأقصى ) قال في كلمة ألقاها بطوكيو عام 1939 : إن "العيب في النظام الياباني في آسيا هو أنه نظام اقتصاد مُغلق .. يحرم الأمريكيين من حقوقهم القديمة في الصين". لم يكن لدى "غرو" ما يقوله عن الضحايا الصينيين ، ولا عن حق الصين نفسها بالإستقلال الوطني، ولا بشأن اغتصاب اليابان لـ "نانكين" - الميناء الصيني الكبير - قبيل الحرب الثانية، ولا عن احتلال اليابان لمنشوريا الصينية من 1905 – 1945 !

احتجت الولايات المتحدة عام 1940 على هذه التصرفات أي بعد تسع سنوات على غزو منشوريا، وثلاث سنوات على التصعيد الدموي في الصين، فلماذا هذا التأخير في ردّ الفعل الأمريكي ؟

السبب هو المصالح الاقتصادية والمال.

ولماذا لا تركز الولايات المتحدة على هذه الجرائم وتكتفي فقط بالتركيز على ضربة بيرل هاربر في الوقت الحاضر ؟

أرادت الولايات المتحدة "خلق ديمقراطية" في اليابان بعد الحرب ، لكن "بعد سقوط الصين في يد الشيوعية عام 1949" ، واندلاع الحرب الكورية بعد عام من ذلك . غيّرت واشنطن تفكيرها مُقرّرة مساندة حكومة محافظة – في الحقيقة "فاشيّة" - مستقرة في اليابان لتتصدى للشيوعية في آسيا سامحة أحيانا، حتى لمجرمي الحرب اليابانيين بالعودة إلى السلطة .

لكن حدث "تغيير النهج" – في الحقيقة - قبل عام 1947 ، أي قبل سقوط الصين بوقت طويل (والأصح قبل الإطاحة بنظام طغياني في الصين مدعوم من الولايات المتحدة على يد حركة محلية)، وقبل ثلاث سنوات من البداية الرسمية للحرب الكورية حين كانت المرحلة ما قبل الرسمية في أوج انطلاقها، وعندما كان النظام المفروض أمريكيا ومؤيدوه الفاشيون الذين أعيدوا إلى مراكزهم على يد جيش الإحتلال الأمريكي، مشغولا بذبح حوالي مئة ألف من أعداء الفاشية وغيرهم من الملتزمين بالحركة الشعبية ، التي لم يكن عملاء الولايات المتحدة قادرين على مواجهتها في حلبة المنافسة السياسية .

استدعى "تغيير النهج" الأمريكي إيقاف التجارب الديمقراطية التي كانت تهدّد السلطة القائمة . وتحركت الولايات المتحدة على نحو حاسم لتحطيم النقابات اليابانية وإعادة إنشاء المجمّعات الصناعية – المالية التقليدية ، داعمةً بذلك المتعاونين مع الفاشية، ومُقصية العناصر المعادية للفاشية، ومُعيدة حكم رجال الأعمال التقليدي المحافظ . وكما تشرح الورقة المعدة عام 1947 تحت إشراف المصمم الرئيسي لسياسة تغيير النهج ، وهو "جورج كينان" – مخطِّط السياسة الأمريكية الخارجية في أواخر الأربعينات والخمسينات - كان للولايات المتحدة : (الحق الأخلاقي بالتدخل للحفاظ على الإستقرار ضد الجماعات العاملة سرّاً لمصلحة الشيوعيين، وانطلاقا من الإعتراف بأن القادة الصناعيين والتجاريين السابقين في اليابان هم أقدر القادة في البلاد، وأنهم أكثر العناصر استقراراً، وأنهم يملكون أقوى الروابط الطبيعية مع الولايات المتحدة، فلا بُدّ أن تقوم سياسة الولايات المتحدة على إزالة العوائق أمام حصولهم على مكانتهم الطبيعية في صفوف القيادة اليابانية) .

أُنهيت حملة التطهير ضد مجرمي الحرب، واستُعيدت البنية الأساسية للنظام الفاشي. وقرّر الإحتلال الأمريكي وضع مسألة "الذنب" – ذنب اليابان في الحرب - على الرف . ولم يكن الجنرال "ماك آرثر" ليسمح بمقاضاة الإمبراطور ، ولا بأن يُستخدم كشاهد في المحكمة ، ولا أن يُستجوب من قبل مُحقّقي الإتهام الدوليين إبان محاكمة جرائم الحرب، وذلك برغم وفرة الأدلة على مسؤوليته المباشرة عن جرائم الحرب اليابانية . توفّرت هذه الأدلة لدى "ماك آرثر" ، لكنها بقيت سرّية . وكان لهذا التبييض لصفحة الملكية نتائج ضخمة في أعادة تأسيس النظام المحافظ التقليدي، وهزيمة البديل الأكثر ديمقراطية . 

يرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة لم تكن تعترض على السلوك الإستعماري الياباني في آسيا بأي كلمة، لأنه مماثل لسلوك الولايات المتحدة في هاييتي وهاواي ونيكاراغوا والدومينيكان وغيرها . ويرى "تشومسكي" : "أنّ لا أحد من السياسيين الأمريكيين يذكّر بجرائم اليابان حتى يومنا هذا ، لأنّ سلوك القادة الأمريكيين هو سلوك النازي نفسه".