وهل يمكن للكلمات أن تعبّر عن التعذيب ؟؟؟؟

وهل يمكن للكلمات أن تعبّر عن التعذيب ؟؟؟؟

عقاب يحيى

في " اليوم العالمي" للتعذيب.. تبرز "سورية الأسد" رائدة . مدرسة متكاملة لاشتلاع الآدمية، وقهر الإنسان، وإذلاله، واغتصاب حقوقه، وشرفه، واغتيال أفكاره، وكرامته..

ـ إن توصيف مملكة الرعب، والصمت، والمخابرات، والاغتيال المنظم، والاجتثاث المبرّمج للبشر المعارضين .... وجميع كلمات التوصيف تبدو صغيرة ولا تلمّ بالحقائق التي مورست وتمارس ضد السوري منذ عقود، والتي وصلت ـ مع الثورة ـ إلى وضع قياسي يضع نظام الطغمة في مقدمة أنظمة القتل والإفناء، والتعذيب في العالم بكل جدارة واستحقاق ..

******

ـ لم يكن الطاغية الأسد ذلك العبقري الذي ارادوا تسويقه للناس : الأطفال قبل الكبار، ولا ذلك السياسي المحنك، والتكتيكي البارع، و"المثقف" البعثي والقومي .. وغير ذلك من أوصاف ـ مأجورة ومزيّفة ـ انهالت عليه كمطر تشرين المحمّل بالأقذار ..لأنه، باختصار كان : دموياً، حقوداً، نرجسياً، تقايضيا يعشق السلطة حتى لو كان الثمن التضحية بالبلد ، وبكافة قضايا الأمة، وكان طائفياً أيضاً يراكب خلاصات الحقد الخزين بذات مريضة أنتجت مملكة حقيقية للصمت، والرعب، والإخضاع.. قانونها، وأسسها : القمع، والتعذيب، والتصفيات متعددة الأشكال.

ـ "شطارة" الطاغية الأكبر تلخصت في فهم أسرار الانقلابات العسكرية السورية التي كانت طبيعة السوري وعشقه للسياسة، والشأن العام محركها الرئيس، فعمل على انتزاعها منه، وقتل ذلك الاندفاع السوري الوطني والقومي والإنساني.. وكل ذلك عبر الاعتقال، والتصفيات، والتعذيب، والرعب المعمم.

ـ نجح الطاغية الأكبر في إقامة"دولة أمنية" بكل المواصفات، فأنشأ منذ البدايات عديد الأجهزة الأمنية المتفرّعة حتى وصلت أرقاماً قياسية، ووضع على رأسها الموثوقين من الطائفة والأتباع، ومنحهم صلاحيات كاملة ليفعلوا ما شاؤوا بالمواطن : إهانات واعتقالات على الشبهة، ثم الرمي بالفروع الأمنية، والسجون الكثيرة التي أحدثوها إلى ما شاء المزاج الحاقد، واستخدام أبشع وسائل التعذيب، والاغتصاب، والقهر، وكسر الإرادة، والإباء، والشرف، وتعميم ذلك الخوف المشحون بكل الصور التي نشروها عن جبروتهم ، وعالمهم السري، وعن المصير الأسود لأي معارض يتنفّس بشيء مخالف، لا يناسب الأقنمة المفروضة.

ـ وإلى جانب ذلك جندوا الآلاف مخبرين يبيعون الضمير، بدءاً من الحزب الذي نتفوه وجرجروه إلى بحيرتهم الآسنة، و"المنظمات الشعبية"، وحلفائهم الديكوريين في "الجبهة الوطنية التقدمية".. إلى عامة المواطنين في الأحياء، وسائقي سيارات الأجرة، واصحاب الحوانيت والبقاليات، ومخبرين على المخبرين، ومخبرين على رؤساء فروع، وضباط كبار في الجيش والأجهزة.. حيث يخشى المسؤول غيره، وسط أجواء مشحونة من فقدان الأمان، والثقة، وشعور الجميع بأن ذرات الغبار تراقب البشر وترصد غرف النوم، وتنفسهم. وأن هناك عيون ترى في كل الأوقات، وخلف الحواجز، لدرجة أن الأب بات يخاف ابناءه، والقريب اقرباءه، والزوج زوجته..

ـ أما التعذيب فهو الدم الأسود الغزير الذي يجري في عروق ذلك النظام القاتل، وقد برع فيه عديد المجرمين، والساديين، والمازوشيين درجة الانفلات الكامل من أي ضمير، أو محاسبة، فمارسوا شهواتهم الإدمانية في الاغتصاب، والقتل البطئ وبالقطعة، وانتزاع أعضاء من المعتقل، والتصفية الجسدية المبرمجة.. ليسجلوا اسمهم كأكبر مجرمي الإبداع في وسائل وفنون وأشكال وتعدد وسائل التعذيب..

******

وريث الحقد والمجون.. وهو يستقبل أصوات الحربة عبر أطفال درعا.. كان يتصرف وفق تلك الخلفية، البنية، الثقافة، التربية التي امتلأ بها : العنجهية والبجاحة والاستهتار بقيم وحقوق وكرامة المواطن، ولسان حاله، وتعليماته، وتصرفاته تقول : ومن يكون هؤلاء؟، وما ينفع مع هؤلاء سوى المجرّب : الاعتقال، والتعذيب والقتل.. فأعطى أوامره الصريحة بمزيده درجة الفيض المعمم.. وهو يعتقد أنه سينهي بذلك صوت الحرية، وسيعيد الناس إلى قنّ الخضوع والتدجين .

ـ إن أي رصد دقيق لما جرى عبر سنوات الثورة لأعداد المعتقلين. لوسائل وحجم وىثار التعذيب . للذين تمّت تصفيتهم بوسائل مريعة، والذين اغتصبوا من الجنسين، والذين سرقت عديد أعضائهم، وتشوّهوا، والذين أعطبوا ، أو قتلت ذكورتهم، والذين تعرضوا لأقذر وأشرس وسائل التعذيب، والإهانة....لا يمكن لجميع منظمات ومراكز وجهات حقوق الإنسان أن ترصدها لأنها بكل واقعية حالة إجرام متكامل بخبرات تفوق الوصف.

ـ إن الأرقام التي تشير إلى اعتقال ما يقرب النصف مليون من السوريين، وتعرضهم جميعاً لشكال مختلفة من التعذيب الشنيع، أو الحديث عن عشرات آلاف المفقودين، وعشرات آلاف المغتصبات والمغتصبين، وعن وسائل التعذيب المعروفة والجديدة، وحياة المعتقل ، والمحتشدات، والمعاملة التي يلقاها، والطعام.. كل ذلك يبدو مجرد كلام توصيفي عاجز عن سبر الحقيقة والإحاطة بها..لأن سورية كلها في مواجهة فجور الحقد وطغيانه، وفي استخدامه سياسة وحيدة ..ورهاناً للقضاء على صوت الحرية، وإعادة المواطن إلى ما تبقى من محاشد مملكة آل الأسد.. ومحتشداتها المميتة..