أستاذ غريب..

clip_image001_f8588.jpg

أيُّ رحىً تجوب في مُخيلتي، وأيُّ كوتٍ تُحيط بذاكرتي، وأيُّ جوىً يتمتم في صومعتي لأجلك يا " أستاد غريب " بالفريج الشمالي، وهجر الماء والنخيل؟!

أكاد أجزم أنك خلدت ذكرك في دواخل حارتك ومدينتك ووطنك..

كيف لا وقد تخرجت على يديك الأجيال باختلاف أعمارهم وتخصصاتهم وإبداعاتهم..

باحتراقك كالقنديل لتضيء لنا ولهم درب التحدي والكفاح من وقود روحك، وبهاء طيبك، ونقاء أصلك يا أستاذنا ووالدنا الأجل..

ثلاثة عقودٍ ونيف كبلتها أيادي العمر، وما زالت المآقي تُطأطئ برموشها لقلبك الطاهر الشفيف بالشكر والعرفان..

أتذكرك جيداً وأنت تحزم غترتك على بطنك وظهرك كالحلقة بين صفوفنا الأولى لتجوب بنا ساحة مدرسة الجارود الابتدائية بالكوت كالقطار،

وطاقيتك المائلة المزركشة بالزري الفضي على رأسك هاتفاً بأعلى صوتك: " طوط طوط أنا القطار السريع طوط طوط..

أتذكرك جيداً وأنت تكتب درس المطالعة بالسيناريو والتمثيل..

ولعل الصديق: عادل بن حسن الحرز ( الزبيري النعاثلي الشرقي ) يتذكر دوره جيداً بالطربوش، وحزمة المال المربوطة بالمغاط!

أتذكرك جيداً وأنت تُحيل من ( كراتين ) بيبسي مصنع حمد بن حمد القصيبي للمرطبات لوحة فنية بالصور الملصقة عليها أ / أرنب، ب / باز، ج / جار للفصل بأكمله..

ولم تكتف بهذا الحد بل أدرجت من ذاتك درس الإملاء من ذلك الحين في صف أول ابتدائي، وكأني بك بنَفَس اللهجة الحساوية مترنماً لنا ومعنا:

ــ شفتوا الكلمة؟

: إيه

ــ طالعتوها عدل وزين؟

: إيه

ــ أمسحها، أخشها..

: إيه

واحد، أثنين، ثلاثة..

كتبوها يا شطار..

أتذكرك جيداً في طابور المدرسة وأرض ساحتها الترابي، وأيضاً وقوفك لتنظيم صفوف المقصف،

وخبزة الزعتر بيمينك بالفسحة الأولى وأنت متكئ على سور الممرات، وحليب مصنع بوخمسين ( أبو مزاز ).

أتذكر أبوتك جيداً وأنت تساعد كل محتاجٍ أو يتيمٍ أو فقيرٍ بالمال والتحفيز،

وكذاك كل مقصرٍ أوغائبٍ عن المدرسة بالمتابعة والعقاب بالدفاتر والأقلام، والتعليم والتمرين حتى في العطل الدراسية...

أتذكرك جيداً وأنت تأخذ الطلاب من منازلهم، وترجعهم إليها نهاية كل دوامٍ مدرسيٍ بسيارتك الجيب الميتسوبيشي، والكرسيدا دون كللٍ أو مللٍ..

فهل نسيت حصص الانتظار، وتعليمنا كيفية رسم حروف الأبجدية بالطباشير الملونة، وتكرارها مراراً؟!

أم أن الزمن أرهقك بأوجاعه، لتظل دموعك محبوسة في عينيك، وأنت تعانق تلاميذك كلما مروا للسلام عليك بكل محفلٍ أو مأتم؟!

"ياووو" باللهجة الحساوية وتفيد بالاستفهام والتعجب في آنٍ.. وأنت تُمسك بيد ولدي محمد، وتهمس بأذنه بصالة الثلج للأفراح:

( تره اسمك على اسمي، وأنا درست البابا، وأبي أشوفك شاطر مثلي / كفوووو )..

قد أدرت عقارب الزمان حولك وعليك يا حبيبي..

لتُنير نبضي من فؤادك..

فسل أبناء أختك علي ومحمد وحسن أنجال عبد الله الحرز ( أبو مسلم )

عن حقيقة خالهم، وكذلك أبني أخيك حسن علي وعماد عن صولات عمهم بالإدارة والتدريس والمتابعة والتحفيز والبذل من جيبك الخاص دون تذمر!

فهل تذكر على البيت ناكل حلاوة وشكليت؟

وهل تذكر وطاق طاق طاقيه

رن رن يا جرس..؟

وهل تذكر لعبة الطحين والحلقوم والخيشه؟

وهل تذكر الربيان في الصحن الكبير، وأكله بيمينك ( هم، هم )؟

قل لي بربك هل ما زالت طباشير الإبداع بحوزتك،

أم أن المكعبات وميزان العد للحساب تُراهن عليك إلى يومنا هذا يا أستاذ الأجيال: محمد بن علي بن علي الغريب؟

وسوم: العدد 694