الراقصون على الأجداث والأشلاء .. من هم !؟

الدبكة والمهرجان في كوميديا غوار الطوشة السوداء

يبدو أن بعض السوريين ما زالوا مستعدين للضحك في كوميديا ( غوار الطوشة ) السوداء . 

كثير من السوريين من قبل يظنون بأنفسهم الثقافة والوعي كانوا يقررون بلغة عصرونية ( هذا الرجل يجعلنا نضحك على أنفسنا ) . ربما كان في ذلك نوع من الجدل الثقافي أو الفني المقبول عند قوم ، والممجوج عند آخرين .

ثم ليكتشف كل من فيه بقية من عقل وثقافة مع انطلاقة ثورة العدل والحرية والكرامة الإنسانية أن الرجل كان يضحك عليهم بإضحاكهم . كان يسخر منهم ، ويمعن في تقريعهم وإذلالهم بأن يضع أصبعه في أعينهم مكررا على أسماعهم كل ما يفعله بهم الطاغية سيده أفرادا وأجيالا ، ذكورا وإناثا ، كبارا وصغارا .

وبعد كل هذا الذي اكتشفه السوريون عن مسرح ( غوار الطوشة الصغير) ، والذي هو صورة مصغرة عن مسرح بشار القاتل الكبير، والذي يقوم هو الآخر على إذلال الناس وإهانتهم والكذب عليهم بوضع أصبع في العين ؛ ما أسرع ما نرى بعض من يحسب على الوعي والعقل يتوه تحت بوارق الفتنة ، فيعود ليندمج مع مسرح الطوشة ، والتفاعل مع ما يعرض على خشبته من ترهاته ...

لقد عشنا في حَرور هذا العصابة قريبا من أربعة عقود ، أربعة عقود ونحن نتابع بوعي ( مسرح الطوشة ) وندرك خفاياه وأبعاده وحقيقة الأشخاص الذين يتراقصون عليه . 

خَبِرنا ماذا تعني الاستفتاءات والانتخابات ، خَبِرنا ماذا تعني نتائجها ، خَبِرنا ماذا تعني المسيّرات من مئات الألوف المؤيدة والمؤبدة والمصفقة ( خبرها الكثيرون من الذين كانوا يحشرون تحت العصا فيها ) . وخَبِرنا ماذا تعني المهرجانات والدبكات والرقصات ، وخبرنا ماذا تعني الشعارات ، خبرنا معنى الوحدة والحرية والاشتراكية ، وخبرنا معنى الأسد إلى الأبد ، والأسد أو نحرق البلد ، وخبرنا معنى ( وأن نقضي على جماعة الإخوان العميلة ..) وخبرنا معنى ( لا صوت يعلو على صوت المعركة ) . وخبرنا حقيقة العمائم المستأجرة ، والأقلام المأجورة ، والكلاب المسعورة .لم يختلط علينا في أي يوم مضى الصياح والنباح ، فهل يختلط علينا بعد هذه التضحيات ؟

خبرنا كل ذلك وفهمناه وتعلمناه ، ونحن على مدى أربعين سنة لم ننخدع يوما به . والمجرم نفسه لم ينخدع يوما به . هو يعلم أنه الجرثوم الغريب المزروع في الجسد الحي . لم تخدعنا ولم تخدعه يوما مظاهرات ولا لافتات ولا شعارات ولا راقصون ولا راقصات ساروا في الشوارع وهتفوا على المنابر . لذلك ظل هذا الشعب نابذا وظل هذا المسلط بقوة الآخرين عدوا ، وإنما سُلّط ليكون عدوا ...

فما بال بعضهم اليوم تدور به الدنيا ، وهو يرى نفرا من الأراذل المستأجرين والمزيفين يرقصون على الأجداث وعلى الأشلاء وعلى الأنقاض ...؟! ما بالهم يغفلون عن حقيقة هؤلاء الراقصين والراقصات..

هل حقا هم غاضبون ...؟!

 آما آن لنا أن نحرق الخشبة والمسرح ونسقط الكاتب والمخرج والممثلين؟! ؟! أما آن لنا أن نراهم فنعرفهم في سيماهم . (( وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ))

هوّنوا عليكم ليسوا منكم ، ليسوا منا ، ليسوا من هذا الشعب العظيم ، ليسوا من حوران ولا هم من دمشق ولا من حمص ولا من حماة ولا من حلب ولا من ديار ربيعة ولا بكر ...

أولئك .. ليسوا منا على الحقيقة بكل تجسداتها وعلى المجاز بأرقى آفاقه وكل معانيه ...

وهوّنوا عليكم فإنما هم الزبد والغثاء ..

(( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ))

 وأنتم أنتم أنتم أيها الثوار الأحرار الأماجد الأبطال من يمكث في الأرض..

فلا تعظّموا شأن الزبد بالحديث عنه ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 698