هل يفاوض الفلسطينيين مرة أخري ؟

هل يفاوض الفلسطينيين مرة أخري ؟

د. هاني العقاد

تحدثت بعض التقارير أن هناك قنوات سرية تتواصل من خلالها شخصيات فلسطينية مع رجالات سياسة إسرائيليين لمحاولة إيجاد حلول لازمة المفاوضات الراهنة , كما أن أوساط أمريكية مسئولة أعلنت الأسبوع الماضي أن كبار المسئولين الأمريكيين قد يعودوا للمنطقة في جولة جديد لمحاولة استطلاع الموقف الذي يسود الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية خاصة بعد توقف المفاوضات الرسمية وانتهاء فترة التسع شهور التي حددها كيري للوصول لاتفاق على الأقل يؤدي لتناول قضايا الحل النهائي بما يمكن من تطبيق مشروع حل الدولتين على أسس شرعية قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن, ومبادرة السلام العربية ,وفي هذا المجال جاءت سوزان رايتس مستشارة الأمن القومي الأمريكي لرام الله للقاء الرئيس أبو مازن و استطلاع وفحص ما إذا كان بمقدور الفلسطينيين العودة للمفاوضات ,وما الأسس التي تساهم في ذلك واعتقد أن رايتس أيضا جاءت لتهيئ لزيارة كبار رجال السياسة الأمريكية للمنطقة الأيام القادمة على الأقل ليجدوا ايجابيات فلسطينية ما, وقد لا تخلوا زيارة رايتس بعض التهديدات للرئيس أبو مازن بأنه إذا استمر في عدم التفاوض والتوجه للأمم المتحدة يحرج أمريكا , , وهذا ما دفع الرئيس للقول في حديث متلفز أن إسرائيل هي من أوقفت المفاوضات بعد الامتناع عن إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسري ,و اعتقد ان زيارة رايتس و كبار السياسيين الأمريكيين عبارة عن محاولات لإبقاء باب المفاوضات مفتوحا  وعدم قطع خطوط الاتصال التفاوضي بين الأطراف تحت أي ظرف كان, إلا أن هذه الخطوط في مجملها خطوط ليس على مستوي كبير من الأهمية ولا حتى تبشر بانفراجة في أزمة المفاوضات ,وقد لا تنجح في تحقيق شيئا ايجابيا يمكن البناء عليه , وقد لا يكتب لهذه الاتصالات أن تتطور و تصل لمرحلة إزالة العقبات التي وضعتها إسرائيل في طريق التفاوض خلال فترة قصيرة لان إسرائيل نفسها لا تشعر أنها مضطرة كثيرا للمفاوضات والتوصل إلى صيغة سلام خارج قاعدة الإجبار الدولي. 

قد لا يكون مجديا البقاء في مربع الانتظار لما ستتمخض عنه زيارة كبار المسئولين الأمريكيين  في محاولة منهم لإحداث انفراجة في أزمة المفاوضات , لان الأمريكان حتى اللحظة لا يعتبروا الأسس التي يراها الفلسطينيين هامة للعودة للمفاوضات يمكن أن تقنع نتنياهو بالتفاوض ولا يستطيعوا في نفس الوقت تحديد قضايا التفاوض زمنيا وهذا خلل في الموقف الأمريكي لأنه موقف غير نزيه وغير حيادي وهذا من اكبر المعيقات حتى اللحظة بالإضافة إلى أن سياسة التطرف الإسرائيلية  التي تجعل من المفاوضات أمرا للتسلية وليس لصنع السلام لان مشروعات التطرف والاستيطان على الأرض هي التي يعتبرونها الحل الأمثل للصراع , لذا يجب ألا نهرول وراء الإسرائيليين ليعودوا لطاولة المفاوضات أو حتى انتظار وعودات أمريكا بهذا الشأن بل علينا العمل لانجاز مشروع الدولة الفلسطينية التي يضطهدها الاحتلال ويعيش أبناؤها تحت الاحتلال ويعرف العالم أن هذه الدولة دولة تناهض الاحتلال بالطرق السلمية المشروعة والكفاح الشعبي  المستمر حتى نسقط كل مخططات التطرف الإسرائيلي التي تهدف لخلق أمر واقع يعتقد الإسرائيليين أن الفلسطينيين يكونوا مجبرين للقبول به , لذا فان طريقنا كفلسطينيين أصبحت سالكة أمام النضال الدبلوماسي في المحافل الدولية بعد أن بدأها الرئيس أبو مازن وحصلنا على دولة مراقب وأعترف العالم  بأرضنا ارض محتلة بعد أن كان الإسرائيليين يقولوا للعالم أنها ارض متنازع عليها , وما علينا إلا استكمال مسيرة الانضمام لكافة المعاهدات والمنظمات الدولية التي تجسد المركز القانوني للدولة في هذه المحافل .

قد نكون اجبنا على سؤال المقال لكن يبقي هناك أمرا أكثر دقة في الجزء الأخير من الإجابة نريد التأكيد عليه بأن إسرائيل لن تأتي لطاولة المفاوضات إلا إذا كانت مجبرة وتريد هذا وهذا لن يتحقق إلا إذا أيقنت أن العالم سيتعامل معها  ككيان عنصري ويحاسبها على كافة الجرائم التي ارتكبتها وأولها تلك المذابح التي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون فلسطيني حتى اللحظة , واعتقال أكثر من800 ألف أسير وتعذيبهم وقتل بعضهم وإخضاع آخرين للتجارب الطبية والنفسية بالإضافة إلى ثلاث ملايين نازح ولاجئ وهذا لن يتحقق إلا إذا تقدمنا نحن وكل الأحرار ودعاة الحرية والعدالة  لدعوة كافة الدولة السامية الموقعة على اتفاقيات حماية الإنسان واتفاقيات ومعاهدات ملاحقة جرائم الحرب ليقولوا كلمتهم في الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين  , لكن كل هذا يتطلب المضي قدما في طريق النضال الدبلوماسي أمام هيئات الأمم ومجلس الأمن ,واعتقد أن محاكمة قادة إسرائيل المتورطين في ارتكاب جرائم ومذابح ضد الفلسطينيين هي حق للفلسطينيين وليس إستراتيجية لإجبار ساسة إسرائيل للجلوس مرة أخري على طاولة المفاوضات , فإذا أرادت إسرائيل الجلوس على طاولة المفاوضات حسب أسس تعترف فيها بالحقوق التي اغتصبتها وحسب مرجعيات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الصادرة بشأن الصراع فان هذا يعني بدء رغبتها في تحقيق السلام , وهنا يمكن أن يفاوض الفلسطينيين مرة أخري ,دون إيقاف مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية وهيئات منظمات الأمم المتحدة لتدفع ثمن جرائمها على مدار سنوات الاحتلال الطويلة  ومصادرتها بقصد وتعمد السلام والأمن والاستقرار الذي هو حق كفلته الشرائع الدولية لكل سكان منطقة الشرق الأوسط بالتساوي .