اتحاد الإمارات الفلسطينية " الاتحاد الفيدرالي" رؤية إسرائيلية للدولة الفلسطينية

clip_image002_f8e85.jpg 

كثر الحديث في هذه الآونة عن الفيدرالية للخروج من مأزق الانقسام الفلسطيني المقيت، الأمر الذي آثار العديد من المخاوف على مستقبل القضية الفلسطينية، كما شكل هذا الحديث انقساماً بين العديد من المهتمين بالشأن الفلسطيني، فما هي الفيدرالية ؟.

هي شكل من أشكال الأنظمة السياسية، تتحد بموجبه مجموعة وحدات سياسية مستقلة ( دول، ولايات، كيانات، كانتونات، دويلات...ألخ)، من خلال استفتاء ديمقراطي في دولة فيدرالية واحدة، تتمتع كل وحدة سياسية باستقلاليه واسعة في تدبير شئونها وهيكلة مؤسساتها بشكل مستقل تماماً عن الحكومة الفيدرالية، كما تقوم على أسس وقواعد دستورية واضحة تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والطوائف والإثنيات والمذاهب والأعراق ضمن فيدرالية مركزية اتحادية، تملك هذه الفيدرالية حق التمثيل الخارجي والشخصية الدولية، وتتولى جميع الشئون المالية ووضع الميزانية الفيدرالية وتحصيل الضرائب، ويكون للدول أو الكيانات المكونة للاتحاد الفيدرالي نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري الذي يتم على أراضيها، كذلك يستند الاتحاد الفيدرالي إلى مجلس نيابي منتخب إلى جانب مجالس نيابية فرعية منتخبة من كل دولة أو كيان أو إقليم من الاتحاد الفيدرالي، كما يستند أيضاً إلى قضاء فيدرالي لضمان تطبيق العدالة في محاكم الأقاليم الفيدرالية، وفق مبدأ تعزيز فصل السلطات، بالإضافة إلى جيش وأجهزة أمنية مركزية فيدرالية.

إن تناول العديد لمصطلح الاتحاد الفيدرالي لم يشكل لي أية مفاجأة كغيري، كوني قد سمعت بهذا المصطلح عبر الاعلام الصهيوني عام 1998م في تحديد مستقبل الدولة الفلسطينية، حيث اعتقدت آنذاك بأنني أخطأت في ترجمة العنوان في الصحيفة الصهيونية " اتحاد الامارات الفلسطينية" لعل ما كان مقصوداً هو اتحاد الامارات العربية، وأن هذا العنوان في الصحيفة سقط سهواً أو خطأ مطبعي كما هو دارج في الصحف العربية والاعلام العربي، ولكنني عندما شرعت وخضت في ترجمة المقال أدركت، بأنه يتناول رؤية إسرائيلية لمستقبل الدولة الفلسطينية، ويؤكد صاحب المقال فيه بأنه لا مستقبل لدولة فلسطينية على حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967م، وأن لا مكانة في القواميس الصهيونية لحل الدولتين والقبول بإقامة كيان فلسطيني موحد بجوار دولة الكيان، خطر في داخلي آنذاك بأن كاتب المقال لا قيمة له ولا حتى لآرائه، كون السلطة الفلسطينية في تلك الاوقات كانت مشروعاً محمولاً إقليمياً ودولياً، ولا يمكن أن يسقط مشروعها وقد كانت هي في أوج قوتها وكل الدلائل تشير بأن أمام السلطة محطة هامة في عام 1999م بالتحول إلى دولة فلسطينية، وأيضاً في مثل هذه البيئة فإن مضمون هذا المقال هو درب من الخيال ولا يلامس الواقع بتاتاً، فهو يتحدث عن إمارات فلسطينية متوزعة جغرافياً مرتبطة باتحاد فيدرالي، والسلطة آنذاك كانت تسيطر على قطاع غزة وأريحا والعديد من مناطق الضفة الغربية، وتتفاوض على قضايا الحل النهائي، إذا كيف ستتحول إلى امارات؟ وهناك قوة مركزية للسلطة تسيطر على هذه المناطق!!!.

  يتسأل البعض الآن في ظل الحديث عن الفيدرالية التي تستهدف مستقبل القضية الفلسطينية، هل الفيدرالية هي مطلب إسرائيلي يضمن أمنها؟ وكيف وصل بنا الحال لمطالبة البعض بالفيدرالية؟ وإلى متى سنبقى ضحية نظرية المؤامرة؟ أم نحن ضحية نظرية القصور الذاتي( وهو سلوك القادة والنظام والحكومات)؟... فالتاريخ والشواهد تقول بأن هذه المخططات التي تستهدف قضيتنا الفلسطينية قديمة حتى قبل ولادة القادة والحكومات، لكن هذا لا يعفي القادة والحكومات من تحمل المسؤلية كونها لم تدرك المخاطر التي تواجهها من جهة وعدم تعزيز مقومات الصمود لشعبنا من جهة أخرى، في ظل إدراك القاصي والداني بأن دولة الاحتلال تسعى جاهدة بكل السبل والأدوات للحيلولة دون حصول شعبنا الفلسطيني على حقوقه التاريخية وتقرير مصيره في دولة مستقلة كباقي شعوب العالم، إذا نحن ضحية تلك النظريتين ( نظرية المؤامرة ونظرية القصور الذاتي) بعدم الاستجابة للتحدي في إفشال المخططات الصهيونية ومقاومتها بكل الإمكانيات.

  اعتمدت دولة الكيان في تنفيذ مخططاتها على نظرية الدور لتنفيذ رؤيتها بالاعتماد على لاعبين للقيام بهذا الدور وقد يكون للاعبين إرادة في تلك الرؤية، أو أن يملى عليهم الآليات للقيام بهذا الدور تحقيقاً للرؤية، ونحن في حالتنا هذه وأمام عدو يوظف كل الإمكانيات لتحقيق مأربه الدنيئة عبر دراسته لبيئتنا الداخلية وتوظيفها في تحقيق رؤيته وفقاً للدور المطلوب، فهي فرضت الحصار السياسي والاقتصادي وأثرت في بيئتنا الاجتماعية ككل وعززت الانقسام الجغرافي، مما انعكس ذلك على أداء هذا الدور، والذي جعله كممر إجباري يعتقد من خلال تحقيق الرؤية المطلوبة كمخلص للواقع المعاش دون أن يقصد هو ذلك، فالحديث عن الفيدرالية حالياً يجعلنا أن نقرع جرس الإنذار ونتسأل إلى أين؟ فهي تعني تكريس للانقسام والتجزئة والقضاء نهائياً على وحدة الشعب الفلسطيني وتبديد تضحياته التي قدمها على مذبح الحرية والاستقلال وأمله في إقامة دولته الموحدة، كنقيض لولادة كيانات مسخه مشوهه بدلاً من الهدف المنشود.

   تكرر في نيسان عام 2014م على مسامعي مصطلح اتحاد الامارات الفلسطينية مرةً أخرى، في الاعلام الصهيوني القناة السابعة في تعليق للبروفيسور مردخاي كيدار رئيس قسم الدراسات العربية ورئيس معهد بيغن – سادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان في بئر السبع، حول الانقسام الفلسطيني، تعليقا على اتفاق الشاطئ، والذي ورد على لسانه التالي:

" إن كل المحاولات لإنهاء الانقسام الفلسطيني باءت بالفشل ولم يمر أي عام دون أن يتم فيه لقاء أو اتفاق للمصالحة، ومن المستحيل أن يصمد أي اتفاق بين فتح وحماس لوجود صعوبات عديدة بينهما تتعلق في تقسيم الاموال والمناصب والمؤسسات والوزارات، والخطير في الأمر أنه مطلوب من السلطة بمطالبه حركة حماس بالتخلي عن أسلحتها، لأنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تقبل بوجود جيشين، ولكل طرف من الاطراف له أجندته الخاصة به من حيث الأعداء والاصدقاء ومجالات التعاون، وأن هناك انقسام حقيقي من حيث السيطرة والجغرافيا، وممكن  للخروج من هذا كله هو بالاتحاد الفيدرالي وليس المصالحة والوحدة، وأن أي اتفاق للمصالحة على إسرائيل استغلاله من أجل الانقضاض على قواعد دايتون بحسب ما يطلق على قوات الأمن الفلسطيني ومصادرة أسلحتهم... لماذا؟ لأن حماس تكون جزءاً من النظام الحاكم، ولأن هذه الأسلحة الأمريكية التي زودتهم بها أمريكيا ستتحول إلى حماس، والعالم هنا سيدرك ويفهم قيامنا بهذه الخطوات ويبرر لنا هذا الفعل... إذا أمام إسرائيل حل وحيد لإنهاء هذه المشكلة مرةً واحدة وللأبد وهو إقامة سبع إمارات فلسطينية في يهودا والسامرة ( الضفة الغربية)، إمارة رام الله، وإمارة أريحا، وإمارة نابلس، وإمارة جنين، وإمارة طولكرم، وإمارة قلقيلية، وإمارة الخليل الجزء العربي، وذلك على أساس عشائري وقبلي، بالإضافة إلى الإمارة الأولى المقامة في غزة منذ عام 2007م".

إذا مضمون ما تحدث به كيدار خطير على مستقبل القضية الفلسطينية‘ علاوة على عدم ذكره للقدس أو مستقبلها بالإضافة إلى ذكره إمارة الخليل العربية، ليؤكد من خلال ذلك على تهويد القدس واستمرار الاستيطان وشرعنته، وإنهاء للسلطة الفلسطينية واستبدالها بالعشائر والعائلات، وهنا لا أريد الخوض في تحليل مضمون ما ذكره كونه خطير جداً، ولكنني أردت أن أقرع جرس الإنذار، أن انهاء الانقسام بات ضرورة وطنية مُلحه يجب العمل عليها كأولوية وعلى الجميع تحمل مسؤولياته والنأي عن المصالح الذاتية الضيقة، فالتاريخ لن يرحم أحد وعلينا أن نكون أوفياء للشهداء والاسرى وتضحيات وعذابات شعبنا، علينا الإسراع في وضع وصياغة استراتيجية وطنية يشارك فيها الجميع، والتأكيد بأننا الأن في مرحلة تحرر وطني من تحت حراب الاحتلال.   

وسوم: العدد 702