الفصائليّةُ و إشكاليّةُ الفتوى في الثورة السورية

لا تكادُ الثورةُ السورية تمرّ بحدث مفصليّ، إلاَّ و يصاحبُه هزاتٌ ارتداديّة، يُضاعف من شدتها سيلُ الفتاوى التي تواكبُه.

 و آخرُ من كان من ذلك، ما أعقب الانتكاسة التي ألمّت بالفصائل في حلب، ثمّ ما تلاها من حالة التلاوم بين الفصائل، و الدعوات الملحّة لإعادة هيكلتها، ثمّ ما كان من الاتفاق على وقف إطلاق النار بضمانة روسية ـ تركية.

  و قد كان لافتًا في ذلك حالةُ الاستقطاب الشديدة، التي أظهرتها تلك الفَتَاوَى، ممثّلةً بمستوى غير مسبوق من الاصطفاف الفصائليّ الآيديولوجيّ، وصولاً إلى التجريم و التأثيم و غضب الربّ سبحانه يوم يقوم الأشهاد على كلّ من لم يستجب لها و يأخذ بها.

و العجيب في أمرها أنّها تنزع بالنجاة نحو فصائل محدّدة، ذات امتدادات خارجيّة، حطت رحالها عند السوريين، و تدثرت دثار ثورتهم، في جولة من جولات نزالها مع أعدائها العالميين.

معتاشةً على حالة الإحباط التي تحيط بهم، في مواجهة تحالفات القوى الطامعة في تحقيق مصالحها على حساب خياراتهم.

جاعلةً رغبتهم في تصحيح مسار ثورتهم حصان طروادة، تخفي في جوفه ما تسعى إليه من التمكين لمشروعها الذي تطوف به في البلدان، غير آبهة بما تُلحقُه بهم جرّاء نكساتها المتلاحقة، حيثما حلّتْ و أينما ارتحلتْ.

و غير خافٍ على المراقبين أنّ هذه التلوّنات الفصائليّة، لا تُقيم اعتبارًا للخصوصية المحلية حيثما حطّت رحالها، فهي تسعى لفرض أجندتها على الفسيفساء السورية، متجاوزة مطالبهم في الحرية و العيش الكريم، إلى ما لا طاقة لهم به من المشاريع الآيديولوجية، ذات المركب الصعب.

غير ملتفتة إلى خطورة استجلاب الأعداء لهم من كلّ حدب و صوب، فما تفتأ ترمي سهامها نحو الدول التي تتعاطف معهم، و تمدّ لهم يدَ العون و المناصرة بالقدر المتاح.

إنّه لحريٌّ بمَن يحرص على مصالح السوريين أن يراعي ذلك، و يلتمس العذر للدول إذا ما كَبَتْ خيولُها عن نجدتهم، عوضًا من فتح الباب لهواة الإفتاء؛ الذين أسالوا الفتاوى تترى، فأخذت تنهش من تلك الدول، و تبخسها حقَّها، و تُحرّض عليها، و تُسفِّه مواقفها، وتجعلها في  دائرة المؤامرة، في أيّة خطوة تخطوها لحلحلة قضيتهم.

في ذات الوقت الذي نراهم يهشُّون و يبشُّون لما يحدث لها من الحوادث و المكائد؛ حتى وصل الأمر ببعضهم أنّه تمنّى النجاح لانقلاب 15/ إيار في تركيا، طمعًا في أن يكون خلافةً على منهاج النبوة.

 و كان غيره ـ من قبل ـ قد رأى في عاصفة الحزم نوعًا من المقامرة بحقّ الأبرياء في اليمن، و امتدح الانقلاب على الشرعية في مصر، بذريعة أنه أتى على رئيس لم يكن بالقويّ الأمين.

لذلك يرى عددٌ من المراقبين في الدعوة إلى الاندماج تفريطًا بما أنجزته الثورة، و سوقًا بالسوريين إلى التهلكة، لما فيه من إثارة الدول التي تتعامل مع الأمور  بمنطق القرارات الدولية ذات الصلة بالإرهاب.

و هو الأمر الذي جعل حركة أحرار الشام لم تحسم أمرها بعدُ، على الرغم من الضغوط التي تواجهها من تيار يقوده أبو جابر الشيخ ( الأمير الأسبق )، و أبو محمد الصادق ( الشرعي العام السابق ) للدفع بهذا الاتجاه، في مواجهة تيار يتبنّاه لبيب النحاس ( مدير مكتب العلاقات الخارجية )، الذي يرى في الاندماج ( وفق الصيغة المطروحة ) فخًّا نُصِبَ للحركة، يرادُ لها الانتحارُ بالإقدام، غير أبهٍ لحالة التجييش التي يقوم بها عشرات المُفتين، الذين يحرضون الحواضن الاجتماعية للمُضي فيه.

و غير بعيد لدى طائفة من المراقبين، أن تكون تلك الجهات، قد رأتْ في الاندماج سبيلاً إلى بسط ردائها على الفصائل، بعد أن باتتْ سياسة التغلّب مكشوفة كالشمس في رائعة النهار.

صحيفة الأيام السورية. 

وسوم: العدد 702