الإسلاموفوبيا أنجبت البرقعفوبيا

أثار قرار وزارة الداخلية منع خياطة البراقع وتسويقها  ضحة إعلامية كبرى ، واختلف الرأي العام بشأن هذا القرار حيث عده البعض قرارا أمنيا احترازيا فرضته الخطة الأمنية الوطنية ضد ظاهرة الإرهاب ، في حين اعتبره البعض الآخر مساسا صارخا بالحرية الشخصية للمرأة  . ومعلوم أن البرقع أو النقاب أو القناع عبارة عن قطعة قماش تعتبر جزءا من زي المرأة  في الثقافة العربية الإسلامية تغطي به وجهها . وقد يطلق النقاب على زي فضفاض أسود اللون يستر جسد المرأة من قنة رأسها إلى كعبها ، ويعتبر البرقع جزءا من النقاب . وتشترك الثقافة اليهودية مع الثقافة العربية الإسلامية في هذا الزي حيث تلبس نساء طائفة الحريديم اليهودية النقاب .ولا غرابة في ذلك لأن الشرائع السماوية كلها تعتبر الأعراض من الكليات الخمس الواجب حفظها ، سدا لذريعة فسادها . ومعلوم أن الديانات السماوية كلها إسلام لأن مصدرها الله عز وجل، وهو القائل في القرآن الكريم  : (( إن الدين عند الله الإسلام )) ولا يمكن بموجب هذه الآية أن يقتصر الإسلام على الرسالة الخاتمة دون الرسائل السابقة ،علما بأن ما قيل لرسول الإسلام إلا ما قيل للرسل الذين سبقوه ، وأن رسالته الخاتمة مصدقة لما بين يديها من الرسائل السابقة ومهيمنة عليها . ومن الخطإ القول بأن الخمار ليس مما نص عليه الإسلام ، وأنه عادة يهودية اقتبسها عنهم العرب في جاهليتهم وأقرها الإسلام ، والحقيقة أن الإسلام وحفظا للأعراض وهي من الكليات الخمس المحفوظة فيه ، ودرءا لكل مفسدة تهددها شرع للمرأة المسلمة لباسا يستر جسدها وأمر الله عز وجل  رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم  بأن يأمر نساءه أمهات المؤمنين، وبناته، وعموم نساء المؤمنين  بلباس يستر أجسادهن . وإذا كان لا خلاف بين المسلمين في ضرورة ستر المرأة المسلمة جسدها ، فإن الخلاف حصل بينهم في ستر الوجه واليدين . ومعلوم أن المرأة المسلمة لا تستر وجهها خلال أداء فريضة الحج ، ولو كان الوجه عورة كما يقول البعض لكان الأولى والأجدر أن يستر في ممارسة عبادة الحج . ولقد استثنى الله عز وجل وهو يأمر بعدم إبداء المرأة المسلمة زينتها ما ظهر منها  ، والاستثناء له دلالة ولم يرد عبثا.  و لقد اتفق على أن إظهار وجهها وكفيها ليس إظهارا للزينة وأنهما المقصودان بالاستثناء . ولقد خاض أهل العلم في موضوع كشف المرأة وجهها وستره، وانقسموا إلى فريقين فريق يرى أنه يجب ستر وجهها على غرار ستر جسدها درءا للفتنة ، وفريق يرى أنه لا بأس بالكشف عن الوجه والكفين، وأنه لا فتنة فيهما مع وجود ضابط غض البصر بين الذكور والإناث في الإسلام ، وفيه درء للفتنة . وإذا كانت نظرة الرجل إلى المرأة  الأجنبية عموما وإلى وجهها خصوصا بغرض التلذذ  ممنوعة شرعا ، فقد أباح الشرع النظر إلى وجهها أثناء طلب يدها . وقياسا على هذا يجوز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية خلال التعامل معها ضمن المعاملات التي تفرضها ظروف الحياة من بيع وشراء... وغير ذلك شريطة عدم استغلال ذلك للتلذذ بالنظر إلى جسدها ووجهها .

وكان الأجدر بوزارة الداخلية عندنا قبل الإقدام على قرار منع خياطة وتسويق البرقع أن تستشير وزارة الشؤون الإسلامية، وهي المؤهلة بمجلسها العلمي الأعلى ومجالسها العلمية المحلية للفتوى في البرقع وفق مذهبنا الفقهي المالكي . وقد يجد أهل الإفتاء من علمائنا لوزارة الداخلية  عذرا أو ذريعة في منع البرقع إذا كان الغرض من ورائه غير ما يراد من لباس المرأة المسلمة من احتشام ومنع للفتنة والمفسدة صيانة للعرض .  فإذا ما أضفيت دلالة أخرى على لبس البرقع غير الدلالة التي يقتضيها الشرع الإسلامي، فقد يفتي أهل الإفتاء فيه بما قررته وزارة الداخلية .  ولا شك أن الإسلاموفوبيا التي نشأت في بلاد الغرب بسبب أعمال إجرامية إرهابية  باسم الإسلام لدى عصابات إجرامية مأجورة لتشويهه،  والتي أنجبت البرقعفوبيا قد ألقت بظلالها علينا، علما بأنه لا مبرر لوجود إسلاموفوبيا أو برقعوفوبيا في بلد يدين بدين الإسلام، لأن في ذلك تكريس لنظرة المجتمعات الغربية السلبية والخاطئة لديننا . والمفروض أن تتجه جهودنا نحو فضح كل السلوكات المنحرفة والمتطرفة التي تحاول بعض الجهات  المغرضة إلصاقها بالإسلام زورا وبهتانا نكاية فيه وانخراطا في محاربته بالطرق الماكرة الخبيثة . وإذا كانت بعض الجهات قد أخرجت البرقع من دلالته إلى دلالة أخرى تحيل على التطرف وتبني العنف والإرهاب والإجرام باسم الدين ، وخلقت منه برقعفوبيا فيخشى أن تنتشر عدوى ذلك إلى أنواع اللباس الأخرى وإلى الهيئات فتتناسل الفوبيا لتصير قماشفوبيا ، ولحافوبيا ، وجلبابفوبيا ، وطربوشفوبيا ....، وتتوالى قرارات وزارة الداخلية بمنع اللحى والجلابيب والطرابيش ... لأن قوما أضفوا عليها دلالاتهم الخاصة بهم ، ووظفوها التوظيف الخارج عن إطار الثوابت الدينية والوطنية . وإذا كانت وزارة الداخلية قد اتخذت قرارها بمنع تسويق البراقع باعتبارها شعارا له  دلالة منافية لهويتنا الدينية والوطنية ، وفيه تهديد لأمننا واستقرارنا ،  وهي محقة إذا تأكد ذاك بالفعل ، فإننا ننتظر منها أن  تصدر قرارات مشابهة بالنسبة  لكل الشعارات التي ترفع من أعلام وشارات وعلامات ...تشكل تهديدا لأمننا ووحدتنا الوطنية والترابية . وأخيرا نأمل ألا يكون قرار وزارة الداخلية ذريعة للإجهاز على الحريات الخاصة كما هو الشأن بالنسبة لدول غربية والتي تتذرع بمحاربة الإرهاب للتضييق على الجاليات المسلمة التي تعيش فوق أراضيها محاربة للإسلام بطريقة ماكرة ، وانتصارا لعلمانيتها وإباحيتها  فيما يتعلق بموضوع المرأة  على وجه الخصوص.

وسوم: العدد 702