يا غبي… صنم أبيك لا يخيفنا

لا أحد يحب الاعتراف بالفشل بسهولة، لأن الفشل يعني بشكل أو بآخر نهاية سيئة لمشروع ما، أو لعمل أو لدراسة، لكنه بطبيعة الحال لا يعني نهاية الحياة أو نهاية المحاولات. بعض الفاشلين يستسلمون لذلك الشعور بالفشل فيحولهم ليائسين غير فاعلين، ثم تتحول حالتهم إلى حالة مرضية تستوجب العلاج لأنهم بذلك قد يؤثرون على المحيط، وينشرون الفشل في المكان، ويسببون حالة من فقدان الثقة لدى الآخرين فما دام فلان قد فشل إذا فإن الفشل سيكون مصيراً محتوماً لسواه، لكن ذلك ليس صحيحاً بطبيعة الحال، والحياة تقدم لنا كل يوم دليلاً تلو الآخر على أن ثمة فاشلين استطاعوا البدء من جديد وتحويل فشلهم إلى سبب لنجاح بارز و انتصار عظيم.

لا أميل نظراً لطريقتي في التفكير إلى تصديق حالات الفرح المبالغ فيها، وأظل أنظر إلى تلك الحالات على أنها تخفي خراباً عظيماً في أحد أركانها، ولا بد أن يظهر ذلك الخراب في وقت ما ليقضي على ذلك الفرح الطارئ الذي كان قناعاً هشاً، ولذلك فقد ظللت متحفظاً على الكثير من حالات الفرح التي انتابت جمهور الثورة في بعض مفاصلها المهمة، ربما لأني أعلم سلفاً أن الشعور بالخيبة بعد الفرح سيكون مضاعفاً، بل قد يؤدي إلى إحباط لا تحمد عواقبه، وهذا ما حدث في الكثير من المرات، ويمكننا استعادة تواريخ بعينها لنتبين الفرح المخادع الذي سيطر على معظمنا نتيجة “تحرير” تلة هنا، أو قرية هناك، بل وحتى محافظة بأكملها، كما حدث إبان سقوط محافظة الرقة بيد “الثوار” وخروجها كاملة عن سيطرة النظام، وقد عاتبت وقتها أحد الأصدقاء الذي هلل دون أي تفكير لذلك التحرير المفاجئ والذي حدث بين ليلة وضحاها، وتساءلت عن تلك الكيفية التي تسلل فيها ملثمون ليدخلوا المدينة التي كانت حتى قبل أيام من “التحرير” حصينة، يحكمها النظام بالنار والحديد، ليتبين بعدها أن أولئك الملثمين ليسوا سوى جهاديين جاؤوا ليزيلوا أي مظهر للثورة، ويعلنوا الرقة عاصمة سورية لدولة داعش الخرافية التي جاءت لتطأ أحلام ثورتنا، وأحلام المقاومة العراقية في الوقت نفسه، وقد أظهرت الأيام أن داعش ليس سوى صنيعة مخابراتية شاركت إيران وسلطة بغداد ونظام دمشق في نسج خيوطها حتى تحولت إلى “بعبع” يخاف منه العالم المتحضر، ويسعى لاحقاً لمحاربته، ولن يمانع من التحالف مع أولئك الحكام السفلة في سبيل الخلاص من الوحش الذي يستطيع قطع الحدود بخفة وسهولة والوصول عبر المطارات إلى العواصم والمدن الأوروبية لتنفيذ عملياته الإرهابية المتفق عليها سلفاً، كما صرح بذلك أمين سر مجلس الثغاء السوري خالد العبود، ثم ليطرح رأس النظام نفسه شريكاً في محاربة الإرهاب، وعلى الغرب القبول به، هذا ما حدث ويحدث.

وإذا كنا في هذه الأيام نحصد وبمرارة فشل التجارب السابقة، فإن هذا لا يعني أن اليأس يمكن أن يتسلل إلى قلوبنا، وأن نعود صاغرين لحظيرة الوريث القاصر، لنبايع صنم أبيه الذي أعادته عربة قمامة إلى الساحة التي نقل منها قبل أكثر من خمس سنوات من مدينة حماه، في إشارة لا تقبل القسمة على اثنين على أن نظام الوريث القاصر يعتبر إعادة صنم أبيه إلى مكانه القديم هو انتصار كبير له، وهنا يمكننا أن نرمي كرة الفشل إلى ملعبه لأنه وبحماقة لا مثيل لها لم يستطع فهم الحدث منذ البداية، بل ربما هو فهمه لكنه يمارس نوعاً من الإنكار المَرَضي، فالثورة التي حطمت أصنام أبيه وصوره قادرة في لحظات على تحطيم أصنام أخرى، والطفل الذي شاهد الصنم يتداعى منذ خمس سنوات، صار الآن رجلاً وتحمل ذاكرته تلك الصورة المدهشة عن تماثيل تتداعى، وهو بلا أدنى شك يحلم أن ينقض عليها واحداً واحداً ليدمرها، فقد نشأ جيل متمرد، وهذا جيل بَري يشبه الذئاب من الصعب أن تضعه في حظيرة مهما امتلكت من قوة و سطوة، فما بالك يا ابن حافظ الأسد وأنت مجرد قائد ميلشيا تأتمر بأوامر إيرانية وروسية، هل تعتقد أنك قادر على إعادة ذئاب حرة إلى حظيرة قذرة تحرسها أنت؟

سأميل للقول إن قيام منظمة العفو الدولية بنشر تقريرها في هذه الأيام بالذات هو دافع وحافز جاء في وقته ليزيدنا إصراراً على عدم اليأس، وعدم القول إننا سنتوقف عند هذا الحد فقد تعبنا، لأننا إن قلنا ذلك، ولا أظن أن أحداً يمكن أن يقولها مهما كان ضعيفاً، فهذا يعني هزيمة، ويعني أيضاً قبولنا بأن نتحول جميعاً إلى أرقام في تقارير منظمات دولية في سنوات لاحقة، علينا أن نفكر في فشلنا وأن نتعلم منه، وأن نطوي تلك الصفحات، وننظر إلى الأمام. لمَ لا خطوتان إلى الأمام خطوة إلى الوراء.. الثورة مستمرة..

وسوم: العدد 707