داعش والحرب الإعلامية في العراق

باسم حسين الزيدي

مركز المستقبل للدراسات والبحوث

المواجهة مع التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، في الوقت الحاضر، لا تتطلب حمل السلاح، والمواجهة العسكرية المباشرة، والجهد الاستخباري، وملاحقة مصادر التمويل، فحسب، بل تحتاج الى عامل اخر مهم، يضاف الى حزمة هذه العوامل، وقد يتصدرها في بعض الأحيان.

وقد استطاعت التنظيمات والجماعات المسلحة بالاعتماد على هذا العامل، كسب الكثير من المعارك، والتقدم على مستوى الانتشار وإعادة التنظيم عندما تمر بأزمة ما على المستوى الداخلي او خارجية.

واستطاعت، ايضاً، من خلاله استقطاب الكثير من العقول والقلوب الطامحة في بحثها عن العمل الجهادي او البطولي، بغض النظر عن مدى مشروعية هذا العمل والاهداف التي تكمن وراءه.

طبعاً هذا العامل هو "العامل الإعلامي"، الذي استخدمته التنظيمات الجهادية بعدة طرق وأساليب من اجل التسويق لنفسها، وتعزيز الانتشار لأفكارها وانجازاتها، بطريقة الدعاية الناعمة في أحيان معينة، والخشنة في أحيان كثيرة.

وقد سلط العديد من المحللين والمختصين الضوء على تنظيم ما يسمى (دولة العراق الإسلامية في العراق والشام) او (داعش) اختصاراً، كنموذج استطاع خلال فترة وجيزة تسجيل ماركة (داعش) اقليمياً وعالمياً وسط الحركات الجهادية الكثيرة والمنتشرة في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من بلدان العالم الأخرى، بفضل الحرب الإعلامية التي سوقت لها ولأفكارها شديدة التطرف، واعتمد على ذلك بأساليب تقليدية، وأساليب أخرى استحدثتها وطبقتها في اغلب الجبهات والمدن التي تقاتل فيها.

الاعلام الداعشي

أوضح شوان طه (عضو لجنة الامن والدفاع النيابية في البرلمان العراقي)، في وقت سابق، عندما انتشرت شائعات تناقلتها وسائل اعلام مختلفة عن إمكانية استخدام التنظيم لمواد كيمياوية في هجوم محتمل داخل الفلوجة قائلاً "إن خطورة ترويج الدعايات حول تنظيم داعش الارهابي ستؤثر بشكل سلبي على المجتمع العراقي"، وأضاف ان "امكانيات تنظيم داعش ليست بالحجم الذي تنقله بعض وسائل الاعلام".

وفي تصريح اخر لـ(عضوة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب العراقي) بتول فاروق لصحيفة (بلادي اليوم)، اكدت فيه "إن تنظيم (داعش) يخطط دائما لتحقيق مكاسب لصالحه ويفكر في السيطرة على بعض القنوات الاعلامية في العراق لإثارة البلبلة وخدمة مصالحه، وأضافت "ان القنوات الفضائية يجب عليها الحذر من (داعش) لأنه قد يستخدم العاملين في بعض القنوات كأذرع مساعدة له تمده بكل التفاصيل".

وقد اكدت مصادر مقربة من التنظيم ان التركيز على العمل الإعلامي يتم على اعلى المستويات، حيث يشرف زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي) بنفسه على إدارة العمل الإعلامي، كما ان أي خطأ او تقصير في هذا الجانب لا يتم التساهل فيه، سيما وان الحديث جرى مؤخراً عن اقالة أعضاء المكتب الإعلامي للتنظيم بعد إظهارهم وجوه بعض الشخصيات بصورة علنية مما اثار حفيظة زعيمهم الذي يتابع بصورة مباشرة طريقة عملهم.

ويبدو ان طريقة ادارتهم للمواقع الإعلامية التابعة لهم بصورة مباشرة (الفرقان، الفجر) او المواقع الصديقة (انا مسلم، حنين...الخ) والتي يعتمد اغلبها على الشبكة العنكبوتية كمواقع الكترونية يسهل التعامل معها والتواصل من خلالها، لسرية العمل فيها ومحدودية الإمكانات التي تحتاجها، ويسر بث المعلومة فيها، إضافة الى قنوات التواصل الاجتماعي (وبالأخص تويتر) والاذاعات والفضائيات والاقراص والكتب والمنشورات، والتي تدار من قبل اختصاصات وكفاءات مختلفة تابعة للتنظيم، سيما من قبل الجهاديين الغربيين القادمين من اوربا، والذين هم على تماس بالتطور التقني والمعلومة الحديثة، إضافة الى الجهاديين من الثقافات الأخرى، حيث تجد السعودي والعراقي والافغاني والمغربي وغيرهم، مما أضاف تنوع ملحوظ في طريقة النقل والعرض.

الاعلام الحكومي

بالمقابل فان الاعلام الحكومي ما زال قاصراً، برغم الإمكانيات التي تمتلكها الدولة العراقية، عن التصدي اعلامياً لوسائل الدعاية التي يستخدمها تنظيم داعش في تحقيق أهدافه.

ووسط عشرات الفضائيات ومئات المحطات الاذاعية والمطبوعات الورقية، إضافة الى المواقع الالكترونية، والصحف والمجلات الرسمية وشبة الرسمية، لا تجد هناك اعلام يستطيع ان يؤثر في الراي العام بصورة "وطنية"، مع التأكيد على كلمة "الوطنية"، اذ ان الحشد الإعلامي، في العراق، غالباً ما يعتمد على المشاعر الدينية او المناطقية، او الانتماءات ذات الصبغة الطائفية، في احداث التأثير المباشر والتلاعب بعواطف الناس، وهو بطبيعته تأثير محدود، كما يمكن بسهولة تغيير دفته ليتحول الى الجهة المعاكسة، من دون سابق انذار.

وفي سياق البحث عن هذا الفشل الإعلامي الرسمي في التصدي لموجة داعش الإعلامية، يمكن إدراج الأسباب التالية:

1. غالباً ما تجير القنوات الإعلامية التي تتواصل من خلالها الدولة العراقية مع جمهورها، لجهة سياسية معينة، الامر الذي لا يرضي شرائح واسعة من المجتمع، باعتبار ان القضية الوطنية في التصدي للإرهاب تحولت الى واجهة سياسية لإفراد او كتل بعينها.

2. العشوائية والتكرار وعدم الاستعداد الإعلامي لإدارة المعركة اعلامياً، سيما وان الخبرات والوسائل الفنية والدعم اللوجستي، يعاني فقراً شديداً لا يتناسب وحجم التغطية الإعلامية المفترضة لواقع الحال.

3. ضعف التنسيق مع المجتمع الإعلامي الدولي، وتبادل الخبرات، والاستضافة، والاستفادة من الفرصة الذهبية في اتحاد جميع المواقف العالمية لدعمها الحكومة العراقية في حربها مع التنظيمات الإرهابية.

4. لا توجد أي استبيانات او مراكز استقصائية، لدراسة رغبة الجمهور، ومدى رضاه عن إدارة الاعلام الرسمي ضد الجماعات المتطرفة، وبالتالي، فان الوسائل الإعلامية تسير بخطى ضبابية وغير مدروسة.

5. تضارب التصريحات والتحليلات، وعدم انسجامها، مما يؤشر على مدى الارتباك الحاصل في طريقة إدارة الازمة اعلامياً، ويبدو ان اختلاف رؤى صناع القرار في الحكومة العراقية، احد الأسباب المباشرة في هذا الشتات الإعلامي الواضح.

وطبعاً هناك العديد من الأسباب الأخرى، قد يعرفها أصحاب الخبرة والاختصاص، وهي أكثر من ان تحصى على عجالة، لكن المهم ان التأثير الإعلامي الرسمي، بات محدوداً، ولا يتناسب مع حجم الهجمة المدعومة من قنوات إعلامية لها باع طويل وخبرة مكتسبة عبر عقود من الزمن، ليس للإعلام الرسمي، حالياً، القدرة على الصمود امامها طويلاً.

صناعة الحروب الوهمية

في مثال بسيط، على صناعة الحروب الوهمية، والاخبار التي لها وقع الصدمة على المواطنين، سيما البسطاء منهم، اتخذت التنظيمات الإرهابية، والآلة الإعلامية التي تدعمها، توجهات ذات شهرة إعلامية، أكثر منها عسكرية او لوجستية، فحرب المياه، وحرب احتلال المدن ثم الانسحاب منها، والتفجيرات النوعية، والاغتيالات، وتحرير السجون، والغزوات، كلها ذات دلالة إعلامية مكنت داعش من إرهاب المواطنين والضغط على الدولة، وسلب إرادة المبادرة الإعلامية، واقتصارها على الدفاع او التبرير.

وهذا الامر خطراً للغاية بطبيعته، لإعتبارات سياسية ونفسية، قد تنعكس سلباً على القوات العسكرية والأمنية وصناع القرار، وقبلهم المواطنين الداعمين لجهد الدولة في القضاء على المجاميع المسلحة، وهذا ما اشرنا اليه في النقطة الخامسة، اذ ان التصريحات التي تعقب أي عملية إرهابية تحدث، لا تستطيع الخروج معها بفهم حقيقي لمجريات الاحداث، ويمكن القياس على ذلك في مسالة قطع المياه عن نهر الفرات لمرتين من خلال سد الثرثار، واغراق مناطق واسعة من الانبار، فضلاً عن انخفاض كبير في مناسيب المياه عن محافظات الوسط والجنوب، وما ولدته من توقف المحطات الكهربائية، وقلة ماء الشرب وسقي المحاصيل الزراعية.

وبالرغم من حساسية الموقف، تجد التضارب واضحاً في تصريحات المسؤولين في وزارة الموارد المائية والداخلية والدفاع وقيادة عمليات الانبار.

الحرب الانتخابية

قبل كل انتخابات محلية او برلمانية تجري في العراق، يتم إطلاق التحذيرات للمواطنين من قبل الحكومة العراقية بأخذ الحيطة والحذر من هجمات محتملة ومكثفة لإفشال العملية السياسية في العراق.

ومع هذا تجري هذه الهجمات النوعية من دون ان يكون هناك مانع او صد لها، وفي سياق حديثنا نحاول الابتعاد عن تقييم الجهد الأمني والاستخباري للأجهزة الأمنية العراقية لمواضيع أخرى، لكن ما يهمنا هو مدى الاستعداد الإعلامي لهذه الهجمات المنتظرة، والتي غالباً ما تكون مباغته وسريعة وفي أكثر من مكان، لكن بزمان واحد، قد تستهدف الحصة الأكبر منها العاصمة بغداد؟

ويبدو ان التنظيمات الإرهابية قد علمت مسبقاً ان الاعلام الرسمي وشبه الرسمي في أضعف حالاته اثناء الانتخابات، والسبب معروف لدى الجميع، الانشغال بالانتخابات والترويج للحملات الانتخابية، والتي تستمر على مدى (30) يوماً، من دون التفكير مرتين لاستغلال هذه التنظيمات للزحمة الدعائية في تنفيذ عملياتها الانتحارية ونشر الرعب في كل مكان.

الخلاصة

نحن نحتاج، اليوم، الى التعلم من اخطائنا، فبعض الأخطاء ان لم نحسن التعامل معها والتعلم منها، قد تكون قاتلة.

الاعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الحدث، بل أصبح وسيلة لصناعة الحدث والتأثير المباشر والحقيقي في الجمهور المتلقي، وبهذا نحتاج من صناع القرار والأساتذة المختصين في الاعلام، ان يعيدوا النظر في قراءة الواقع الإعلامي في العراق، ليتناسب وحجم الهجمة المنظمة والمدروسة اعلامياً وعسكرياً ضده.

كما يحتاج الاعلام العراقي، ايضاً، الى تطوير فني ودعم لوجستي وخبرات إضافية، لتغيير الإطار التقليدي الذي طبع فيه، فما المانع من الاستعانة بخبرات ومراكز إعلامية ذات طابع عالمي، من اجل تسويق يمنح الأفضلية لصوت الاعلام العراقي بدلاً من صوت الاعلام الداعشي.