إسرائيل عدو لدود ، فلنعاملها بالمثل !

أصرت إسرائيل دائما على توكيد فكرة محورية في صراعها مع العرب ، هي أنها قلعة حصينة يجب أن يحذروا المس بها دولةً ومواطنين ، وكل من يجرؤ على ذلك سيدفع الثمن غاليا قاسيا . فعلى مستوى الدولة ، انتهجت أسلوب الحرب الوقائية ، ونقل القتال إلى أرض من تحاربه ، وعلى مستوى مواطنيها أو مستوطنيها مثلما يصح أن يسموا، تصرفت دائما على أن دمهم أكثر من خط أحمر ، وأن من يقتل مستوطنا منهم سيؤبد في السجن ، وإذا زاد عدد من قتلهم زادت مؤبداته نفس الزيادة . ووسعت دائرة هذا الإصرار ، فشمل الذين أخرجوا من سجونها في صفقات تبادلية ، وراحت تتصيدهم لإعادتهم للسجن أو لقتلهم . وتصنف جريمة اغتيال الشهيد القسامي مازن فقهاء الجمعة الماضية ، الرابعَ والعشرين من مارس الحالي في منطقة تل الهوا بغزة ؛ في سياق هذا الإصرار الإسرائيلي . فالشهيد أحد محرري صفقة وفاء الأحرار في 2011 التي أطلق فيها  1027أسيرا فلسطينيا مقابل إطلاق الجندي شاليط ، ومازن من بلدة طوباس ، قضاء جنين ، وأبعد إلى غزة في الصفقة . وكانت إسرائيل حكمت عليه ب 9 مؤبدات لمسئوليته عن عملية صفد التي قتل فيها 9 إسرائيليين ، ونفذت ثأرا لاغتيال الشهيد صلاح شحادة قائد القسام في 23 يوليو 2002بأمر من رئيس الوزراء شارون ، وقائد سلاح الجو دان حالوتس . وفي نفس السياق اغتيل الشهيد سليمان خاطر في سجنه في القاهرة في 7 يناير 1986بعد أن دخل عليه طاقم من التلفزيون الإسرائيلي بتمويه إجراء مقابلة معه . وسليمان أحد منسوبي الأمن المركزي المصري ، وكان يعمل  في سلاح الحدود حين فاجأه 7 إسرائيليين يوم 5 أكتوبر 1985باجتياز السلك الشائك والاتجاه نحو نقطة حراسته ، فحذرهم آمرا بالتراجع ، فلم يأبهوا تحذيره، فقتلهم فورا . ودفعت مصر 12 مليون دولار تعويضا لإسرائيل عنهم ، ولم يوقفها التعويض عن الانتقام منه . ودخلت في السياق الصحفية الفلسطينية أحلام التميمي التي كانت إسرائيل حكمت عليها ب 16 مؤبدا لدورها في عملية تفجير مطعم سوبارو في القدس في 9 أغسطس 2001، وحررت في صفقة وفاء الأحرار . وتفجرت قضيتها في هذا الشهر حين طالبت أميركا بتسليمها لها بدعوى أن بين قتلى المطعم مواطنيين إسرائيليين اثنين  جنسيتهما أميركية  ! وتقول أحلام إن ضغوطا صهيونية ، أي إسرائيلية ، وراء مطالبة أميركا بتسليمها ، وإن المحكمة الإسرائيلية لم تذكر لها أثناء محاكمتها أن بين القتلى مواطنين أميركيين . ونعود إلى اغتيال الشهيد مازن . والده قال بعد نبأ استشهاده إن المخابرات الإسرائيلية هددت أسرته بقتله ، وفي خلفية هذا التهديد ما ذكرته " هآرتس" في ديسمبر 2013 أن مازن يدير مع آخرين قيادة الجناح العسكري للقسام في الضفة . وصح ذلك أو لم يصح فإنه لا ينافي الفكرة التي أصرت إسرائيل دائما على توكيدها ، وهي أن من يمسها دولة أو مستوطنين فلا أمن له ولا حياة إن طالته يدها . ما الذي أنجح إسرائيل في هذا السياسة الثأرية الانتقامية ؟! بالتأكيد ليست الكفاءة وحدها . التسيب العربي والفلسطيني ، وأحيانا التواطؤ لهما الفعالية الأولى في هذا النجاح . واغتيال مازن بكاتم صوت ، وليس من الجو مثل أكثر إن لم نقل كل  الاغتيالات الإسرائيلية لرموز المقاومة في غزة ، له دلالة أليمة فاضحة . كيف له أن يحدث لولا التسيب والتواطؤ والعمالة ؟! ما اقترفته إسرائيل في حق مازن وحق الشعب الفلسطيني يعيد التوكيد الذي لا تتوقف عنه إسرائيل منذ وجودها ، وهو أنها كيان لا يثق إلا في القوة ، وبالتالي لا يخاف إلا القوة ، وأنها لا وسطية عندها ولا ملاينة في عداوتها الأبدية لنا ، ومن الغباوة الكاملة والاندفاع إلى البوار المحتم ألا نعاملها بالمثل ، وأول ما يجب البدء به تصفية التسيب العربي والفلسطيني المهيمن على كل شيء في حياتنا اجتماعا واقتصادا وسياسة وثقافة وأمنا ، والنظرة الصحيحة  إلى إسرائيل على حقيقتها ،  والتصفية وصحة النظرة كفيلتان بصنع توازن يرجح الكفة العربية على كفة هذا الكيان الذي يصول في العالم العربي دون عقاب . معركتنا مع ذاتنا تسبق معركتنا معه .  

وسوم: العدد 713