مع الفلاح أم مع الإقطاعي!

الشيخ حسن عبد الحميد

الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل  .

أحدثت صلاة الجمعة في الجامع الصغير في مدينة الباب ، أحدثتها بدون إذن السلطان بل بإذن الرحمن ، وفي إحدى الخطب وافقت تيار العصر حيث حدث التأميم فركبت الموجة وأيدته ، وغضب صديق ابن عشيرة كبيرة وقال كنت سأنزلك من على المنبر ، قلت ليتك فعلت ، وكنت قد قرأت كتاب ( الإشتراكية في الإسلام ) لشيخنا الدكتور مصطفى السباعي نضرّ الله وجهه . 

قانون التأميم أيدته مندفعا بحماس الشباب وتسرع الحمقى ! 

ومرت الأيام فازدادت خبرتي وتجربتي ، نعم إن كتاب إشتراكية الإسلام فيه علم غزير وفهم منير ، لكن استغل الشيوعيون عنوانه فطبعوا منه مليون نسخة وزعت مجانا ، وشيخنا السباعي رحمه الله حسن النية في عمله وكتابه جيد جدا سوى عنوانه  إشتراكية الإسلام ، كان قصده من العنوان أن الإسلام سبق الآخرين في تحقيق العدالة الإجتماعية .

هذا العنوان رفضه علامة العراق الشيخ محمود الصواف فقال : لا إشتراكية في الإسلام وإنما عدالة ، وتابعه المجاهد الكبير الداعية المجيد عبد العزيز البدري الذي مات في سجون قاسم العراق معذبا حتى أنه قطع لسانه ، ولفظ انفاسه تحت التعذيب سنة ٦٩ .

وآمل من كل شباب الإسلام أن يقرأوا حياة هذا المناضل بقوة وجرأة ، المجاهد عبد العزيز البدري وأكرر اسمه ليستضيء القلم والفكر بذكر هذا العلم في ميادين الجهاد .

أعود للموضوع : كنت أتمنى أن يسمى كتاب السباعي ( عدالة الإسلام ) ، ثم استغفرت ربي وأعلنتها صراحة أنني كنت مخطئا في تأييد التأميم للمعامل والشركات واصلاح الأراضي حين صودرت من أصحابها ووزعت على ناس آخرين فلاحين وغير فلاحين ، وكليهما باطل باطل   !

الملكية الفردية : النظام الشيوعي يلغيها ، والراسمالي يطغيها ، وكليهما يهدم المجتمعات ، أما الإسلام فيهذبها وينميها ، الإسلام لا يلغي الطبقات بل يقارب بينها ، الإسلام عدالة اجتماعية أبدع في الحديث عنها الشهيد سيد قطب رحمه الله في كتابه العظيم ( العدالة الإجتماعية في الإسلام )

أفسد التأميم الصناعة ، وقضى الإصلاح الزراعي على الزراعة ، اشتريت علبة مربى مشمش وهو ماتشتهر به معامل دمشق فتحت العلبة فإذا هي ناقصة ، عدت للبائع ! ماهذا ؟ 

قال : بدكم التأميم ، هذا نتاج تأميم الظالمين ؟

أنا استغفر الله من تهور حدث مني في التأميم والإصلاح الزراعي فكليهما سرقة و نهب لأموال الناس بغير حق ، والاصلاح الزارعي هو إفساد زراعي وسرقة أراضي الناس ، وكلاهما دمرّ اقتصاد سوريا .

وطلبني مدير التعليم واسمه محمد حداد وأنا متهم عنده بأني أهاجم الثورة  بإسلوب ناعم ، بل وخشن إن شاء الله ، قال : أستاذ تكلم عن الإسلام بما شئت لكن لا تقل أن الإسلام يحارب الإشتراكية . 

كلمة حق نقولها : إن الملكية الفردية مصانة في الإسلام ، لا تصادر إذا كانت من عمل شريف ، لا احتكار ولا اختلاس ، ولا رشوة ، وعلى صاحبها أن يدفع الزكاة ، زكاة ماله ، ويتصدق بعد الزكاة عن طيب نفس للأقارب والفقراء والمساكين والمحتاجين ، فعلاج الظلم يكون بمحاسبة الظالم ولا يكون بظلم آخر ، فالإسلام عدل كله .

وإن فكرة انتقام الفلاحين من أصحاب الأراضي لأخطاء سابقة حرام وإجرام ، فأسمع في هذه الأيام أن أراضي تسلب ومعامل تسرق من أصحابها ظلما وعدوانا إستغلالا لظروف البلاد كما سلبت أيام التاميم والإصلاح الزارعي ؟

أقترح وأطالب بتشكيل لجنة من العلماء الشرعيين ومن رجال القانون يضعون نصب أعينهم قول الحق تبارك وتعالى ( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) ٩ الرحمن  .

وقوله جلّ شأنه ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء ٥٨

فديننا ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، تعيد اللجنة الأراضي التي صوردت أيام الإصلاح الزراعي إلى أصحابها ، بل يجب أن تعود وارداتها إلى أصحابها ، وكلنا يعلم أن الصلاة في الأرض المغتصبة حرام . 

يجب أن تكون اللجنة مع المظلوم الذي اغتصبت أرضه حتى ينتصر وعلى الظالم حتى ينكسر ، المظلوم فلاحا كان أم مالكا أم اقطاعيا ، هذه العبارات ملغاة في الإسلام ، في الإسلام : 

حق وباطل فقط .

حق يقام وباطل يلغى .

 والوقوف مع المظلوم واجب على الجميع وعلى القضاة أوجب ، نأمل ممن حرروا البلاد من الظلم والفساد أن يحققوا ما أمر الله به ( أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) ٤ قريش 

أيها الناس : احذروا تهديد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه الترمذي .

و( لعن الله من غير منار الأرض ) أخرجه مسلم ، وقال المصطفى عليه السلام ( من اقتطع شبرا من أرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين ) صحيح مسلم .

إن شهادة الزور تدع الديار بلاقع ، ولا أملك إلا أن أقول : 

ألا لعنة الله على الظالمين ، فكل اغتصاب لأرض بغير حق شرعي جريمة مابعدها جريمة يجب ألا يسكت عنها المجتمع وقادته بما فيها اغتصاب أراضي الاصلاح الزراعي ومعامل الصناعيين المؤممة . 

( إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل ٩٠ .

أقول قولي هذا واستغفر الله .

والله أكبر والعاقبة للمتقين .

وسوم: العدد 719