ليست الطائفية حالة فردانية خاصة بالعلويين دون غيرهم ..

ليست الطائفية حالة فردانية خاصة بالعلويين

دون غيرهم ..

عقاب يحيى

وهي للحق  لم تنبت البارحة

الطائفية واحدة من الظواهر الاجتماعية ـ السياسية القديمة.. والتي اعتلى موجها في مراحل مختلفة من تاريخنا.. وهي حالة عامة.. مع تفاوتات في شدتها لدى هذه الطائفة أو تلك.. هذه المرحلة أكثر من غيرها..

ـ وطالما أن المشروع النهضوي فشل، وديس عليه من قبل حملته، وخونته، بل وجرى استخدام الطائفية خدمة لديمومة الحكم ..

وطالما أن مجتمعاتنا لم تحقق الديمقراطية، ولم تنجز الأساس من المهام التي ترسي أسس المواطنية بديلاً لكل الانتماءات التي قبلها..وخاصة تكريس الانتماء لدولة المواطنة والقوانين والمساواة ..

وطالما وجدت قوى في موقع القرار مستفيدة من الواقع الطائفي.. فكيف لنا أن نتصور خلاصاً للحالة الطائفية؟، أو تجاوزاً لتخومها، ومؤثراتها ؟؟...

****

التركيز الذي يحدث على الطائفة العلوية مفهوم، وينطلق من موقع هذه الطائفة في مساندة النظام ودعمه، وما يؤديه ذلك من ارتدادات وردود أفعال، وهي لذلك تحت مجهر التركيز، ومتهمة طالما أنها لم تنتفض وترفض ما يُمارس باسمها، لذلك يجب فهم وتفهم وضع جميع المحسوبين على الطائفة تحت دائرة الضوء .

الطاغية الأكبر :  حافظ الأسد، ومذ كان ضابطاً صغيراً يحمل في داخله فرخاً استبدادياً .. ووعياً اختلاطياً متناقضاً، أو ازدواجياً بين المعلن من تبنيه لشعارات البعث والأمة، وبين ذلك الغامض، المبهم، الذي يظهر في المنعرجات، وفي جملة التحركات الداخلية، وعمليات التقريب، والشراء والتكتل....كان البعد الطائفي يفصح عن نفسه مع مدار الأشهر، لكنه يغلف بالكثير من الموجبات، وبما جعله دملة تكبر.. ويكبر قيحها معها.. لكن دون التجرّؤ على فتحها علانية ..وكان هو من أشدّ العاملين على تجميع حالة طائفية حوله والاستناد إليها، والاستقواء بها .. وإن ألبسها براقع فضفاضة لم تكن مناسبة، ولا مقنعة لأحد .

والحق أنه من قبل ذلك، ومن تاريخ تشكيل اللجنة العسكرية في القاهرة..كانت الاتهامات تنهال بأنها "أقلوية"، ثم ترسخ ذلك أكثر بعد الوصول للحكم في 8 آذار 1963 واستقدام البعث غطاء، وشرعنة، وقبول قيادته ذلك، والحاجة الكبيرة لإقحام أعداد كبيرة من العسكريين وأشباههم لتعويض الذين سرحوا، والذين كانوا في معظمهم من السنة"ناصريين ومستقلين"، وما عرف باستدعاء المعلمين كضباط احتياط وتثبيتهم فوراً .. وبما خلق وضعاً مرتجَأً داخل الجيش، استفحل أكثر مع التصفيات المتلاحقة التي طالت ـ هذه المرة ـ بعثيين.. كانوا في معظمهم من غير العلويين...في حين كانت اللوحة العامة للمرحلة ، بشعاراتها وأطروحاتها، ترفض بالقطع البعد الطائفي، أو الكلام فيه، والكثير كان يستبدل ذلك بمفردات اليسار والصراع الطائفي ..

ـ صحيح وأنه على مدار السنوات قبل الحكم المباشر للطاغية الأسد لم تكن الظاهرة الطائفية مطروحة بحدة بين الناس، ولم يكن ذلك الهسيس الخائف يسري بينهم حول سيطرة العلويين، وذلك الخوف من ظاهرة راحت تقوى ويجري استخدامها بأوجه كثيرة، وكان الكثير، وتلك حقيقة، لا يسأل، وربما لا يعرف ما هو مذهب الآخر، او معتقده، خاصة وان المسائل الإيديولويجة، والوطنية والصراعات التي تمحورت فيها وحولها كانت ـ ولو في مستوى السطح، والمعلن ـ هي الأقوى، وهي الفيصل ..

ـ لكن، ورغم اندفاعنا اليساري، والإلحاح على القيام بتحولات نظرية كبرى بهذا الاتجاه، وارتفاع موج التحليل الطبقي"محرك التاريخ" وبشكل مراهق، وصبياني، ومسرحي، والعمل على اللجوء إليه تفسيراً "مقنعاً" لظواهر بدت فاقعة، ولا يقدر أي تحليل طبقي على ترقيعها، أو لفّها.. فإن نمو الظاهرة الطائفية، وبروز"الحالة العلوية" بقوة، خاصة في الجيش، وظهورها الفاقع بعد هزيمة حزيران، ثم في تكتل الأسد.. وما يعرف ب"جماعة عمران".. وغيرهم.. كان يطرح اسئلة ثقيلة عن المسارات والتصفيات، وعن الشعارات المرفوعة وموقعها من الواقع.. ووصل الأمر إلى تداول هذا الواقع في مواقع حزبية مهمة.. بما فيها أعلى القيادات في الحزب والسلطة..

                                                         *******

في انقلاب التفحيح 13 تشرين الثاني 1970 ظهرت اللوحة فاقعة : ارتكاز صارخ على مجموعات طائفية كانت القوة الضاربة للانقلاب، ولم يكن تطعيمها ببعض الأسماء الأخرى ليغطي تلك الحقيقة التي راحت تعلن عن نفسها بكل فجاجة وصراحة، وصولاً لترشيح الطاغية رئيساً للجمهورية ....

ـ كان الطاغية خبيثا، وشخصية ازداوجية وأكثر، يجمع داخله متناقضات شتى يعمل على تشكيل توليفة متسقة منها بقوة إغراء المال والسلطة من جهة، والقمع الموصل للاغتيال من جهة أخرى. فهو علوي ـ طائفي ـ يحمل ذلك التراث المشبع بحكايات البيئة، وحقن التاريخ، وما عانته الطائفة على امتداد الصراع مع الأنظمة الحاكمة من ظلم شكل ما يعرف ب"المظلومية" التي تنظر للآخر بكثير من الحذر والخوف، والانتقام.. وحتى الحقد.. وهو يعاهد نفسه، وبعض الأصحاب ـ كما تقول بعض الروايات ـ على الاهتمام بوضع الطائفة وتحسين أوضاعها..(وقد فعل كل ما يستطيع لأجل ذلك وفي عموم المجالات0) ..وبالوقت نفسه هو بعثي يطرح شعارات أمة واحدة، وتوحيدها.. وهو أيضا مقايض كبير في جميع القضايا ..

ـ ما يهم هنا..أن الطاغية مركز، وموضع الطائفية بقوة وتنهيج، وأصبحت"الحالة العلوية"ظاهرة فاقعة في الحياة السورية لا يمكن تغطيتها ولا الهروب من مرتسماتها حتى لدى أكثر المتطرفين يسراوية، والمتعلقين بالتفسيرات الطبقوية في تحليل الظواهر وتركيبها .

المركزة تجد أقوى تجسيداتها في الأجهزة الأمنية التي تشكل عماد الحماية والبقاء، ثم الجيش، خاصة تشكيلاته المختارة، والمقرّبة. وبناء على تلك الموضعة التي تمّ إنجازها في السنوات الأولى من عمر الانقلاب.. صار يمكن للطاغية أن يصول ويجول في جميع الاتجاهات، وأن يستحضر المزيد من الواجهات ـ غير العلوية ـ ويركبها في مواقع القرار الاقتصادي والإداري وغيره، وكذلك أن يقدم على اعتى صفقات المقايضة مع الأعداء التاريخيين دون خوف من ردّات فعل خطيرة داخل المؤسسة العسكرية.. ولذلك أقدم على الدخول إلى لبنان ضمن صفقة شهيرة مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وقام بالمذابح في سورية وتتويجها بمذبحة حماة 1982، ثم المشاركة مع القوات الغازية للعراق عام 1991.. في حفر الباطن..وما يفعله الوريث في زجّ الجيش ضد الشعب.. وتطورات الحالة السورية على ضوء الثورة ومجرياتها ..

                                                           *****

نعم كثير من المحسوبين على الطائفة العلوية كانوا من المعارضين للنظام عبر السنوات الماضية، وبعضهم قدّم حياته، وعمره.. ولم تك تلك المعارضة ترفيهية، ولا جزئية أو موسمية.. وإن كانت تعاني من التحالفات، والامتداد، ومن سمة الغلوائية اليسارية، والعلمانية، والطبقوية الملفوحة بخوف ضمني، وظاهر من التشكيلات المحسوبة على الإسلاميين ..ومن نزع فتيل الخوف من بديل آخر يمكن أن يستحوذ على الأمور ويزيح تلك المعارضة ليقيم نظاماً :: ينسف مكاسب العلويين كلها التي تحققت عبر السنوات، وربما يذهب إلى مدى ابعد من عمليات الانتقام، والثأر ..وبما أوجد شيئا من مناخ اختلاطي يبدو وكأنه لم يقطع خيوطه مع النظام، ولا يريد أن يكون جذرياً وحاسماً في تصفية النظام وإرثه، وما فعل بالبلد ..

ـ في بداية الثورة.. كان يمكن ملاحظة وجود أعداد لا بأس بها ـ داخل الطائفة العلوية ـ مرحبة، ومشاركة ولو بطرق مختلفة.. ثم حصل الانكماش والانزياح...وبما يظهر تلك الطائفة ـ لمن يريد إصدار الأحكام القطعية والعامة ـ وكانها كتلة صماء، وكأنها بلوك واحد، وكانها بقرار لا رجعة فيه قد حددت موقفعا ومصيرها : القتال مع الطاغية حتى النهاية.. وان جميع المعارضين لا يمثلون سوى حالات هامشية لا تأثير لها، ولآ أهمية لدورها في الأرض والمحيط ....

ـ أعلم أن بحث هذه الحالة وخلفياتها يحتاج إلى بحوث تبتعد عن رمي الحجارة والمسؤولية بهذا الاتجاه الأحادي أو ذاك..لأن العملية معقدة، وتدخل على خطها كثير العوامل..وأن الموضوعية تقتضي الارتقاء فوق ردود الفعل، والظواهر السطحية للدخول إلى العمق، وبالوقت نفسه محاولة فهم التركيبة من داخلها وما أحدثه نظام الفئوية فيها عبر العقود، ومنسوب نجاحه في تقديم نفسه حامي الحمى، وفي ربط مصيره بمصيرها العام ....

لكن يجب الإقرار المسبق..أن إرجاع أسباب"الحالة العلوية الملتفة حول النظام" إلى طروحات الآخرين وتخويفاتهم، وإلى تطورات الثورة السورية بغلبة، ثم سيطرة الاتجاهات الإسلامية المتشددة، وارتفاع وتيرة الحجارة الطائفية، التي تركّب لها أسنة القتل والتصفيات..أو ربط الأمر كله بضعف المعارضة الوطنية والديمقراطية، وعدم طرح برنامج سياسي يؤمن التفاف الجميع حوله، ويمنح كل الفئات، وأولهم ابناء الطائفة العلوية، الأمان والاطمئنان,,,,,,,إنما هو تفسير آلي أقرب للحالة الشكلانية، الميكانيكية.. ذلك أنه في داخل ثقل الحالة الطائفية العلوية عوامل فاعلة يجب معرفتها، ونقاشها بروح الصراحة والمسؤولية..   وأن الإشكالية أقوى، وأكثر تشعبا، ولها مؤثراتها في العقل، والمصالح، والوعي، ومنسوب الاختلاط الطائفي مع غيره من شعارات ترفع للتصدير، وكمتراث قوي .

وبالمقابل : الحالة العلوية، ورغم هذه الخصوصية بكل ثقلها.. فإنها ليست الحالة ـ اليتيمة ـ أو الظاهرة الوحيدة التي تنتشر الآن في المجتمع السوري..دون الآخرين. على العكس.. فقد عرفت مسارات الثورة، وبتنهيج شرير من النظام، تحولات تخدم الحالة الطائفية ضمن محاولة نقصودة لتعميمها، وتصوير الصراع على أنه صراع مذهبي، وليس لأجل انتزاع الحريات العامة لوطن يحتاجها، تلك الحريات التي لا يمكن أن تكون فئوية، ولا قصراً، او حصراً على أية تشكيلات دينية أو سياسية أو مذهبية، وإنما هي عامة لجميع السوريين.. والعلويين منهم بالقطع .

ـ إن إحداث اختراقات مهمة في الواقع الطائفي العلوي.. ربما يراه العديد أنه تأخر كثيراً، ولا يمكن بعد كل الذي جرى التعويل عليه، وان مستوى التعصب، والالتزام بالطغمة الحاكمة أقوى من جميع المحاولات.. بينما ما يزال يرى عديد الوطنيين أن ذلك واجباً، وضرورياً، وممكناً من خلال برنامج وطني عام يخاطب الجميع على قدم المسؤولية ........