الأقصى ليس بحاجة لحماية الإسرائيليين

من حقّ المرء أن يتساءل عن أسباب التّواجد الأمني الاسرائيلي المكثف عند بوّابات المسجد الأقصى، وما الهدف من تركيب البوّابات الألكترونيّة، وكاميرات الأشعّة السّينيّة؟ وما الهدف من الاستيلاء على مفاتيح بعض بوّابات المسجد خصوصا بوّابة المغاربة؟ ومن يثير أعمال الشّغب والعنف في الأقصى وغيره؟

بداية دعونا نؤكّد أنّ المسجد الأقصى مسجد اسلامي خالص، لا حقّ مهما صغر للدّيانات الأخرى فيه، وهذا باعتراف العالم جميعه، وتدعمه قرارات مجلس الأمن الدّولي والشّرعيّة الدّولية، والمنظّمات المنبثقة عن الأمم المتّحدة كاليونسكو وغيرها.

وأنّ القدس العربيّة المحتلة جوهرة الأراضي العربيّة المحتلة في حزيران 1967، تنطبق عليها اتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ، اضافة إلى أنّها مدينة تمثّل الحضارة الانسانيّة، وبالتّالي فهي محميّة حسب قرارات اليونسكو.

فهل احترمت اسرائيل التزاماتها الدّولية كدولة محتلة؟ وفي الواقع فإنّ استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية، هو المسؤول عن أعمال العنف في المنطقة برمّتها، وأنّ دولة الاحتلال تتحمّل المسؤوليّة الكاملة عمّا حدث ويحدث.

فالمسجد الأقصى مثلا دار عبادة للمسلمين، يؤمّه المسلمون للعبادة، وهو مكان مقدّس لا يجوز تدنيسه أو انتهاك حرماته، لكنّه لم ينج يوما من اعتداءات المحتلين منذ وقوعه تحت الاحتلال في حزيران 1967، وقد تعرّض للحرق في آب –أغسطس- 1969، وتعرّض لاعتداءات خطيرة لاحقة ليس أقلّها الحفريّات التي تنخر أساساته ولم تتمخّض عن وجود أيّ أثر يهوديّ في المكان، وتمّ قتل وترويع والاعتداء بالضّرب وبالغازات الخانقة على المصلّين فيه مرّات عديدة. ولا تزال حرماته تنتهك يوميّا من خلال اقتحامات المتطرّفين اليهود له بشكل شبه يوميّ تحت حماية الأمن الاسرائيليّ. وهذه الانتهاكات تتمّ بناء على معتقدات دينيّة ظنّا منهم أنّ الهيكل المزعوم موجود داخل المسجد الأقصى، مع أنّ حفريّاتهم خلال الخمسين سنة الماضة لم تعثر على أيّ أثر يهوديّ فيه. كما أنّها تشكّل تقسيما زمانيّا للمسجد الاسلاميّ تمهيدا لتقسيمه المكانيّ. وما التّواجد الأمنيّ الاسرائيليّ داخل المسجد الأقصى وفي محيطة إلا تمهيد لتثبيت حقّ دينيّ مزعوم لليهود في المسجد العظيم.

حتّى أنّ هذا التّواجد يتخطّى محاولات فرض السّيادة على المكان، من أجل الوصول إلى تقسيم المسجد إن لم يتمّ هدمه لبناء الهيكل المزعوم مكانه.

ولا يحتاج الانسان إلى كثير من الذّكاء ليعرف أنّ الحكومة الاسرائيليّة وأذرعها الأمنيّة هي التي تتسبّب في كلّ القلاقل الموجودة، وما يقوم به الفلسطينيّون وفي مقدّمتهم المقدسيّون سوى الصّلاة عند مداخل المسجد المنتهكة حرماته، لكنّهم يواجهون بعنف لا مبرّر له. ولو ابتعدت قوى الأمن الاسرائيليّ عن المسجد لساد الهدوء المسجد ومحيطه. لكنّها بدل أن تعمل ذلك تتمادى في غيّها وضلالها، فمع إزالة البوّابات الاكترونيّة جرى تجريف ساحة الغزالي التّاريخيّة عند باب الأسباط، وهذا اعتداء آخر على إرث حضاريّ عربيّ اسلاميّ عالميّ، ولا تقلّ خطورته عمّا قامت به الدّواعش بتدمير الآثار في تدمر وبابل وغيرهما.

مع التّأكيد على ضرورة الوقوف على أسباب كلّ ما يجري، وهو استمرار الاحتلال، الذي أهلك البشر والشّجر والحجر. وأنّ المنطقة لن تنعم بالهدوء والسّلام ما لم يتمّ كنس هذا الاحتلال ومخلفاته كافّة، وتمكين الشّعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف.

وسوم: العدد 730