سياسة البحث عن كبش فداء لتحميله مسؤولية الإخفاق

 لعلّه من نافل القول التأكيد على تلازم ارتفاع نسق الاستبداد ّمع ارتفاع نسق جرائم المستبدّين وأخطائهم، بما يجعلهم بالضرورة، لحفظ ماء وجوههم، يبحثون بكلّ جدّية عن كبش فداء يتخذونه تكئة لا بل  وشمّاعة يعلّقون عليها أخطاءهم وجرائمهم، بل وكلّ ممارساتهم الشنيعة. حتّى أضحت هذه السياسة -البحث عن كبش فداء- مؤشّرا من المؤشّرات القويّة الدّالة على وجود وتغلغل الاستبداد في المجتمع. لهذا كان غير مستغرب أن ينتهج هذه السياسة الخرقاء وغير الديممقراطية  كلا المخلوعين بورقيبة وبن علي. حيث كان الوزير أحمد بن صالح  أشهر كبش فداء لبورقيبة فيما يتعلّق بتجربة تعميم التعاضد سنة 1969، وكان الوزير الأوّل محمد مزالي و زكريا بن مصطفى  شيخ  مدينة تونس كبشي الفداء في علاقة بأحداث الخبز سنة 1983 حيث قال بورقيبة: "غلطوني... قالوا لي الخبز ياكل فيه البقر". و قد سار المخلوع بن علي على نهج سلفه كلّما قام بزيارة فجئية لمرفق عمومي ليعلّق على الموظّفين كل أخطائه وجرائمه.بل ونسج على منوالهما كلّ مسؤول كبير في الدولة يريد أن يتنصّل من مسؤولياته.

ولأنّ الاستبداد لا وطن له، حيث  أنّه يعشّش في أذهان كلّ المرضى الذين لهم قابلية لحمل فيروس الاستبداد والاستعباد، فإنّه يسكن ويستوطن حتما في أذهان أصحاب الثورة المضادّة سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة. واستتباعا لذلك فإنّ عديد السياسات الخاطئة تجد لها تبريرا و "كبش فداء" إن من بعض رموز الحكومة أو من رموز المعارضة وكذا من رموز إعلام ما يسمّى بإعلام العار. من ذلك على سبيل الذكر لا الحصر ما حدث  مؤخرا بمناسبة  إقامة حفل زواج في قاعة أفراح بمدينة وادي الليل من ولاية تونس الكبرى من عنف لفظي ومادي،حيث اقتحم جمع من الشبّان المنحرفين قاعة الأفراح وهاجموا الحاضرين واعتدوا عليهم بالعنف الشديد إلى حد دخول بعض أقارب العريس إلى قسم العناية المركزة. واللّافت هنا أنّ بعضا من رموز المعارضة ورموز إعلام العار سرعان ما استحضروا 'كبش فداء' مناسب ولبّسوا له تهمة التقصير. ولم يكن هذه المرّة سوى جهازالأمن. حيث قال جميعهم إنّ السلطات الأمنية لم تبادر إلى وضع برنامج لحماية قاعات الأفراح ولم تسع لنشر بعض أعوان الأمن حول هذه القاعات. صحيح أنّ المعنيين بالسياسة الأمنية في البلاد مقصّرون إلى حد ما مثلهم مثل غيرهم من المسؤولين في جلّ القطاعات الأخرى. ولكنّ المصدر الأصلي والحقيقي لهذه الحادثة غير أمني بل هو بالتأكيد وبالأساس تربوي ثقافي أخلاقي ديني وحضاري . حيث دلّت التحقيقات المتعلّقة بالحادثة وفق ما هو منشور في الإعلام أنّ بداية الحادثة كانت بمعاكسة شاب منحرف لفتاة من المدعووين. فنهاه ونهره قريبها، فما كان من هذا الشاب المنحرف إلاّ أن استقدم أصحابه من أصدقاء السوء وأصحاب السوابق في الانحراف الذين هاجموا كلّ المدعووين في غير ما تمييز بين رجل وامرأة ولا بين صغير وكبير. و مربط الفرس هنا أن الشباب إذا ما كان، في الأغلب الأعمّ، قليل مروءة و يقتصرهمّه في معاكسة الفتيات فإنّه لا يترتّب عن ذلك - بالضرورة- أن تضع السلطات الأمنية رجل أمن يراقب كل منحرف، فضلا عن كون ذلك غير ممكن ولا مقبول. ولسائل أن يسأل هل يمكن لشباب اليوم، أن لا يكون مهوسا بمعاكسة الفتيات ومنحرفا وعدوانيا والحال أنّه يتابع قنوات العار على مدار الساعة وهي تبثّ الحفلات الصّاخبة والماجنة والأفلام والمسلسلات الهابطة واللّقطات المريبة والخادشة للحياء. وهل باستطاعة  هذا الشباب أن لا يكون مائعا ومنحرفا وشاذا في سلوكه في الوقت الذي يدعو فيه إعلام العار على مدار السّاعة وبدون خجل ولا وجل ولا حياء إلى المثلية الجنسية من باب حرية الضمير علاوة على دعوته إلى السفور والمجون وإلى العري والتعرّي وإلى إشاعة الفاحشة إلى حد أن الإعلامي بقناة الحوار التونسي، لطفي العماري، تجرّأ بصفاقة قلّ نظيرها (في برنامج كلام الناس)، على حثّ ممثّلة تونسية شابّة جديرة بالإحترام والتقدير، وعلى الهواء مباشرة، بضرورة لعب ليس فقط أدوار الإغراء، بل وكذلك الأدوار الجريئة والساخنة. وكان تبريره لذلك أنّ الممثل يجب عليه أن يعكس الواقع كما هو. وأضاف قائلا  “إن الممثلة الفولانية لم تدخل العالمية وعالم النجومية إلاّ بعد أن لعبت هذه الأدوار الجريئة وكشفت عن جسدها وتعرّت وسلكت في طريق التعرّي أشواطا “! ! !

حقّا، إنّ هذا الرهط من الإعلاميين يمكن وصفهم بالمفسدين في الأرض بكلّ ما يحمل هذا الوصف من معنى. لا بل، هم إخوان الشياطين الذين لا همّ لهم إلاّ بث الفساد والإفساد في الأرض. إنّهم بسلوكهم هذا، باتوا خارج سياق التاريخ والجغرافيا لا ينتمون لهذه الأمّة ولا يعبّرون عن ضميرها الحي باعتبارهم يدعون على مدار السّاعة للتعرّي ولاقتراف كل أنواع الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، مثلهم في ذلك أخوهم ورفيقهم وسيدهم في الإفساد، ألا وهو إبليس الأبالسة وكبير الشياطين . علما، وأنّه بقدر ما  تحدث في المجتمع صراعات وخصومات جرّاء هذه الخبائث والفواحش بقدر ما يتّجهون للبحث عن كبش فداء يحمّلونه كلّ أوزارهم وصنوف خبثهم وتنوّع أمراضهم وجميع سلوكياتهم الدنيئة والسخيفة في آن معا.

جاء في صحيح البخاري عن خباب بن الأرت قال" شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".

مـجـمـل الـقـول في نهاية التحليل أنّنا نـخـلـص ممّـا تـقـدّم إلـى أنّ العمل والجهاد والصبر على الأذى من أجل إرساء مناخ سليم يعمّ فيه الإيمان والحياء  وقيم الفضيلة، إنّما هو الكفيل  بنشر الأمن والهدوء والاستقرار في طول البلاد وعرضها ونكون عندئذ في غير ما حاجة إلى رجال أمن ينتشرون في كلّ حدب وصوب.

وسوم: العدد 748