عن شعر الأطفال ومنجزه في العراق

تأليف: د. علي حداد

clip_image001_7d0a2.jpg

إصدار: دار ضفاف (الشارقة/بغداد)

قليلة هي الكتب التي تعالج أدب الأطفال في الثقافة العراقية على الرغم من خطورة هذا النوع من الأدب، كما هم قليلون كتّاب أدب الأطفال في بلادنا على الرغم من خطورة هذه الشريحة التي ينبني عليها مستقبل البلدان. ويمكن أن نتصور حجم الخسارة في ثقافتنا من خلال الإشارة إلى أن العراق شهد إصدار أول مجلة لأدب الأطفال في الوطن العربي.

ويدرك د. علي حداد مؤلف الكتاب القيم الذي أصدرته دار ضفاف مؤخرا وعنوانه :  "حقول (أور أوتو) المزهرة؛ عن شعر الأطفال ومنجزه في العراق" هذه الحقيقة بقوة حين يقول في مقدمة كتابه الوافية:

(لا يكاد خطاب الطفولة الأدبي ليتوقف عند حد ، لما فيه من خصب وتجدد ، يتماهى مع ما في الطفولة من غنى وتنوع  وتطلع دائب نحو المستقبل الذي تحتكر وحدها الوجهة إليه،كون المستقبل هو مساحة الوجود الزماني والمكاني الذي سيوطد الطفل حضوره وفعله الإنساني فيه ، ليصنع ذلك المستقبل على وفق ما يناسبه ويخصه ، ويؤشر حصته الإنسانية المعلنة عنه .

أما نحن  الكبار فنمتلك الحاضر وحده لننجز فيه ما يخصنا ويشير إلينا ، ولكنه  أيضاً  ما سيلقي بكثير من ظلاله على الطفولة التي تعايشنا مما يناسبها  أولا يناسبها  من تفوهات الحاضر ومحدداته ، ليصبح حضور الطفل بيننا مسؤولية إنسانية تتطلب مدركاً عالياً من الوعي والتيقن السلوكي والأخلاقي الذي يهيئه لزمانه القادم .

 إن ماينبغي تقديمه للطفل من الفنون الجميلة المختلفة  سواء الأدبية منها أو الموسيقية او التشكيلية  هو في حقيقته جهد نبيل وخلاق لتشكيل سمات حضوره الإنساني المتنامي ، وترسيخ قيم الثقة والانسجام مع كل مظاهر الوجود البشري والطبيعي من حوله ، وبما يوطد الشعور بالتوازن  في الأحاسيس والتمثل القيمي  المستجيب لكل ما في أفق الإنسانية ومظاهر الكون من قيم خير وجمال وانسجام صنعته يد الخالق  جلت قدرته  في أروع صورة وأبهى مظهر). (ص 5و6).

وهو يستعير روح مقالة لكاتبة غربية تساءلت فيها : لماذا نقص القصص على الأطفال؟ ليطرح تساؤلا لا يقل أهمية ومرتبطا بموضوع كتابه المركزي وهو: لماذا نكتب الشعر للأطفال؟ ويجيب عليه:

(لغرض الإجابة  وبشيء من التحوير  يمكننا أن نستعير ما قالته أيضاً ونجعله صالحاً له كذلك ، فنقول إننا نكتب الشعر لتحقيق الغايات الآتية :

 مساعدة الأطفال على السماع الإيقاعي وتذوقه.

 زيادة المحصول اللغوي لمعجم الطفل .

 توسيع المساحة الحركية للطفل وإضفاء الانسجام والحيوية عليها .

 تنظيم ملكة النطق عند الطفل وتعزيزها وتطويرها.

 خلق ميل فطري عند الطفل للكلمات المموسقة .

 توفير حالة من التواصل بين الأطفال بعضهم البعض ، وكذلك مع محيطهم الاجتماعي من خلال الأغاني والأناشيد التي يجتمعون على أدائها) . (ص 8و9).

اشتمل محتوى الكتاب (294 صفحة) على مقدمة وقسمين وخاتمة ومكتبة قراءات. خصص الكاتب القسم الأول من كتابه لطرح مدخل نظري عن الطفولة وأدب الطفل من خلال ثلاثة فصول:

الفصل الأول: الطفولة وشخصية الطفل

الفصل الثاني - أدب الطفل - المفهوم والعناصر الأساس

الفصل الثالث - أدب الطفل ... عناصر مضافة

أما القسم الثاني من الكتاب فتناول فيه الكاتب بالتحليل: شعر الأطفال في العراق ...آفاق وتجارب، وذلك من خلال أربعة فصول هي :

الفصل الأول - ترانيم من (بيت الألواح) عن المدرسة العراقية في شعر الأطفال. وفي هذا الفصل قسم الكاتب أجيال شعراء الأطفال إلى أربعة أقسام هي:

*الجيل الأول :

وهو جيل الريادة الذي بدأ تطلعاته في الكتابة للأطفال منذ عشرينات القرن الماضي . وكان ذلك قد تحقق على يد الشاعر العراقي الكبير(معروف الرصافي) أكثر من سواه، ليكون ممثله والأبرز فيه ، فقد شكلت تجربته أهم وأغزر ما أنتجه العراق من شعر الأطفال في مرحلته تلك.

*الجيل الثاني :

  ومثّله جيل ساير منجز من سبقه ، وأضاف إليه ، وواصله بعده حتى آواخر الستينات من القرن نفسه ، نجده في كثير من النصوص الشعرية التي كتبها (مصطفى جواد) في المرحلة المبكرة واللاحقة , إذ هو " ممن أسسوا لشعر الأطفال في العراق منذ أن كان طالباً في دار المعلمين العالية ببغداد " .وكذلك الجهد الشعري المتميز الذي أنجزه كل من : (باقر سماكه) و(أحمد حقي الحلي)، حتى ليمكن القول أن منجز الأخيرين من شعر الأطفال مما يمكن عده " المثال الأبرز والخط الصحيح الذي يمثل واقع أدب الأطفال الشعري في مدة بين الحربين ومابعدها.

ويشير الكاتب إلى ملاحظة مهمة هي عدم اهتمام رواد الشعر الحديث (السياب ونازك وغيرهما) بالكتابة في مجال أدب الأطفال.

* الجيل الثالث :

     وتبينه الممارسات الجادة والخصيبة كذلك لشعراء عراقيين كان بعضهم من البارزين في المشهد الشعري العراقي كله، ك (عبد الرزاق عبد الواحد) و(علي جعفر العلاق) ،أو من جعلوا توجهاتهم إلى شعر الأطفال غاية أساس لانشغالاتهم الأدبية ، ك (فاروق سلوم).

لقد عايش شعر الأطفال  بل أدبهم بعامة  ومنذ سبعينات القرن الماضي  متأسساً على جهود أولئك الشعراء وإدارتهم للمؤسسات المتخصصة بثقافة الأطفال  المرحلة الذهبية في العراق ، من حيث اهتمام الدولة به . فقد أنشئت (دار ثقافة الأطفال) وتبنت نشر كل ما يتعلق بالثقافة الموجهة إليهم ، واستقطبت الطاقات العراقية والعربية ، وبادرت بطبع المنجز العراقي والعربي وترجمة العالمي منه كذلك ، وأصدرت مجلة (مجلتي) وصحيفة (المزمار) ، كما قدمت سلاسل من الإصدارات الدورية لشعر الأطفال وقصصهم ومسرحهم ، وما كانت تجده مهماً من الدراسات المهتمة بهذا الشأن .لقد أشاعت دار ثقافة الأطفال باهتمامها يشعر الأطفال جواً حيوياً جعل المشاركة واسعة ، حتى لاتكاد تجد شاعرا عراقياً من شعراء هذه المرحلة لم يكتب أو يفكر بأن يكتب للأطفال إلا في استثناءات قليلة. الأمر الذي " ساعد على التجريب ، ومن ثم بروز بعض الأسماء الجديدة ".   

* الجيل الرابع :

  وقد  برز معظم شعرائه منذ الثمانينات وحتى وقتنا الراهن ،حيث تواترت فيه  أسماء الشعراء الذين يكتبون للأطفال ، سواء من كان يكتبه إلى جانب تميزه في الكتابة للكبار، ك (جواد الحطاب) و(عبد الرزاق الربيعي) ، أو من كرس جهده الإبداعي لكتابة أدب الأطفال من الشعر والسرد وعكف عليه وحده ، ك : (فاضل الكعبي) و(جعفر علي جاسم ) و(خيون دواي الفهد) و(محمد جبار حسن) و(جليل خزعل) و(محمد جواد كاظم) وغيرهم كثير، حتى كان ذلك النشاط المتدافع مدعاة لأن تتأسس رابطة لأدب الأطفال في العام 1993م) .  (من ص 106 إلى ص 109).

الفصل الثاني - راهن شعر الأطفال في العراق (مسعى تطبيقي)

الفصل الثالث - الشعر في الكتاب المدرسي؛ معاينة في كتب القراءة للمرحلة الابتدائية في العراق

الفصل الرابع - شعر الأطفال في العراق؛ مواقف وتجارب

معروف الرصافي: الريادة التربوية وتمثلها في الكتابة الشعرية للأطفال

حسين قدوري: الفنان كبير المقام الذي أخذته الطفولة إلى عوالمها

الانهماك بالطفولة وعياً وتجربة: منجز (فاضل عباس الكعبي) مثالاً

حين تنسل القصيدة إلى الطفولة بهدوء عذب: نصوص (عبد الرزاق الربيعي ) للأطفال.

ويشير الكاتب في مقدمته إلى أن كتابه هذا هو الثالث في مجال البحث في أدب الطفل (ص 10) حيث سبق أن صدر له في مجال دراسة أدب الأطفال كتابان ، هما (اليد والبرعم  دراسات في أدب الطفل، صنعاء 2000م ) و (ديوان الطقل في الأدب الشعبي اليمني، صنعاء2004م) . كما صدرت له في مجال الكتابة الإبداعية للأطفال مجموعة قصصية بعنوان (لماذا رحلت الينابيع إلى الجبال البعيدة وقصص أخرى) عن دار ثقافة الأطفال في العراق ، بغداد 2013م). (ص 12 و13).

في خاتمة الكتاب يحيلنا المؤلف إلى مسألتين مهمتين؛ الأولى بعد الإشادة بالجهد الرائع والمميز للمبدعين العراقيين في مجال أدب الطفل الذين كتبوا نصوصهم بخلاقية عالية وبإحساس حقيقي بالمسؤولية وبأبوة عذبة حانية بلا جزاء ولا شكور كالعادة، ترى حقا أن هذا الجهد المبدع الهائل سوف يُجهض ولا يحقق أهدافه إن لم يتم تصدّي مؤسسات الدولة لتوصيله للفئة المستهدفة وهم الأطفال أنفسهم حيث يقول الكاتب:

(لعلها من بداهة القول أن نذكر أن (أدب الطفل) بفنونه المختلفة لايكتب ليقرأه الكبار أمثالنا ويتدارسونه ، بل الأساس فيه أن يذهب إلى المجتمع الذي كتب من أجله : (الأطفال) يتلقونه ، ويتعايشون مع أفكاره وجماليات تعبيره ، وتجري إحالته  عبر فاعلية (التغذية المرتدة)  إلى خبرة ثقافية وسلوكية وذوقية.وهذا يعني وجوب إيصاله إلى الأطفال وجعله ضمن المستلزمات القرائية الأساس التي تتكفل جهات رعاية الطفولة المختلفة  بدءاً من العائلة وانتهاء بمؤسسات الدولة الثقافية والتربوية  بوضعها بين أيديهم ، لتصير (القراءة) واحدة من الهوايات التي ينبغي إشباع حاجتهم إليها، لاسيما أن القراءة تمثل واحدة من حقوق الطفل التي كفلتها لهالدساتير والاتفاقات المعلنة من قبل منظمات حقوق الإنسان ، ومنظمة رعاية الطفولة على نحو خاص). (ص 282).

أما المسألة الثانية فقد نفوق الأولى أهمية وحساسية حيث يقول الكاتب:

( تبقى تؤرقنا مسألة أخرى نجدها جديرة بالإشارة إليها ، وتتبدى في أن من يرصد مناهج الدراسة  في مرحلتها الجامعية  عندنا سيواجهه الحيف الكبير الذي يناله أدب الطفل بفنونه المختلفة ، إذ لا يكاد يأبه له أو تؤشر حصته في مناهج الدراسات الأدبية لأقسام اللغة العربية ، على عكس ما هو عليه الحال في الجامعات العربية الذي يدرس فيها هذا الأدب مادة منهجية مهمة . وسيكون الأمر مثيراً للاستغراب أكثر أن لا نجد مثل هذا المقرر الدراسي في أقسام كليات التربية عندنا تلك التي يفترض تخصصها أنها تخرج المدرسين الذين يقدمون لطلابهم خبرة علمية وثقافية متعددة المجالات ،ومنها المتعلق باللغة العربية وآدابها . ولنا أن نتساءل هنا : كيف سيتسنى للمدرس  الذي لم ينل تلك المعرفة الثقافية والجمالية لطلابه ، ولم يطلع عليها فيما درسه بكليته وقسمه  أن يضعها في متناول احتياجات طلابه لها ؟!

إننا ندعو إلى إدراك أهمية (أدب الطفل) وتدارك غيابه من مناهج الدراسة الجامعية عندنا ، والسعي الحثيث لاعتماده درساً منهجياً في أقسام اللغة العربية بكليات الآداب والتربية في جامعاتنا، كما تفعل ذلك جامعات الدنيا كلها. ولن نعدم أن نصنع له مفردات منهجية متميزة مادمنا نتوافر على هذا الرصيد المعطاء والخصيب من المنجز الأدبي الذي صنعته أجيال فذة من المبدعين العراقيين). (ص 283).

تحية للدكتور علي حدّاد.. 

ملاحظة بسيطة

_________

تبقى ملاحظة بسيطة. حين قرأتُ عنوان الفصل الأول من القسم الثاني وهو: (ترانيم من (بيت الألواح)؛ عن المدرسة العراقية في شعر الأطفال)، اعتقدت أن الكاتب سوف يتعرض لملامح مدرسة عراقية قديمة في أدب الطفل تمتد جذورها في تربة الحضارة العراقية القديمة (السومرية تحديدا). إذ من غير المعقول أن العراقيين القدماء النعروفين بعبقريتهم الريادية العظيمة قد أهملوا أطفالهم في الترقيص والتنويم على سبيل المثال. ولا يمكن أن تخلوا مناهج المدراس السومرية وهي البلاد التي شهدت ميلاد أول مدرسة في تاريخ البشرية حسب نوح كريمر من قصائد وحكايات للأطفال.

الكاتب نفسه التفت إلى هذا الموضوع من خلال العنوان المميز الذي اختاره لكتابه والذي يفسره بقوله:

(بقي أن نلتفت أخيراً إلى ما تخيرناه للكتاب من عنوان رئيس ، استعدنا فيه التمثل بشخصية عراقية ذات انشغال تربوي بيّن ورد اسمها في صحائف التراث الحضاري العراقي القديم . ف (أور أوتو) هو أحد الكهنة في مدينة أور التاريخية ، اشتهر بيته من بين بيوت أخرى استقلت عن المعبد  ولكنها حافظت على قيمتها الدينية المقدسة  لتصبح أماكن تعليمية خاصة ، تحفظ فيها مختلف النصوص الأدبية والدينية التي يربى عليها الأطفال وتبنى شخصياتهم على وفق كثير من قيمها). (ص 11)

وللدكتور علي حدّاد حسنة لأنه أثار في ذهني تقصيرنا الفادح كباحثين ونقاد في استكشاف كنوز بلادنا العظيمة. أتذكر أنني تساءلت في كتابي "التحليل النفسي لملحمة جلجامش" عن الإنسان العراقي الأول الذي خلقته الآلهة السومرية من طين ودم وليس من طين وماء بعد الطوفان. كان اسمه "للول".. فسّر البعض هذه المفردة بالإحالة إلى مفردة "دل" وتعني : القلب في بعض اللغات، لكني تساءلتُ آنذاك: هل لذلك الإسم السومري علاقة بالطريقة التي كانت تنيمنا بها أمهاتنا ونحن صغار "دِ للول .. يا الولد يا بني .. دِ للول" ؟!

إنّ حضارة عظيمة مثل الحضارة السومرية حققت انجازات هائلة متوازنة في كل جوانب الحياة الاجتماعية ، لا يمكن أن تهمل هذا القطاع الحيوي في حياتها وهو قطاع : الطفولة.

هل نحن مقصرون في استكشاف هذا الجانب؟ أعتقد ذلك.  

ملاحظة:

هذا العرض هو التسلسل (85) ضمن سلسلة عروض الكتب من الناقد حسين سرمك حسن لعام 2016.

clip_image001_86bc6.jpg

أصدر الشاعر المغربي جمال الموساوي ديوانا شعريا جديدا وسمه بـ " أتعثر في الغيمة فتبكي"، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر.

تتضمن المجموعة الشعرية التي تقع في 100 صفحة، 46 نصا شعريا قصيرا، كتبت ونشرت جميعها عام 2014 مباشرة على الجدار الخاص في الفيس بوك للشاعر الموساوي عدا 5 نصوص، قبل نشرها في عديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية والعربية. 

وأول مجموعة تم نشرها من هذه النصوص حملت عنوان «أتعثر في الغيمة فتبكي (ديوان الفايس بوك)».

يقول جمال الموساوي عن أثره الشعري الجديد: «اشتغلت في هذه النصوص أساسا على تيمة الشك في كل شيء الذي بات لصيقا بالإنسان المعاصر والقلق والحيرة اللذين يسمان الحياة المعاصرة، وذلك من خلال استحضار جملة من القضايا والأسئلة والظواهر التي يفرضها التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي عموما والفيس بوك بشكل خاص، ومنها أن يتبين الإنسان ضآلته وأن الحياة باتت أكثر عبثية من أي وقت مضى بعد أن صارت ثمة حياة افتراضية موازية».

ومن قصائد جمال نقرأ «صانع الأرق» ومنها: 

لا أعرف شيئا عنك/ الهواء في رئة الآلة ليس ملوثا كما في الشارع/ ثمة أكياس هوائية إضافية/ ثمة حراس مفترضون/ وجوه متعددة لوجه واحد/ متآلفة،/ ثمة ما نسميه لبسا في العادة،/ في هذا النسق غير المنطقي/ لا أعرف شيئا عنك أيتها الكائنات الرخوة/ لا أعرف ما الذي خلف الصفحة

وما الذي يوحي به عالم هارب إلى الأمام/ في انتظار ذلك/ أمام الشاشة المشوشة لخيال مزعوم

لا تزال أصابعي تزرع حبات الأرق!

ويقوم الشاعر من خلال قصائده على تبجيل قيم الشك والنسبية ودحض فكرة اليقين والثبوت المطلق، كما يعالج المخاطر المحدقة بالعالم، ومن هنا يحاول أن يضفي معنى ما على العالم الجديد.

يشار أن لجمال الموساوي إصدارات أخرى وهي «كتاب الظل»، عام 2001 صادر عن وزارة الثقافة المغربية بالرباط»، و «مدين للصدفة» عام 2007 عن دار النشر أنفوبرانت، فاس، ثم «حدائق لم يشعلها أحد» عام 2011 ضمن منشورات بيت الشعر في المغرب.;

تأليف: دان سبالدنغ

ترجمة: فاطمة الأسدي

clip_image001_a4fb2.jpg

إصدار: دار ضفاف (الشارقة/بغداد) للطباعة والنشر

يُقال أن أحد رؤساء الوزارات اليابانيين سُئل عن سر نهضة اليابان المعجزة أجاب: "لقد منحنا المعلم سلطة القاضي وهيبة الضابط وراتب الوزير".

قد تكون الحكاية مُسقطة من أناسنا أو معلمينا المُحبطين في دول العالم الثالث التي تعيّن صيدلانيا كوزير لوزارة التربية التي تؤسس القاعدة التحتية لشخصية وعقل المواطن التي سيُبنى عليها كل شىء لاحق من وعي ومثابرة وصدق وحب للوطن وعمل وأخلاق .. كل شىء.. كل شىء. لكن الحكاية تحيلنا إلى حقيقة لا يمكن نكرانها وهي ان أي قائد أو مسؤول أو مهني (طبيب أو مهندس أو ..) في المجتمع لا بد أن يمر تحت رعاية المعلم وقيادته وإرشاده. وخراب أي مجتمع – وهو سبب انحطاط الحياة في العالم الثالث – هو أن أعداد البشر الذين تتم تربيتهم من قبل المعلم باتت تتضاءل في ظل المحنة الاقتصادية والفساد الاقتصادي والاجتماعي ونمو التطرف الديني الذي دمّر في نيجيريا وحدها 1000 مدرسة في سنة واحدة على أيدي إرهابيي "بوكو حرام". وما معنى "بوكو حرام" باللغة النيجيرية ؟ معناه : التعليم حرام !!!. والطغيان الأمريكي سبب رئيسي وراء انحطاط التعليم في العالم الثالث من خلال سعي أمريكا لإسقاط كل الأنظمة العلمانية في المنطقة ودعم الحكومات الملكية الدينية الفاسدة والتدمير بالعدوانات العسكرية والتخريب الاقتصادي واستنزاف الثروات الذي تقوم به الشركات المافيوية الغربية وصندوق النقد والبنك الدولي. قبل مدة صرح مسؤول غربي قائلا لقد كان القذافي يمنع بقاء أي بنت في البيت لا تلتحق بالمدرسة. وها نحن أسقطناه وجئنا بمن يجلد المرأة إذا خرجت من البيت إلى المدرسة ويرجمها بالحجارة.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا: كيف تصبح استاذا؟ (تعليم البالغين)، هو خلاصة تجربة أستاذ (في الواقع معلّم) أفنى حياته في مهنة التعليم المقدسة وها هو يقدّم خلاصة تجربته مطروحة بصورة علمية وسردية مشوقة لتكون دليلا للمعلمين من بعده. إنه يصلح أن يكون دليلا لمعلمينا (وكذلك لعائلاتنا) خصوصا وأن لا أحد من معلمينا لديه الإمكانية على أن يقدم تجربته كدليل عمل علمي تربوي. ماذا يقدّم وهو يحتقر مهنته ويّجبر على تعليم 100 طالب في الصف وفي مدرسة طينية لم تشهدها العصور القديمة (أول مدرسة في تاريخ البشرية تأسست في العراق قبل 4000 سنة وكانت مبنية ونظيفة ولكل طالب رحلة واسمها المكتب؟ والمعلم فيها نبي محترم داخل وخارج المدرسة- راجع كتاب كريمر: ألواح سومر).

التعليم تضحية ومحبة:

ومن ميزات هذا الكتاب هو أنه مكتوب بحب وإخلاص لمهنة سفح فيها المؤلف سنوات عمره وهو غير نادم برغم أنها لم تغرقه بالأموال والامتيازات (بالمناسبة مات أغلب المعلمين العرب القدماء فقراء وفي مقدمتهم الجاحظ والتوحيدي). وهذه وصيّة المؤلف:

(أن تصبح استاذاً عظيماً – يوسّع من تعلم الطلبة في الصف ويسهم في مجال التدريس – هو مكافأةٌ بحدّ ذاته. الأساتذة العظماء يمرحون اكثر. انهم مسترخون في الصف لأنهم قد حضّروا درس اليوم سلفاً ويعرفون ما هو المتوقع ويعرفون كيف يديرون الصف ويتطلعون الى الإفادة من المفاجئات التي تعترض طريقهم.

يستفيد الأساتذة العظماء من تجربتهم التدريسية كثيراً. فهم يلاحظون ما يقوله، وما لا يقوله، الطلبة مما يثري فهمهم لكيفية تعلم الطلبة. يطبّق الأساتذة العظماء كل ما يمرون به في حياتهم اليومية – الاحداث اليومية والمحاضرات الشهيرة والتجارب الحياتية – في تجربتهم التدريسية. لذلك لا يفقدون نشاطهم ابداً.

يجب ان تطمح الى ان تكون مدرّساً عظيماً او أن تعزف عن التدريس الآن. فالتدريس يحتاج الى الكثير من العمل مقابل ما لا يكفي من المال). (ص 34 و35).

أهمية اليوم الأول في المدرسة:

وفي مخطوطة كتيّب لي عن الهروب من المدرسة أفاد بعض عوائل الأصدقاء وسيصدر بعد وفاة الكاتب بإذن الله كما كان يقول علي الوردي، وضعت مخططا لليوم الأول في المدرسة وهو يوم خطير في حياة أي تلميذ وطالب يحدّد مسيرته التعليمية اللاحقة. وفي حين نأتي نحن بأولادنا ونرميهم عند باب المدرسة ونمضي!! يقول المؤلف:

(في أول يومٍ من الدراسة أخبر طلبتك عن نفسك: من أي مدينةٍ أنت ولماذا تدرّس وكيف انتهى بك الأمر في مهنة التدريس. يجب أن تفكر دائماً باهتماماتك الوظيفية وأهدافك. فهذا الخليط من الملف العام والطموح الشخصي هو رسالتك.

تساعدك هذه الرسالة على السيطرة على عملك وحياتك. وفي الإطار اليومي ستبلغك رسالتك عن المجال الذي تبرع فيه. وعندما تكون اهتماماتك في صراعٍ شديدٍ ستساعدك تلك الرسالة على التوصل الى قرار ماذا ستفعل بشكلٍ يدلّ على هويتك بغض النظر عن الظروف المحيطة).( ص 42) .. ويواصل:

(أول درسٍ هو الأهم؛ ركز موقعك كأستاذ.

اليوم الاول هو اليوم الذي يقرر فيه معظم الطلبة اذا كانوا سيستمرون في المقرر او سينسحبون منه. إن التهيؤ لليوم الأول هو الذي سيحدد نجاح المقرر.

أنصحك بالتأنق وبالتصرف بشكلٍ رسمي في الدرس الاول فذلك يساعد على ترسيخ صورتك كأستاذ، خاصةً اذا لم تكن تتناسب مع مفاهيم الطلبة: أي اذا كنت صغير السن ودقيق البنية ولا يتناسب جنسك مع المادة الدراسية، الخ. وبمرور الوقت سيكون من السهل الانتقال من المظهر الرسمي الى مظهر اقل رسمية. ولكن من الصعب القيام بعكس ذلك.

بالاضافة الى مراجعة مخطط المنهج هناك بعض الأشياء الأخرى التي يجب أن تقوم بها في اليوم الأول. اولاً يجب أن تمنح الطلبة فرصة التعرف على بعضهم بعضاً والا سيتشتت انتباههم فيما بعد. يكون ذلك في نشاطٍ منظم يتعرف الطلبة فيه بعضهم بعضا. ثانياً عليك ان توضح للطلبة ان التعلم هو مسؤوليتهم وان عليهم المشاركة في الصف.

وأخيراً سوّق الدرس. اعرض الاسئلة التي سيتقصاها الطلبة في المقرر. بيّن لهم أن الموضوع شيّق. يحكم الكثير من الطلبة على المقرر من اليوم الأول. ابذل جهدك كي يستمتعوا بدرسك).

ثم يضع برنامجا تفصيليا لمخططك اليوم الأول لاهميته الكبرى:

الفقرات التي يجب مراعاتها قبل اليوم الاول

قبل بداية الدرس تأكد من الفقرات التالية كي تتأكد من انسيابية اليوم الأول:

تأكد من الوقت المطلوب لوصولك الى الصف. تأكد من موقف السيارات اذا كان لديك سيارة. تأكد من موقع الصف. تفحص وضعية الصف (هل يحتوي على مقاعد ثابتة ام متحركة...الخ). تأكد من اقرب مغاسل وهل هي صالحة للاستخدام.

الفقرات التي يجب التأكد منها في اليوم الأول

تأكد من الفقرات التالية بالترتيب الآتي:

ليكن زيك رسمياً. احضر للصف قبل نصف ساعةٍ من بداية الدرس. حضّر غرفة الصف. هيّء الادوات التي ستستخدمها. اكتب اسمك واسم المقرر على السبورة. رحّب بالطلبة عند حضورهم. أطلب من الطلبة تقديم انفسهم وانتبه على لفظ اسمائهم وطريقة كتابتها. قدّم نفسك. سوّق للدرس بنشاطٍ او محاظرةٍ اولية. راجع مخطط المنهج بأكمله مع الطلبة. اجب عن الاسئلة. اكّد موعد الدرس القادم ووقته. عند انتهاء الدرس انتظر قليلاً للاجابة عن اي سؤالٍ اضافي.

إبدأ الدرس باستبيان واختبار دخول. سيساعدك الاستبيان بمعرفة طلبتك ومستواهم.

اطلب من الطلبة ملء استبيانٍ في نهاية الدرس عن انفسهم وعن الحقائق التي تؤثر على تعلمهم: الاسم الكامل، تاريخهم الدراسي، مدى معرفتهم بالموضوع، اهتماماتهم، التزاماتهم خلال المقرر، إعاقات التعلم، المحددات الجسدية، الخ.

اختبار الدخول عبارةٌ عن سلسلة من الاسئلة التي تعتمد على اهداف مقررك. وهي تساعدك على تحديد بُعد الطلبة عن تحقيق هذه الاهداف. يجب ان توضح للطلبة ان هذا الاختبار لن يصحح. اجمع اجاباتهم في نهاية الدرس ثم راجعها عند عودتك الى المنزل ولا تعدها اليهم. فهي تساعدك على معرفة مدى تقدمهم وتساعدك على تعديل خطط الدرس بما يتلائم واحتياجات بعض الطلبة.

في صف الكتابة كتب كل طالبٍ مقطوعةً في اليوم الاول. ساعدتني تلك المقطوعة على معرفة مدى معرفة الطلبة بالقواعد وتركيب القطعة واستخدام اللغة الاكاديمية. وقد كانت هذه المقتطفات مفيدة جداً لأنني دائماً أبالغ في قدرة طلبتي). (ص 75 – 78).

المعلم ليس صديقا للطالب:

وقد ظهرت لدينا "مودة" جديدة أعتقد أنها من نفايات العملية التعليمية في الغرب الهوليودي وهي أن "المعلم صديق للطالب" في حين كنا نهرب من شارع لشارع في المرحلة الإبتدائية حين نشاهد ظل معلمنا من بعيد. وهذا درس من المؤلف يؤكد فيه خطل هذه " الصرعة" :

(لا يمكنك أن تكون صديقاً لطلابك. "لا تقترب مني كثيراً"

لا أعتقد أنك تستطيع أن تكون صديقاً لطلبتك. الصداقة هي علاقةٌ بين الرفاق. وطالما أنت تمتلك سلطةً على طلبتك فأنت لست رفيقاً لهم. إذا صادقت طلبتك فستخاطر بالحفاظ على صداقتك أكثر من دفعهم خارج حيّز الأمان.

يمكنك أن تحب وتحترم طلبتك ولكن لا يجب أن تضيفهم على حسابك الشخصي على موقع الفيسبوك

لا تطلب أبداً مقابلة الطلبة في بيتك أو في بيت شخصٍ آخر. وأخيراً لا تواعد طالباتك فذلك قد يؤدي الى طردك من الوظيفة. وإذا أعدت الكرّة فقد تُعزل من الوظيفة الى الأبد). (ص 43)

الصف ليس ساحة للديمقراطية:

وقد وسّع بعض المتحضّرين الحداثويين هذا الموقف تحت غطاء الديمقراطية وأن الديمقراطية تفرض المساواة والعلاقة الإنسانية القائمة على التكافؤ مهما كانت المواقع . وهذه وصيّة من أهدر عمرا كاملا في التعليم في أكثر البلدان مدنيّة:

(الصف ليس ساحة ديمقراطية، ولكن يمكنك تهيئة الطلبة للديمقراطية.

يظن بعض الاساتذة أن الصف يجب أن يكون ساحةً للديمقراطية. انا لا اتفق مع ذلك. والسبب هو ان الجميع في البيئة الديمقراطية لديهم حقوقٌ ومسؤولياتٌ متساوية. اما في الصف فالاستاذ اكثر مسؤوليةً من الطلبة. والسبب الآخر والأهم هو اننا لا نعرف ما هي الديمقراطية الحقيقية. فحكوماتنا تسيطر عليها بعض المؤسسات الثرية وتدّعي أنها تمنحنا الديمقراطية. حتى في العمل نحن نمارس القليل من الديمقراطية حيث تحدد مؤسساتنا شروط العمل ويمكن ان نُطرد لأقل سبب). (ص 119)

القصّة أداة تربوية وتعليمية ناجعة:

وقد تحدّثنا كثيرا في كتبنا ومقالاتنا عن أهمية العودة إلى "القصّة" كوسيلة تعليمية وتربوية في المدرسة والبيت. أمهاتنا الريفيات اللائي لم يكن يقرأن أو يكتبن وليس لديهن وسائل حضارية كالتلفزيون والراديو والمكتبات كنّ يقرأن علينا قصة – حتى لو كانت مكررة – قبل النوم . الآن الأمهات متعلمات ومتخصصات لا يجدن وقتا لحكاية المساء لأطفالهن حين يوازن هذه الممارسة بالفرجة على مسلسل تركي أو سوري مثلا!. اعتمد هذا الأستاذ المعلم على القصة كأداة للتعليم الناجح :

(قُم بسرد القصص؛ القصص تجذب الانتباه وتعمق الفهم.

القصة طعمٌ تقليدي. والقصص التي تحتوي على سؤالٍ ضمني تكون ممتازةً لبدء الحوار. لماذا لم يستطع موسى دخول الارض الموعودة؟ ماذا قال بيل موراي لسكارلت جونسون في نهاية قصة الضياع في الترجمة؟

القصص تشبه الوسائل الايضاحية الجيدة لانها تمثل ايضاً ما تقوم بتدريسه. استغل هذه الفائدة بسرد القصص لايضاح النقاط المجردة المهمة. ويجب ان تحرص على كون القصص مقتضبة وتتعلق بالموضوع بصورةٍ مباشرة. ومهما كان ما تفعله  لا تسرد كل قصصك، وانما هيئها كطريقةٍ اضافيةٍ لشرح الفقرات. فاذا فهم الطلبة الفكرة من دون سماع القصة التي هيأتها فذلك جيد، وسرد القصة في هذه الحالة سيكون مضيعةً لوقت الطلبة). (ص 85 و86)

 (إن التحدي الأكبر في التدريس هو تفكيك معرفتنا للطلبة، مثلاً كيف يقرأون ويفهمون النص الصعب، أو كيف يقطعون شيئاً بطريقةٍ دقيقةٍ بالمنشار. يجب أن يكون الأستاذ الجيد قادراً على تجزئة السؤال أو المفهوم أو المهارة الى مكوناتها. فعلى سبيل المثال، فيما يلي الطريقة التي أُدرّس فيها طلبتي لكتابة قصةٍ متكاملة:

يقرأ الطلبة قصةً متكاملةً. يحدد الطلبة خصائصها: البطل والتحدي الذي يواجهه والتطورات ونقطة التحول والنهاية. يفكر الطلبة بقصصٍ متكاملةٍ أُخر. يناقش الطلبة القصص التي فكروا بها. يكتب الطلبة قصصهم الشخصية. وأخيراً يقارن الطلبة خصائص قصصهم بالخصائص التي تعرفوا عليها في القصة التي حللولها بادئ ذي بدء.

وبالطبع انا لم أُدرّسهم بهذه الطريقة، وإنما اتبعت الخطوة 1 و 2 و 5 لأنني لم أكن أعرف كم سيكون صعباً عليهم أن يكتبوا قصصاً متكاملة. ولم أدرك حاجتهم الى نشاطاتٍ منظّمة إلا بعد أن صححت أوراقهم). (ص 59 و60)

نعم لعملية "المشاهدة":

ومن الظواهر السلبية ليس في العملية التعليمية والتربوية لدينا حسب بل في حياتنا الاجتماعية عموما هو الموقف السلبي من عمليّة "المشاهدة" أي أن يحضر شخص ليراقب نشاطك ويستفيد منه. بعض المعلمين يتحسّسون وقد يرفضون حضور معلم آخر في صفّه لمشاهدة طريقة تعليمه لطلبته. يقول المؤلف:

 (كن منفتحاً على المشاهدات

الأساتذة السيئون فقط هم الذين لا يحبون المشاهدة. (مشاهدة الزملاء في العمل ومشاهدة الآخرين لك)

الاستثناء الوحيد، من وجهة نظري، هو أن تسمح لمديرٍ أن يشاهد صفك من دون سابق إنذار. الاداريون في العادة مقيّدون بالقوانين التي تفرض عليهم اين وكيف يشاهدون الدروس. إذا بدأت بالسماح لهم بمشاهدتك وقتما أرادوا سيضغطون على بقية الأساتذة كي تتم مشاهدتهم من دون اتباع الطريقة الصحيحة). (ص 48 و49)

لا للتعليم "النظري":

وفي الوقت الذي مازال فيه التعليم "نظريا" في الكثير من البلدان المتخلفة يؤكد المؤلف على ضرورة ربط التعليم بالحياة العملية ودمج النظرية بخبرات الطلبة:

(أعتقد أن هناك فرصاً لتدريس المحتوى والقدرة في الوقت نفسه. عندما درّست التواصل في مكان العمل لصفٍّ من لحّامي المعادن اللاتينيين السود ابتكرت أدواراً يناقشون فيها مع مديرهم التعامل مع موقفٍ حرجٍ في محيط العمل. مثلاً، يقرأ الصف تقرير حادث مقتل أحد العمال بسبب سقوط عارضةٍ معدنيةٍ عليه بعد أن كان واقفاً على أرضٍ غير مستوية. بعدها يلعب الطالب دوراً يطلب فيه من المدير (الذي يلعب دوره طالبٌ آخر) أن يستعمل رافعةً لتحريك العارضة الخطرة. يراقب الصف ذلك الطالب ثم يقدمون له الملاحظات التي تساعده في أن يكون أكثر إقناعاً باقتراحه.

يمكنك القول إنني كنت أدرّس مهارةً وظيفيةً أخرى. وبالطبع يمكن لبعض الأشياء أن تؤخر البناء أكثر من الإصابة في موقع العمل، ولكن هناك الكثير من العاملين الذين لا يعرفون كيف يتفاوضون مع مدرائهم). (ص 18 و19)

(تفترض الثقافة الأمريكية بأن الاختبارات تقيس مقدار انتقال المعرفة ولكن ذلك لا يحدث في الحقيقة. فقد أظهرت دراسةٌ نُشرت في عام 1999 في كلية القانون في جامعة مشيغان أن أداء الطلبة في اختبار القبول لكلية القانون لم يتنبّأ بالدخل المهني أو المهارات الوظيفية (فقد وجدوا ارتباطاً سلبياً بين النتائج المرتفعة ونتائج الاختبار والخدمة المجتمعية). ولم تجد دراسةٌ أُجريت في عام 1984 أيّ ارتباطٍ بين درجات المدرسة والدخل المستقبلي أو المهارات الوظيفية. ولم تختلف الدراسات الراهنة عن تلك الدراستَين كثيراً ولم تناقضها أيضاً). (ص 20 و21)

(أسّس التربوي البرازيلي المتطرّف باولو فريري التعليم أيضاً على أساس خبرة الطالب الحياتية. فقد علّم العمّال الريفيين الأمّيين القراءة والكتابة متّبعاً منهجاً يعتمد على استغلال نشاطاتهم الحياتية. وفي الوقت نفسه شرح كيف يكون المدرّسون عاملاً في التحرر والاضطهاد من خلال تدريس الطلبة كيف يصبحون عمالاً يتم استغلالهم بدلاً من تدريسهم طريقة القتال ضد الاستغلال. وهذا يقوّض فرضية ديوي بأن التربية هي عمليةٌ تحريريةٌ بالوراثة). (ص 26)

حِكَم من حياة حافلة بالعطاء:

وضع المؤلف في بداية كل فصل وكل فقرة مدخلا على شكل "حكمة" هي خلاصة وإطار أيضا للفصل أو الفقرة أولا، وتكثيف لتجربته في هذا المجال ثانيا، وقطعة يمكن للقارىء أن يلتقطها ويحفظها في ذهنه بصورة أيسر وأسرع من الشرح المنساب ثالثا. وهذه بعض "حِكَم" المؤلف:

 # كونك خبيراً لا يعني أنك أستاذٌ جيد

معاناتك في موضوعٍ ما تساعدك على تدريسه

# معاناتك في موضوعٍ ما ستعمّق تعاطفك مع طلبتك.

# تحرّ عن موقع الطالب في رحلة حياته

مراحل البلوغ تساعدك على فهم طلبتك

# درّس من أجل نقل المهارات والمعلومات

لا تدرّس من أجل الامتحانات والاختبارات فقط

# قُم بتنمية الدافع الذاتي

إذا أردت بناء سفينةٍ لا تحشّد الرجال لجمع الخشب وتوزّع العمل وتعطي الأوامر. وإنما علّمهم الشوق الى البحر اللامتناهي." انطوان دي سينت-ايكسوبري، مؤلّف الأمير الصغير 

# التعلم عملٌ شاق

لن يأخذ الطلبة الواجب على محمل الجد أكثر من الأستاذ نفسه. أظهر للطلبة أنك تعمل بجِدٍّ وهكذا سيعملون بجدٍّ هم أيضاً.

# كل شيءٍ في التعليم مثيرٌ للجدل

خاصةً الأشياء الصحيحة

# سيجعلك التدريس تشعر بأنك أحمق

   

أو سيكون طريقةً ملهمةً ومثمرة في الانتباه الى أخطاءك (بالمناسبة كان عنوان الكتاب الأصلي هو: سيجعلك التدريس تشعر بأنك أحمق، كما يقول المؤلف)

# التدريس مهنةٌ صعبةٌ تصبح أسوأ باستمرار

أوقات الحاضر العصيبة ستصبح أوقاتاً سعيدةً في الغد

# لتكُن لديك رسالة

رسالتك هي قصّتك

# عليك أن تُحب وظيفتك

يجب أن تُحب كل شيءٍ يتعلق بها

# درّس الشيء نفسه

التكرار معلّمٌ جيد

# اقرأ خارج تخصصك

ستجد الكثير مما يتعلق بالمقرر الذي تدرّسه

ملاحظات نقدية بسيطة:

 (1). جاء عرض الكتاب مباشرا بالدخول إلى المحتوى بلا مقدمة أو تمهيد من المترجمة للتعريف على الأقل بالكاتب والكتاب وأهميته.

(2). لا أدري هل كان العنوان الاصلي للكتاب هو: كيف تصبح معلما ناجحا؟ (تعليم الكبار). كنتُ أتمنى أن يكون كذلك لأنه أكثر دقة وتعبيرا. وقد اطلعت على عروض للكتاب بلغته الأصلية فوجدته يستخدم مفردة المعلم teacher التي هي صفة كل من يقوم بعملية تعليمية مهما كان مستواها. بالمناسبة يبدو المؤلف في الصور شابا وهذا هو كتابه الأول.

(3). لا يعرف أغلب القرّاء معنى الرمز (م.م) الذي سبق اسم المترجمة وأعتقد أنه يعني: مدرس مساعد إن لم أكن مخطئا.

الخلاصة العبرة:

والخلاصة الذروة والعبرة التي يقدّمها المؤلف فهي أن مهنة التعليم مقدّسة وهي كأي شىء مقدّس لا يمكن أن تُقارن بالأموال والامتيازات، وهي كالنبوة؛ من يمارسها ينظر إلى البعيد اللامرئي الخلودي الذي لا تراه العقول الوضيعة التي صدأت بفعل أتربة الحاجات اليومية الحيوانية . في التعليم شىء إلهي .. ولهذا يمارسه الإنسان بطريقة الأنبياء؛ بمحبة وتعفّف برغم آلامه وشقائه:

(ورغم ذلك يمارس معظمنا التدريس لأننا نعتقد أن التعليم يمكن أن يغيّر طلبتنا، وبالتالي يمكن أن يغير العالم. وهذا لا يتعلّق كثيراً بالمهارات الوظيفية، بل بمساعدة الناس على العيش حياة قديرة أكثر معنى). (ص 18)

المعلّم يمكن أن يغيّر العالم .....

المؤلف:

ياقوت بن عبدالله الرومي، الحموي، أبو عبدالله، شهاب الدين (574 - 626هـ).

✿✦ ولد ياقوت ببلاد الروم، وأُسر صغيرًا، وابتاعه مولاه عسكر بن أبي نصر إبراهيم الحموي ببغداد، فرباه وعلمه وشغله بالأسفار في متاجره، فأعتقه سنة 596 هـ، وأبعده بعد ذلك، فعاش من نسخ الكتب بالأجرة، وعطف عليه مولاه بعد ذلك فأعطاه شيئًا من المال، وبقي بيده بقية جعلها رأس مال له، وسافر بها، ثم تاجر في الكتب، ورحل رحلة طويلة واسعة انتهت إلى مرو وخراسان ثم خوارزم، وبينما هو فيها خرج التتر سنة 616 هـ فانهزم بنفسه تاركًا ما يملِك، ونزل إلى الموصل فأعوزه القوت، ثم رحل إلى حلب بعد أن انتقل إلى سنجار، فأقام في حلب في خان بظاهرها، وأوقف كتبه على مسجد الزيدي بدرب دينار ببغداد، وسلمها إلى الشيخ عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير صاحب التاريخ الكبير، فحملها إلى هناك.

✿✦توفي ياقوت يوم الأحد في الخان بظاهر مدينة حلب في العشرين من رمضان، أما نسبته فيرجح أنها انتقلت إليه من مولاه عسكر الحموي.

✿✦الكتاب ✦✿ :

معجم تاريخي يشبه معجمه الجغرافي، ولكنه أكبر منه وأوسع، وفيه كثير من التراجم التي لا وجود لها في غيره، فضلاً عن توسعه وتحقيقه، وقد جمع في كتابه ما وقع له من أخبار النَّحويين، واللغويين، والنسابين، والقراء المشهورين، والأخباريين، والمؤرخين، والوراقين، والكتَّاب المعروفين، وأصحاب الرسائل، وكل من صنف في الأدب تصنيفًا أو ألف فيه تأليفًا، ولم يقصد - فيما جمع - أدباءَ قُطرٍ، ولا علماء عصر، بل نراه جمع للبصريين، والكوفيين، والبغداديين، والخراسانيين، واليمنيين، والمصريين، والشاميين، والمغربيين، وغيرهم على اختلاف البلدان، وتفاوت الأزمان.

ولم يتضمن هذا المعجم تراجم الشعراء، اللهم إلا من عُرف - إلى جانب الشعر - بالتصنيف والتأليف: كأبي العلاء المعري، والبحتري، وابن عبدربه الأندلسي، وغيرهم، أما الشعراء الذين لم يُعرفوا إلا بقول الشعر، ولم يتركوا من الآثار سوى دواوينهم، فلم يأتِ "ياقوت" - في معجمه - إلا على قليل منهم.

✿✦ يضم الكتاب نحوًا من 1041 ترجمة.

✿✦ "معجم الأدباء" المعروف بإرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، 7 أجزاء، حققه وضبط نصوصه وقدم له: عمر فاروق الطباع، ط1، مؤسسة المعارف، بيروت، 1420هـ/1999م.

clip_image002_2fde0.jpg

صدر مؤخرا - وبموقف وطني غيور - من قبل الدكتور باسم الياسري مدير دار ضفاف للطباعة والنشر (الشارقة،بغداد) الجزء الأول من "موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية" للباحث والناقد الدكتور حسين سرمك حسن

حمل الغلاف الأخير تعريفا بمحتويات الجزء الأول من هذه الموسوعة يقول:

(4 ملايين قتيل ونصف مليون مشوه بالعامل البرتقالي في فيتنام، مليون قتيل في الفلبين، 75,000 قتيل في نيكاراغوا ، 3,000 قتيل في بنما ، 300,000 قتيل في قصف طوكيو الذي أحرق بيوتها الخشبية حتى لم يبق فيها هدف للقنبلة الذرّية فأسقطت على هيروشيما وناغازاكي، 250,000 قتيل في مجزرة قصف درسدن، 200,000 قتيل في غواتيمالا و75,000 في السلفادور، و50,000 في كولومبيا على يد فرق الموت ، و200,000 في تيمور الشرقية ،مليون قتيل في إندونيسيا، و600,000 في كمبوديا ..و ..و ..و ..و.. وغيرها الكثير الكثير من المذابح الوحشية العلنية التي اقترفها الشيطان الأمريكي ضد الشعوب المكافحة وكلّها تحت غطاء نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان.

وخلف هذين الشعارين البرّاقين جاء الأمريكان الخنازير الغزاة لتدمير وطني العراق تحت غطاء "تحريره" ونشر الديمقراطية فيه وتحقيق كرامة الإنسان، فأشعلوا فيه ما سمّاه بعض المؤرخين بحق "الهولوكوست العراقي" : منذ عام 1990 حتى 2011 خسر العراق 4,6 مليون حالة وفاة مرتبطة بالحرب ، 1,7 مليون حالة وفاة عنيفة ، 2,9 مليون حالة وفاة يمكن تجنّبها من الحرمان الذي فرضته الحرب ، 5 – 6 ملايين لاجىء ، وموت 2 مليون طفل تحت سن الخامسة ، 90% منها يمكن تجنبها وسببها جرائم الحرب الشنيعة التي اقترفتها الولايات المتحدة وحلفاؤها خارقة بشكل مكشوف اتفاقية جنيف.

وهناك الهولوكوست الأفغاني والإبادة البشرية الأفغانية (5,6 مليون قتيل بسبب الحرب ، 4,2 مليون وفاة يمكن تجنبها بسبب الحرمانات التي فرضتها الحرب، 3 – 4 مليون لاجىء ، و 2,9 مليون طفل تحت الخامسة ماتوا بعد الغزو الأميركي و 90% يمكن تجنبها) في مخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف) .

جاء الجزء الأول من الموسوعة في (345) صفحة واشتمل على أربعة عشر فصلا

هي:

أول دولة في العالم تدينها الأمم المتحدة بتهمة الإرهاب بقرار رسمي أمريكا العظمى تدمّر شعب نيكاراغوا (5 ملايين نسمة !) وتخرجه من الحياة من أجل الديمقراطية تدمير هاييتي وإخراجها من الحياة والتاريخ البرازيل : خدعة "عملاق الجنوب" ومؤامرة "الخصخصة" فنزويلا : مئة عام من المؤامرات الأمريكية ؟ ظلم الوحش الأمريكي لشعب فنزويلا من الألف إلى الياء! مأساة بنما : أمريكا تغتال الرئيس الشريف وتعتبر الرئيس المحتال "نوريغا" ديمقراطياً ! كيف تتحكم شركة "بكتل" في السياسة الأمريكية ؟ غواتيمالا : أمريكا قتلت (200000) مواطن في غواتيمالا من أجل تعزيز الديمقراطية صَلْبُ السلفادور : حِرْص الولايات المتحدة على الديمقراطية تسبّب في قتل 75 ألف واختفاء 8 آلاف مواطن سلفادوري ! كولومبيا : أكثر دولة تسحق حقوق الإنسان وأكثر دولة في العالم تحصل على المساعدات الأميركية حرب الولايات المتحدة على المخدّرات وسيلة لنشرها ولتدمير الشعوب في شيلي قتلت الولايات المتحدة الرئيس المُنتخب من أجل تعزيز الديمقراطية (3 آلاف قتيل و30 ألف مُعتقل ومختفٍ) مذبحة فيتنام : أمريكا قتلت 4 ملايين فيتنامي من أجل الديمقراطية مذبحة الفلبين : ذبحت أمريكا مليون مواطن فلبيني من أجل الحضارة أمريكا تجوّع الشعب الكوبي وتقتله منذ خمسين عاماً من أجل الديمقراطية .. ثم تعفو عنه !!

وجاء إهداء الكتاب على الشكل التالي:

(الإهـــــــــــــــــــداء :

إلى "علي عباس"

الطفل العراقي البرىء الذي قتل الأمريكان الخنازير الغزاة والديه .. وبترو ذراعيه .. 

وإلى 8 ملايين مسلم قتلتهم الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب ..

وإلى 100 مليون إنسان في العالم قتلتهم الولايات المتحدة الأمريكية في سعيها لنشر الديمقراطية ودفاعها عن حقوق الإنسان !!)   

المزيد من المقالات...