clip_image002_eb42a.jpg

يتعرض الإنسان في حياته اليومية الى مواقف كثيرة، وبخاصة الذي على احتكاك مباشر مع المجتمع، ولا يعدم الحاجة الى مساعدة الآخرين في قضاء بعض حوائجه، لأن الانسان مهما بلغ شأواً من القوة الجسمانية أو الطاقة النفسية أو القدرة المالية أو النفرة العددية في الأهل والأبناء، فانه يظل غير قادر على انجاز أعماله كافة، وبعض الحاجات يأتي انجازها بالمباشرة على يديه او على من يستعين بهم وبعضها بطريقة غير مباشرة بفعل ذاتي او معونة خارجية، وهذا الواقع حقيقة يمارسها الانسان ولا يمكن نكرانها او التعالي عليها، لان الإنسان هو ابن الواقع، والواقع حاك عن هذه البديهة.

وتختلف المسارات في كيفية استحصال المساعدة والدعم من شخص أو جهة في إنجاز عمل ما أو تحقيق مشروع ما، فمرة بهدية عينية أو اعتبارية ومرة بمال يدخل فيها الفعل الحرام (الرشوة)، ومرة بكلمة طيبة، ومرة تدخل الوجاهة في انجاز الأمور والمعاملات، وهي بشكل عام وساطات بين طرفين، وأفضلها ما تم انجازه بالنظر الى وجاهة الوسيط ومكانته الطيبة في المجتمع، لأن صاحب الوجاهة لا يتوسط إلا في الأمور الايجابية حفظاً على ماء وجهه وقداسته في عيون المجتمع، فهو يوفر لنفسه الاحترام اللائق وينظر اليها كنعمة أنعمها الباري عليه، ومن موارد شكر النعمة قضاء حاجات الناس بالمباشرة أو التوسط لدى الآخر أو الجهة لقضاء حاجة من التجأ إليه صاحب الحاجة، وهذه العملية يطلق عليها في بعض مسمياته بـ (الشفاعة).

والشفاعة في واقعها عملية قائمة عملاً وفعلاً، وهي تمثل في أحد أوجهها سلطة معنوية يمارسها الشفيع لصالح المشفع له، وهذه السلطة لا تتأتى للشفيع بين لحظة وضحاها، فهي سلطة اعتبارية فرضها على الواقع بصفاته الحسنة وأعماله الخيرة وسمعته الطيبة، فتصبح وساطته أو كلمته مفتاحاً للمغاليق من الأمور.

مفهوم الشفاعة

وبالطبع فإن الشفاعة هي غير الرشوة، لأن الثانية فيها جنبة قسرية غير مرغوب بها لانجاز العمل تدخل المادة عاملاً رئيساً فيها ومحرمة شرعاً وعرفاً وقانوناً، في حين تغيب المادة عن الأولى، أي تغيب المصلحة المادية عن الوسيلة في الانجاز، وهذا الدور يرغب كل انسان ان يؤديه في الحياة ولكنه لا يطاله كل راغب في حين أن الثاني يأنف الإنسان السليم عن تقمص الدور أو الاتيان به أو الوساطة له، ففي الشفاعة الرفعة والمكانة والوجاهة والكرامة وفي الرشوة الخسة والدناءة والذلة والمهانة.

وحتى يقف الإنسان على حدود الشفاعة في الحياة اليومية وما يتعلق بآخرته، أضاف الفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي الى المكتبة الفقهية (شريعة الشفاعة) وهي جزء من سلسلة في ألف كتيب، طبع منها العشرات الى جانب المئات من المخطوطات، والشريعة الجديدة صدرت العام الجاري (2015م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت في 48 صفحة ضمت بين الدفتين 75 مسألة شرعية و23 تعليقة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري الذي شفّع تعليقاته بمقدمة في بيان جذر الشفاعة وأصلها، مع تمهيد للفقيه الكرباسي أبان فيه الشفاعة وحدودها وشخوصها ومصاديقها وتطبيقاتها.

فالشفاعة قائمة على الشفيع والمشفوع والشيء المشفع، فالشفاعة هي بمقام الوساطة، وهي مصدر شَفَعَ: (بمعنى طلب الاعانة ممن هو قادر على الانقاذ مما وقع فيه، والشفيع هو المعين) كما في اللغة حسبما يقول الفقيه الكرباسي في التمهيد، وعند المتشرعة: (هو الشيء أو الشخص الذي يضمه المحتاج الى غفران الله وكسب رضاه أو درء غضبه وسخطه الى ما قدّمه ليكون عوناً في ذلك، شرط أن يكون ذلك الشفيع ممن ارتضاه الله للشفاعة)، وبتعبير آخر كما يؤكد الفقيه الكرباسي: (الشفاعة: هي طلب العون بمن أو بما له جاه عند الله لجلب رضاه سبحانه وتعالى في دفع ما يكره أو جلب ما ينفع)، ويرى الفقيه الغديري في المقدمة ان: (أصل الشفاعة أي غفران الذنوب ومنح المطلوب حق استقلالي لرب العالمين وهو يأذن ويسمح لمن يشاء من خلقه بذلك أو يجعل لشيء تلك الخصوصية بلطفه وكرمه، وهذا من رحمته الواسعة على عباده الضعفاء الفقراء والذين يخرجون من طاعته عمداً أو خطأً بسب وساوس الشيطان الرجيم).

وليست الشفاعة مفتوحة لكل انسان، فبلحاظ تعريف الشفيع فهي تشمل: (الشخص أو الشيء الذي من خلاله أو من موقعه يوجب الخير أو دفع الشر المتمثل في كسب رضا الله ورفع سخطه سبحانه)، والنبي محمد(ص) وأهل بيته هم أوضح مصاديق الشفاعة في حياتهم ومماتهم، وكما يقول الفقيه الغديري: (إن الله تعالى منح النبي(ص) حق الشفاعة، وكذلك لأوليائه من الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين عليهم سلام الله أجمعين، فالشفاعة من ضروريات الدين لا يمكن للمؤمن بالله ورسوله أن ينكرها سوى من كان على دين آخر غير الإسلام)، من هنا يؤكد الفقيه الكرباسي بأن: (القول بأن النبي(ص) وآله لا دور لهم عند الله بعد الممات فهو من الجفاء الذي يصل الى حد المعصية)، وبتعبير المعلّق: (وقد يُرى أن القائل بهذا، أي أنهم ليس لهم دور بعد الممات، يعدّ الاعتقاد بدورهم بدعة في الدين، والحق ان هذا الاعتقاد منه هو من مصاديق البدعة المحرمة والتي عبر المؤلف عنها بالمعصية)، على أن الثابت بأن الشفاعة كلها بيد الله سبحانه وتعالى بصريح قوله: (قل لله الشفاعة جميعاً) الزمر: 44، ولكنه يأذن لمن يريد كما في صريح قوله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) حيث يؤكد الفقيه الكرباسي إن: (الشفاعة في الأساس لذاته جلّ وعلا، وانما يخوّل آخر بذلك ويرتضيه لأن يكون شفيعاً، وذلك المخوَّل يعرف حدوده كما يعرف حدود الشفاعة ولمن يشفع، وبصريح العبارة فالشفيع يدرك أنه إنما هو مأذون من قبله وليس مستقلاً برأسه، فهو يعرف مواردها فلا يتجاوزها)، فالشفاعة ليست منفصلة عن قدرة الله وهو قوله تعالى: (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) الأنعام: 51.

شروط الشفاعة

وبشكل عام فإن الفقيه الكرباسي يستنبط من آيات الله وسنة نبيه شروطاً عدة للشفاعة، وهي باختصار:

1- قدرة الشافع على الشفاعة.

2- أن يكون المشفوع له من أهل الإيمان.

3- لابد أن يكون الشافع (الشفيع) مأذونا من الله جل وعلا باذن خاص أو عام.

4- الرضا – من قبل الله- عن المشفوع له بالشفاعة.

وبهذه الشروط اذا وقعت الشفاعة كما يضيف الفقيه الكرباسي في التمهيد: (لا ينكرها أحد من المسلمين إلا من في قلبه مرض وعلى عينه غشاوة الجهل، وقد روى ابن عباس أن عمر بن الخطاب خطب قائلا: "وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرّجم وبالدجال والشفاعة وبعذاب القبر، وبقوم يُخرجون من النار بعدما امتَحَشوا –حرق جلد البدن-. مسند أحمد: 1/30، ح 157"، وكما جاء في البخاري في حديث صحيح عن رسول الله(ص): (من قال حين يسمع النداء- الأذان- اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)، أو قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلّوا عليّ فإنَّ من صلّى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدِ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له الشفاعة). صحيح مسلم: 1/288. ولاشك أن طلب الاستغفار للآخر هو جانب جلي من جوانب الشفاعة، وكيف وأن الشفيع هو النبي محمد(ص)، فتلك نعمة كبرى قيدها الله في كتابه المنزل بقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً).

ولا تقتصر الشفاعة على المعصومين، فهي أوسع بكثير، إذ: (يجوز للمرء أن يطلب من أخيه المؤمن أن يدعو له، وهو نوع من الشفاعة المحللة)، وكذلك: (مَن يجعل حسناته أو أفعال الخير التي قام بها شفيعاً لدى الله ليغفر له ذنبه فهذا من أفضل القُربات)، وهذا الاستشفاع كما يعلق الشيخ الغديري: (لا ينافي الاستشفاع والتوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأئمة الطاهرين(ع)، بل وقد يُستحسن فيه الجمع بلحاظ طلب قبول الأعمال الحسنة وفعل الخيرات)، وتتوسع حلقة الشفيع والاستغفار الى الوالدين إذ: (مَن جعل رضا والديه شفيعاً له عند الله، كان ذلك خير شفيع) بل: (تصح شفاعة الصغير في الدنيا والآخرة حتى السقط فإنه يشفع لأبويه في الآخرة)، وتتسع الى الملائكة في قوله تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما) سورة غافر: 7، ولكن لا تعني الشفاعة هنا تغيير ما أراده الله، إذ يؤكد الفقيه الكرباسي أن: (مَن يتصور أن للبشر أو الملائكة أو الجن أو أي مخلوق آخر القدرة الذاتية في تغيير ما أراده الله فإنه باطل ولا يتحقق).

ولكن رغم القول بالشفاعة وهي حقيقة قائمة وجاءت بها الأديان، فإن من أهم شروط إمضائها كما يؤكد الفقيه الكرباسي في التمهيد: (أن لا تُسبب في تعطيل حدّ من حدود الله أو لا تخترق حكماً من الأحكام الشرعية (القانون) وأن لا تتنافى مع الخلق الاسلامي الرفيع ولا توجب فساداً)، فعلى سبيل المثال: (الحق الاجتماعي لا تسقطه الشفاعة بأي شكل من الأشكال)، وكذلك: (لا يجوز للمؤمن أن يهتك المحرمات بأمل شفاعة الرسول(ص) له في الآخرة)، وكذلك: (لا يجوز للهاشمي أن يُشفِّع نسبه لارتكاب المعاصي أو التجاوز على الآخرين) ويضيف الفقيه الغديري معلقاً على المسألة بالقول: (بل وقد يكون موجباً لتشديد العقوبة عليه، لمكان هتك حرمة الانتساب).

فالشفاعة في نهاية الأمر مسألة طبيعية يمارسها الإنسان في حياته اليومية عل مستوى شخصي واجتماعي لا ينكرها الا جاهل، ولأنه في عالم الدنيا يطير بجناحي الخوف والرجاء، فهو يأمل أن تنفتح أمام مركبته مغاليق السماء يرجو الله الرضوان متشفعاً بأفضل الخلق إليه محمد وآله لغفران الذنوب وتذليل الخطوب ونيل جنة عدن عند مليك مقتدر.

clip_image002_8f26b.jpg

 ابتسامة الفلاحة الفلسطينية وهي ترتدي الثوب التراثي الذي اشتهر بزخارف كنعان، معبرا عن اصالة شعب عصي على الشطب، شعب اعتاد طرد الاحتلالات عبر التاريخ، يحمل تراث كنعان وقوة شعب الجبارين، ابنة الارض بلوحة للفنان الفلسطيني د. جمال بدوان المقيم في اوكرانيا بعينيها الواسعتين وابتسامة مشرقة تبرز التحدي وهي تقف أمام شجرة البرتقال اليافاوي الفلسطيني، كانت هذه لوحة الغلاف لرواية (الست زبيدة) للكاتبة الألقة الفلسطينية التي تعاني من الشتات في أصقاع الغربة، تحلم بالوطن وبيوم اللقاء، وهي التي في شتاتها لم تتوقف عن خدمة وطنها والالتزام بكل ما يمكنها أن تخدم الوطن.

 نوال حلاوة الاعلامية والصحفية والناقدة والكاتبة والنقابية والمناضلة ومؤسسة بيت التراث العربي في كندا، والتي جندت قلمها لخدمة وطنها، والموثقة عبر مقابلاتها الصحفية لذاكرة الوطن والأحداث فيه، توثق ذاكرة الوطن الآن بروايتها الطويلة من وعد بلفور حتى الواقع الفلسطيني الحالي.

 انها حكاية الشتات الفلسطيني والمعاناة والقهر ومحاولة تمزيق الحلم بجهد خفافيش العتمة من جهة والعدو من جهة أخرى، لكن الرواية تتمسك بالحلم لشعب اعتاد أن ينهض من قلب الرماد ليحلق من جديد عبر الآف السنين، منذ ضرب كنعان قبل أكثر من عشرة الآف وخمسمائة سنة معوله لبناء مدينة القمر أريحا، كأول مدينة حضرية في فلسطين، معلنا قيام وطن صلب وحضارة لن تموت.

 نوال حلاوة يا صديقتي.. مبارك لك ولنا من القلب رواية (الست زبيدة) بأضافتها لبنة جديدة في صرح الثقافة العربية وطود الثقافة الفلسطينية، ففي هذه الرواية لامس نزف روحك روحي وأنت في الشتات وأنا في رام الله والوطن، فتجسدت روحك ومعاناتها أمامي، فأمسكت بيدك وهمست لك: تعالي لنحلق في فضاء المدينة عاليا، نحلق فوق قمر الوطن، فوق النجمات الربيعية، نبسم لأرواح الشهداء التي تبحث عن مأوى، وننادي حوريات كنعان، لنراقصها الدبكة على أنغام الناي والمزمار، ونغمر روحها بياسمينات الوطن، فلعل الفجر آت بالقريب، ولعل الحلم يتحقق، حتى نصرخ معا: هذه الكلمة الحلوة ما أحلاها.. الحرية..

clip_image002_f2c2c.jpg

تتفاوت الأفهام في التعاطي مع مصطلح (الحقوق) المتداول في الكتابات والأدبيات والمقالات والدساتير، فكل منا يمر على هذا المصطلح المقدس، ولكن بالتأكيد ليس كل منا يدرك مدياته ومساحته في التطبيع على أرض الواقع، إلا إذا تم التسالم بين الناس مائة في المائة على فهم معناه ومصداقه، وهذه حالة مثالية يصعب تحققها في عالم الإنسان الذي يحب أن يأخذ دون أن يعطي، وأن يستأثر بحق الآخرين الى جانب حقه دون وجه حق، مع انه بفطرته السليمة يدرك حدود الحق الذي له والواجب الذي عليه، ويتلمس نقاط التماس مع حقوق الآخرين الذي يشاركونه الحياة من إنسان أو حيوان أو جماد.

ولأن الحقوق وإدراك معانيها وقواعدها من المسائل الملازمة لحياة الإنسان من قبل ولادته ومن بعد وفاته، فإن الدساتير السماوية والأرضية انعقدت كلها على توضيح هذه الحقوق وبيان معالمها، وتفكيك شبكات الحقوق وخيوطها بما تجعلها قدر الإمكان واضحة لكل إنسان التي تحكمه تلك الدساتير.

ولاشك بملازمة الحق للحرية، فلا يمكن إعمال الحق من دون حرية ولا إعمال الحرية من غير القدرة على ذلك، والقدرة هي بحد ذاتها حق، ولذلك قد تبدو الحرية والحق متطابقين في آن واحد، على أن النظرة للعميقة لهما يظهر أن الحرية مقدمة على الحق، لأنه بتوفر الحرية يأخذ الحق مجراه في عالم التحقيق، فاسنشاق الهواء النقي في الحدائق العامة على سبيل المثال هو حق مشروع يتقاسمه الناس، ولكن إذا تم منع الإنسان ذاتيا بحجزه أو عرضيا بوضع سياج حول الحديقة، فيظل الحق ممنوعاً من الصرف، لا يُعرب إعجامه الا الحرية.

وحتى يكون الإنسان على بينة من حقوقه وحقوق الآخرين ونقاط الالتقاء والتقاطع، يسعى المشرعون الى إشاعة ثقافة الحقوق واحترامها، وفي هذا الاتجاه صدر حديثاً (2015م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت كتيب "شريعة الحقوق" للفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، وهو جزء من ألف شريعة في أبواب الحياة المختلفة، حيث ضم الكتيب نحو 160 مسألة شرعية رئيسة وفرعية، تناولها الفقيه الكرباسي بأسلوب جلي إلى جانب 35 تعليقة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري، مع مقدمة المعلق وتمهيد المؤلف، الى جانب كلمة الناشر التي وضعت النقاط على الحروف فيما يحتويه هذا الكتيب الذي صدر في 56 صفحة.

الحق والوجوب

لا ينفك الانسان بفطرته السليمة البحث عن حقوقه المشروعة ونيلها، لأن الحق كتعريف كما يؤكد الفقيه الكرباسي: (هو الأمر الذي يقتضي تنفيذه لصالح الآخر أو لنفسه على سبيل الوجوب أو الاستحباب) أو بتعبير الفقيه الغديري في تعليقه على المسألة: (الحق هو الأمر الذي يقتضي استيفاؤه، وتنفيذه في الحياة، لنفسه أو لآخر)، وفي الإصطلاح الفقهي فإن: (الحق هو الأمر الذي يرى الشرع اقتضاء تنفيذه وجوباً أو اختياراً من باب الأفضلية أو الجواز، مثل حق الفسخ وحق الشفعة وحق التأليف وهكذا).

ويلاحظ في التعريف وجود أمر واقتضاء تنفيذه وجوباً أو استحباباً ويدور هذا الحق في محيط الإنسان وغيره، وأما متعلقاته فهي عند الكرباسي: (الأعيان أو المنافع أو الممارسات أو الاعتبارات)، فمن الأعيان: (حق مالك العقار بالتصرف بأرضه يقيّد تصرفه بما لا ينافي حقوق جاره)، ومن المنافع: (حق المستأجِر للبيت، فالمستأجر مُلزَم بالشروط التي اتفقا عليها)، وهذا الحق كما يعلق الفقيه الغديري: (غير قابل للانتقال إلا بالإذن أو برضى المالك)، ومن الممارسات: (حق ولاية الأب على ابنه القاصر)، ومن الاعتبارات: (حق استخدام اسم شخص في شركة أو مؤسسة فانه يتحقق ضمن الاتفاقات وبحاجة الى رضاه).

وإذا قلنا بتبع الحقوق للحرية، فإن صاحب الحق له كامل الحرية في أن يتنازل عن حقه كلاً أو بعضاً: (كما في المهر والصداق) على سبيل المثال، فهو حق من حقوق الزوجة ولها أن تسقطه بعضه أو كله، كما أن  الحق: (قابل للشراكة بين طرفين أو أكثر، وقد يكون في أشخاص، أو في مؤسسات) مع توفر: (شرط تعيين الحُصص وتحديد السهام بالتفصيل دون الإجمال فإن الإجمال قد يسبب الغرر والضرر والخلاف) كما يعلق الشيخ الغديري على المسألة السابقة، كما ان: (الحق يتوارث من شخص إلى آخر حاله حال المال، وهناك موارد لا يمكن فيها التوارث)، كما ان: (الحق قابل للبيع والشراء في بعض موارده)، وكذلك: (يقبل الهبة والوقف شرط رعاية أحكامهما) كما يعلق الفقيه الغديري على المسألة السابقة.

وبشكل عام فإن: (الحقوق تتأتى بجعل شرعي أو بجعل الإنسان والذي يُعبّر عنه بالحقوق المدنية أو الوضعية في قبال الشرع)، كما يؤكد الفقيه الكرباسي في التمهيد، مضيفاً أن الحقوق الشرعية: (منها أخلاقية ومنها أحكام شرعية ومنها أحكام جزائية، فالأولى في الأعم الأغلب هي حقوق أفضلية لا تصل حد الإلزام، والثانية في الأعم الأغلب هي حقوق إلزامية، والثالثة حقوق إجرائية في الأعم الأغلب)، وأما الحقوق المدنية أو الوضعية فهي محترمة بشكل عام: (والاسلام لا يخالف ما كان منها لا يخالف الشريعة القائمة على المصالح والمفاسد من بابها العريض وتطبيقاتها الدقيقة، مقدّما المجتمع على الفرد في حال التعارض فيما إذا لم يكن هناك مخرج للجمع بين الحقّين).

الحق والعلاقات الست

ما فتئ الفقيه الكرباسي يؤكد في كتاباتها المتنوعة، إن كانت في موسوعته الحسينية الفريدة (دائرة المعارف الحسينية) أو موسوعته الفقهية (سلسلة الشرائع)، أو كتاباته في الأغراض الأخرى، على ضرورة رعاية العلاقات الست من أجل خلق أمة محافظة، وهي علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبأخيه وبالمجتمع وبالسلطة والبيئة، فلربه حقوق واجب الاطاعة والإذعان لها، ولنفسه حقوق، ولأخيه حقوق، ولمجتمعه حقوق، وللدولة حقوق، وللبيئة حقوق، وبرعاية مجموعها يستقيم أمر الأمة، فتأكل من تحتها ومن فوقها.

 وبالطبع فان إدراك مثل هذه الحقوق ضمن سياقات العلاقات الست بحاجة الى انسان على دراية بأن: (الحق الواجب محرّم تركه بل يجب العمل به بالشروط التالية: العِلم والعقل والبلوغ وعدم الإسقاط)، فمن حقوق الله الواجبة على الإنسان: (أن لا يُشرك به، وأن لا ينسب اليه الظلم، وأن يعبده، والشكر على النعم)، وبالعبادة تتحقق السعادة للإنسان في الدارين وبالشكر يزيده الخالق من خير العاجل والآجل. ومن حق الإنسان على نفسه: (حق المعرفة وحق الإشباع) ومقتضى ذلك: (أن يسعى الإنسان الى تغذية الحواس الباطنة سواء العقلية منها أو النفسية بالمعرفة والمعلومات ولا يجوز منعها من ذلك)، ومن مقتضى حق الإشباع المتعلق بالجوارح والأعضاء: (اقتناء الماء والطعام وغيرها من العناصر لتغذية جسمه وأجهزته ولا يجوز منعها منها). ومن حق الآخر على الإنسان، على سبيل المثال، حق احترام الوالدين وطاعتهما في الحلال والترحم عليهما بعد رحيلهما، ومن الحق انفاق الوالدين على الأبناء وحضانتهم وتربيتهم وتعليمهم، ومن الحق النفقة على الزوجة، ومن الحق نصيحة الصديق والجار وحضور افراحه وأتراحه، وبشكل عام فإن: (حق الآخر على الإنسان قسم منه واجب وقسم مستحب). ومن حق المجتمع: حق الأقارب وحق الجار وحق المؤمنين وحق المواطنين وحق التعليم وحق الفقراء والمعوزين وحق الأموات، وتحت هذه الحقوق وغيرها تدخل تفريعات كثيرة تنتهي كلها إلى بناء شبكة عميقة ومتشعبة ومتينة من العلاقات الإجتماعية السليمة. ومن حق الدولة الشرعية العمل ضمن السياقات وعدم مخالفة القوانين، ومن هذا الحق واجب عدم خيانة الوطن والمحافظة على الممتلكات العامة، وكذلك: (حق الشرعنة حسب الشريعة الإسلامية إن كانت الدولة إسلامية، وحسب القوانين الإنسانية العادلة إن لم تكن إسلامية). ومن حق البيئة وجوب المحافظة عليها وسلامتها وحسن استخدامها وما فيها من حيوان ونبات وأنهار ومعادن وجبال ووديان وفضاء، فالبيئة وسلامتها تدخل ضمن مسؤولية الإنسان وحقها عليه.

إذن وبتعبير الفقيه الغديري في المقدمة: (فلله تعالى حقوق على عباده وكذلك لعباده عليه تعالى شأنه، وللإنسان حقوق على أفراد نوعه وكذلك للحيوان على أفراد جنسه، وللأزمنة حقوق على كل من يستفيد منها بوجه من الوجوه، وكذلك للأمكنة حقوق على أصحابها والمستفيدين منها، وهكذا لجميع ما خلق الله تعالى حقوق على غيرهم سواء في ذلك الموجودات السماوية والأرضية والبحرية والبرية، فهذا من أعظم النعم وأكرم المنن من الرب الكريم أنه لم يهمل في بيان الحقوق من كل ما يتعلق بها إجمالا وتفصيلا، حكماً وموضوعاً، شروطاً وقيوداً، إطلاقاً وتقييداً).

لقد دلّت تجارب الأمم والأقوام على مر التاريخ، أن الأمة المتزنة في تعاطيها مع الحقوق ضمن سياقات العلاقات الست، أمة يسودها الوئام والسلام، وهي أمة قادرة على وأد الأمراض الاجتماعية والإقتصادية وغيرهما في مهدها، ولها أن تفرض احترامها على الأمم الأخرى، وهي بالتأكيد أمّة مرحومة.

clip_image002_07bfb.jpg

clip_image004_5e4a9.jpg

في منتدى الرواد الكبار في عمّان عاصمة الأردن، وبحضور كبير رغم ارتفاع درجات الحرارة، كان حفل مناقشة وإشهار رواية "مصائر" للكاتب والروائي الفلسطيني ربعي المدهون، وهذه الرواية هي الثانية في مشروعه الروائي بعد روايته "السيدة من تل أبيب"، من إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت ومكتبة كل شيء/ حيفا، وقد عرّف عليها الكاتب بقوله في بداية الكتاب: "هذه رواية عن فلسطينيين بقوا في وطنهم بعد حرب 1948، وأصبحوا بحكم واقع جديد نشأ، مواطنين في (دولة إسرائيل) ويحملون (جنسيتها)، في عملية ظلم تاريخية نتج عنها (انتماء) مزدوج، غريب ومتناقض لا مثيل له. وهي رواية عن آخرين أيضاً، هاجروا تحت وطأة الحرب ويحاولون العودة بطرق فردية".

   تحت اسم الرواية "مصائر" أضاف المدهون عبارة "كونشرتو الهولوكست والنكبة"، وهذا حمل أكثر من فكرة نلمسها في الرواية، فهو قام بتركيب الرواية وتوليفها على شكل قالب الكونشرتو الموسيقي، مكون من أربع حركات، ولكل حركة بطلان لهما فضائهما الخاص ليتحولا إلى شخوص ثانوية، ويبرز بطلان في الحركة الثانية، وتتكرر الحكاية نفسها في الحركة الثالثة، وفي الحكاية الرابعة تبدأ الحكايات الأربعة بالتكامل حول "أسئلة الرواية حول الهولكوست والعودة"، متعمداً من خلال العنوان استفزاز القارئ من البداية بكلمتي الهولوكست والنكبة، وهذا ما تم فعلاً في مناقشة الجمهور للرواية، فبطل من أبطال الرواية يزور متحف الهولوكست ويقارن بين ضحايا فلسطين وغزة بيد القوات (الإسرائيلية) وبين ضحايا اليهود بيد النازية الألمانية، متخيلاً أنه سيكون هناك ذات يوم متحف للضحايا الفلسطينيين بالمقابل، مشيرا أن الفلسطينيين لم يقوموا بالهولوكست حتى يدفعوا الثمن أما صمت العالم.

   تحدث الكاتب عن الرواية وإعدادها والتي استغرقت من وقته أربع سنوات، زار فيها فلسطين أربع مرات من أجل القيام بجولات في الأمكنة التي وردت في الرواية، واستمع للكثير من الناس وأجرى حوارات وعقد لقاءات وأجرى أبحاثاً كي تكون الرواية دقيقة فيما ترويه، فهو- أي الكاتب- مهجر من فلسطين، فهو ولد في المجدل/ عسقلان في العام 1945 وهاجر مع عائلته طفلاً عام النكبة 1948، ونشأ وترعرع في مخيم خانيونس في غزة ويعمل، في بريطانيا التي حمل جنسيتها، ولم يعش بالمدن الفلسطينية الست التي جرت فيها أحداث الرواية، فكانت الجولات الميدانية ليتطابق المكتوب مع المشاهدة، وهذا ما نلمسه بوضوح حين يتحدث الكاتب عن عدد البيوت (1125) بيتاً التي بقيت سليمة في عكا بعد انتهاء حرب النكبة 1948، وكيف استولى العدو الصهيوني على 85% من هذه البيوت ضمن قانون أملاك غائبين وسلمتها لشركات "عميدار" وشركة تطوير عكا الصهيونية، وتحدث بوصف دقيق لبعض من معالم المدينة وبيوتاتها القديمة فهي بعض من ذاكرة المكان، وهذا أيضاً تكرر في المدن والبلدات الأخرى كمجدل عسقلان ويافا.

   حفلت الرواية بشخصيات ثانوية كل منها تروي حكاية، وبعض منها يروي التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين العرب من قبل الشرطة والحكومة الإسرائيلية وترك النساء ضحايا إهمال الدولة التي أجبرتهم على حمل جنسيتها، والتقاليد البالية في مجتمعاتهم المهملة والمنغلقة، مثل حكاية آلاء الحيفاوية وانتصار طنوس ونسرين الشاويش وفريال البدوية وعبير اللداوية وصفاء وسهير وغيرها، كما تحدثت الرواية عن العنصرية التي تمارسها وزارة الداخلية الإسرائيلية والعديد من الممارسات التي تمارس بحق كل من هو ليس بيهودي.

   وهناك شخصيات ما بين رئيسة وثانوية عبرت عن الانتماء للوطن مثل إيفانا الأرمنية التي أوصت أن يوضع بعض من رماد جثتها في إناء يوضع في بيت جدها في عكا، وفاطمة العكاوية الملقبة بـ"ست معارف" والتي "تحفظ ملامح عكا وتفاصيلها أكثر من كتب التاريخ والجغرافيا"، والتي تتطوع كمرشدة شعبية لتعريف الزوار والسائحين للتعريف على المدينة رافعة شعارها: "بنعطيهم معلومات صحيحة ابّلاش.. أحسن ما يشتروا الكذب من اليهود ابمصاري"، ووليد الدهمان وزوجته جولي ابنة إيفانا الذين تنقلب أفكارهما من زوار لفلسطين إلى عشق لها حتى فكّرا بالإقامة فيها، وجنين وباسم المكافحان من أجل إنقاذ زواجهما أمام قوانين إسرائيلية ظالمة وعنصرية ومتعصبة ضد العرب.

   الرواية كانت متميزة بأسلوبها وبلغتها الجميلة، وبممازجة اللهجات العامية حين الحاجة الملحة (بين أقواس) وبين لغة الرواية، وقد لجأ الكاتب للرمزية والتخيل كثيراً مما يثير مخيلة القارئ ودفعه لمعاودة القراءة لفقرات أو فصول، وكما أشار الناقد فيصل دراج في مداخلته للرواية في حفل الإشهار: "الرواية حفت بالغموض وكل رواية تخلو منه لا تكون رواية إن لم تدفع القارئ للتفكر والتأويل"، وهذا ما نلمسه بالعنوان "مصائر" وليس مصير، من دفع القارئ لتخيل أكثر من فكرة لمصير المنطقة قائمة على الاحتمالات المرتبطة بالوقائع والحكايات.

عرافة الندوة كانت للروائي الياس فركوح، وقدم الناقد د. فيصل دراج قراءة نقدية متميزة غطت الرواية بالكامل من كافة الزوايا مثل الأسلوب واللغة والتركيب والشخصيات والفكرة، وكان تفاعل الحضور ملموساً بالحوار مع الكاتب.

رواية تستحق القراءة والاهتمام رغم ما يمكن أن يختلف القارئ مع الكاتب أو يتفق معه ببعض من المسائل، إلا أنها حقيقة تحمل الكثير من الأفكار عبر صفحات الرواية، وهذا الخلاف أو الاتفاق يبشر بمستقبل للرواية ويؤكد أن ربعي المدهون بدأ يعتلي القمة بين الروائيين.

همسات وعدسة: زياد جيوسي

مقدمة القارئ العربي.. كتبت على صفحتي وأنا أتصفح الصفحات الأولى من الكتاب. أنا الآن بصدد قراءة كتاب "العرب وجهة نظر يابانية"، للأستاذ الياباني نوبوأكي نوتوهارا، منشورات الجمل، الطبعة الأولى 2003، ألمانيا، من 142 صفحة . الكاتب الياباني عاش 40 سنة في المجتمعات العربية، تعلّم اللغة العربية، وترجم عدّة كتب من العربية إلى اليابانية. أنا الآن في الصفحة 6، إستحييت أن أنقل لكم ماذكره عن واقعنا العربي، والذي ينافي الإسلام كما قال.أرجو أن أجد مايرفع الهمم، وأطلب دعواتكم.

وحين إنتهيت من قراءة الكتاب، قلت.. إنتهيت منذ قليل من قراءة كتاب "العرب وجهة نظر يابانية"، للأستاذ الياباني نوبوأكي نوتوهارا. إحتفظت بملاحظات شخصية رهيبة مفزعة حينا ومفرحة حينا آخر عن الكاتب والكتاب، سنفردا لها مقالا حين ننزل باليابسة، بإذنه تعالى. متّع الله الجميع بما هو أهل له.

وطريقتي في الفهم، أن كتاب الأستاذ الياباني "العرب، وجهة نظر يابانية"..فضيع رهيب، لاأنصح به أصحاب القلوب الرقيقة، لذلك سأحاول أن أستفيد منه فيما يخص القواعد التي أشار إليها الأستاذ الياباني في فهم المجتمعات، وكيفية التعامل معها. ولا أريد أن أضيف للقارئ آلاما يعيشها يوميا، بل أسعى للتخفيف بالوقوف على الحكم اليابانية، وهذا وجه من أوجه قراءة الكتب.

عن الكاتب والكتاب.. يلمس القارئ في صفحة 15، أن الأستاذ الياباني درس اللغة العربية إبتداء من سنة 1961، وترجم أول رواية عربية إلى اليابانية سنة 1969. مايعني أن الياباني تعلّم اللغة العربية إلى حد ترجمة روايات عربية ذات مستوى عال  في ظرف 8 سنوات فقط، منها هذا الكتاب الذي بين يديك، والذي كتبه باللغة العربية مباشرة، حيث أن القارئ لايلحظ إطلاقا أنه يقرأ لأجنبي لمستواه الجيد في اللغة العربية. الياباني أبدع في وصف العرب بلغتهم العربية، ويتعلم لغة قوم فيتفوق عليهم بلسانهم العربي المبين. والكاتب الياباني حين كتب كتابه هذا، كان في 60 من عمره، كما هو مبيّن في صفحة 138، مايعني أنه كان في كامل نضجه ومسؤولياته.

الياباني يفتخر باللغة العربية.. يقول الياباني في صفحة 71، أن هناك  كلمات عربية عديدة تصلح لأن تكون لمعنى واحد، بينما في اللغة اليابانية والانجليزية كلمة واحدة لمعاني متعددة. ويقول أن هذا يعبّر عن فقر اللغات وغنى اللغة العربية، ويعترف أنه أخطأ في ترجمة قصة فلسطيني بسبب فقر اللغة اليابانية واللغات الأجنبية.

مستقبل العربية في اليابان.. يرى في حوار له مع جريدة، أن اللغة العربية لها مستقبل جيد في اليابان. والشركات التجارية والمصارف والهيئات الاقتصادية تتجاذب اليابانيين الخريجين باللغة العربية للعمل لديها.

الياباني يحب العرب بطريقته.. تألمت كثيرا وأنا أقرأ للأستاذ الياباني عن العرب في صفحة 18، فهو..

يحب العرب كثيرا، فقد قضى 40 سنة بين ظهرانيهم، لكنه مجبر أن يذكر عيوبهم وجرائمهم وتخلفهم. ويتساءل هل أصمت لأعبّر عن حبي لهم؟. وباعتباري عربي أقوله لك..

لاتصمت وأنت الصادق، فيكفينا أننا إمتهنا وظيفة إخفاء الحقيقة عن أنفسنا وأبناءنا وأحفادنا، طيلة قرون من الصمت والقمع. والحمد لله الذي أنطقك الذي أنطق كل شيء.

الياباني يعترف بأخطاءه.. يعترف الأستاذ الياباني في صفحة 22 وما قبلها، أن اليابان أجرمت في حق شعوب وعليها أن تعترف بهذه الجرائم وتضع لها حدا. ومن هنا جاءت عظمة الكاتب الياباني، فهو يعترف بجريمته، بل يعترف أن أخطاء المجتمع الياباني كانت من وراء إلقاء القنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي. ومجتمع يعترف بأخطاءه تجاه الغير وبأنه كان سببا في مآسيه ومصائبه، لهو مجتمع عظيم يستحق أن يتخذه المرء قدوة في الاعتراف بجرائمه تجاه نفسه أولا، وتجاه مجتمعات أخرى ثانيا.

الياباني ينقل الحضارة العربية.. إستطاع الأستاذ الياباني أن ينقل الأدب العربي إلى اللغة العربية، وينقل  وصف المجتمع العربي إلى اللغة اليابانية. هل إستطعنا أن ننقل الثقافة اليابانية إلى اللغة العربية؟. لماذا نحرم أنفسنا فضل نقل محاسن الحضارة اليابانية إلى اللغة العربية. إنه في ظرف 8 سنوات من تعلم اللغة العربية، أصبح الأستاذ الياباني مبدعا في اللغة العربية، مترجما بامتياز، ويقوم بتدريسها في اليابان. هل 8 سنوات لتعلم اللغة اليابانية مدة طويلة. ولماذا لايفتح فرع اللغة اليابانية بالجامعات الجزائرية والجامعات العربية لحد الآن؟.

قمع العرب يلاحق الياباني.. كم هو مسكين الأستاذ الياباني حين لحقه القمع العربي وهو في اليابان، حيث يقول في صفحتي 35-36..

لاأسطيع أن أذكر أسماء الدول العربية حتى لاأتعرض للمنع. ولا أستطيع أن أذكر أسماء أصدقاء عرب حتى لايتعرضون للقمع. فاكتفى بقوله.. دول عربية، دولة عربية، زميل لي، صديق عربي.

قراءة الياباني المباشرة للعرب.. يرى في صفحة 124، أن اهتمام الكتاب اليابانيين بالحضارة العربية لا علاقة له بالسياسة. ويرى أن الاهتمام الياباني بالعرب كان عبر الأوربي والأمريكي ثم انتقل الياباني إلى المجتمعات العربية مباشرة.

ويعترف في صفحة 125، أن الدراسات الشرقية للمجتمعات العربية كانت تعتمد على الكذب وتشويه الحقائق، لذلك أمسى الياباني يعتمد في فهم العرب على القراءة المباشرة والاحتكاك المباشر بالعرب دون واسطة أوربية أو أمريكية

وصية ياباني للعرب.. يعيب على العرب أنهم يعرفون القليل عن اليابانيين ويتفهم ذلك، ويعاتب بشدة ويعيب عليهم عدم اهتمامهم بالحضارة العربية الاسلامية، ويوصي بالاهتمام بها مباشرة وتجاوز مرحلة الترجمة إلى المباشرة

المجتمع العربي كما يصفه الياباني.. يصف العرب، الذين عايشهم مدة 40 سنة، فيقول في صفحة 9، أن القمع بكل أشكاله مترسخ في المجتمعات العربي. وفي صفحة 11، يقول أن العرب يخبؤون الحقائق التي يعرفونها حق المعرفة. وتساءل في صفحة 13، بمرارة فقال، لماذا لايستفيد العرب من تجاربهم؟. لماذا لاينتقد العرب أخطاءهم؟.  لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها؟.

في صفحة 32، يرى الأستاذ الياباني، أن بيوت العرب نظيفة من داخلها، لكن الأوساخ والقاذورات، تجدها بمجرد أو خطوة تخطوها خارج البيت، معلّلا ذلك بقوله إن عدم المسؤولية من وراء ذلك ومن وراء التخلف الذي يعيشه العرب.

يرى في صفحة 29، أن الياباني كذلك يخاف، لكنه يبحث دوما عن أسباب الخوف وطرق مواجهته، بينما في الدول العربية، هناك أشخاص يهددون الناس ويخيفونهم ليحققوا منافع شخصية.

ويرى في صفحة 36، أن هناك محرمات في المجتمعات العربية لايمكن بحال الاقتراب منها، وهي السياسة والجنس والدين. وفي صفحة 37، يقول أن في الدول العربية، السلطة والشخص شيء واحد، لايمكن الفصل بينهما.

يرى الأستاذ الياباني في صفحات 49-51، أن فكرة الخلود التي يعتمد عليها العربي، دفعته إلى أن يجعل من الحاكم العربي، الحاكم الخالد لايجوز نقده أو التعرض إليه، ومن الأحزاب السياسية أحزابا خالدة تسعى لتثبيت الحاكم الخالد.

يرى في صفحة 40، أن القمع العربي يبدأ في البيت والمدرسة. وفي صفحة 43، يقول أن المجتمع العربي على العموم ليس عنده إستعداد ليربي المواهب ويقويها،    45 بل يرى في صفحة 45، أن الجسد مقموع في الدول العربية.

الحلول كما يراها الياباني.. كان الأستاذ الياباني صادقا مخلصا محبا للمجتمعات العربية، وهو يحاول أن يفهم المجتمعات العربية من خلال الدين والثقافة وعادات وتاريخ وجغرافيا العربية، لذلك تقرّب منهم عن طريق فهم اللغة العربية وقراءة القرآن والأحاديث النبوية، ولم يكتفي بمعرفة عرب المدن، بل دخل لعمق البادية باعتبار العربي بدوي بطبعه، والبداوة تمثل بحق حقيقة المجتمع العربي.

يعترف الأستاذ الياباني أن اليابان عاشت أيضا التخلف الذي تعيشه المجتمعات العربية، بسبب الديكتاتورية العسكرية وقمع الحريات، لكنه يستدرك قائلا، أن اليابان إستطاعت أن تتحررمن الديكتاتورية العسكرية وقمع الحريات، لذلك تراه يتعجب، كيف للمجتمعات العربية مازالت ترضى لنفسها أبدية الحكم وتسلط الأحذية وتسعى إليه وتدعو له. وطالب المجتمعات العربية أن تثق بنفسها، ولا تثق في السلع والأفكار الغربية التي تستوردها، حيث قال في صفحة 64، أن الثقة لاتستورد. ويوصي بقيام حركة إجتماعية، يقوم عليها العرب والتخلي عن العمل الفردي، كما ذكر ذلك في صفحة 103.

ويرى في صفحة 139، أن مستقبل العرب مرهون بحل مشكلة القمع وتثبيت الحرية. وهذا هو محور كتابه، وقد تطرق إليه ثم عاد اليه في خاتمة الكتاب، مايدل على أهمية الموضوع بالنسبة لليابان والنصيحة الغالية التي يقدمها للعرب. ويقول أتمنى أن أرى وجوها عربية باسمة غير متوترة، وأن يتعلموا مواجهة مشاكلهم بأنفسهم ومباشرة

يعترف الأستاذ الياباني، أن اليابان مرت بمراحل تخلف وتقهقر كالتي يعيشها المجتمع العربي الآن وربما أكثر، لكن إستدرك اليابان هول تخلفه واستطاع أن يواجهه ويتغلب عليه بالحرية والمسؤولية. لذلك تراه يتأسف بشدة للوضع المزري الذي آلت إليه المجتمعات العربية، فيوصيها بقوله في صفحة 18، أن الحرية هي باب الانتاج وباب التواصل والحياة النبيلة والقمع داء عضال.

المزيد من المقالات...