أولاً : قضية الشعر ( في الآيات المكية )

1- المقدمة :

عندما تنزل القرآن الكريم مخاطباً العرب، كان العربي يقدر الفصاحة ويملك ناصية البيان، وكانت العرب تتنافس فيما بينها على الوصول إلى الدرجات العليا منه. وقد ارتقى الفن الشعري عندهم إلى مرحلة متطورة من الأداء والدقة، حيث أصبحت له مقاييسه النقدية الثابتة في أوزانه وقوافيه وتعدد أغراضه، وتفاصيل معانيه، واصبح البحث عن الابتكار وتحريه من مقاييس المرحلة، لعراقتهم في ذلك الفن. واستطاع العربي بما عرف عنه من صفاء الذهن وحب التأمل وتراكم الخبرة، أن يدرك الفروق الدقيقة للمعاني في لغته بصورة مذهلة، تكشف عن مدى تعلقه بها وتفاعله معها، فهذا أحد الأعراب عندما سمع بدعوته صلى الله عليه وسلم سأل إلى ما يدعو صاحبكم؟ قالوا له يدعو إلى " لا اله إلا الله " فكان جوابه: " إذا تقاتله عليها العرب والعجم " وهذا دليل على إدراك العربي لمدلول لغته ودقائق أسرارها.

ولما فاجأه القرآن ببيانه، وأعجزه بنوعه المتميز، كان يدرك الفارق بين نسق الشعر ونسق النوع البياني الجديد الذي جاء به القرآن الكريم.

وكان كبراء القوم - من المشركين - يدركون هذا ويعترفون به، وتنقله مصادر التاريخ عنهم، فهذا الوليد بن المغيرة يقول في لغة القرآن الكريم " إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإنه لمثـمر أعـلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلا عليه "(1). وشهادة أخرى للنضر بن الحارث " والله ما هو بالشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزة.. والله لقد نزل بكم أمر عظيم،،(2).

نعم هم الخبراء في فارق القرآن الكريم عن الشعر، ولكنه الكفر والعناد والدفاع عن المصالح، يدفعهم للوقوف في وجه الدعوة، ومقاومة تأثير القرآن الكريم على قلوب السامعين بحملات التشويه لوضع العراقيل أمامها.

ومن هنا شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أَن تفتح ملف هذه الشبهة التي قارن فيها العرب بين النبي والشاعر، والقرآن الكريم والشعر؛ لتصحيح الأفهام وتنوير العقول وإحقاق العلم، الذي يكشف التضليل ويعري الشبهات، وهذه هي حيوية القرآن في معالجة الانحراف الذي يقع فيه البشر، ينزل منجما حسب الحوادث وأحوال المخاطبين وأسباب النزول، لأنه جاء لإلغاء واقع جاهلي وإنشاء واقع إسلامي، من خلال معالجة انحرافات الفهم البشري، حسب الحاجة، وبقدر الحاجة في وقت حصولها لا قبل ذلك ولا بعد ذلك.

2- الآيات الكريمة في المرحلة المكية: (التي ورد بها كلمة الشعر والشاعر).

1- قال تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكرٌ وقرآن كريم) 69يس (مكية).

2- قال تعالى (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر) 5 الأنبياء (مكية).

3- قال تعالى (ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون)  36 الصافات (مكية).

4- قال تعالى (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) 30 الطور (مكية).

5- قال تعالى (وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون) 41 الحاقة (مكية)

3- شبهة المقارنة بين - النبي صلى الله عليه وسلم - والشاعر: من خلال مراجعة كتب التفسير لهذه الآيات الكريمة،يظهر للباحث طبيعة الخطاب القرآني الكريم الموجه للعرب؛ لكشف المغالطات وإيضاح الحقائق من خلال مصادرها وغاياتها: فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس شاعراً، لأنه يتلقى القرآن الكريم من مصدر علوي خارج عن مشاعره وإرادته، وفي هذا تفريق وتوضيح، لطبيعة الشاعر الذي يصدر عن مشاعره؛ لأَن الشعر تعبير عن الرغبات والمشاعر والأهواء و النوايا والمواقف، وهو قيمة لإحساس الشاعر بالحياة من حوله، أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلاقته بالقرآن هي عــلاقــة المبلغ الأمين الذي يتلقى رسالة ربــه ويبلغها للـناس (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)  (3،4 النجم) ولذلك فالشعر لا يليق بمقامه ووظيفته، لأن للشعر منهجاً غير منهج النبوة، يختلف الاثنان في المصدر والغاية، النبي إنسان مكلف بنقل الأمر الرباني على منهج ثابت، لا يملك فيه لأمر نفسه شيئاً ولا تختلط مشاعره بكتاب الله سبحانه وتعالى، ووظيفته التلقي والتبليغ، لا يملك من معنى القرآن الكريم ومبناه شيئاً، والخلاصة في هذا:

أَن النبي (وما ينطق عن الهوى) والشاعر (ينطق عن الهوى)

4- الشبهة الثانية المقارنة بين الشعر والقرآن الكريم:

ويخاطب الله سبحانه العرب ليتعلموا الفارق بين الشعر والقرآن الكريم، من خلال المصدر والغاية أيضاً، موضحاً لهم (إن هو إلا ذكر وقرآن كريم) غايته هداية البشرية إلى العقيدة الكاملة الشاملة التي تفسر الحياة، وتدعوا الإنسان لعبادة الله، على منهج واضح بيّن وشريعة تقنن له شؤون حياته، وتوصله إلى سعادة الدارين، ومصدره ليس من محمد ولا من مشاعره، وإنما هو كلام الله سبحانه وتعالى إلى خلقه وما هو بقول شاعر قليلاً ما توقنون.

الشعر يصدر عن ذات الشاعر وغايته التعبير عن نفس قائله.

والقرآن الكريم كلام الله المنقول مبنى ومعنى من الوحي الكريم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم- غايته هداية البشرية وإقامة أمره وتذكيرهم بمسؤولية الحساب.

5- المستخرجات الشرعية الأخرى في قضية الشعر من هذه الآيات الكريمة:

1- يقول الله سبحانه وتعالى (الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان) سورة الرحمن(1-2) إن الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان وأحيا قلبه بالمشاعر، وأوجد عنده القدرة على الإبانة والإفصاح والتعبير عن نفسه، يريد أن يكشف مغالطات كبراء المشركين، في تضليل الناس عن حقيقة القرآن الكريم، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هدف الآيات الكريمة هو تعطيل مسيرة هذا الفن واستأصاله من الحياة؛ لان الشعر فطرة ربانية؛ ولان الله علم البيان وهدف البيان، هو التعبير شعراً ونثراً، وفي سكوت القرآن الكريم عن الشعر وقواعده وأوزانه ما يقر العرب على فنهم، ولا نلمس من الآيات الكريمة ما يفيد التهوين من أَمر الشعر أو تحقيره.

2- ويُفهم من الآيات الكريمة أيضاً إيضاح طبيعة الفن الشعري للعرب، بعد أن غمض عليهم فنسبوه إلى العبقرية والأمور الخارقة، من خلال عملية رفض المقارنة بين القرآن والشعر في المصدر والغاية.

فالشعر كلام " ينطق عن الهوى " والقرآن " وحي يوحى " وفي كشف وتفسير الملكة والموهبة الشعرية وأصولها ما يصحح كثيراً من المقاييس القائمة لهذا الفن في أذهانهم، ما دام أن الشعر قد حصر بين الآيتين الكريمتين وما ينطق عن الهوى  علمه البيان، لأنَّه بيان يعبر عن الهوى والمشاعر البشرية.

3 - الشعر فن ينطلق من الذاتية والنسبية وإدراك الشاعر للدنيا من خلال ذاته، ولهذا فقد ينحرف الشاعر ويجر عنان الموهبة الفطرية الربانية لخدمة المصالح والأهواء، ولابد للإسلام أن يتدخل ليصحح مسيرة توظيف هذه الموهبة وإيضاح المسار الحلال لها؛ ولكن التصحيح يرتبط أولاً بقضية أُولى وهي تصحيح العقيدة، وعندما يسهل على النفوس الانقياد لأمر الله سبحانه وتعالى، ولكن الأمر سابق لأوانه، لأن المرحلة المكية هي مرحلة بناء العقيدة في النفوس، والمسلمون يعيشون في مجتمع مكة الجاهلي أفراداً مبعثرين، ولا يملكون التعبير أو إقامة الأحكام فيه.

ثانياً : الآيات الكريمة التي فصلت قضية الشعر في المرحلة المدنية: -

قدمنا الآيات التي تخص المرحلة المكية، وما يمكن أَنْ يستخرج منها في قضية الفقه الأدبي في الفصل الثالث، وفي هذا الفصل نتناول الآيات التي فصلت قضية الشعر في المرحلة المدنية، وهي الآيات التي ختم بها الله سبحانه وتعالى سورة الشعراء، في قوله تعالى:

 والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا. وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنْقلب ينقلبون (الآيات من 224 - 227 سورة الشّعراء).وهي الآيات الوحيدة التي تناولت قضية الشعر في القرآن المدني، وتفصلها ثروة طيبة من الأحاديث الشريفة.

وقد كان هدف آيات الشعر في القرآن المكي، هو التفريق بين القرآن الكريم والشعر في أذهان أهل الجاهلية المخاطبين من القرآن الكريم، حتى يتضح الأمر جلياً، وذلك لكشف اللعبة الدعائية التي كان يلعبها كبراء القوم ضد النبي عليه السلام والقرآن الكريم، للتضليل والتشويش على الدعوة الإسلامية وصرف الناس عنها، فاتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بأنه شاعر وقالوا بأن القرآن لا يختلف عن بقية شعر العرب وهكذا حسم القرآن الكريم القضية، حين بين لهم أَنَّ الشعر في أصله ينطق فيه الشاعر عن الهوى والرغائب والأشواق الإنسانية إلى الجمال والكمال مشوبة بقصور الإنسان وتصوره المحدود بحدود مداركه واستعداد ذاته والقرآن الكريم كلام الله وهدايته إلى البشر، وهو ليس تعبيراً عن مشاعر محمد -صلى الله عليه وسلم - وما ينطق عن الهوى وبذلك كشفت الآيات الكريمة الفارق بين الشعر والقرآن الكريم في المصدر والغاية لكل منهما، ولم يكن هدف القرآن الكريم هو توجيه الفن الشعري في المرحلة المكية.

وفي المرحلة المدنية، اختلف الأمر تماماً، لأمور كثيرة منها ميلاد الدولة والمجتمع الإسلامي، ففي غزوة بدر يوم انتصر المسلمون، وعادت قريش تجر أذيال الخيبة، وتتجرع مرارة الهزيمة، وتبكي قتلاها، أخذت تحرض الشعراء ضد الرسول عليه السلام والمسلمين، وبدأت تستخدم الفن الشعري كسلاح يخدم مصالحها في حرب إعلامية ضروس، لتنفر القبائل عن الإسلام وتهون من شأن المسلمين.

عندها بدأت عملية توجيه الشعر إسلامياً، وتصويب مسيرة هذا الفن، بما يتناسب والمقاييس الإسلامية ولتوظيفه في خدمة الدعوة، لأن حكمة الله سبحانه في تنزيل القرآن، مرتبطة بحاجة الواقع الحركي للمسلمين، ولأجل هذا جاء القرآن منجماً، ولأجل هذا تأخرت آيات الأحكام للمرحلة المدنية، لتقنن حياة المجتمع الإسلامي في المدينة.

وبهذا بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام يشرف بنفسه على توجيه مسيرة هذا الفن، ويأخذ بيد الشعراء، أمثال حسان وغيره، ليضبط مسيرة التحول عندهم، من خلال التوجيه المستمر، حتى يولد الفن الإسلامي صافياً خالصاً من التلوث وأدران الجاهلية.

ثم تنزلت سورة الشعراء، لتضع الحكم النهائي في توجيه هذا الفن.

الفقه الأدبي المستخرج من آيات سورة الشعراء:

1- الحكم على جنس الشعراء على عمومه والشعراء......

عندما يكون هذا الجنس مجرداً من موازين العقيدة الصحيحة بأنهم دعاة للغواية والضلال، لأنهم يعيشون على السياحة الخيالية في عالم المعاني والفنيات، وينبثقون من أنفسهم ومشاعرهم الذاتية والمصلحية، ويتهربون من الخضوع للحق، ولا يخرجون من المعاناة والتجربة، ولهذا فهم لا يعبرون عما تم في عالم الحقائق، بل يزورون الحقائق حسب ما تمليه الأهواء، والسبب عائد لفقدان موازين الحق لديهم، ولو أن الأهواء تربت في ظل الموازين السليمة، لانضبطت الأهواء على الموازين واستقام الفن في التعبير والأداء، ويظهر ذلك من قوله سبحانه وتعالى في وصفهم ألم ترى أنهم في كل واد يهيمون وقوله أيضاً وأنهم يقولون ما لا يفعلون.

2- الغّاوون: هم الجمهور يتبعهم الغاوون...... الذي يتلقى من الشعراء، وعندما يكون الجمهور محروماً من موازين العقيدة الإسلامية، كحال الشعراء، يكون هذا الجمهور متخبطاً بلا هداية، لأنه يخضع لإيحاء الشعر، فيصبح لعبة بيد هؤلاء الشعراء، فالمفكر والعالم والفيلسوف يرمي بسهمه على قناعات الدماغ، فهيهات أن يُصيب إلا بحق، أو استعداد لدى المتلقي، أَما الشاعر فإنه يرمي بسهمه مباشرة إلى النفس فيصيبها بحق أو بغير حق، لأنه يستعمل الإيحاء والتزيين والسخرية، ويعرض قدراته في الإخراج فيوظف الرمز والصورة والأسلوب، ليوقظ استعدادات السامع النفسية، ثم ينميها في الاتجاه الذي تسير فيه القصيدة بمراميها الفنية والفكرية، لأنه لا يستعمل النقاش ولا الجدل، بل يبدأ من التأثير الإيحائي الخفي والمتدرج المحبب إلى النفس، وبعد ذلك تقف هذه الأمور التي تسربت إلى نفس السامع، مقام الضواغط التي تجبر النفس على الانجراف لها ولو دون وعي. وبذلك يلتقي الطرفان (الجمهور) و(الشعراء) على التبعية للأهواء، وأهواء الجمهور تتلاعب بها أهواء الشعراء، والكل هائم على وجهه، لأنه ضال عن موازيين الحقّ، والغاوون الذين لا يملكون ميزاناً للحق، هم المؤهلون للاستجابة والتبعية للشعراء يزيدونهم رهقاً، لأن فقدان المنهج عنصر مشترك يوحدهم في مسيرة الضلال، ومن هنا تأتي الضرورة المُلِحَة، لتصحيح مسيرة هذا الفن، حتى تستقيم مع مبادئ هذا الدين.

3- ونلاحظ أن الهجوم لم يكن على جنس الشعر، لأنه لو كان على جنس الشعر لأفاد معنى تحريم الشعر، ولكنه كان على جنس الشعراء، لأن الشعر في أصله فن كلامي محايد، لا يوصف بالخير ولا يوصف بالشر، ولكن الذي ينقله إلى فن يخدم الخير أو الشر، هو جنس الشعراء، وحيث يقوم الشعراء بإخراج الشعر عن مقاصده ويوظفونه في خدمة مقاصد الشر، أو يوجهونه إلى خدمة مقاصد الخير فالشعر كالكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، والدليل على ذلك أنه استثنى الشعراء المؤمنين من الحكم العام للآيات.

4- الشاعر المؤمن والجمهور المؤمن:

وقد تم استثناء الشعراء المؤمنين، الذين يملكون عقيدة الحق وموازينها، لأن الأهواء عندهم تربت على الخضوع لهذه العقيدة وأحكامها، ولذلك نراهم يُخضعون الأداء الشعري لحدودها، فيتخلصون من الخيال المفرط والكذب ويجعلون القول في حدود الفعل والحقيقة، لأنهم لا يسمحون للخيال أَنْ يشتط، أو يبالغ، أو يشوه الحقائق، فيصغر الكبير، ويكبر الصغير، ولا يزوِّرون الحياة بفنهم؛ لأنهم يتقربون به إلى الله، ويعلمون أن الكلمة أمانة وعبادة يحاسبون عليها، ولذلك نراهم يُروّضون خيالهم الفني على التزام الحقائق ويتحرّون الصدق في الأداء والأسلوب لحرصهم على طاعة الله سبحانه وتعالى.

والجمهور المؤمن يملك العقيدة السليمة الواضحة، ويعتبر الكلمة مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، وذوقه الملتزم يحاسب الشاعر ويطالبه بالأداء الأفضل والأحسن في المرامي والأداء، وقد تكلمت الآيات الكريمة عن (الشاعر المؤمن والجمهور المؤمن) كفريق واحد؛ لاشتراكهم في العقيدة الواحدة إلا الذين آمنوا....... والعمل الصالح وعملوا الصالحات أهمية  الفن فلهم أجر غير ممنون توظيف الفن في خدمة دين الله وانتصروا من بعد ما ظلموا ثم تهديد شعراء الكفر  وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

clip_image002_90f10.jpg

في زحمة وسائل الإتصال الحديثة ومدادها الذرات الإلكترونية التي تتراقص أمام ناظري القارئ وهو يتصفح شاشة الحاسوب صغيرة كانت أو كبيرة، تتبلور في الذهن فكرة مفادها أن الكتاب وما بين دفتيه من أوراق وسطور وجمل وكلمات ربما يصبح بعد فترة قصيرة في عداد الأموات، أو من الماضي مثلما أصبحت اللوحات الحجرية والرقيم والجلود التي كانت يكتب عليها من آثار الماضين، نبحث عنها بين طيات الأرض وطبقاتها لنستذكر ماضي الأجداد الذين كانوا يتنقلون بين المدن بحثا عن العلم وعلى ظهورهم جرابهم المملوءة بالجلود والقراطيس والمحابر، أو أن تحمل جلودهم فوق أقتاب المطايا بوصفها مكتبة متنقلة.

وهذا التصور هو بالفعل قائم في أذهان عدد غير قليل من المشتغلين بالأجهزة الحديثة التي تنقل لك المقالة والدراسة والكتاب والمجلدات والموسوعات بضربة زر فتنفرد الصفحات بين يدي القارئ سراعا، ويمكن له ان يبحث في الكتاب عن أي معلومة وبسرعة فائقة، وهو تصور تعززه النقلات السريعة في الأجهزة الحديثة التي بدأت من حجم قاعة كبيرة ثم غرفة صغيرة ثم علبة كبيرة ثم علبة صغيرة إلى أن أصبحت بقدر كف الإنسان، وفي المستقبل القريب ستصبح جزءًا من بشرة الإنسان يقرأ كفه بزر تحت جلدة بشره، وربما بتطور أكثر مما نتصور.

ولكن هل سيلغي التطور العلمي الكتاب الورقي من عالم الوجود؟

شخصيا لا أرى ما يراه البعض، لأن الإنسان مهما بلغ شأوا من العلم، لا يمكنه أنْ يستغني عن الكتاب الورقي، لأن أُنس القارئ لا يبلغ مداه إلا مع الورق وعطر المطابع، وهو أشبه ما يكون بأنس الرضيع بحليب أمه، مهما تطابقت المقادير بين الحليب الطبيعي والحليب الصناعي، فحرارة جسد الأم واشتعال قبس مشاعرها في كينونة الرضيع ومشاعره لا يمكن أن تحققه الرضاعة الصناعية، وكذا الحال مع الورق المزيت بالمداد، فالكتاب الورقي بمثابة الرضاعة الطبيعية تنطوي على مشاعر وأحاسيس متبادلة لا توفرها الذرات الإلكترونية.

هذا الإحساس يراودني باستمرار وأنا اتابع بشكل دوري ما يصدر من أجزاء الموسوعة الحسينية وغيرها من المؤلفات التي تخرج من تحت أنامل العلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي، وقراءتها من الجلد إلى الجلد ومن ثم تقديمها للقارئ في مقالة فيها معالم ذلك الكتاب.

ومن حصيلة القراءات الموضوعية والمعرفية لأجزاء الموسوعة التي بلغت حتى اليوم 116 مجلدا من نحو تسعمائة مجلد، صدور أربع كتب فيها 80 قراءة موضوعية عن أجزاء الموسوعة متنوعة الأبواب، حملت العناوين التالية: نزهة القلم (2010م)، أشرعة البيان (2012م)، أجنحة المعرفة (2014م)، وأخيرا كتاب: "أرومة المداد .. قراءة موضوعية في الموسوعة الحسينية" الصادر حديثا (2019م) عن بيت العلم للنابهين ببيروت في 776 صفحة من القطع الوزيري، حيث تقاسم كل كتاب عشرين مقالة وقراءة عن عشرين جزءًا من الموسوعة الحسينة متنوعة الأبواب.

الثلاثية الوجدانية

اختط المحقق الكرباسي لنفسه منهجا لطيفا في تقديم الجزء الأول من كل باب من أبواب الموسوعة الحسينية، وهو ما أسميته بالثلاثية الولائية أو ثلاثية الولاء المقدس، وفيه قلت: (مثلث الولاء المتشكلة أضلاعه من التوحيد والنبوة والإمامة، وهذا المثلث هو أغلى ما يملكه الإنسان على وجه البسيطة وسبيله الى رضوان الله. وهذا المثلث المقدس لدى المؤلف هو بمقام الإهداء الذي يتصدر كل كتاب جديد).

وفي "أرومة المداد" الذي يمثل الجزء الرابع من سلسلة "قراءة معرفية في الموسوعة الحسينية"  ضم من الثلاثية سبعة هي عدد الأبواب الجديدة من مجموع عشرين جزءًا، وهي على النحو  التالي:

* معجم المقالات الحسينية (ج1): كل الشكر والحمد وكامل الثناء لخالق العفو، والصلاة على نبيِّه محمد الذي بشفاعته لنا السلو، والسلام على الآل الذين لا نقر لهم بالغلو بل بالعلو.

* ديوان القرن الثالث عشر (ج1): ربّاه إنِّي لنعمائك اللامتناهية شاكر، وعلى نهج حبيبك المصطفى محمد سائر، ولفضائل أوصيائه على الدوام ذاكر.

* أضواء على مدينة الحسين (ج1): إلهي وسيدي لحمد الحامدين أغْبِطُ، وصلواتي متتابعةٌ لنبيٍّ الذي دينهُ الأوسطُ، وسلامي واصلٌ للآل الذين بولائهم مُرْبَطُ.

* المدخل الى الشعر الفارسي (ج1): حمدي على العليم الذي عليه شيءٌ لا يخفى، وصلاتي على الأمين الذي بنفسه للدين زفى، وسلامي على آله مَن هم أصحاب الصفا.

* ديوان الشعر الفارسي (ج1): الحمد الله الباري على ما أنعم وأعطى، والصلاة على أحمد خير مَن مشى وامتطى، والسلام على آله مَن بهم يرفع الخطا.

* ديوان الشعر الإنكليزي (ج1): على آلائك ربّي شُكراً وثناءً لك جاثي، وصلاتي على رسولك القاضي على العاثي،  وسلامي على الآل جارٍ وعلى مُصابهم راثي.

* ديوان التخميس (ج1): الحمدُ لله الذي فرضَ الصلوات الخَمْس، والصلاة على الرسول الذي طبَّق علينا فَرْضَ الخُمْس، والسلام على الآل الذين هُم أصحاب الكساء الخَمْس.

من كل مصر مقدمة

وكما في الأجزاء الثلاث السابقة، ضم أرومة المداد عشرين قراءة نقدية وموضوعية مختلفة الأغراض، وفيها ترجمة لعشرين شخصية من الذين قدموا وقرَّظوا هذه الأجزاء العشرين، فيهم من السياسيين والمثقفين والجامعيين والعلماء والأدباء، وهي على النحو التالي:

* الپروفيسور تنابون تاناريياچاي (Tanapon Tanariyachai)، محاضر في الدراسات البوذية، ولد في أسرة بوذية في تايلاند سنة 1968م، كتب مقدمة تقريظية باللغة التايلاندية للجزء الأول من كتاب "معجم المقالات الحسينية" بعنوان: "نموذج الإنسانية المتكامل".

* الپروفيسورة زكية زينب شهاب الدين الجعفري، أستاذة جامعية ولدت في بنغلاديش سنة 1935م في أسرة مسلمة إمامية، قرّظت باللغة البنغالية الجزء الثاني من "معجم أنصار الحسين .. النساء" بعنوان: "دائرة المعارف الحسينية نالت إعجاب المؤرخين المحققين".

 * الأب فايز نان لوقا، راعي كنيسة النعمة الإنجيلية بمصر وفلسطين، المولود في مصر سنة 1958م، قرّظ باللغة العربية الجزء السادس من "تاريخ المراقد .. الحسين وأهل بيته وأنصاره" بعنوان: "ثورة معرفية وإعلامية كبرى".

* الدكتور أواديس أرشاوير استانبوليان، باحث وأديب سوري ولد سنة 1954م في أسرة أرمنية، قرّظ باللغة العربية الجزء الأول من "ديوان القرن الثالث عشر" بعنوان: "دائرة الوفاء والنهج الطاهر".

* الپروفيسور مشهور عبد الرحمان الحبّازي، أستاذ جامعي فلسطيني ولد في أسرة مسلمة شافعية سنة 1958م، قرّظ باللغة العربية الجزء الثاني من "ديوان القرن الثالث عشر" بعنوان: "حياة الحسين دعوة إلى الصراط المستقيم".

 * الدكتورة سهام محمد السرابي، أستاذة جامعية أردنية فلسطينية المولد، ولدت في أسرة مسلمة حنفية سنة 1963م، قرّظت باللغة العربية الجزء الثاني من كتاب "معجم المقالات الحسينية" بعنوان: "صرح الدراسات الحسينية الشامخ".

* المهندس آمال الدين عبد المجيد الهر، محافظة مدينة كربلاء المقدسة السابق، المولود سنة 1959م في أسرة مسلمة إمامية، قرَّظ باللغة العربية الجزء الأول من "أضواء على مدينة الحسين" بعنوان: "كربلاء خالدة في نفوس الإنسانية جمعاء".

* المستشار القانوني السيد عبد المنعم محمد حسن الشيخ، المولود في السودان سنة 1969م في أسرة مسلمة مالكية ثم إنتقل إلى المذهب الإمامي، قرّظ باللغة العربية الجزء الثاني من "معجم الشعراء الناظمين في الحسين" بعنوان: "موسوعة لا نظير لها سابقًا ولاحقًا".

* الشيخ عبد الرحمان عبد العزيز المحرج، أستاذ جامعي سعودي، ولد سنة 1959م في أسرة مسلمة حنبلية، قرّظ باللغة العربية الجزء الثالث من "معجم المصنفات الحسينية" بعنوان: "عمل ليس بالسهل".

* الپروفيسور أسعد أحمد علي، عرفاني وفيلسوف سوري، ولد في أسرة مسلمة علوية سنة 1937م، قرَّظ باللغة العربية الجزء الأول من "المدخل إلى الشعر الفارسي" بعنوان: "همسة حسينية".

* الأديب أسد الله حبيب الله الكابلي، أستاذ جامعي ونائب أفغاني، ولد سنة 1941م في أسرة مسلمة حنفية، قرَّظ باللغة الفارسية الدَّرِيَّة الجزء الثاني من "المدخل إلى الشعر الفارسي" بعنوان: "دائرة المعارف الحسينية جهد بشري عظيم".

* الدكتور محمد عبد المقصود حرز الله، الإمام السابق لمقام رأس الحسين في القاهرة، المولود سنة 1970م في أسرة مسلمة شافعية، قرّظ باللغة العربية الجزء السابع من "تاريخ المراقد .. الحسين وأهل بيته وأنصاره" بعنوان: "الموضوعية والمنهجية العلمية في دائرة المعارف الحسينية".

* الأستاذ محمد المصطفى رشيد جلو، أمين عام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في غينيا بيساو، المولود في أسرة مسلمة مالكية سنة 1951م والمتوفى سنة 2011م، قرّظ باللغة البرتغالية الجزء الثالث من "ديوان القرن الثالث عشر"، بعنوان: "موسوعة فريدة خلودها من خلود الإمام الحسين".

* الدكتور أحمد عبد السلام الحسني العلمي، ناشط إسلامي واجتماعي مغربي مقيم في فرنسا، ولد في أسرة مسلمة مالكية سنة 1955م، قرّظ باللغة العربية الجزء الثالث من كتاب "معجم الشعراء الناظمين في الحسين" بعنوان: "الكرباسي حافظ على الأدب الحسيني وتراث الشعراء".

* الدكتورة فهيمة خليل العيد، باحثة وتربوية كويتية، ولدت سنة 1960م في أسرة مسلمة إمامية، قرّظت باللغة العربية الجزء الثالث من "معجم أنصار الحسين .. النساء" بعنوان: "الموسوعة الحسينية عمل خارق واجتهاد فكري عبقري".

* الدكتور عبد اللطيف إسلام الدين پدرام، أستاذ جامعي ونائب أفغاني، ولد سنة 1963م في أسرة مسلمة إسماعيلية، قرّظ باللغة الفارسية الجزء الأول من "ديوان الشعر الفارسي" بعنوان: "الأسس الفكرية لحركة الإمام الحسين".

* الأديب مختار علي قمر علي نيّر، خطيب وأديب باكستاني، ولد في أسرة مسلمة إمامية سنة 1935م والمتوفى سنة 2009م، قرّظ باللغة الهندوكية الجزء الثاني من "معجم خطباء المنبر الحسيني" بعنوان: "جهد معرفي منقطع النظير".

* الپروفيسور ديفيد جون ماثيوز (David John Matthews) أديب وأستاذ جامعي بريطاني ولد سنة 1942م في أسرة مسيحية، قرّظ باللغة الإنكليزية الجزء الأول من"ديوان الشعر الإنكليزي" بعنوان: "واقعة الطف القضية المركزية".

* المستشار القانوني السيد علي عباس علي صفدر نواب خان، نائب بنغلادشي، ولد في أسرة مسلمة إمامية سنة 1958م، قرّظ باللغة البنغالية الجزء الثالث من "معجم المقالات الحسينية" بعنوان: "الخالدون بالحسين الخالد".

* الدكتور فرماني سلمان آلتون، أستاذ وأديب تركي، ولد في أسرة مسلمة علوية سنة 1949م، قرّظ باللغة الاستانبولية الجزء الأول من "ديوان التخميس" تحت عنوان: "واقعة كربلاء مصدر إلهام".

أعلام ومتفرقات

وحيث يخط القلم ما يراه مناسبا لكل جزء من الموسوعة الحسينية، فإن القراءة الموضوعية تأخذ طريقها الى النشر بواسطة "الرأي الآخر للدراسات"، وقد ضم "أرومة المداد" تحت عنوان: "إعلام في خدمة علم الأعلام" أسماء 218 صحيفة ومجلة وموقعا إعلاميا نشرت فيها القراءات العشرين، مع ملخص لسيرة حياة المؤسس أو رئيس تحرير أو مدير التحرير.

ثم أتبعنا بوسائل الإعلام 23 ملحقا ما بين أخبار وتصريحات وتقريظات وقراءات وما شابه ذلك لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بدائرة المعارف الحسينية، وكانت على النحو التالي:

* العمل الموسوعي في دائرة المعارف الحسينية: وفيه استعراض لكتابنا "العمل الموسوعي في دائرة المعارف الحسينية" نشر يوم 17/7/2007م.

* دائرة المعارف الحسينية .. صدور 60 مجلداً من أصل 600: تصريح صحفي قدمته لجريدة الهدى الصادرة في كربلاء وذلك يوم 5/1/2010م.

* دائرة المعارف الحسينية موسوعة نهضوية ديدن مؤلفها التوثيق: حوار الأديب العراقي سلام محمد البناي مع الأستاذ هاشم الطرفي وحديث عن الموسوعة الحسينية نشر في 21/12/2010م.

* جولة في كتاب نزهة القلم: قراءة أدبية ومعرفية لكتابنا "نزهة القلم .. قراءة نقدية في الموسوعة الحسينية" بقلم الأديب كاظم جواد الحلفي خطه في 29/3/2011م.

* موسوعة القرم: تقريظ الشاعر كاظم جواد الحلفي لكتاب نزهة القلم.

* دائرة المعارف الحسينية في أروقة معرض بغداد للكتاب: تقرير صحافي بقلم الكاتب صادق غانم الأسدي عن مشاركة الدائرة في معرض بغداد الدولي للفترة (20 نيسان– 5 ايار 2011م)، نشر في 23/4/2011م.

* من أروقة معرض بغداد الدولي للكتاب الأول: حوار الإعلامي أحمد الثائر المحرر في جريدة المؤتمر  مع الاستاذ فراس الكرباسي حول جناح الموسوعة الحسينية.

* سفارة السلام في زمن الغدر!: مقالة لنا بطلب من اللجنة الإعلامية في مهرجان السفير الثقافي الأول الذي انعقد في الكوفة في الأيام 4- 6  حزيران 2011م.

* وكيل الإمام السيستاني يقف على مسيرة دائرة المعارف الحسينية: تقرير خبري عن زيارة العلامة السيد جواد عبد الرضا الشهرستاني وكيل المرجعية الدينية  للفقيه الكرباسي بلندن يوم 12/9/2011م.

* حضور متميز لدائرة المعارف الحسينية في معرض أربيل الدولي للكتاب: تقرير خبري عن مشاركة الموسوعة في معرض الكتاب الثامن للفترة 2- 12 ابريل 2013م.

* موسوعة المجد المتناثر على أخاديد الزمن الغابر: قراءة في الجزء الأول من معجم المقالات الحسينية  بقلم الأديب العراقي عبد الهادي البابي نشر في 10/5/2012م.

* حضور متجدد للموسوعة الحسينية في معرض بغداد الدولي للكتاب: تقرير خبري عن مشاركة الموسوعة في معرض بغداد الدولي للكتاب للفترة (25 ابريل 5 ايار 2013م).

 * اختتام أيام معرض بغداد الدولي بنجاح تنظيمي وإقبال جماهيري: تقرير عبد السلام الجلبي المحرر في جريدة العدالة نشر في 6/5/2013م يتناول بشيء من التفصيل مشاركة الموسوعة الحسينية.

* الموسوعة الحسينية تثير فضول زوار معرض طهران الدولي للكتاب: تقرير خبري عن مشاركة الموسوعة في معرض طهران الدولي للكتاب السادس والعشرين للفترة (30 ابريل 11 ايار 2013م).

* وكيل عام الإمام السيستاني يقف على مستجدات الموسوعة الحسينية: تقرير خبري عن لقاء وفد المركز الحسيني للدراسات بالعلامة السيد جواد الشهرستاني في مقر إقامته بلندن يوم 19/5/2013م.

* الخزرجي في أمسية ثقافية يكشف عن موقع الأبوذية: تقرير عن ندوة لنا في مؤسسة الحوار الإنساني في لندن يوم 6/2/2013م حرره الأديب عدنان حسين أحمد.

* أمين عام مجلس التقريب بين المذاهب يلتقي راعي الموسوعة الحسينية: تقرير خبري عن لقاء آية الله الشيخ محسن الأراكي بالفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي بلندن يوم 12/6/2013م.

* مركز النور: تقريظ للموسوعة الحسينية أنشأه الأديب السيد قاسم محمد الياسري يوم 22/6/2013م.

* نزهة الخزرجي تقودنا إلى نزهة موضوعية لتنمية المعارف: قراءة موضوعية في كتاب نزهة القلم للأديب السيد قاسم محمد الياسري نشر يوم 23/7/2013م.

* نزهة القلم: قراءات فوق قباب مقدسة: قراءة أدبية لكتاب نزهة القلم بقلم الأديب الدكتور أنطون يوسف بارا نشر يوم 14/8/2013م.

* مؤسسة الدراسات الشيعية تسلط الضوء على دائرة المعارف الحسينية: حوار أجراه معنا الأستاذ سعيد يوسفي يوم 19/9/2013م ونشر في فصلية "شيعة شناسي" الصادرة في مدينة قم بإيران.

* إنارات في معالم دائرة المعارف الحسينية: قراءة لنا لكتاب "معالم دائرة المعارف الحسينية" بقلم الأديب العراقي علاء جبار الزيدي.

* أجنحة المعرفة تحلّق مع الموسوعة الحسينية في فضاءات موضوعيةقراءة في كتابنا "أجنحة المعرفة" نشر يوم 10/12/2014م.

وعند مفترق طريق "قراءات موضوعية في الموسوعة الحسينية" ينتظر خامس الأجزاء "ذؤابة الكَلم" إشتعال الضوء الأخضر.

clip_image002_63ab6.jpg

clip_image004_ab845.jpg

clip_image006_850c7.jpg

عندما يعمل الكاتب فكره ليستخلص ما فاضت عليه تجاربه الحياتية وثقافته من درر ومعان ، ويضع هذه الخلاصة في عمل فني جميل لجمال ما تفتّق عنه ذهن الكاتبة من أفكار مستدقة ،وأحاسيس ملهمة لتضع هذا كلّه في أقصوصات قصيرة تحت عنوان "مقامات الاحتراق" (1)

هو احتراق حقّاً، فإذا تمعنا بقراءة الأقصوصة لنجدها مع قصرها عميقة المغزى ، وحادة التّأثير حدّ الاحتراق.على سبيل المثال في مقام التمني ترفض الأنثى حبيباً وهي التي عرفت من الرّجال الأوغاد ما طاب لها، وعندما تلتقي بالحبيب الشّهم الشّريف تقرر قطع علاقتها به؛لأنّه أجمل من أن يكون حقيقة،وهي تكره الأكاذيب .

وهناك في أقصوصة أخرى بينما يتمنّى النّاسك الثمانيني أن يموت عطشان جوعان بردان، ولكن عندما يأخذ رشفة من رحيق شفتيها يموت شبعان تلفح عظامه حرارة العشق . وهلم جرى من نبضات تنبض بها قصص المقامات، ولا مجال لوصفها.

فأنا أرى أن قراءتها بلغة الكاتبة وتعبيرها هو الأهم ، فعندما توجز الحكاية، وتغلف بألف غلاف من حلو المعاني في سطور قليلة لهي أجدر أن تقرأ كما هي لينفذ معناها إلى العقل مباشرة ، ولتنبض الأحاسيس المحملة بها إلى القلب ، وهكذا تصل إلينا بسلاسة دون تعقيد ، فهي سهلة لأنها تدغدغ أحاسيسنا وتتناغم مع ملابسات حياتنا ومتناقضاتها وانسجامها ، وتنافرها ، وعجزها وقدرتها ، هي مدّ وجزر . إنها الحياة مرسومة في لوحات تسمّى قصص قصيرة .

الكتاب يضم في جوفه اثنتين وثلاثين قصة هي على التّوالي مقامات الاحتراق وتتألف من تسعة عشر مقاماً ، وهي التي نوهت عنها في مستهل حديثي ، والقصص الأخرى هي الحكاية البداية ، سفر الجنون ، مأتم الرصاص ، في القدس لا تشرق الشمس ، القبعة الزرقاء ، أمينة ، هدية الإله ، كائن ليلي ، صوت الصمت ، هلال المجرم ، المصعد القديم ، أصابع وقحة ، الكف ، السيدة أنوار ، خليفة الله ، عابد المستعجل ، عملية ناجحة ، الشيطان يعشق ، حادثة انتحار عصفوري حب ، السيدة نجمة ، سرير صغير ، الطفل الأعجوبة ، تمثال الحرية ، المطاردة ، لوحة جميلة ، مرايا ، رأس خنزير ، عدالة ، قوائم ثلاثة ، تواصل الكتروني ، أنت .

الحياة رجل وامرأة ، موجب وسالب ، قمة ومنحدر ، وهذان القطبان يعيشان معا ، وديمومتهما واستمرارهما يتجددان من مشاحناتهما فيتنافران حينا ، ويتجاذبان أحايين ، وهكذا يدور دولاب الزمن الذي لا يعرف له مستقر ، وعليه ألاّ يستقر ، فباستقراره تغدو الحياة تافهة ، لا محفز لها للاستمرار ، هذه الفكرة تهيمن على عدة أقاصيص في المجموعة منها هدية الإله ، ففي هذه القصة الرجل لا يستطيع أن يعيش مع المرأة التي أهداها له الإله الأسطوري في القصة ، فيردها له وبعد حين يكتشف أنه لا يستطيع العيش بدونها فيستردها ، ويتكرر الموقف فيردها ثم يستردها ، أخيرا يقول له الإله أنت لا تستطيع العيش معها ولا تستطيع العيش بدونها فتعلم كيف تعيش معها .

أمّا في قصة صوت الصمت فتقول الكاتبة ، كان من المحتمل أن تبقى فتحية صامتة إلى الأبد ، وهي تخدم أمها المقعدة ، وأخاها المعاق عقليا إلا أنها في ليلة ماطرة من ليالي الشتاء البارد ، استيقظ الحي على صوت سيارة إسعاف تنقلها إلى المستشفى ، ذهبت بصمت ثم عادت امرأة أخرى لا تعرف الصمت ، هذرت بكلام لا يتوقف ، حمّمت أخاها المعاق ، صفعته كثيرا ، ولعنت الدنيا وجدفت دون حياء ، ثم هربت من البيت دون رجعة وتركت أخا ميتا من الصفع والرّكل.

وأمّا ميتة إثر نوبة قلبية حادة . ومن جديد ساد الصمت في المكان ، إذن هو صمت أعقبه صوت حيث ثارت فتحية على واقعها البائس ، القصة قمة ومنحدر . أمّا في قصة السيدة أنوار وأي فحش كانت أنوار وهي ممثلة إباحية ، وعندما يطلب منها أن تؤدي دور العابدة لتتقمص شخصيتها وهنا يحصل التحول في شخصيتها حيث تعشق دورها الجديد وتلبسه لتتحول من الفجور والفسق إلى الطهر والعبادة ، إذن هي مدّ وجزر مرة أخرى . وفي قصة الشيطان يعشق فهناك تجاذب في شخصيته  حيث أنه المنبوذ من السماء ، وهو قطب الشر ولكنه يقرر أن يخلع الغل من قلبه ، ليتنكر لأصله النّيراني الملعون ، وينطوي تحت رداء الصالحين والملائكة والأبرار ، فيكون له هذا ليقضي صريع عشقه لآدمية تصليها ناره عندما يقترب منها وهو الكائن النيراني فيبتعد عنها متبتلا ليقيد اسمه في سفر الأبرار في مقام العاشقين ، وهنا صراع بين النار والنور ، بين الفسق والصلاح ، هي مد وجزر أيضا . وفي قصة السرير الصغير ، يحلم الشاب بسرير كبير لينام فيه وحيدا وعندما يستجاب طلبه يكتشف أن سريره بارد فيطلب من الإله أن يكسر وحدته التي كان يعشقها ، فيطلب أن يهديه الشخص الذي يشاركه السرير ، إذن هي مد وجزر ، القصة هذه تتشابه مع قصة هدية الإله. في قصة تمثال الحرية حيث يمجدونها في بلادهم وهم في حقيقتهم أعداء لها ، هي قمة ومنحدر ، أما في قصة المطاردة ، فالشبل يطارد الظبية ، وعندما يقرران أن يتهادنا ويكفا عن العراك ، والمطاردة لا يستسيغان ذلك فتقترح الظبية أن يجددا المطاردة وهي ذاتها من اقترحت الهدنة . هي دورة الحياة ما بين مد وجزر .

المجموعة غنية بملابسات المد والجزر الذي يتكرر في معظم قصص المجموعة في قوالب متجددة في شكلها وبنيتها وتنوع أفكارها ، وليكن تعليقي هذا محفزا لقراءتها .

(1)  سناء الشعلان: مقامات الاحتراق،ط1،صادرة عن نادي الجسرة الثّقافيّ/قطر،2006.

clip_image002_7af4e.jpg

    شذرات.. هكذا اطلقت أ.د. ثريا وقاص على بوح روحها في كتابها الأدبي الأول " الدائرة في المنتصف"، وبمجرد اطلاعي على الكتاب كنت اهمس لنفسي: ثريا تتألق في نصوص عابرة للتجنيس، ولفت نظري العنوان الذي وضحته في الاهداء لروح والدها بأن روحها مستمرة بالدوران حول دائرة الغياب لولا وجود أمها "التي ما تنفك ترتب دقات القلب"، وحين قراءة الكتاب نجد ثريا تدور حول مجموعة من الدوائر، ففي دائرتها الأولى "دائرة القلب" التي وصفت بها الأحبة والأصدقاء بصناديق الذكريات فإن غابوا تبعثرت الذكريات ولكنها فعليا في دائرتها الأولى لم تخرج عن أسرتها: ذكرى الأب وروعة الأم واحتياج الأخت  والأخ، وحين نغوص بهذه الشذرات نشعر أننا نستمع لترنيمات يتلوها القلب بخشوع وقدسية في محراب تعبد، ولعل الاعتراف بالعلاقة بالكتاب الذي كانت تكرهه بطفولتها لأنه يستلب اباها منها، لتتحدث باعتراف لماذا تقرأ وتقول أنها تقرأ من أجل استعادة احاسيس قديمة وضحكة أباها وبعض الطفولة، لدلالة على التحليق الأقرب للتعبد في شذراتها.

   من الأسرة تنتقل إلى الصداقات التي افتقدتها في نفس دائرة القلب، فالصداقات كما الأسرة مزيج من مشاعر تجتاحنا وأحيانا لا نجد لها تفسيرا فهي ترى أنه بدون الصداقات لا تكون الحياة ممتعة، فنحن نحتاج إلى كتف صديق نضع رأسنا عليه لنرتاح قليلا، ولكنها تتألم أننا نفقد الكثير من هذه الصداقات فجأة، إما بالغياب أو أنها تضيع دون إدراك ولا انتباه كما طفل يفقد لعبته دون أن يشعر بذلك، ولكن في جانب آخر فهي انتقائية في مفهوم الأصدقاء فلا ترغب بكثرتهم فتقول: "الذين يملئون حياتهم أصدقاء خوف من الوحدة..ينتهون وحيدين"، وأحيانا تشعر بضعفها أمام صديقاتها اللواتي يغيرن برامجها بابتسامة لا تملك إلا أن تلبيها ولكنها بعد ذلك تشعر أن صديقاتها خطر عليها.

   في 23 شذرة في دائرة القلب نرى أن الكاتبة مشدودة لروح الأب أولا وللأسرة ثانيا، ولكنها حين تنتقل للأصدقاء والصديقات تمر بحالة نفسية مختلفة بين ضرورة الأصدقاء والصديقات، وبين الانتقائية والرفض الداخلي في روحها، ولكنا في نفس الوقت تجد التلقائية في التعبير عن روحها وشذراتها، بينما حين ننتقل للدوائر الأخرى سنجد تعابير أخرى ففي الفصل الثاني من بوحها: (دوائر.. دوائر)، نجدها تعلو الكلمات بعبارة تقول فيها: "ما يقلق اليوم ليس أن نفقد بعض أوهامنا، ولكن أن لا نجد ما يعوضها"، وهذه العبارة دلالة على الخوف الكامن في الروح وحجم التشاؤم والذي سنراه جليا حين نجول دوائر.. دوائر، وفي 15 شذرة سنرى حجم الخوف الذي يسود روحها، فالقيم تتغير ومفهوم الوطن أصبح مخيفا، والخوف من الحرب يسود الحياة، والخوف من الغد لا يتوقف، والضمير أصبح مثقوبا قذرا، حتى أنها تشبه الناس في الأوطان كالغاضب وحده في السوق، لا يعرفه أحد ولا يهتم بغضبه أحد، وأصبح التعامل مع الوطن كما التعامل مع الأشياء عديمة الفائدة، يتم رميه عند أول تأشيرة سفر أو تذكرة طائرة، وفي ظل هذه الصورة السوداوية التي تمر بها تظهر بارقة أمل واحدة  وهي رغبتها أن يقول من تصفه الساهم الكئيب الذي يصغي كل يوم إلى كوارث العالم، رغبتها أن يقول لها كلمة أحبك لينتهي الحزن وتستحي الحرب وترحل وتعود العصافير للأشجار، ولكن في ظل هذا الكم الكبير من فقدان الأمل والتشاؤم الذي لا حدود له من الواقع المحيط، هل يمكن لهذه الكلمة أن تغير المسار المعتم؟

   من التشاؤم المغرق في السوداوية تنتقل بنا الكاتبة إلى دائرة جميلة العنوان "دائرة الحب"، ولكنها تستبق شذراتها عن الحب بعبارة: الحب مكونة من حرفين ومجنونين، وهذه العبارة وحدها كافية لتحطيم كل ما يمكن تخيله بمشاعر الحب من سمو وإنسانية وتحليق روح، وفي 23 شذرة باحت بها روح الكاتبة نجد حجم التناقض في الإحساس بين شذرة وأخرى، وفي مفهوم الحب الذي نجده محلقا مرة وعابر سبيل في أيامنا هذه، تحلم بحب يكون عظيما حين يكون بدون مقابل، بينما في شذرة أخرى ترى أن الحب سباق شيق بين اثنين للوصول إلى الملل، والحب مسيرة نحو المتاعب تنجرف لها القلوب لتصل في النهاية الى فكرة أنه لا يوجد حب حار وحب فاتر، فقط هناك حب أو لاحب، وهذا يذكرني بقصيدة نزار قباني التي يقول فيها: "اختاري الحب أو اللاحب فجبن أن لا تختاري، لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار"، وهذه المفاهيم المتناقضة في الحب حيرتني، فهل هي انعكاس لتجربة تركت أثرها وندباتها، أم هي رغبة بالحب يسودها الخوف الذي يلجم المشاعر؟

   "استدارات لطيفة" هي الدائرة الأنثوية في الكتاب حيث تروسها بعبارة: "كل النساء جميلات دون أن يعلمن ذلك، وحدهم الرجال ينبهوهن أو ينسيهن ذلك إلى الأبد"، وفي هذه الدائرة المفتوحة نجد عبر 13 شذرة حكاية المرأة وكيف تفكر وكيف تصاب دوما بخيبة الأمل وصعوبة فهمها مهما اقترب منها الرجل، فقد شبهتها الكاتبة بالبيت بغرفه المتعددة وكل غرفة لها استخدام، الاولاد، المطبخ.. الخ، ولكن في كل بيت غرفة تحتوي على الركام والأشياء التي استهلكت، ومن يريد أن يفهم المرأة عليه أن يدخل إليها في هذه الغرفة، وبالتالي فكأن الكاتبة توحي لنا من خلال تناقض مفهوم المرأة وماذا تريد، أن لا إمكانية لفهم المرأة.

   في "دوائر ناقصة" تبدأ الحديث للآخر بالقول: لماذا تصر هكذا على الغياب؟ اظهر قليلا.. إظهر كي أرى جيدا عيوبك.. وفي 13 شذرة تدور أفكار الكاتبة عن الغائب الذي رحل بدون أن ينظر للخلف، فتصف مشاعرها بألم شديد ولكن بأسلوب عاطفي جميل، فدوائرها ناقصة في ظل غياب الآخر وعدم اهتمامه بمن تركه، فهي ترى أنه حتى إن عاد سيكون شخصا آخر، وهي التي قدمت كل شيء وتركت كل ماضيها خلفها، وفي لحظة قرر الغياب فهي هنا تتمنى أن يظهر من جديد ليس لكي يعود الحب بل من أجل أن تكتشف عيوبه أكثر.

   من ألم الغياب تعود الكاتبة في شذرات جديدة بلغت 11 شذرة إلى "دوران حول الطفولة والذكريات"، ولكنها مسبقا تطالب أن لا نحتفظ بكل الذكريات القديمة كي لا تعيق المسير للمحطة القادمة، فتستعيد ذكريات الطفولة وحكايات الأباء والأجداد والجدات، ولعلها تلخص كل ذلك بالقول أننا حين نكون أطفالا نحلم أن نكبر، وحين نكبر نحلم أن نعود أطفالا، لتنقلنا بعد جولة ذاكرة الطفولة إلى 15 شذرة من "حلقات الزمن المفرغة" حيث "تسير السنوات عمياء على رصيف العمر وقلوبنا عكازتها البيضاء"، فترى أن الزمان يمر بنا تاركا آثار حبه على أجسادنا كلما تقدم بنا العمر، "وكأن الوقت الذي يفترسنا بدون رحمة صديقنا الحميم" في فلسفة جميلة للتعايش مع الزمان والوقت والتقدم في العمر، وفي نفس الوقت ترى أن نعيش جمالية اللحظة فكل ما يمكن أن نلهث من أجل بناءه لن نتمتع به في المستقبل.

   لعل ثريا وقاص في دوائرها تصر أن ترى الكثير من الألم والتشاؤم أكثر من رؤية الفرح والجمال ففي "تناقضات دائرية شبيهة بالحياة" تلخص الفكرة أعلى شذراتها بالقول: كم هي كثيرة أسباب الخير، كم هي وخيمة نتائج الشر، ونختار الشر لأننا لا نحب الخير لأحد"، تجول في هذه الفكرة في 23 شذرة ورغم كل ذلك نرى أنها ترى الخير موجود في بعض القلوب، "فالنور الذي وضعه الله في قلوبنا لا يمكن ان تطفئه كله أفعالنا"، وترى أن الكلمة الطيبة تعود كالصدى مهما كانت خافتة، ومن هنا ورغم التعميم في أعلى هذه الشذرات وحجم التشاؤم الا أن هناك بصيص من حب وجمال.

   تختتم ثريا وقاص دوائرها في "الدائرة المفتوحة على الحلم" وفيها تبحث عن وجه آخر من الجمال في الحياة، وهذا نلمسه بالفكرة الموجودة في بداية هذه الدائرة قبل أن تنقلنا إلى شذراتها، حين تقول: "الكتب من الشجر الأخضر، ومنذ أن قللنا من شراءها نقص الهواء من بيوتنا"، وهذه مقدمة رائعة تلخص أن الكتاب هو الموجه وهو رفيق الحياة فكلما قرأنا كتابا شعرنا ان يدا تزيح ترابا تراكم على اكتافنا، فهي كأنثى ترى أن أجمل كتابة هي التي تكتب عن الحبيبة فتغار منها كل النساء، وأننا كي نجد أنفسنا علينا أن ننسلخ عن ذاتنا حين نكتب، وتجول معنا بنفحات روحها وشذراتها التي بلغت 14 شذرة في عالم الكتاب والشعر والكُتاب والشعراء بجمالية أقل ما يقال عنها: حلوة..

   وبعد هذه الجولة في دوائر ثريا وقاص المعنونة الدائرة في المنتصف، نجد أسلوبا قريبا من الشعر والشاعرية في حروفها، وهي شذرات أو كما قلت في البداية ترنيمات أقل ما يقال بحقها أنها جميلة وتشد القارئ، ونرى أن الكاتبة في شذراتها الجميلة كانت تجول في النفس الإنسانية بتناقضاتها، ومن يريد أن يقرأ ثريا وقاص فعليه أن لا يقرأ الشذرات على عجل أو كما هي مرسومة بالكلمات، بل أن يقرأ الروح خلف الكلمات كي يخرج بمفاهيم جميلة للحياة، فرغم الإحساس الأولي بالكثير من الألم والتشاؤم والتناقض الذي يسود روح الكاتبة، إلا أن القراءة المتأنية تكشف حجم الفلسفة بالدوائر التي لم تكتمل، فالدائرة المكتملة للحياة والتي نعيش من خلالها هي التي في المنتصف، وفي هذه الدائرة التي تمثل الحياة بتناقضاتها كما رسمتها ثريا وقاص، سنجد أن الله وهو واحد أحد خلق الكون على مبدأ الثنائية، فمقابل الكره يوجد الحب ومقابل الصحة يوجد المرض، فلماذا لا نبحث عن الوجه الإيجابي في كل شيء؟

صدرت عام 2019 رواية "عند بوّابة السماء" للأديب المقدسي جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع في 205 صفحات من الحجم المتوسّط.

سرد الكاتب السلحوت روايته من خلال سلسلة أحداث تاريخية، مستقاة من التاريخ الفلسطيني، أي زمن الانتداب البريطاني وأواخر عهد الحكم البريطاني بالبلاد، تمهيدا لدخول الاحتلال.

  في هذه الرواية أبرز الكاتب حياة البداوة الاجتماعية، وصوّر معيشتها بكل تفاصيلها الدقيقة؛ من أفراح وأحزان، والحياة اليومية من مأكل ومشرب، وضيافة، ولهجة، من عادات وتقاليد، وما إلى ذلك.

قصد الكاتب أن يبرز التعاون المشترك، والوحدة والتضامن بين الشعبين: الفلسطيني والأردني؛ من خلال المصاهرة المتبادلة بين عائلتين: عائلة في اربد، وعائلة من فلسطين، حيث تصاهروا واصبح القرب بالنسب والانتماء.

    تطرّق الكاتب لقضيّة احتلال الإنكليز لبلاد الشام، وركّز على التعاون المتبادل بين الفئتين أعلاه، في قضية تهريب الأسلحة من الشام إلى فلسطين زمن قيادة عبد القادر الحسيني؛ والذي جرى بين عائلة فلسطينية تتمثل بالشيخ مهاوش من مضارب البقيعة في جنوب فلسطين، بالقرب من مقام النبي موسى، مع عائلة أردنية من كفر الرمل؛ تتمثل في الشيخ فالح وابنه علي وريثه بتزعم العائلة في اربد.

صورة النساء في الرواية

  لعبت النساء دورا بارزا في الرواية، وصف الكاتب تعدد الزوجات في البيئة البدوية، أفرد الكاتب قسما خاصا يروي عن حياة بعض النساء مثل: زينب بنت السلطان، زوجة الشيخ فالح من الأردن؛ كذلك عن وضحة بنت مناور تزوجت من علي بن فالح. وصف الكاتب الزوجتين بأنهما تزوجتا في عمر صغير، وتربيّتا في عز ودلال لأبوين من الشيوخ؛ حيث وصفهما بصورة بهية جدا.

بينما وصف الكاتب المرأة البدوية العادية بصورة المرأة المغلوبة على أمرها، ومن حق الزوج الزواج عليها بثانية وثالثة، ووظيفتها هي إنجاب الأولاد؛ كما ورد على لسان الأم زينب؛ رصفحة 52 " الابناء لآبائهم، والنساء مجرد "بطن حفظ نَفض".

بينما صور الكاتب معظم النساء البطلات في الرواية بصورة جميلة، مُعززات مكرمات.

بالبداية قدم الكاتب الإهداء لزوجته السيدة " حليمة جوهر". هذا التقديم يُعتبر ذا قيمة عالية للسيدة حليمة، فهي ترمز لاحترام وتقدير المرأة وشريكة الحياة التي تستحق الإهداء في كل إصدار للكتّاب.

تحدّث الكاتب أيضا عن المرأة المرشدة المقدسية، المتطوعة التي لم يذكر اسمها بالرواية، وشرحت للزوار عن تاريخ المسجد الأقصى وما حوله، بطريقة مفصلة؛ وُصفت المرشدة بأنها ذات علم وثقافة ومعرفة واسعة بتاريخ وجغرافية المكان، والإيمان القوي بالتطوع؛ لنيل الحسنات ورضى الله. تبدو هذه الصورة جميلة للمرأة.

   السيدة هدى زوجة فلسطينية متزوجة من حسان بن فالح، وصفت بالمتعلمة، دارسة في مدينة طبريا، تتكلم اللغة الانجليزية بطلاقة؛ تجيد الفروسية، ونظر إليها الشيخ بصورة احترام وتقدير، عندما ترجمت للمرأة الانجليزية من العربية للانجليزية "بارك الله بك يا هدى ، لقد بيّضت وجوهنا" صفحة 139. أقامت هدى مدرسة للبنات، وأصبحت معلمة؛ على الرغم من معارضة البعض في القرية. هنا كانت الصورة إيجابية للمراة.

امرأة أخرى باسم مهيبة خورشيد: في الأربعينيات من العمر، ابنة يافا، أسست جمعية على اسم " زهرة الاقحوان". للمساهمة في دعم الرجال بشراء الأسلحة، وإغاثة الأسر الفلسطينية عام 1947. تطورت هذه الجمعية لاحتضان النساء وتسليحهن للمشاركة في طرد الانجليز من البلاد، ولجمع المعلومات الاستخبارية. وصف الكاتب النساء بالبطلات والصورة المشرفة.

  أخيرا العروس حفيظة ابنة علي فالح من كفر الرّمل الأردن، المخطوبة لمحمد سعيد الحسن في كفر السمن قرب طبريا، ذكر خالها " البنات وديعة الأجاويد" وتكريم البنات أولى من تكريم الأبناء، وحفيظة بنت الشيوخ، والعز يليق بها". وصف الكاتب حفيظة بأنها كالملكات، تلبس قلائد الذهب والأساور وصفّة الذهب تحيط برأسها، ووصف "وجهها وضاء كما القمر ليلة بدر.

حظيت بحفلة وداع مفتخرة نظرا لمكانتها العالية عند والديها.

عند عبورها لنهرالأردن، حصل اشتباك بين عابري النهر ودورية من الجيش،  بينما كان عريسها بانتظارها بالطرف الآخر، إلا أن رصاصات اخترقت جسد حفيظة، ولفظت أنفاسها الأخيرة وارتقت روحها إلى السماء، قبل أن يستلمها عريسها في سمخ.

أرى هنا بوجود رمزية للمرأة، والتي ترمز إلى الوطن عند سقوط حفيظة، يرمز الكاتب إلى سقوط القضية الفلسطينية على أيدي البريطانيين..

المرأة الأخرى هي أمّ العروس وضحة، التي توفيت حزنا وقهرا أثر مقتل ابنتها حفيظة.

مقتل المرأتين بالرواية هو رمز، للهزيمة وانتصار القوة أثناء الاحتلال البريطاني للبلاد.

 عنوان "عند بوابة السماء"، استقى الكاتب السلحوت عنوان روايته، نسبة لارتقاء أرواح المقاتلين والمدافعين من (الفلسطينيين والاردنيين )عن القدس، ودفنت رفاتهم في مقبرة الرحمة، قرب المسجد الأقصى الشريف. ظهر المعنى للعنوان في نهاية الرواية، يبدو أن اختيار الكاتب للعنوان كان مناسبا.

  لغة الرواية: استخدم الكاتب اللغة الفصحى في أغلب نصوص الرواية، فهي لغة بسيطة وسهلة، راعت اللهجات المختلفة، من البدوية للفلسطينية والأردنيّة واللهجة الأجنبية أحيانا؛ استخدمت اللهجة العامية عند الضرورة خاصة أثناء عرض الأمثال الشعبية.

كانت تنحى اللغة نحو اللغة التقريرية أحيانا، خاصة عن سرد الأحداث التاريخية. تكاد تفتقر للبلاغة القوية.

 من القراءات المتعددة لروايات الكاتب، أجد تكرارا في التطرق للشرح المطوّل حول المسجد الأقصى، واستطرد الكاتب في تفصيل للمعلومات الواردة حوله؛ حيث احتلت هذه المعلومات مساحة كبيرة في الرواية؛ كل هذه المعلومات في نظري ممكن الاستغناء عنها؛ لأنه بإمكان القارئ الحصول عليها من الموسوعات العلمية المختلفة.

خلاصة القول: تعتبر هذه الرواية، تأريخية توثق الأحداث التي حدثت في فلسطين، من بطولات وتضحيات؛ من المهم توصيلها لطلاب المدارس، بطريقة شيقة؛ وبأسلوب روائي، وليس تعليمي.

المزيد من المقالات...