مصادر التنظير للأدب الإسلامي : المصدر الأول : " القرآن الكريم "

وهو المصدر الأول الرئيس لشمولية الإسلام، عقيدة وشريعة ونظام حياة، كلام الله سبحانه وتعالى الفصل في كل قضية من قضايا الإسلام، وكل مصادر الإسلام الأخرى، تابعة له مفصلة لمجمله، خاضعة لأمره، وقد وقع كثير من الباحثين عن شواهد النظرية الأدبية من القرآن الكريم في خطأ عظيم، وهو تضييق الشواهد الأدبية، لضيق أفقهم في فهم نظرية الأدب، مع أنها كثيرة ومتعددة، ويمكن تصنيف تلك الشواهد إلى أربعة خطوط رئيسة هي:

1- الخط الأول: امتنان الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمة اللغة والبيان، ويفهم من هذه الآيات أن البيان نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان أن يُسخِر النعمة للتعبير عن نفسه وحاجاته، وهي فطرة ربانية، حيث جعل الله للجنس البشري اللغة التي يتفاهم بها مع أخيه الإنسان، وان البيان البشري بشكل عام هو فطرة ربانية، ومنه فنون الأدب: الشعر والنثر والقصة والفنون الأدبية على اختلاف أنواعها، ولا حرمة فيها إذا استعملت بشروطها الشرعية، ومن شواهدها الكثيرة قول الله سبحانه وتعالى:

1- (وعلم آدم الأسماء كلها..) البقرة: 31.

2- (واختلاف ألسنتكم وألوانكم....) الروم 22.

3- (الرحمن... علمه البيان) الرحمن.

4- (أَلم نجعل له عينين ولساناً وشفتين) البلد: 8، 9.

5-  (إنه لحق مثلما أنكم تنطقون).

6- (وما ينطق عن الهوى) النجم: 3.

وآيات تتكلم عن اللغة وفضلها وآيات عن لغة الحيوان، الطير، والنمل....

2- الخط الثاني: قيمة البيان وخطره وأنَّ الإنسان محاسب على هذه النعمة، إذا خرجت عن وظيفتها، وفي هذا مدخل شرعي للبحث عن نظرية الالتزام والأدب والأخلاق ومن شواهدها قول الله سبحانه وتعالى:

1- (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق: 18.

2- (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة: 1.

3-  (همّاز مشاء بنميم)  القلم: 11.

4- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً) الأحزاب: 7.

5- (لا يُحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) النساء: 148.

3- الخط الثالث: قضية الشعر وتفاصيلها في القرآن الكريم (المكي والمدني) وسنطرح شواهدها بالتفصيل في موضوع " القرآن الكريم والشعر ".

وتمثل هذه الوثيقة المقاييس الشرعية وثوابتها للقضية الأدبية من كلام الله سبحانه وتعالى، لأَن الأدب فن يعتمد البيان، وهو فن قولي له مقاييسه التي تميزه عن باقي فنون القول في الحياة البشرية، وقد بين القرآن الكريم ضوابطه للبيان البشري، بشكل عام، وللبيان الفني بشكل خاص، كما اتضح ذلك من الآيات التي تناولت فن الشعر. والقرآن الكريم معين لا ينضب للمنظر الأدبي في البيان والفنيات والأنواع الأدبية المختلفة، يقول عمر عبيد حسنة في مقدمته لكتاب نجيب الكيلاني: (فالقرآن الكريم استخدم القصة والحوار، والمثل والمواقف الخطابية ودعا إلى المباهلة ووظف الحدث التاريخي، واعتمد الجدل الفكري، وأسلوب المواجهة والتقرير المباشر والوعظ المباشر في سبيل تحقيق أغراضه)(1).

4- الخط الرابع : ويتناول الآيات التي تشير إلى الإبداع عند البشر وهو ما نسميه ( خلق العطاء والتفويض ) : ونعني به إنعام الله وتفويضه للإنسان في قضايا الإبداع يوم زوده بالعقل القادر على تشكيل الأشياء وسمى فعله خلقاً بدليل قوله تعالى عن المسيح عليه السلام ( إني أخلق من الطين كهيئة الطير ..... ) وقوله تعالى ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ....) فسمى تشكيل الطين خلقاً وهو خلقٌ تفويضي وعطاء للعقل البشري جعله قادراً على ( التشكيل للطين ولغيره من الأشياء )

(وكذلك الخلق البلاغي من خلال الصور الفنية البلاغية ) الذي يشكله الإنسان من اللغة وكلماتها  لأنه  زوده بنعمة البيان بقوله تعالى ( علمه البيان ) وجعله قادراً على تشكيل وخلق الأجهزة التي تخدمه في بناء حضارته بقوله تعالى ( علم الإنسان ما لم يعلم ) حيث يتعلم مما أودعه الله في مخلوقاته من السنن فالإنسان يخلق من المواد أشكالاً ومن البلاغة واللغة صوراً  جميلة ً, ومن الأجهزةِ ما يخدمه في الأرض فقد تعلم صناعة الطائرة المروحية من البعوضة وتعلم الرادار من الخفاش وتعلم صناعة الحاسوب من نظام العقل البشري والأمثلة على ذلك كثيرة ولكنه خلق محدود بتفويض من الله حين سخر له ما في السماوات والأرض فعليه أن يدرك هذه النعمة ويعلم أنه مكرم من الله بهذا التسخير .

ومع ذلك فهو لا يخلق موتاً ولا حياةً ولا ذباباً وجميع ما يصنعه يأخذه من ( المواد الأولية من مخلوقات الله) فهو يعيش عالة على مخلوقات الله تعالى (وسخر لكم ما في السماوات والأرض ).

وفي قوله تعالى ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) قد عبرت الآية الكريمة عن تعدد الخالقين ورفض المقارنة بين خلق الله للأشياء و خلق العباد لها حيث أعلنت الآية في بدايتها رفض المقارنة من خلال صيغة التعظيم ( تبارك ) رغم وجود صيغة التفضيل ( أحسن ) مضافة إلى كلمة الخالقين , فخلق الله سبحانه وتعالى خاضع لكماله وعظمته وقدرته وخلق الإنسان للأشياء خاضع لضعفه ونموه ومرضه وهرمه وموته وهو خلق وإبداع قابل للسلب والبقاء بأمر الله ؛ وهو محدود بطاقات العقل البشري وعمره في الأرض , وفي قوله تعالى ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) أي لا يوجد فيه اختلاف في مستويات الإتقان والإبداع والجودة والكمال فهو كامل منذ أن أمر الله بخلقه , أما التفاوت في الخلق فهو صفة الإبداع البشري الذي يخضع لميلاد الإنسان ونموه ومرضه وقوته وتقلب أحواله بين الشباب والشيخوخة والحياة والموت وفي قوله تعالى ( بديع السماوات والأرض ) تشير الصفة المشبهة ( بديع ) إلى أن الإبداع والخلق الرباني هو صفة ثابتة في الخالق أما إبداع البشر فيمكن وصفه بصيغة اسم الفاعل ( مبدع ) ما يشير إلى تقلب الإبداع في البشر وأنه إبداع ناقص يحتاج إلى التطوير المستمر والمراجعة الدائمة و التوفيق من الله سبحانه وتعالى .

وسوم: العدد 817