كانت العرب في الجاهلية تُقسم إلى قسمين:

أهل المدر :وهم أهل البناء المستقرون في القرى والمدن، وقد عرفوا بذلك لأن أبنية الحواضر إنما هي بالمدر، والمدر في اللغة : قطع الطين اليابس. والبناء، كما نعلم، يبقى ثابتاً من دون تغيير ولكن لصاحبه في البداية حق تحديد جهة بابه. أهل الوبر: وهم أهل البادية أي الأعراب، وإنما قيل لهم" أهل الوبر" لأن لهم أخبية وخياماً مصنوعة من وبر الجمال، ينتقلون بها من مكان إلى آخر بحثًا عن الكلأ والماء، لذلك فإن أماكن خيامهم وجهاتها تتغير باستمرار.

-فلما أراد النحويون واللغويون وضع أسس لقواعد اللغة العربية في القرن الثاني للهجرة استخدموا مصطلحات تعتمد على الموروث العربي مثل البناء وهو لزوم آخر الكلمة حالة واحدة مع اختلاف العوامل فيها؛ والإعراب هو تغيير يلحق أواخر الكلمات العربية من رفع ونصب وجر وجزم، وهو يقابل البناء.

-المبني ما لا تتغير علامة آخره، اسمًا كان أو فعلاً أو حرفًا، مهما يكن موقعه من العبارة ومهما تكن العوامل المؤثرة فيه نحو: " كَتَبَ، رُبَّ، قَدْ، يُسافرنَ، هذا..". والمعرب ما تتغير علامة آخره في الكلام ما بين ضمة وفتحة وكسرة وسكون، على حسب تأثير العوامل فيه(حسب موقعه في الجملة) نحو: " سافرَ خالدٌ- رأيت خالدًا- مررت بخالدٍ- يُسافرُ خالدٌ- لم يُسافرْ خالدٌ..إلخ".

-السكون عكس الحركة، وعليه نحن نتحدث في النحو عن علامات وليس فقط عن حركات.

clip_image002_3baeb.jpg

هذا الكتاب النقدي الخامس لـ "فراس حج محمد" فقد سبقه "في ذكرى محمود درويش"، "ملامح من السرد المعاصر- قراءات نقدية في القصة القصيرة جدا"، و"شهرزاد ما زالت تروي"، و"ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الراوية"، وهذا الكتاب؛ "ملامح من السرد المعاصر-  قراءات في متنوع السرد".

لا يتناول الناقد شكلا بعينه، بل يمكننا القول إنه يتناول كافة أنواع النثر الأدبي، وحتى أنه يتحدث عن كتب نقدية في الفصل الأول، لهذا فهو كتاب غير متخصص بشكل أدبي معين، وهذا التعدد والتنوع انعكس على طبيعة الكتاب، فمثلا يجد القارئ متعة عندما تحدث عن عيوب النقد، "للنقد أمراضه المعدية كذلك"، وكشف فيه حالات المغالاة ـ نقصا أم مديحا ـ للأعمال الأدبية، وحالات إبراز العضلات من خلال قوله: "يتكركب في قراءتها، وإذا ما فتشت بين السطور لا تجد كلاما مفهوما ولا معاني واضحة، وما هي إلا سلاسل حجرية ملتوية ناتئة، لا تؤدي إلا إلى أرض بور في نهاية المطاف" ص9،  فدور الناقد أن ينقد وأن يوجه، لا أن يتجاهل، لهذا نجد "فراس حج محمد" يجلد زملاءه النقاد، مبينا الخلل الذي يمارس في الساحة الأدبية، ولا يتوقف عند هذه العيوب بل نجده يتوغل أكثر كاشفا عن "أمراض النقاد" التي تكمن في: "عندما يتناول ناقد صغير الكتابة عن مبدع كبير، ويكتب فيع ليتسلق،... أو عندما يمارس الناقد الصغير دور المعلم الملهم وأن رأيه هو الرأي السديد، ... عندما يحشر نافد كبير نفسه في ذات الكاتب الكبير، ولا يرى أن الكتابات الجديدة والأصوات الشابة تستحق القراءة والكتابة عنها". ص10و11.

أعتقد أن مثل هذه المكاشفة مهمة وضرورية ـ هذا إذا أردنا أن يكون هناك نصوص أدبية متألقة، وإذا أردنا أن يكون هناك كتاب أدب متألقون، وما يتبعه من وجود نقاد مبدعين حياديين وموضوعيين، ومن المشاكل التي تلازم عملية النقد، هو أن يحشر الناقد نفسه ضمن مدرسة أدبية أو نهج تحليلي معين، بحيث يكون النص النقدي (حاشر/ محاصر) للنص الأدبي، وليس العكس، بمعنى أنه على الناقد أن يجد النهج/ المدرسة المناسبة لهذا النص، خاصة إذا علمنا أن النصوص الأدبية لا تخضع كتابتها لمدرسة أو لشكل محدد، يوضح الناقد هذه العيوب بقوله: "ما الذي يريده الناقد من النص؟ لماذا يصر الناقد على تجنيس النص المقروء، وحشر الكاتب في زوايا لم يصنعها؟ ولماذا يستميت الناقد في سجن المبدع ضمن هاتيك السجون القيدية من تلك المواصفات البائسة؟ ولماذا لا يقرأ النص بوصفه أدبا فقط؟" ص14، أعتقد أن تناول الكتاب لهذه العيوب يفتح شهية القارئ للكتاب أكثر، فنحن في أمس الحاجة إلى النقد، ليس النقد الأدبي المجرد، بل النقد الذاتي، النقد لسلوكنا وتعاطينا مع المجتمع، مع الزملاء.

وفي حديثه "عن النقد والنقاد الكبار" يواجه هؤلاء (الكبار) بهذه الأسئلة: "من مستعد من النقاد (الكبار) أن ينفق (مبلغا زهيدا) ليتواضع ويشتري كتابا لكاتب جديد؟ كيف يمكن أن نكتشف كاتبا جديدا ناشئا، صاحب موهبة تستحق الإشادة؟" ص19، من يتابع الحركة الأدبية في فلسطين يجد الهوة الكبيرة التي تفصل بين تلك الإنتاجات وبين (الكبار)، (فالكبار) يمثلون المجتمع البرجوازي/ الطبقة الراقية ولا يجوز أن تختلط بالعامة/ (الصغار)، فهل أصبح الواقع الثقافي مماثلاً للواقع الطبقي؟ وعليه، هل على (الصغار) أن يشكلوا حزبا ويتبنوا أيديولوجيا لمواجهة (الكبار) وانتزاع (الملكية) منهم وتوزيعها على عامة الشعب؟

فالأيديولوجيا الأدبية/ الطبقية حاضرة عند هؤلاء (الكبار) من خلال قول أحدهم: "إذا أردت أن تكون كبيرا، فاكتب عن الكبار" ص19، ويرد "فراس" على هذا القول من خلال الحالة المرضية التي ستنشأ فيقول: "... أما الصغار فلهم ما لهم من صغار، وعليهم ما عليهم من درن الانتظار" ص19، "فراس" ينحاز لطبقته، لطبقة (الصغار) فيعري نهج (الكبار) وسلوكهم من خلال هذا السؤال: "يا ترى كم مؤلفا أهدى ناقدا محنكا كتابه الذي يفتخر به؟" ص 19،  وهو لا يكتفي بالانحياز للطبقة (الصغار) بل يدعو لتشكيل حزب والقيام بثورة/ تمرد على طبقة (الكبار) بقوله: "لذلك كله أخي الأديب الجديد، حطم أصنامك، وشمر عن ساعديك، واركل برجلك كل متجبر من جبابرة النقد، وتأمل ما حولك واكتب، ولا تحفل بهم، فالغد سيكون لمن جد واجتهد" ص20، من يتأمل هذا القول يتأكد أمام دعوة للقيام بثورة منظمة على (الكبار)، فالواقع الأدبي الجديد يتطلب خلق حالة وأفكار وسلوك ومفاهيم جديدة، قادرة على مواكبة العصر وما فيه من (صراعات) بحيث نضع لأنفسنا مكانا على الأرض، ونتحرر من كوننا مستهلكين للنظريات وللنقد.

وأما في الفصل الثاني "عودة إلى الراوية" فيتناول الناقد في التحليل بعض الروايات، وقد أبدع في تحليله لرواية "من يتذكر تاي" لياسين رفاعية، ورواية "وارث الشواهد" لوليد الشرفا"، وكان متواضعا/ خجولا في تناوله لرواية "توليب" لخلود نزال، ومن يقرأ ما كتبه "فراس" عن "من يتذكر تاي" يتأكد أنه أمام ناقد يوازن بين النظرية والتطبيق، فهو يطبق ما يقوله في النقد على النصوص، وما جاءت به الدراسة يشير إلى قدرة الناقد على الدخول والتفكيك، لكن أعتقد أن الناقد أخفق عندما تحدث بطريقة مباشرة لكتاب الراوية: "إن الإنترنت والهاتف والبريد الإلكتروني أشد أعداء الكتاب، ... والأهم من ذلك الكتابة بخط اليد أو على الآلة الكاتب التقليدية، ومن المهم مراجعة وقراءته مرات متعددة" ص46، أعلم أن هذا الكتاب في النقد، ومع هذا أصر على عدم توجيه النصائح بهذا الشكل المباشر، وكان على الناقد أن يجد مخرجا ما، ليحرره من المباشرة.

ومن المهم أن يتم ربط الأدب بالعصر، فالإنترنت وما فيه من فضاء يفرض شكلا وطريقة بعينها على الأديب، ومن هنا نجد ظهور واضح للقصة القصيرة جدا، والناقد يحلل لنا نصين، ورغم أن الأولى جاءت بأربعة سطور إلا أن كاتبه ـ حسب وتحليل الناقد ـ  لم يكن موفقا فيه، أما النص الثاني وهو: "قلبي ليس حذاء لرجل تائه في طريق وعر" ص105، فإن ـ الناقد ـ يجد فيه تكثيفا واختزالا وفكرة، ثم يتحدث عن كتاب هاني أبو نعيم "أرواح شاحبة" الذي ينطبق عليه تجنيس "الومضة"، أو "القصة القصيرة جدا" مبينا أهمية هذا النوع من الأدب، وأيضا الصعوبة والمهارة التي يجب أن تتوفر في الكاتب. هذه الأفكار كانت مجال بحث في الفصل الثالث المعنون بـ "عودة إلى الأدب الإلكتروني والقصة القصيرة جدا".

ويخصص الناقد الفصل الرابع لدراسة مجموعة من كتب محمود شقير؛ فيتحدث في هذا الفصل عن تجربة تستحق أن يتوقف عندها التي تمثلت بالزيزفونة والكتابة للأطفال والناشئة، وهو يشير إلى حالة التأثير بين ما كتبه "محمود شقير" ومدير الزيزفونة الكاتب "شريف سمحان" كما أنه يربط بين "شقير" والمكان "القدس ورام الله" بطريقة تجعل المتلقي يتأكد أن أهمية المكان عند الفلسطيني تتماثل مع الإنسان.

وفي الفصل الخامس يتحدث عن الحالة الفلسطينية وأثر السجن على الأدباء، ويبين لنا العدد الكبير من الأدبيات التي أنتجت في فلسطين عن السجن، ويتوقف عند ما كتبه جمعة الرفاعي، والمتوكل طه، وعائشة عودة، بتفاصيل، تكشف النواحي الجمالية والأدبية في هذا الأعمال، ثم يحدثنا عن الأدبيات العربية كما هو الحال في "شرق المتوسط مرة أخرى" أو "الآن هنا" وما تبعها من سوء تفاهم بين "عبد الرحمن منيف وسارد الأحداث الحقيقي، ويتناول كتاب "خيانات اللغة والصمت" للكاتب السوري "فرج بيرقدار"، ويحدثنا عن أدب السجون عالميا من خلال رواية "الفراشة" لهنري شارير، ورواية "تحت أعواد المشانق" لبوليوس فوتشيك" التشيكي، لكن الناقد أخطأ عندما قال عنه "...يوليوس فوتشيك في الأدب السوفيتي" ص160، على العموم تبقى أهمية هذا الفصل في أنه يتحدث عن حالة ما زالت مستمرة، إن كان على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد العربي أو على صعيد العالم، خاصة في ظل هيمنة الغرب الذي ينظر إلينا نظرة دونية.

وكان في الكتاب وقفة مع الحكاية الشعبية وذلك في الفصل السادس، إذ يقدم لنا حكاية "البس والفأر" وما تحمله من دلالات ويحلل الشكل الذي قدمت فيه، ويتحدث عن أهمية الحكاية عند الشعوب ودورها في ثقافة الشعب.

ويتناول في الفصل السابع المذكرات من خلال كتابين، هما: كتاب "أيلول الأسود" لشريف سمحان، وكتاب "زمن جميل مضى" لجابر عصفو، وأعتقد أن الناقد كان موفقا في اختيار هذين الكتابين، لأن الأول موجها للناشئة والثاني للراشدين.

وكان للأعمال الدرامية وقفة في الفصل الثامن، فتحدث الناقد فيه عن أفلام "Mr Deeds"  ويدخلنا إلى ذروة الإنسانية التي يطرحها الفيلم، دون أن يخوض في تفاصيل التصوير والأضواء والصوت، واكتفى بالحديث عن الفكرة التي يطرحها الفيلم، وتناول الفيلم الهندي "My name is khan" ثم يتحدث عن الأفلام العربية "حلاوة روح"، وفيلم "محروس بتاع الوزير" والطريقة البائسة التي ما زالت تستخدمها السينما المصرية، ويتحدث عن المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" محاولا أن يفند ما طرحه "جبر خضير" عن أهمية المسلسل، وأعتقد أن الناقد لم يكن موفقا في الطريقة التي تحدث فيها عن المسلسل، حيث دخل في السياسة بطريقة فجة، ما جعل الحديث يخرج عن مساره. وكان للخطبة حضور في الفصل التاسع، فتناول الناقد إحدى الخطب في قريته، إلا أن التحليل لم يكن مقنعا، وكان هناك انحياز لشخص الخطيب أكثر من الخطبة نفسها.

وفي آخر الفصول يقف عند الكتابة الغرافيتية، فيستحضر الناقد حوادث عربية جاءت في كتاب "تاريخ جرجان" وجاء فيه: "وجدت ببلد قرب الهند حجرا منقوشا بالعبرية ببلد سرنديب يقال اهبط آدم:

"أنا الموجود فاطلبني تجدني/ فإن تطلب سواي فلا تجدني

تجدني أين تطلبني عتيدا/ قريبا منك فاطلبني تجدني" ص212.

أعتقد أن نقل هذا الفقرة دون تحليل دقة حدوثها لا يخدم فكرة النقد، فمن أين جاءت العبرية إلى الهند؟ وهل كان في الهند يهود؟ وأعتقد كان على الناقد أولا أن ينبه إلى عدم حقيقة الحدث قبل أن يبدأ بتحليله، وهذا الأمر ينطبق على ما نقله عن الأصمعي في الخبر الذي يرويه الأشبيهي.

أعتقد أننا إذا ما توقفنا عند واقعية الحادثة، سنجدها من خيال الشاعر، وإلا فكيف وجد الحجر في البادية/ الصحراء؟ وكيف عاد إليه؟ ألم يكن في رحلة؟ أعتقد محاولة الناقد أن يربط الكتابة الغرافيتية بالعرب لم تكن موفقة، كان عليه الاكتفاء بالحديث عنها في العصر الحالي من خلال الانتفاضة الفلسطينية، وما يكتب في الأماكن العامة وعلى مقاعد الحافلات التي لم يتطرق إليها الناقد.

الكتاب من منشورات مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، فلسطين، الطبعة الأولى 2019.

من جيل الشباب يتحدّر الروائي المصري  محمود القاعود،  من أب تتعهّده المعارف ويتعهّدها منذ زمن البساطة والعاطفة الجموح التي لا تعرف انكباحا أو جمود ، كان الدكتور حلمي القاعود أستاذ الأدب والنقد بجامعة طنطا ، ثم كان ابنه محمود القاعود الروائي الكاتب الأديب ، تشرّب عن أبيه حب العلوم ، لم يكن العلم لدنه كتابا تتوجّب قراءته ثم تقييم ما جمعه من معلومات في امتحان أو تقدير ، كان تجميع العلوم عنده رغبة ، وفرزها هواية ، وتصنيفها ضرورة تتطلبها المرحلة التي يُعايشها الكاتب ، لا ينتظر طارقاً يطرق بابه ليدعوه إلى البحث أو القراءة ، القراءة جزء من تكوين هذه الأسرة الواعية لمتطلبات المرحلة القائمة والمراحل القادمة ... ورث القاعود الصغير عن أبيه حب العلم والقراءة والبحث ، ولا عجب ، فكل ناشئ ينشأ على ما عوّده أبواه .... لكنه لم يكن نسخة من أبيه الفلاح الصارم ، فقد خلط القاعود الصغير شدة القرية التي جُبل عليها بنو فِلاحة ، بلين ومرونة المدينة التي حيِيَها هو وإخوانه ... إلا أن جياشة العاطفة لم تتغير بتغيّر الزمان والمكان ... وكأنّ جينات الأصالة في هذه العائلة لا تخضع لعاديات الأيام ... لغته انسيابية بسيطة، مفردات سهلة قريبة ، تتلاءم مع سرعة العصر ، وحاجات الجيل، أما العاطفة فبحر هدّار ... "الوجع غير الوجع ... لماذا استيقظت في الهزيع الثاني من الليل؟ ....أشعر بالدموع تنساب كفضيان مكبوت...كيف حولت الذكرى قلبي إلى قطعة من الجمر ؟ يعرض المشاهد كأنها لوحات فنية ، كل لوحة تحمل فكرة ، كل لوحة تحمل ذكرى ...نقرؤها بألوانها وثناياها و أحزانها.... سرادق العزاء ... في المترو ...

سفر التعب

من أجمل اللوحات لوحة سفر التعب ،لوحة تمتزج فيها الأجيال وتتصاعد فيها الحوارات ، وتتلخص فيها الحياة بأننا سائرون نحو الأقدار بعز عزيز أو بذل ذليل ، وفي زاوية اللوحة تتلاقي الأجيال ويسقط الشاب في حضن العجوز ، وفي البرزخ تلتقي الدموع وتغزر العاطفة و تتصاعد الآلام حتى تعصر فؤاد القارئ وتتمازج مع أحزان البطل ومنها: "عبثا أمسك بهاتفي المحمول أبحث عن اسمها " "قامت بعملية احتلال فلا أنا تحررت ولا هي أنهت الاحتلال " و " ويكون الحضور في ذروة الغياب" .

الحياة بالنسبة للقاعود -كاتبنا الأغر - ملاحم يتعايشها واحدة تلو الأخرى يُفنيها مرة وتُفنيه أخرى؛ملحمة الصخب ، ملحمة الغياب ... أما الذكريات فيقسمها تقسيما موسيقيا عذوبا ومضنيا ؛ تقسيم المقامات : مقام الاحتراق ، مقام الحنين ، مقام العودة ، مقام التجلي، مقام الفناء..... ولهذا دلالته الجلية بأنه رجل يحيا الحياة بمقامات الموسيقى؛ حزنا وفرحا ، يأسا وأملا ، فردا وزمراً ، قلبا وروحا ..... وتبلغ الملاحم في النفس ذروتها مع "ملحمة الغياب " القصة الأم ( الماستر )، إنها ملحمة الغوص في الماضي وآلامه، اجتماع الروح بين الأمثال أو الأضداد ، لقاء في عالم البشر أو في غير عالمهم : شكوى ونجوى، افتقار واحتضان ، تيه ورغبة في العودة دون أمل ، ليختم بتعريف للحب بين الأرواح فيقول : الحب ليس كلمات، هو طريقة ، هو حقيقة ، هو الفناء ، هو البناء،تتماهى العيون لتصبح عينا واحدة، تتماهى القلوب فيكون الإحساس واحدا ، تتماهى الأرواح فتكون روحا واحدة ويتماهى التيه ، ويكون الحضور في ذروة الغياب .

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

رُؤى فنيَّة

إن الفنون قد نبتتْ على هوامش الشِّعر، الذي صاحب الإنسان منذ طفولة العمر، وطفولة الزمان؛ مع الأغنية والآهة والحاجة البشريَّة. فلقد ولد فنّ الشِّعر- حسب تاريخ الفنون ونشأتها- قبل أيِّ فنٍّ مركَّب آخر. وإنما نشأت الفنون بتطوّر الكائن الإنساني، فردًا وجماعة وحضارة. بل لقد وُلِد بعض تلك الفنون شِعرًا، وظلَّ المسرح شِعريًّا إلى عهدٍ قريب، على سبيل المثال. وجاءت الرواية فنًّا حديثًا، ورث الملحمة الشِّعريَّة. هذا في البُعد التاريخي. ولا يُقارَن- من بَعدُ- أيّ فنٍّ بصريٍّ أو سمعيٍّ أو حركيٍّ بفنٍّ لغويّ. وما أظن أحدًا يُجادل في أن اللغة هي الإنسان، بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. وعليه، فإن من الحق القول إن أهميَّة الشِّعر الاستثنائيَّة تتمثَّل في أنه الفنّ اللغويّ الأوّل والأعرق والأسمى والأبقى. من هنا كان الشِّعر، تاريخيًّا ونفسيًّا، ألصق بالذات الإنسانيَّة والضمير الجمعي، وأصدق معبِّرٍ عنهما، وظلّ أقرب ملامسة للنفس، وأكثر مخاطبة- في إطاره العامّ لا النخبويّ- لكلّ الفئات والطبقات، منذ أغاني هدهدة الأطفال إلى دندنة الشيخ الهرِم في منافي العمر وسباسب الأفول!

ومن المعروف تاريخيًّا، لدى العرب ولدى غيرهم، أن إسهام الشِّعر في المدّ الثوري، ضِدّ الظلم، والاستعمار، والعدوان، لا نظير له في فنون القول الأخرى، فضلًا عن الفنون غير القوليَّة. حتى إن مصطلح "الشِّعريَّة" الذي يُضفَى على روحانيَّة الفنون وتأثيرها الجماهيري، إنما يُشتقّ من طبيعة الشِّعر تلك.

قد يقول قائل: إن السينما اليوم تفعل مثل ذلك. وأقول: إنها لم تفعل ذلك إلَّا باقتباسها مشعل الطبيعة "الشِّعريَّة"، المحرِّكة بمزيج سِحرها وحكمتها، من الشِّعر. وهي تُحدِث ما تُحدِث بصفةٍ وقتيَّة، واستهلاكيَّة، سرعان ما يعفّي عليها الزمن ويبتلعها التاريخ، ولا تضاهي بحال من الأحوال تأثير قصيدة خالدة لشاعر عاش قبل مئات السنين أو آلاف السنين، تظلّ تشكِّل الذاكرة والشخصيَّة والوجدان والمواقف، إنْ بحقٍّ أو باطل.

ولـمَّا كانت للشِّعر تلك المكانة، فلا غرو أن يرتبط بالهويَّة، وبمكوِّن الشخصيَّة القوميَّة. ومن ثَمَّ يصبح المساس به مساسًا في الصميم بالقِوام النوعي، وبالمختلف الثقافي، وبأُفهوم التعدُّديَّة الحضاريَّة. بل يصبح مساسًا بالإنسان من حيث هو إنسان حُرّ، لا عبد، أو آلة. وليس هذا شأن الشِّعر في الثقافة العربيَّة وحدها، بل شأنه في الثقافات الإنسانيَّة كافَّة، حتى إن اللغات لتُنسب إلى الشعراء، كما تُنسب إليهم العرقيَّات والمأثورات.

لا يمكن لامرئٍ، بالضرورة، أن يتوجَّس خيفةً على الهويَّة العربيَّة حينما نستبدل العَرضة النجديَّة بالديسكو، أو برقصة الباليه، أو حينما تقع زوبعةٌ في مجال الفنِّ التشكيلي، أو حتى في الطُّرز المعماريَّة. لأن تلك تظلّ فنونًا خارجيَّة، لا تتعلَّق باللغة، وطرائق التفكير، والتعبير، والذائقة اللغويَّة الخاصَّة. بيد أن البراكين تتفجَّر حينما يتعلَّق الشأن بالشِّعر وأصوله الفنِّـيَّة. لأجل ذلك فإنّ من الابتسار (المـُغرِض) عزو المعارضة لتحطيم البيت الشِّعري العربي إلى تفعيلات، أو معارضة انتماء النثر إلى الشِّعر، إلى محض التعصُّب للقديم، أو الضيق بالجديد! نعم هناك نِسَب من تلك العوامل مخامِرة، غير أن المخامِر الأدق والأعمق هو شعور الإنسان بأنها قد انتُهكت استقلاليَّته بانتهاك عالمه الشِّعري، ودُمِّر رصيده الإنساني، وذُوِّب تميُّزه، واختُرق اختلافه، ودُجِّنت لغته في لغات الآخَرين، وخُنِق صوته، وطُعِن في مقتل، وباختصار: قد "أُخرب بيته وبيت الذين خلَّفوه!" تمامًا كما تفعل إسرائيل بتجريف بيوت الفلسطينيِّين؛ ومِن وراء البيت الشِّعري تنهدّ البيوت. أ وليس من الدالّ أن بداية الشِّعر الحُرّ- 1946- هي نفسها بداية النكبات العربيَّة وخراب البيت العربي؟! ولأمرٍ من هذا سمَّى العرب السطر الشِّعريَّ "بيتًا"؛ إذ هو للعربي بمثابة بيته، ومسكنه الذي تأوي إليه طيور الشكوى. والبيت قد يعبَّر به في العربيَّة عن الزوج أيضًا، ذكرًا أو أنثى. أفلا يقاوم مَن فُعِلت به الأفاعيل، ويثور مَن ثُلَّت على رأسه العروش؟!

تلك هي العلاقة الحميمة بين الإنسان وبين الشِّعر، وتلك هي مكانة الشِّعر الاستثنائيَّة التي أهَّلته ليوصف بـ"ديوان العرب"، لا لما يحمل من تاريخٍ أو معلومات، كما سار الفهم الساذج لمقولة ابن الخطّاب. مكانة يجدها الإنسان البسيط في نفسه، ويعيها، لا شعوريًّا، دونما حاجة إلى كبير حِجاجٍ أو تفلسف، ما ظلَّ غيورًا على نفسه وعِرضه وماله. 

1- تصنيف قوانين علم النحو :

 تتفاوت جهود العلماء في الاتفاق على المهم والأهم والأكثر أهمية في القواعد، وقد رأيت أن أقسم هذه القوانين حسب أهميتها من العام الكلي إلى التفاصيل والفروع وعلى التصنيف التالي :

القانون الكلي العام:

وهو القانون الذي يشمل النحو العربي جميعه في داخله، وتتفرع عنه الشرائح والفروع والأجزاء، وترتبط به القواعد جميعها ارتباط الفرع والساق بالجذور، ووجدت أنه لا يوجد من صنف هذا في النحو إِلا قانون المُعرب وقانون المبني (المتغير والثابت).

قانون المجموعة (أو الشريحة):

وهو القانون الذي يتناول شريحة أو مجموعة من الدروس يجمعها قانون عام واحد للمجموعة يمتد في أصوله إلى القانون الكلي العام، ووجدت من ذلك مجموعة لا بأس بها (قانون المجموعة هو نفس اسم المجموعة) مثل:

مجموعة المرفوعات وتشترك جميعها في الرفع. مجموعة المنصوبات وتشترك جميعها في النصب. مجموعة المجرورات وتشترك جميعها في الجر. مجموعة المجزومات وتشترك جميعها في الجزم. مجموعة التوابع وتشترك جميعها في إتباع ما قبلها في الإِعراب. مجموعة النواسخ وتشترك جميعها في إِزالة حكم المبتدأ والخبر وإِثبات حكمها بدلاً منه. مجموعة الأسماء التي تعمل عمل الأفعال وتشترك جميعها في القيام بعمل الفعل.

ويمكن تصنيف كل مجموعة من هذه المجموعات إلى مجموعات أصغر منها تتشابه في قاعدة ما مثل المفاعيل الخمسة وغيرها.

قانون الفرعي :

وهو الذي يتناول فرعاً من المجموعة مثل الفاعل من المرفوعات، المفعول به وهو فرع من المنصوبات، وهي كثيرة في النحو، وقد ركزنا الجهد في هذا الأطلس على أكثرها أهمية واخترنا منها ما يزيد على الستين فرعاً.

القانون الجزئي:

وهو القاعدة التي تفصل قضية داخل الفرع الواحد مثل: تقديم الفاعل، تأخير الفاعل، حذف الفاعل، وكلها قضايا جزئية داخل فرع الفاعل.

القانون الشاذ:

وهو الذي يحفظ ولا يقاس عليه، في قضية جزئية أو فرعية، وورد عند بعض القبائل، وقد ذكره علماء النحو في تفسير بعض الشواهد المحدودة، واتجهتُ إِلى إِهمال أكثر القواعد الشاذة، حتى لا أُشغل بها ذهن طالب النحو، واكتفيت ببعض المسائل المشهورة، حتى لا يبقى فضول الطالب يدفعه للبحث عنها أو يعتب علينا لإهمالنا لها مثل: مسألة أكلوني البراغيث، ومسألة الكحل وغيرها.

2- المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي: حاولت في أكثر المواضيع الفرعية أن أربط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، حتى تتضح الرابطة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، مما يساعد على كشف الرابطة بينهما، ويساعد كذلك في تذوق العنوان، ويعمق فهم المعنى الاصطلاحي بشكل أفضل، ويهيء نفسية المتعلم لإدراك الموضوع بشكل عام، ومن أمثلة ذلك قولنا: الجزم في اللغة: القطع والجزم في الاصطلاح: انقطاع آخر الفعل عن الحركات وسكونه. ومن وسائل التسهيل التي حرصتُ عليها أن أضع مادة الفرع الواحد على صعيد واحد، ما أمكن، لأن ذلك يساعد المتعلم عندما يجد المادة محصورة في صفحات قليلة ، على سهولة تخيل الموضوع والربط بين الأجزاء، وحيث يُحْرم المتعلم من ذلك عند توزيع مادة الدرس على صفحات كثيرة، تشتت ذهنه ويطرد بعضها بعضاً. وضعت الوحدة الأخيرة وكان هدفها اختيار أبواب جديدة من جهود علماء تسهيل وتيسير النحو، تغطي بعض المواضيع المختصرة أو تضيف فائدة جديدة، أو تعطي مساحة للتطبيقات العملية على مختلف الأبواب بشكل أوسع. ولما رأيت أن جميع العلوم تتكيء على الرسم العلمي والإِخراج الجميل والتبويب والتصنيف، لتبسط حقائقها، وتحقيق أهدافها في الوصول إلى نفس القارئ بسهولة ويسر، رأيت أن ذلك يخدم علم النحو لكشف حقائقه، وإيضاح تفرعه، من خلال الصورة، واللون، والكلمة المرافقة، أسوة ببقية العلوم، ولما فيه من إمتاع للقارئ.

ومن جانب آخر لماذا لا تزين كتب النحو في إخراجها؟ كما تزين كتب الأطفال، حتى تتفتح قريحة المتعلم وتنجذب للجمال والترتيب والإِخراج الجميل، وبذلك تتفتح شهيته ونفسه لتقبل المادة العلمية. لماذا نطرح شعار تجميل الكتب للصغار فقط؟ وهدفنا أن نشد انتباههم، وننسى ذلك عند تعليم النحو، ألا يحب الكبار الجمال كما يحبه الصغار وقد ألفت نفوسهم أن تجد كتب النحو محشوة بالمادة العلمية المتلاحقة والمتون المتعبة، ولماذا نتأخر في الاستفادة من ذلك؟ ونحن نعلم أثر شكل الكتاب وإِخراجه على نفسية المتعلم.

3- التفكير الإعرابي:

التفكير الإعرابي السليم، له طريق مرسومة، وما على الراغب في اكتسابه إلا أن يتابع شجرة «المبني والمعرب» من جذورها متتبعاً الساق والفروع ضمن الخطوات التالية السائرة بين السؤال والجواب وهي: هل الكلمة: اسم أم فعل أم حرف؟

1-   الاسم: إذا كانت الكلمة اسماً، هل هي اسم معرب أم مبني؟

إذا كان الاسم مرفوعاً، ما هو موقعه من الإعراب وما هي علامة إعرابه؟ هل هي من العلامات الأصلية أم الفرعية أم المقدرة؟ إذا كان الاسم منصوباً، ما هو موقعه من الإعراب وما هي علامة إعرابه؟ هل هي من العلامات الأصلية أم الفرعية أم المقدرة؟ إِذا كان الاسم مجروراً، ما هو موقعه من الإِعراب وما هي علامة إِعرابه؟ هل هي من العلامات الأصلية أم الفرعية أم المقدرة؟ إذا كان الاسم مبنياً: هل هو من الضمائر أم من الأسماء الموصولة أم من أسماء الشرط أم من أسماء الأفعال والأصوات أم من العدد المركب أم من أسماء الاستفهام أم من الظروف المبنية؟ ما هي حركة البناء؟ وما هو محله من الإعراب؟

2-      الفعل: إِذا كانت الكلمة فعلاً، ما هو نوعها من الأفعال من ناحية الزمن؟ هل هو معرب أم مبني؟

أ‌.         إذا كان معرباً، ما هو موقعه من الإعراب؟ أمرفوع أم منصوب أم مجزوم، ما هو سبب الرفع؟ ما هو سبب النصب؟ ما هو سبب الجزم؟ وما هي حركة إعرابه؟ أصلية أم فرعية أم مقدرة؟

ب‌.     إذا كان مبنياً، ابحث عنه في جذع المبنيات في بابه من الماضي أو المضارع أو الأمر من «شجرة المبني والمعرب»، وتعرف على سبب البناء وعلامة البناء، ومحله من الإعراب.

3-    الحرف: إذا كانت الكلمة حرفاً، ما هي حركة البناء؟

ابحث عنها في جذع «المبنيات» من شجرة «المبني والمعرب». ما هو نوعها من الحروف؟ هل هي من الحروف العاملة أم غير العاملة؟ إذا كانت من الحروف العاملة، ما هو تأثيرها على ما بعدها؟

المزيد من المقالات...