clip_image002_4e7e4.jpg

"طلال بن أديبة" قصة للأطفال للكاتبة الأُردنيّة أريج يونس في 39صفحة لدار طلال أبو غزالة للتوزبع والنّشر .

العنوان "طلال بن أديبة"يستوقف القارئ ليتأمل في اختيار الكاتبة لهذا العنوان . فذكر اسم والدته لم يأت بالصدفة، وإنمّا جاء ليؤكد مدى ارتباطه الوثيق بأُمّه ووفائه لها لمساندتها له بالدّعاء دائما، بالإضافة إلى تقديمها له النصائح القيّمة، كما أنّ العنوان يثير في القارئ قضيّة الشّكر لمن يساندنا، وهو إشارة لشخصيّة طلال البّار بوالدته وحُسن تربيّته.

قصة "طلال بن أديبة" هي سيرة ذاتية في مراحل دراسته المختلفة وحتى التحاقه بالعمل.

 من خلال  تلك السيرة تُمرر الكاتبة رسائل للأطفال للاقتداء بطلال كقدوة لتحقيق النجاح، ومن خلال السّيرة يفوح رحيق الحنين إلى الوطن ومدينته يافا مسقط رأسه التي لم ينسها.

ويبدو إخلاصه وشكره للنّاس من خلال إشادته  بدور المملكة الاردنية ومساندته له "الملك عبد الله الثاني، والحسين بن طلال."

تبرز الكاتبة قضيتيْن من خلال سرد السيرة على لسان طلال، وتعتبرهما بمثابة الكنز، فالأوّل هو التّمسك بالأرض، والثاني هو العلم لمجابهة العدو .

وتطرقت الكاتبة إلى المصطلح لاجئ من خلال وصفها ما حدث أيّام النّكبة، وهجرة أهل طلال من يافا قسرا إلى لبنان، وثم العيش بالأُردن .

ظلّت قضية الحنين الى الوطن لا تفارقه، فطلال يحن ويتحسرعلى يافا موطن الأهل حتى أنّ الكاتبة تنهي القصّة بجملة تعبّر فيها عن الشّوق إلى يافا.

نلاحظ في نهايّة القصة توجيه رسالة موقعة بإسم طلال أبو غزالة، الإسم الحقيقي لطلال بن أديبة.

لم يُذكر لأي سن موجهة هذه القصة، إلإ أنّه تمت الإشارة في الغلاف النهائي إلى أصدقائي الأطفال. ويختم بشعار لتحقيق النجاح.

وقد جاءت المقدمة على يد الكاتبة "أريج يونس  لتلخص الهدف من هذه السيرة هو لنتعلّم كيف نصنع من المعاناة مجدا .

وقد جاء أُسلوب الكاتبة بلغة سلسة ووصف دقيق، ورسومات ملوّنة مناسبة للقصة .

وقد سردت الكاتبة السّيرة الذاتيّة بشكل تدريجي ومريح للقارئ، ففي البدايّة ظهر اسم طلال، وتدريجيا ظهرت صورته بعد اكتمال السيرة، ومن ثمّ ظهر اسم طلال الكامل ، طلال توفيق أبوغزالة.

بقي أن أقول سيرة ذاتيّة تصلح للصغار والكبّار لما فيها من دروس قيّمة.

clip_image002_c0582.jpg

رفيقة عثمان

 قصَّة لليافعين: بعنوان: "طلال بن أديبة"، للكاتبة أريج يونس، طلال أبوغزالة للطباعة والنشر، 2018، عمَّان

  هذا الكتاب يعرض لنا سيرة ذاتيَّة، تعرضها الكاتبة أريج يونس، حيث تناولت مسيرة شخصيَّة فلسطينيَّة هامَّة، لرجل الأعمال المشهور السيد طلال أبوغزالة؛ من الجدير بهذه الشخصيَّة الاقتداء بها، للأجيال القادمة. حيث عرضت الكاتبة من خلال كتابها مواصفات ذات أهداف ومضامين تربويّة زاخرة مثل: الانتماء، حب الأبوين، الحنين للوطن، تحمَّل المسؤوليَّة، حب العلم، المثابرة، التسامح الديني، كما ورد صفحة 13، الإرادة، التحدِّي والإصرار، الاعتماد على النفس، حب العمل، من أجل تمويل التعليم، مساعدة الآخرين والعطاء دون مقابل، التصميم نحو تحقيق الأهداف والأحلام. تحويل اليأس إلى أمل، والوحدة بين الأشخاص، كما ورد صفحة 30: " الأيدي المتشابكة يصعب تفريقها"، تحقيق النجاح والدفاع عن الهويَّة، يكونان عن طريق التفوُّق بالعلم والفكر والثقافة، وليس بالبندقيَّة وحدها كما ورد صفحة: 31.

 أرى بأن القصَّة تلائم الأبناء اليافعين، نظرًا لقوَّة اللغة، وطول عدد الصفحات التي تصل لغاية سبع وثلاثين صفحة، مع وجود سطور متلاصقة، كما أن المضامين ذاتها تتناسب مع مدارك الأبناء اليافعين، خاصَّة في هذه المرحلة، يحتاجون للاقتداء بشخصيَّة مثاليَّة؛ للاحتذاء بها.

بالنسبة للعنوان، " طلال بن أديبة" انتساب صاحب السيرة لأمّه يشكل اعترافا بدور الأمّ التي ترعى وتوجّه أبناءها، وهذا لا يقلَّل من شأن أبيه الذي كان له دور في تنشئة ابنه طلال.

تعتبر القصَّة واقعيَّة، لسيرة ذاتيَّة، بعيدة عن الخيال، ذات أسلوب تقريري، لتسلسل الأحداث.

تناولت القصَّة عناوين مختلفة، مما أثَّر على انقطاع الأفكار وعدم التواصل بالقراءة، استخدمتِ الكاتبة أسلوب الراوي المتكلَّم عن نفسه، ممَّا أضاف مصداقيَّة للأحداث.

اضافت الكاتبة في بداية كل فقرة جديدة مثلًا أو مقولة لأحد العلماء، أرى بأنَّه لا ضرورة لها؛ لأنَّها تبدو كتلقين، وتمهيد للأحداث.

افتقرت القصَّة لعنصر التشويق، نظرًا؛ لاستخدام الأسلوب التقريري وليس السردي، والافتقار للخيال، وإقحام الأمثال والمقولات في بداية كل فقرة، بالإضافة لاستخدام العناوين لكل فقرة، يطغى على القصَّة الأسلوب العلمي أكثر من النص الأدبي، كما تخلو القصَّة من المحسنات البديعيَّة، التي تضفي على النصوص رونقًا خاصَّا.

حصل انتقال سريع في الأحداث، خاصَّة عندما دخل طلال الجامعة وتخرَّج منها.

ارفقت الكاتبة صورًا لكل فقرة تقريبًا، وُفِّقت في معظمها، كما استخدمت بعض الصور الحقيقيَّة لشخصيَة القصَّة.

خلاصة الحديث: تعتبر القصَّة ناجحة من وجهة نظري كتناول الكاتبة موضوعًا، لشخصيَّة هامَّة في المجتمع؛ لتكون نموذجًا حيًّا، للاقتداء بها، بث الأمل في نفوس الأجيال القادمة نحو تحقيق المستحيل، والوصول لأقصى درجة من العلم والارتقاء، وتحويل المأساة إلى أمل ومجد وقيادة ناجحة.

نجحت الكاتبة في تحبيب شخصيَّة أبوغزالة في قلوب القرَّاء، على الرغم من العقبات المذكورة أعلاه.

إذا شيعوني يــــــــــوم تقضى منيتي 

وقالـــــــــــوا أراح الله ذاك المعذبـــــــــا 

فلا تحملوني صامتين إلى الثرى 

فإني أخاف اللحد أن يتهيــــــــــــــــــــــبا 

وغنوا فإن الـــــــــــــــموت كأس شهية 

ومــــــــــازال يحلو أن يغنى ويشربا 

ولا تذكروني بالبـــــــــــــــــكاء وإنما 

أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا 

وصية العقاد لمشيعي جثمانه 

رحل العقاد الجبار في آذار من عام 1964 ومن عجائب الأقدار أن يكون يوم دفن جثمانه بمسقط رأسه أسوان هو يوم 13 مارس هل غلب الرقم 13 العقاد الذي تحدى مظاهر الشؤم ومنها الرقم 13 نذير الشؤم والنحس؟ العقاد الذي يعيش بعقل الناقد والممحص وبروح الاستعداد والمواجهة بارز حتى هذا الرقم لا مبارزة دونكشوت لطواحين الهواء لكن بفروسية أبي زيد الهلالي فسكن في البيت رقم 13 بشارع السلطان سليم بمصر الجديدة واختار يوم 13 لإعادة بناء بيته القديم بأسوان هل هزمه هذا الرقم ؟ كلا وإنما هي محض مصادفة. 

يعلمنا العقاد كيف نحب الحياة ونتفاءل خيرا لا بالكلام بل بالفعل ومرة أخرى يتحدى الشؤم ممثلا في شخص ابن الرومي ذلك الشاعر المغبون الذي كان هو ذاته من أشد المتشائمين بالناس فما كتب عنه أحد إلا ونالته مصيبة حتى تحاشاه الكتاب جميعا لكن العقاد المعجب بالشاعر قرر أن ينصفه وأن يظهر فرادة هذا الشاعر الكبير وعبقريته في التصوير فكتب عنه كتابه الشهير "ابن الرومي حياته من شعره" ومرة أخرى تغالبه الأقدار ويدخل السجن بعد صدور الكتاب بسبب العيب في الذات الملكية وكلمته المدوية في مجلس الشعب آنذاك لما حاول الملك العبث بالدستور فقال :إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلد يخون الأمة ويعتدي على الدستور" فدخل السجن تسعة أشعر وكتب عن تجربة السجن كتابه "عالم السدود والقيود" . 

وقال بعد خروجه من السجن وهو يزور قبر سعد زغلول 

وكنتُ جَنينَ السِّجنِ تسعةَ أشهُرٍ 

فهَأنَذَا في سـاحةِ الخُلْدِ أُولَدُ 

وفي كلِّ يومٍ يُولَدُ المرءُ ذُو الحِجَى 

وفي كلِّ يومٍ ذُو الجَهَالةِ يُلـحد 

عداتي وصحبي لا اختلاف عليهم 

سيعهدني كل كما كان يعهد 

وفي دخوله السجن رأى كثيرون أنه شؤم ابن الرومي حل به لكن العقاد في تجربة السجن بالذات يبين دور المثقف في الدفاع عن القيم : العدالة، الحرية ، المساواة ، القانون فوق الجميع بمن فيهم الملك ولو اقتضى الأمر السجن والتشريد فكم هم المثقفون العرب اليوم الذين يجأرون بالحق في وجوه الفساد والاستبداد؟ لا يعني هذا مطلقا إنكار وجودهم لكن الإشارة إلى قلتهم. 

ومرة أخرى يجأر الكاتب برأيه مدافعا عن طه حسين لما أصدر كتابه الشهير" في الشعر الجاهلي" والذي أدى إلى محاكمته وفصله عن عمله وتهديده في حياته يدافع العقاد عن حق طه حسين في التعبير وحريته في التفكير على الرغم من الخلاف الشديد بينهما ويثبت أن المثقف دائما في ساحة المعركة نصيرا للعدل والحرية والمساواة. 

الجهر بالرأي سمة الكاتب المفكر ولو كان يؤمن به لوحده ففي محاربته لتيار الشعر الحديث قام متمسكا برأيه يقارع الخصوم بالكلمة المكتوبة والمنطوقة وبالقرار وحين كان مقررا للجنة الشعر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب كان يحيل قصائد الشعراء الشباب على لجنة النثر للاختصاص مقررا أن ما يكتبونه هو نثر لا شعر وهاجمه وتهكم منه من تهكم ولكنه صمد في موقفه وأمضى قراره والمحصلة أن المثقف يجهر برأيه ولا يبالي رضي من رضي وغضب من غضب فقد كان بإمكان الكاتب أن يحابي ويداجي على حساب قناعاته ويربح هذه الفئة الشبابية الجديدة ويريح نفسه من وجع الدماغ لكنه كعهده مدافعا عن مثله العليا وقيمه الأخلاقية وقناعاته الفكرية. 

الدفاع عن الفكرة التي يؤمن بها ديدن الكاتب فقد كتب كتابه عن هتلر في أوج صعود النازية حتى إنه لما دخلت جيوش هتلر إلى إفريقيا هرب العقاد إلى السودان إنقاذا لنفسه من جيوش هتلر ونفس الموقف اتخذه من الشيوعية فقد كان الفكر اليساري المتطرف منتشرا وبضاعته رائجة كذلك هاجم الشيوعية كتابة وحديثا وأصدر كتابه الشهير" أفيون الشعوب" رادا على الشيوعية بضاعتها حين اتخذت من الكلمة المشهورة لماركس" الدين أفيون الشعوب" فجعلها الكاتب هي أفيون الشعوب وشفع ذلك بكتاب تالي "لا شيوعية ولا استعمار". 

لكن موقف العقاد من المرأة هو الجدير بالذكر فمن المعروف عن العقاد أنه كون رأيا عن المرأة اختص به لوحده ونشره في مؤلفات عديدة أشهرها" المرأة في القران الكريم "و"هذه الشجرة" في الوقت الذي كانت فيه الجمعيات النسوية رائجة في الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل وفي حرية التصرف وكان المثقفون يكتبون متحمسين مناصرين جهر الكاتب مرة أخرى برأيه فكتب أن مملكة المرأة بيتها وأن الطبيعة قائمة على مبدأ الاختلاف وأن الرجل لا يمكنه أن يقوم بدور المرأة والعكس صحيح مسؤولية المرأة في البيت في التربية للجيل الناشئ ومسؤولية الرجل خارجه في العمل ولم يخف إعجابه بدعوة قاسم أمين من أجل تعليم وتربية المرأة. موقف دقيق خاف الكثيرون من الجهر به خوفا من تبعاته لكن العقاد جأر به مرة أخرى. 

بل أعلن العقاد الشاعر أراء صادمة عن المرأة من نوع( تخون وتخدع وتنسى في لحظة واحدة عشرات السنين).وأوصى الرجل: 

خـل الملام فليس يثنيها

حب الخداع طبيعة فيها 

هو سرها وطلاء زينتها

وطبيعة في النفس تحييها    

وسلاحها فيمـا تكيد بـه

من يصطفيها أو يعاديها

وهو انتقام الضعف ينفذها

من طول ذل بات يشقيها 

أنت الملوم إذا أردت لها

ما لم يرده قضاء باريهـا

خنها ولا تخلص لها أبدا

تخلص إلى أغلى غواليها

وسواء أكان رأي العقاد هذا رأيا علميا دقيقا أم تحت تأثير هزيمته في حلبة الحب فهو يشكل إثباتا لقولنا أن الكاتب يعلن آراءه لا يبالي ولا يداهن. 

في قضية المرأة بالذات قال العقاد في مقالاته وفي صالونه أن المرأة لا تنافس الرجل لا في مواهبه و ولا في قدراته ودلل على ذلك بشواهد عديدة الرثاء ، الطبخ، الأزياء فإذا كانت هذه الأشياء من اختصاص المرأة فإن الرجل بذها فيها مستشهدا برثاء أبي العلاء بالقياس إلى رثاء الخنساء ومصممي الأزياء وكبار الطهاة الذين هم رجال وليسو نساء. 

ما زال العقاد يعلن أراءه المناقضة لما يؤمن به الناس ويتكالب عليه المثقفون من غير مداهنة ومرة أخرى حين أعلن موقفه من المذاهب الحديثة الفكرية والفنية فتهكم من الوجودية ومن سارتر وعبد الرحمن بدوي ومن مسرح اللامعقول ومن السريالية والدادية والتكعيبية ورأى أنها مذاهب هدامة نذير انحطاط ونهاية. فالفنان يعقل الأشياء وينظم الفوضى ولا يزيدها غموضا إلى غموض وفوضى إلى فوضى وهذا كله تحت تأثير النزعة العقلية التي يتسم بها فكره فهو منطقي وعقلاني حتى في شعره. 

رفض العقاد المذاهب الشمولية وحاربها لا نتهاكها الحرية الإنسانية مؤمنا أشد الإيمان بخصوصية الفرد وفرادة الكائن البشري كما رأى أن العظماء لازمون للتاريخ في صناعته كما أنصف من اعتقد أن ضيما لحق به من هنا كانت كتاباته الإسلامية عن عظماء الإسلام بدء بمحمد عليه السلام وخالد وأبي بكر وعثمان وعمر وعمرو بن العاص وانتهاء بعظماء العالم كبنيامين فرانكلين وصن يات صن وغاندي وشكسبير وجوته وغيرهم . 

إنما تجدر الإشارة إلى المنهج الفريد الذي اتبعه فهو منهج لا يهتم بالسرد التاريخي النمطي بل منهج نفسي يغوص في أعماق المترجم له ويكتشف سره أو مفتاح الشخصية كما أسماه مستثمرا تلك الكتابات التاريخية عنه في إضاءة جوانب شخصيته ودهاليز نفسه 

ناخلا تلك المعطيات التاريخية مميزا بين الحب والزؤان. 

وحتى إنه إيمانا بقناعاته الفكرية نصب نفسه مدافعا عن قيم الإسلام مبينا وهجه السماوي وألقه الإنساني ضد حملات التشويه من قبل مثقفي الغرب ورعاة الإمبريالية في مؤلفات دقيقة مثل "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" "ما يقال عن الإسلام"....... 

على أن أثمن قيمة للعقاد-رحمه الله- هي إعلاؤه من شان الفكر وهو صاحب كتاب "التفكير فريضة إسلامية " ولقد صرح لأماني ناشد قبل وفاته بشهرين في الحديث التلفزيوني الشهير بترتيب أنيس منصور إجابة عن سؤالها ماذا أضاف للثقافة العربية نثرا وشعرا وفكرا؟ فكانت إجابته أنه أولا حطم الألقاب وجعل التفكير قيمة مستقلة عن اللقب فالعقاد حامل الشهادة الابتدائية ناطح جبابرة الفكر وألف أكثر من ثمانين كتابا وخاض معارك أدبية وفكرية مع كل رجال الثقافة الحديثة وما وهن منه عظم أو تعب منه ساعد حتى قال عنه لويس عوض "صورة العقاد عندي لا تختلف عن صورة هرقل الجبار الذي يسحق بهراوته الأفاعي والتنانين والمردة وكل قوى الشر في العالم". إن هذا معناه أن الإنسان بجهده وكفاحه وإخلاصه يمكن أن يثقف نفسه وتكون له شخصية ثقافية دون الارتكاز على اللقب العلمي أو الاستناد إلى الشهادة الجامعية وليس معنى هذا بخس الجامعيين شهاداتهم وإنما التنديد بالاعتماد على اللقب وحده وجعله سلطة لا تطالها كلمة ولا يصلها نقد دون إضافة لميدان الفكر ولا دفاع عن حق مهضوم أو حرية غائبة إنما الاجترار والتيه على الناس باللقب والارتزاق منه في الصالونات والأحاديث التلفزيونية والإذاعية التي لا تعني شيئا كثيرا ونظرة على واقعنا المتأخر جدا والمتسم بالظلم والاستبداد والعبث بالمال العام والتخلف والنفاق والدجل والانتهازية ما ذا فعل حملة الشهادة لتغيير هذا الواقع فلو قاموا بدورهم التنويري والتثويري ما كنا في ذيل دول العالم من حيث الصناعة والنهضة والحداثة؟ وهذا لا بعني المس بنضال الكثيرين وبسالتهم وبلائهم الحسن في ميدان الكتاب والتنوير إنما الإشارة الضمنية إلى الحضيض الذي صرنا إليه بولوعنا بالشكل على حساب المضمون والتكالب على مائدة السلطة بشكل مريع. 

إن مأساتنا تكمن في امتثال بعض المثقفين لأوامر السياسيين ومداهنتهم للجماهير وتحولهم إلى مرتزقة يجرون وراء ريع السلطة أو يتقون بطشها أو يكتفون باللقمة والتواطؤ بالصمت غير المبرر. 

لقد طلق العقاد الوظيفة في سن الشباب وغامر مغامرة خطيرة في العيش من قلمه وكتاباته لكن قلمه لا يرائي ولا يداهن لا يمدح بل ينور يفضح ويعلم وعاش عيشة عفيفة قانعة زاهدة في رياش الدنيا التي قال قيها المعري الذي تخيله الكاتب بعث من قبره وساح في أوربا مبديا نظرته إلى العالم الحديث في كتابه البديع رجعة أبي العلاء : 

ألا إنما الدنيا كجـــــــــــيفة ميت 

وأصحابها مثل الكلاب النواهس 

ومن الصعب على مثقف يكون هذا قراره أن يحتفظ بمسافة بينه وبين السلطة لا يطمع في عطاياها ولا هي تجرؤ على مساومته حتى كلمته أمام الرئيس جمال عبد الناصر في حفل تسليمه جائزة الدولة التقديرية شكر الشعب الذي أعطاه الجائزة ، ونسحب هذا الموقف على عصرنا ونقارنه بموقف الكثيرين من السلطة ومناصبها وقصور الثقافة وجوائز الأدب والثقافة. وتهافت الكثيرين عليها تهافت الفراش على النور. 

ناهيك عن انفتاحه على الثقافة الغربية والإنسانية وتبحره فيهما بشكل أسطوري دون أن ينال ذلك من اعتزازه بعروبته ومصريته وإسلامه كما تدل على ذلك مؤلفاته الكثيرة في هذا المضمار. 

وختاما لهذا المقال الذي كتب من وحي الذاكرة دون الرجوع إلى مرجع لبيان تأثير الكاتب في كاتب المقال لأكثر من ثلاثين عاما إن ضرورة الوفاء لروح العقاد تقتضي نقد العقاد ذاته فلئن كان موقفه من الشعر الحديث فيه شطط ومغالاة ولقد تنبأ بأن حركته ميتة فلقد رأينا ازدهار سوقه وعدم موته لكن الحركة بشروط السياب وعبد الصبور ودنقل وغيرهم لا بتسيب الكثيرين ، كما أن موقفه من المرأة صادم خصوصا في وسمها بميسم الخداع والخيانة وأعترف بان هذا الموقف العقادي شكل زلزالا فكريا ونفسيا. 

كما أن في موقفه من الفنون التشكيلية وحملته على المذاهب الحديثة كالسريالية والتكعيبية فيه مبالغة كبيرة فالفنان لا يحاكي الطبيعة بل يعدلها وفق رؤيته ومزاجه ومنظوره العقلي والنفسي أوليس الفن رؤيا ذاتية خاصة جدا.؟ 

وفي حملته على الإخوان شدة غير مبررة وتجاوز غريب ومن مظاهر ذلك دعواه أن حسن البنا يهودي مستدلا على مهنة جدا بيهوديته فمتى كانت المهنة دالة على الأصل؟ ألا يوجد في الوفد الذي انتمى إليه العقاد الشطط والانحراف أو في حزب الأحرار الدستوريين الذي انتمى إليه غريمه طه حسين ونخبة من مثقفي مصر كعدلي يكن مؤسس الحزب ولطفي السيد النخبوية الزائدة عن اللزوم؟ 

في المتنبي شيء من نفس العقاد وفي العقاد شيء من نفس المتنبي على الرغم من أن بين عصريهما أكثر من ألف عام وأعني القوة النفسية والخصوصية الفردية في أرقى تجلياتها في طماحها إلى الذرى حتى وحدهما الألم إذ قال المتنبي: 

يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما ** أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟

أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني ** هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ

إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً ** وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ

ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُـــــه ** أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ

وقال العقاد: 

حيران حيران لانجم السماء ولا

معالم الأرض في الغماء تهديني 

يقظان يقظان لاطيب الرقاد يدا

نيني، ولا سحر السُّمَّار يلهيني 

غصان غصان لا الأوجاع تبليني

ولا الكوارث والأشجان تبكيني 

أسوان أسوان لاطب الأساة ولا

سحر الرقاة من اللأواء يشفيني 

سأمان سأمان لاصفو الحياة ولا

عجائب القدر المكنون تعنيني 

أصاحب الدهر لا قلب فيسعدني

على الزمان، ولا خِل فيأسوني

يديك فامح ضنى يا موت في كبدي

فلست تمحوه إلا حين تمحوني 

وعلى الرغم من عدم استساغة الكثيرين لشعره واعتباره عمارة منطقية إلا أن في كثير من قصائد العقاد غنائية شجية وتجديد لا يجحد في دواوينه الكثيرة "يقظة الفجر" "وهج الظهيرة" "أعاصير مغرب" و"أشجان الليل" و"عابر سبيل "أوليس هو القائل: 

والشعر من نفس الرحمن مقتبس 

والشاعر الفذ بين الناس رحمن 

وفي كلمة (رحمن )التي ليست من مستلزمات التقفية يبوح العقاد بسره وأعني ربوبية الإنسان الصغرى الشاعر، المتفرد ،العبقري التي هي جزء من ربوبية الله الكبرى ألم يخلق الله آدم على صورته؟ فاعجب لبعض مثقفي اليوم وقد ابتذلهم رغيف الخبز و أرهبتهم عصا العسكري ومسخهم التقليد ليعيشوا في شروط غير إنسانية وينتجوا فكرا مشوشا وأدبا ناقصا بالقياس إلى منتوج رجال التنوير الذين كان العقاد فارسهم الأول.

clip_image002_46085.jpg

"طلال بن أديبة" قصة مصورة للأطفال، تحكي سيرة حياة رجل الأعمال الريادي الفلسطيني طلال أبو غزالة، ورحلته من اللجوء والعَوز إلى بناء امبراطورية أعمال ضخمة، تحمل بين طيّاتها دروسا تربوية عديدة، وبأسلوب شيّق، ولغة أدبية موحية ومناسبة للأطفال، ورسومات ملوّنة معبّرة ومناسبة للأحداث.

تختار الكاتبة - وربما صاحب السّيرة - عنوان (طلال بن أديبة) لكتابها، فتنسب السيّد طلال إلى والدته وليس إلى والده أو عائلته كما هو معهود؛ لتبرز دور الأم وفضلها في تنشئة الطفل، ووضعه في طريق النّجاح. أمّا صورة الغلاف فهي للأب وهو يقود الطفل مسرعا نحو فجر مشرق، يحمل وثيقة ملكيته للأرض، ويحيطه برتقال يافا من كلّ جانب. فالعنوان والغلاف يجمعان الأب والأم والطفل والوطن، في اختيار موفّق ذي دلالة ورؤية، فهذه القصة تبدأ بتوجيه القارئ الناشئ وتعليمه الدروس التّربوية، وتنير دربه نحو مستقبل زاهر، قبل أن يقلب صفحتها الأولى.

وتقسّم الكاتبة السيرة إلى فصول تحمل عناوين مختارة بعناية تدلّ على مضمونها، وتبدأ كل فصل بقول مأثور يثير الفضول للقراءة ويحلّق بالقارئ في خيال جامح، مترقّبا أحداث الفصل بشوق. وفي هذه الفصول، تضيء الكاتبة ومضات من حياة طلال أبو غزالة، كافية لتعزيز التوجّه الإيجابي لدى الطفل للاستفادة من سيرة هذا الرجل والاقتداء به.

تبدأ القصة بالطفل وهو يصعد أعلى شجرة برتقال في يافا؛ ويصرّ على الوصول إلى برتقالة كبيرة أعلى الشجرة، أصابتها الشمس فأعطتها رونقا ورائحة وحجما، ولا يكتفي بحبات البرتقال التي تتكاثر على أغصان الشجرة المتدلّية على الأرض، في دلالة رمزية لشخصية طلال أبو غزالة وسعيه نحو العلا طوال سنوات حياته رغم الصعاب، ثمّ لا يستأثر بالبرتقالة بل يقدمها لوالدته، لتكون هذه الحكاية عنوانا لحياة ملؤها الطموح وتذلليل الصعاب حتى الوصول إلى الهدف، وعدم الاستئثار بالفائدة بل ليعم الخير على الجميع، وهو توجه إيجابي ودرس للناشئة. ثمّ تعرّج على أحداث حياته عندما يخرج لاجئا إلى لبنان ويعيش حياة عنوانها الفقر والحرمان، لكنّه يجتهد ويجدّ ويكابد الصعاب بإيجابيّة منقطعة النظير، حتى يصل إلى النّجاح في كلّ مرحلة من مراحل حياته. وفي ثنايا هذه الأحداث تبثّ الكثير من الدروس والعبر للقارئ الصغير دون تلقين ولا توجيه، وإنّما عن طريق الأمثلة الحيّة المقنعة.

ومن الدروس والعبر التي يمكن أن يستشفّها القارئ من خلال أحداث السيرة المشوٌّقة ما يلي:

•       دور الوالدين الإيجابي في تنشئة الطفل وتوجيهه نحو العلم والإبداع.

•       ربط الوالدين لولدهما بالأرض والوطن وإشعاره بأهميتها.

•       العلاقة الحميميّة بين الأب والأمّ وتأثيرها الإيجابي على الطفل.

•       الأب والأم القدوة لأولادهما.

•       إطراء الوالدين للطفل والتعزيز الإيجابيّ لهما أكبر الأثر في نجاحه.

•       قيام الطفل ببعض الأعمال المناسبة لسنّه تقوّي شخصيته وتعطيه فرص أكبر للنجاح من مجرّد الانصراف للدراسة.

•       أهمية الانتباه للطبيعة التي تحيط بالطفل وتدبّرها والتفكر بها، وخاصة السماء والنجوم، من أجل نمو سليم.

•       أهمية الاستيقاظ المبكر للعائلة.

•       التوجه نحو العلم واعتباره جهادا ووسيلة من أجل استعادة الوطن، تضاهي حمل السلاح للقاء العدو.

•       الإيجابية في التعامل مع المشكلات، وخلق النجاح من رحم المحنة وقلب المأساة.

•       عدم التركيز على السلبيات والمشكلات التي تواجه الشخص، والتطلع الدائم نحو النجاح؛ فالكاتبة لا تسترسل في وصف ما حلّ في الشعب الفلسطيني عند النكبة، ولا معاناة اللجوء، بقدر نجاح طلال في تجاوز هذه المحن.

•       كسب المحبة والاحترام وثقة الجميع كوسيلة للنجاح، والتسامح مع من يسيء إليك.

•       أهمية التعاون والعمل الجماعي والعمل كفريق متكاتف.

•       الإرادة القوية والإصرار والتصميم على النجاح وعدم النكوص والخوف من الفشل.

•       وضع هدف عالٍ كبير والإصرار على تحقيقه.

•       الثقة بالنفس والثقة بالنجاح.

•       أن يكون الإيمان بالله والثقة به دائما قرينا للعمل والجد.

•       من مزايا الناجحين الاهتمام بالآخرين والإيثار ومساعدة الآخرين ليسلكوا درب النجاح.

•       عدم الإصابة بالإحباط حتّى مع تفاقم المشكلات، والإيجابية والابتعاد عن اليأس.

•       الإخلاص والتفاني في العمل.

•       عدم الاكتفاء بالنجاح المرحلي أو الوظيفة، وإنما المجازفة والاستمرار في رفع سقف الأهداف.

•       تكون استعادة الحقوق بالتفوّق على العدو بالعلم والفكر والثقافة.

•       أهمية العمل والجهد والمثابرة من أجل النجاج الذي لا يأتي على طبق من ذهب.

كلّ هذا الزّخم من الدروس التربويّة صاغتها الكاتبة في قالب قصصيّ واقعيّ ممتع ومقنع دون تلقين أو تكرار مملّ، مما جعلها عظيمة الفائدة لكل طفل يطّلع عليها. وابتعدت الكاتبة عن ذكر السلبيات والعوائق، فلم تستغرق في وصف معاناة اللاجئين والحرقة على الوطن السليب، ولم تذكر سبب خروج طلال من الكويت عام 1990، بل ركّزت على الإيجابيات والاستفادة من المحنة لصناعة النجاح وبداية مرحلة جديدة.

لكن، ليت الكاتبة توقفت عند صفحة 32 ولم تقحم الفصل المعنون بِ (الأردن بوابتي إلى العالم). فمع كلّ الاحترام والتقدير للأردن، إلا أن هذا الفصل لم يكن متوافقا مع النسق العام للقصة ولم يضف إليها، بل نأى بها عن الروح التي بثّتها خلال جميع الفصول السابقة. فهي عودة إلى مربع الفشل العربيّ حيث الفرد الملهَم الذي يدير المسرح لوحده بحنكة، لا يخطئ ويترفّع عن الانتقاد ويعمّ خيره الجميع وتبرَّر جميع أعماله، في تناقض تام مع الشخص الطموح الذي يقود المجموعة في عمل جماعي وتعاون وانسجام نحو النجاح والذي رأيناه في الفصول السابقة من خلال شخصية طلال أبو غزالة.

تستخدم الكاتبة ضمير المتكلّم في سرد حياة طلال أبو غزالة فتجعل الطفل قريبا جدّا من الشخصيّة ويعيش معها أحداث حياتها ويتأثر بها، وكأنّه هو نفسه يعيش هذا الدور ويخطو نحو النجاح والسؤدّد. اختيار موفّق وسرد أكثر من رائع.

clip_image002_4347d.jpg

لا شك أن إعلان وزير التربية والتعليم العالي الدكتور صبري صيدم عن البدء بتوزيع قصة "طلال بن أديبة" في كافة مدارس الوطن يستحق التقدير؛ لأن القصة تحتوي على الكثير من الفضائل والصفات الشخصية الحميدة، التي تطمح كل معلمة أن تغرسها في تلاميذها وتلميذاتها وكل أم في أن تُكسبها لأبنائها وبناتها. 

وقبل الخوض في الحديث عن الدروس التي نتعلمها من الطفل طلال الذي حقق نجاحات باهرة رغم الصعوبات والمتاعب التي واجهها، لا بد من الحديث ولو باختصار عن خط الأحداث الذي تتبعه القصة وعن أثرها على الشخصية الرئيسية أي طلال. تقدّم "طلال بن أديبة" مثالا جيدًا عن القصة التكوينية والنضج الشخصي للفرد من الناحية العقلية والنفسية، وبالتالي تحقيق هويته الذاتية. تقول الأستاذة أريج يونس في مقدمة كتابها أنها تقدّم للقراء أنموذجا في النجاح، "إنها قصة لطفل ... لم يعد طفلا بل صار أسطورة" ... رجل "غدا بين الناس قامة عربية يُشار إليها بالبنان". في مستهل القصة نقابل عائلة أبو غزالة وهي تعيش بطمأنينة وهدوء بال، ونرى العلاقة الوطيدة والمليئة بالمحبة بين الأب والأم وابنهما طلال. تعيش العائلة في مدينة يافا الجميلة بهناء وسعادة. لكن فجأة تظهر قوة تزعزع الاستقرار وتقضي على الطمأنينة والهدوء تضطر على أثرها عائلة أبو غزالة إلى النزوح عن يافا، وتؤدي بهم إلى فقدان ممتلكاتهم، واللجوء إلى لبنان حيث تعيش في فقر وتواجه تحديات جمّة. لكن بغض النظر عن تلك التحديات يتمكن طلال في نهاية القصة وبدعم من والديه وأصدقائه وبعد الالتحاق بالجامعة من تحقيق نجاح تلو آخر، ومن استعادة المكانة الاقتصادية والاجتماعية التي تمتعت بها عائلته قبل النزوح، لكن في بلد آخر هي الكويت وبعدها الأردن. نرى بوضوح كيف أن البيئة التي عاشها طلال والتجارب التي خاضها شكلت حافزا له لتحدي الواقع وكيف أنها أثرت على تصرفاته وسلوكه وتكوين شخصيته. وهذا ما يُعرف في الأدب باسم المذهب الطبيعي أو الواقعية الاجتماعية. لا تجري الأحداث في فراغ والعلاقة بينها سببية، كما أن كل حدث يؤثر على جانب معيّن من شخصية طلال ويًكسبه صفات معينة. على سبيل المثال، عندما يعطي الأب توفيق ابنه صك ملكية الأرض ينمو لدى طلال الابن الحس بالمسؤولية وحب الوطن، وعندما تصبح عائلته فقيرة ينمو لديه الشعور بأهمية العمل والعلم، وعندما ينجح في عمله تنمو فيه روح التصميم لتحقيق المزيد، وهكذا.  

في تقديمها للكتاب تخاطب الأستاذة أريج يونس الأطفال، فالقصة تستهدف الأطفال ومن خصائص أدب الأطفال أنه أدب تعليمي يهدف إلى إكساب الأطفال المعرفة العقلية والصفات الشخصية الحسنة. وبالفعل هناك الكثير مما يمكن أن يتعلمه أطفالنا من تجربة طلال الحياتية. 

أولا: يقدّم طلال مثالا فريدا لطموح الفرد ومحاولته تحقيق ما يصعب تحقيقه. وفي الحقيقة تبدأ القصة بفكرة الطموح والصعود إلى الأعلى. يقف طلال فوق أعلى جذع على شجرة البرتقال. يسأله أبوه: "ماذا تفعل على الشجرة؟" ويجيب طلال: "أريد أن اقطف تلك البرتقالة". يضيف طلال: "أشرت بيدي إلى حبة برتقال صعبة المنال، كانت تواجه الشمس وتتوهج بلونها الشهي" (ص 1). فالبرتقالة هنا ترمز إلى طموح طلال. ويظهر طموح طلال بوضوح بعد فوزه بمسابقة كتابة القصة القصيرة وتسلمه الجائزة إذ يقول: "كان شعوري لا يوصف، وقد رأيت سلّما مرتفعا، تمكنت بحمد الله من اعتلاء أولى درجاته" (ص 18). وهو مثل أبيه "دوما يتطلع للعلياء" ص 4.

ثانيا: يتمكن طلال من تحقيق هدفه بالحياة لأنه كان يحلم. كان قبل أن يغفو في فراشه يقطف "نجمة الحلم وأخبؤها في قلبي" (ص 5). وكان يؤمن طلال ويحلم أن الأمة العربية ستنهض من جديد؛ لتقود العالم لكن "هذا الحلم لن يتحقق إلا بالعلم" (28) وبالنسبة له تصبح جميع الأحلام حقيقة إذا تملكتنا الشجاعة للحاق بها. فدعوا الأطفال يحلمون لأنه يوما ما ستصبح أحلامهم حقيقة. يخاطب الأستاذ طلال أبو غزالة الأطفال في رسالته ويوصيهم بأن يرسموا أحلامهم وطموحاتهم وأن يتمسكوا بها كما تمسك هو بأحلامه.

ثالثا: يتطلب تحقيق الأحلام الكثير من العزيمة وقوة الإرادة والتصميم والمثابرة، وهذه صفات يتحلى طلال بها جميعا. بعد الوصول إلى الغازية واللجوء يشعر طلال بالمحنة التي تمر بها عائلته التي تسببت في تغيير ظروف حياتهم، وتبدد "نظرات السعادة وابتسامات الرضا التي لم تكن تفارق وجهي أمي وأبي"، ولهذا السبب عقد "العزم أن يعيد لهما بصيص الأمل وفرحة النجاح" (ص 8). وعندما قوبلت بالرفض جميع الطلبات التي قدّمها للحصول على وظيفة لم ينزعج "بقدر ما كانت تعطيني الدافع والأمل للتقدم" (ص 29). كان طلال يحدّث أمه عن حلمه الالتحاق بمدرسة المقاصد الإسلامية الثانوية، وكان دائما بحاجة إلى أمه التي تمده "بعزيمة أكبر ويبقي جذوة الحلم مشتعلة في نفسي" (ص 15). وفي الصباح خرج قاصدا المدرسة وأبوه يشد على يده مما منحه عزيمة أكبر. طلال لا يعرف الاستسلام وقلبه مليء بالتصميم والتحدي والمثابرة والصبر. فبعد أن وافق مدير المدرسة على قبول طلال طالبا فيها اغتبط طلال كثيرا واعتبر قبوله "خطوة كبرى في سلم التحدي للوصول إلى النجاح، ولن أوفر جهدًا لصعودها" (ص 17). وعندما قال لأصدقائه بعد تخرجه من الجامعة بأنه سيبدأ البحث عن عمل ردّد اصدقاؤه بمرح: "هذا هو طلال، المثابرة عنوانه" (27). وعند وصوله إلى الغازية بدأ شعور يكبر في داخله "أننا ندخل مرحلة جديدة تحتاج إلى الكثير من الصبر" (ص 8). وفي نهاية القصة يتذكر طلال أباه الذي علمّه أنه على الإنسان أن لا "يستسلم مهما بلغت الصعاب من أجل أن ينال العلا" (ص 28). يقول طلال بنبرة حزينة ممزوجة بشعور من الرضا والاكتفاء الذاتي أن جميع الأزمات التي مرّ بها من فقدان وطنه واستقراره وراحته "لم تحبطني أو تقلل من عزيمتي، بل زادتني قوة ويقظة وإصرار على النجاح" ص 32. 

رابعا: للعلم شأن كبير في حياة طلال، ومنذ صغره أحب العلم كثيرا كونه المفتاح الذي يفتح أبواب النجاح والكرامة الإنسانية. فبالإضافة إلى تعلمه حب الأرض والوطن، عرف طلال منذ صغره أهمية العلم والتعلم. يسأل أمه: "ماذا أفعل لك أنت وأبي؟ كيف أتمكن من استعادة حقي وأرضي، ووطني؟ كيف أواجه عدّوي؟ كيف أعيد لكما البسمة وفرحة النجاح"؟ تجيبه أمّه: "العلم، نعم العلم يا بني خير طريق تسلكه لتبني نفسك وتنهض بأمتك". ويضيف طلال: "سأكرس حياتي لطلب العلم والعمل به" (ص 9-10). ومنذ تلك اللحظة يكرّس حياته لمذاكرة دروسه، ثم يدخل المدرسة ويتخرج منها وبعدها يلتحق بالجامعة. ومن شدة حبه للتعليم كان يُعطي دروسا خصوصية في مادة اللغة الإنجليزية للطلبة. لكن لم يقتصر التعليم الذي تلقاه طلال على اللغة والأدب الانجليزي أو حتى على التجارة وإدارة الأعمال، بل شمل أيضا التعلم الديني الصحيح وتعلم الفن مثل الموسيقى إذ تمتع بحس موسيقى مرهف أدخله إلى عالم الموسيقى الكلاسيكية. كان طلال يعلم جيدا أن أحلامه لن تتحقق "إلا بالعلم" ص (28). لكن من الضروري هنا الإشارة إلى أن النجاح الذي حققه طلال في حياته لم يكن بسبب العلم وحده، بل كان أيضا مزيجا من المكافحة الذاتية والاعتماد على الله. فهو يعرف ويؤمن بتدخل الله في حياة الإنسان ولذلك نسمعه يقول: "لكننا نشاء شيئا ونطلبه، فيختار لنا الله شيئا آخر" (ص 24). كما يؤمن طلال بأن "الخيرة فيما اختاره الله" (ص 24). وقد اكتسب طلال إيمانه من أمه الذي كانت دائما تدعو له بالخير والتوفيق. أمّا المكافحة الذاتية فقد اكتسبها طلال من أبيه الذي كان يؤمن "بأن الله يوزع الأرزاق على العباد في كل صباح" (ص 6) أي العباد الذين يستيقظون باكرا للعمل والاجتهاد. فلنتذكر معا النصيحة التي يقدّمها الأستاذ طلال أبو غزالة للأطفال في رسالته في نهاية الكتاب: "تذكروا أن باستطاعتكم دائما تحقيق كل صعب بالإرادة القوية والتوكل على الله".

خامسا: يتمتع طلال بحس كبير من المسؤولية واتخاذ زمام المبادرة. في المدرسة الأمريكية للبروتستانت نراه مثلا يجتهد في دروسه ويشعر مع عائلته التي فقدت كل ما تملك، فلا يتذمر ولا يشكو ولا يشعر عائلته بأنها مقصرة. ومنذ صغره وهو في العاشرة من عمره يُحّمله أبوه مسؤولية العودة إلى أرضه ومدينته يافا، ويسلمه صك ملكية المنزل والأرض الذي يحافظ عليه حفاظه على حياته، وهو دائم التفكير بالتخفيف عن والده ووالدته. وهو يتحمل مسؤولية توفير الطعام لوالده ووالدته ولذلك كان يجمع حبات الفاكهة كل أسبوع كي يشارك عائلته الصغيرة في أكلها في نهاية كل أسبوع. وهو أيضا يتحمل مسؤولية تعليمه ودراسته ويذهب بنفسه إلى مدير مدرسة المقاصد الإسلامية الثانوية؛ كي يلتحق بالمدرسة، وكانت هذة المبادرة الخطوة الأولى الذي اتخذها طلال على طريق النجاح. وما يساعده في النجاح ثقته بنفسه وثقة الآخرين به، فمنذ نعومة أظفاره كان واعيا "لأهمية محبة أهلي واحترامهم لي وثقة كل من حولي، وكنت واثقًا من نفسي" ص 11.

سادسا: يتمتع الطفل طلال بالفضول والرغبة في المعرفة وهذه خاصية هامة في تعلم الأطفال. فهو دائما يتحدث مع أبيه ويسأله الكثير من الأسئلة. نقرأ: "كان [أبي] يمسك بيده ورقة مطوية بحرص، سألته وقد استبد بي الفضول: "ما هذه الورقة يا أبي؟" ويجيب الأب: "لأنني أحب فضول المعرفة فيك سأريك الورقة" (ص 1). نلاحظ أن الأب لا ينفك عن مدح ابنه وتشجيعه مما يحفّز طلال على بذل جهد أكبر من أجل تحقيق أحلامه. يقول أبو طلال لابنه: "طلال، أرى المستقبل في عينيك، ستكون رجلا قياديا حكيما، وسيكون لك شأن كبير في الحياة" (ص 12). تصوري الأثر الذي يتركه مثل هذا القول على نفسية الطفل.  

سابعا: نتعلم من طلال حب العمل وأهميته. يوظّف طلال جميع قدراته وطاقاته في سبيل تحقيق أهدافه ويبذل قصارى جهده في الحصول على عمل. فبعد حصوله على مقعد في المدرسة الثانوية كان إلى جانب دراسته يعمل كي يساعد أهله في توفير لقمة العيش. فنراه وهو طفل يعمل في بيع المثلجات، وبعد تخرجه من الجامعة في إحدى الشركات في الكويت، وبعد ذلك أنشأ شركاته الخاصة. وأثناء عمله كان طلال حريصا على أن يُتقن عمله وأن يكون خير ممثل لبلده في كل مكان، وأن يتحمل العناء ومشقة العمل، لأنه من وجهة نظره "النجاح لا يُقدّم على طبق من ذهب، بل يحتاج إلى جهد وعمل" (ص 36). وعن طريق العمل كان طلال ينتقل من نجاح إلى آخر؛ لأنه من ناحية راى نتيجة جهوده على الواقع الملموس ووضع لنفسه رؤية ومخططا واضحا لمستقبله من ناحية أخرى. ومن المهم هنا أيضا الإشارة إلى أن طلال عندما عمل في الكويت كان مثالا وقدوة للآخرين من الموظفين حتى أنهم قرروا مغادرة الشركة التي كان يعملون فيها للعمل معه؛ لأنهم آمنوا "بقدراتك وبأفكارك ونعرف أنك ستنجح" (ص 30).   

أخيرا، من الدروس الجميلة الأخرى التي نتعلمها من طلال التسامح وعدم الأنانية والشعور مع الآخرين ومشاركتهم ومساعدتهم إضافة إلى تكوين صداقات معهم. ما أجمل تلك العلاقة بين طلال واباه وأمه، هي علاقة تتميز بالمحبة والدعم والاحترام والتقدير. فطلال دائم الاعتزاز بأبيه والأب دائم الفخر بابنه، والأم لا تبخل في الدعاء لابنها. ولا ينسى طلال أبويه بعد موتهما وبعد أن حقق النجاح بقي شاكرا لهما. كان طلال يشعر مع والديه ومع الآخرين أيضا. ففي يوم حار يقدّم قطعة من المثلجات إلى طفل فقير؛ لأنه يؤمن بأن مساعدة الآخرين من واجبه. ويصبح ذلك الطفل صديقا له مثل صديقه محمد الذي يدافع عنه أمام طلاب صفه والذي يعلمه أن "الحياة لا تحلو إلا بمشاركة الطعام واللعب والصداقة" (ص 13). فضلا عن ذلك  يؤمن طلال بأن الكل سواية، فهو مثال للتسامح؛ لأنه يقبل الآخرين ويحبهم بغض النظر على الفرق في الديانة لأن الدين "في أصله محبة" (ص 13). 

"طلال ابن أديبة" قصة جميلة وهي تستهدف الأطفال بشكل خاص. من ناحية المضمون، فهي قصة تستحق القراءة من كل طفل وطفلة وأب وأم. ومن ناحية الشكل فهي تحتوي على العديد من عناصر قصص الأطفال وأدب الأطفال مثل العنصر التعليمي والتكرار لمفاهيم أساسية مثل "العلم" و"العمل" و"الحلم" و"النجاح"، وغيرها، كما أن الراوي هو طلال نفسه أي أننا نرى ما يحدث من وجهة نظر الطفل طلال الذي هو أيضا الشخصية الرئيسية في القصة. إضافة إلى ذلك تدعو القصة إلى التفاؤل، وأن جهود الإنسان لا تذهب سدى وأنه في نهاية المطاف سيحقق النجاح مهما كثرت التحديات والمصاعب. 

المزيد من المقالات...