"الطرثوث[1] في فوائد البرغوث" جزءٌ طريفٌ للإمام جلال الدين السيوطي، ذكره في (فهرس مؤلفاته) فيما له في فنِّ الحديث وتعلقاته[2]، وقد استقاه من مصادر متعددة متنوعة على رأسها كتابٌ للحافظ ابن حجر فقد قال في مقدمته: "وبعدُ: فقد ألَّف حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر جزءًا سمّاه "البسط المبثوث في خبر البرغوث". وهذا جزءٌ فيه إفادة، يَحتوي على ذلك وزيادة، يُسمّى: الطُّرثوث في فوائد البرغوث"[3].

وقد بناه على مقدمةٍ فيها تعريفٌ به.

ومقصدٍ فيما وَرَدَ فيه من أحاديث وآثار.

وخاتمةٍ فيها فوائد أخرى عنه، وما قيل فيه من الأشعار.

وأفاد منه مِنْ بعده العلماء كالسفاريني في "غذاء الألباب".

♦  ♦  ♦

حقَّق هذا الجزءَ الأستاذ الدكتور عبدالهادي التازي (ت:1436) -رحمه الله- عن نسخةٍ واحدة من الخزانة الكتانية (ضمن الخزانة العامة في الرباط) ورقمها: (37 ك)، وقدَّمه إلى ندوة السيوطي التي عُقدَتْ في جامعة مؤتة في الأردن عام 1993م.

ونشرَهُ في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثاني، المجلد (75)، (ذو الحجة 1420هـ - نيسان 2000م)، (ص227-258).

♦  ♦  ♦

وفي هذه النشرة جملٌ وكلماتٌ ساقطةٌ، وأخرى محرَّفة، كما ظهَرَ لي مِنْ مقابلة الجزء بنسخةٍ أخرى مختصرةٍ في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، وبنسخة الأزهرية.

وفيها تصرُّفٌ بالعنوان من "الطرثوث في فوائد البرغوث" إلى "الطرثوث فيخبر البرغوث"!

وفيها كلمةٌ جاءتْ خطأ فجعلت المحقِّق يَحتارُ في المقصود، وهذا بيان ذلك:

♦  ♦  ♦

جاء في النص ص251 (من المجلة المذكورة):

"وقال صاحب الشهاب المنصوري:

أذى البراغيث لم يدعْ أحدًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يرقد ليلاً إذا البرى غِيثا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيأكلوني[4] إلى الصباح كما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تأكلُ حكَّامُنا المواريثاhttp://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

♦  ♦  ♦

وقد احتارَ المحقِّقُ في المقصود بـ "صاحب" هذا، وقال في التعليق:

"لا أدري ماذا يَقصِدُ بصاحب الشهاب المنصوري، وهل أنه مهيار[5]الديلمي صاحب شهاب الدولة منصور (ت: 450=1058)؟".

♦  ♦  ♦

أقول: وهذا خطأ مبنيٌّ على خطأ، وقد أبعدَ المحقِّقُ النجعة، والصوابُ في العبارة:

"وقال صاحبُنا الشهابُ المنصوري".

♦  ♦  ♦

والشهابُ المنصوري هو الشاعر الكبير أحمد بن محمد بن علي السُّلمي الشافعي ثم الحنبلي المعروف بالهائم (798 أو 799-887هـ)، أحد السبعة الشُّهب الشعراء الذين اجتمعوا في عصر واحد.

ترجم له السيوطي في كتابيه "نظم العقيان" ص77-99، وفي "المنجم في المعجم" ص68-80 وقال فيهما: "جَمَعَ ديوانه في مجلد ضخم"، وذكَرَ له شعرًا كثيرًا في الترجمة، وفي غيرها.

وجرتْ عادة السيوطي أنْ يذكره بهذا الوصف: "صاحبنا" مع أنه شيخُه، وهو أكبر منه بخمسين سنة[6]!

ومِنْ مواضعِ وصفهِ له بـ"صاحبنا" ما جاء في كتابيه "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" (1/ 77) و(1/ 381)، و"البارق في قطع السارق" ص90.

ويبدو من ترجمتهِ له أنه كان بينهما صحبة، وقد ترافقا في طريق العود من الحج إلى القاهرة في سنة (869هـ)، وتبادلا في الطريق الفوائدَ الأدبية[7]، وكان المنصوري في السبعين من العمر والسيوطي في العشرين.

♦  ♦  ♦

[1] الطرثوث: نبتٌ يؤكل. القاموس.

[2] انظر: "بهجة العابدين بترجمة حافظ العصر جلال الدين" ص 206.

[3] وقد أفاد فيه من "حياة الحيوان" للدميري، ولم يذكره، كما أشار المحقِّق ص 229 (من المجلة المذكورة).

[4] في الأصل: فيأكلون. والمثبت من نسخة الأزهرية.

[5] في الأصل: معيار. خطأ مطبعي.

[6] أو إحدى وخمسين.

[7] انظر: المنجم ص 77-79.

clip_image002_bbd15.jpg

clip_image003_3912f.jpg

من يريد أن يدخل إلى نصوص " آدم" عليه أن يدخل إليها من ترنيمة الشّاعر التي يسجّلها في مطلع عمله،ويجعل منها  دفق روحه إذ يقول:"

    لستُ معاتباً لمن شعري قد انتسب                     من فقد الحياء لا يجدي فيه التعب

  فعبر هذا البيت نمتح من روح الشّاعر عبد الله الزعبي ،وهي روح أبيّة بامتياز،وهي ذات مبدعة تصنع من الكلمة أداة للرّفض،وتجعل من القلم آلة للثّورة والغضب والتمرّد على شتّى أشكال الاستلاب والقمع الظّلم والجور،وهذه الرّوح هي من تستنهض الهموم الأبيّة لأجل استيلاد فجر يحمل الحريّة والعدل والأمل،وهو يعلّق الآمال على الثّائرين الأباة في كلّ مكان وعصر،وهو في الوقت ذاته يجلد واقعاً وموقفاً وبشراً يتعاطون مع الذّل باستكانة،ويقبلون الاستلاب،وينداحون في صمت الذّل دون حراك أو احتجاج أو رفض.

   عبد الله الزعبي في هذا الديوان يعلن بصرخة جريئة أنّ الواقع العربيّ هو واقع مخزٍ لا يمكن وصفه إلاّ بالمسخرة،ولذلك يدعو إلى التنكّر له،ونبذه،والثّورة عليه:" ما نحن فيه مسخرة،أتدرون من عنترة،كان يستلّ الحسام لمن اعتدى ليقبره".هذا الدّيوان هو صرخة الإباء المخنوق بأيدي الظلمة والمستلبين وأصحاب البطش والسّلطة.

  وفي الوقت ذاته لا يملك إلاّ أن يسلم نفسه -وسط أحزانه- لقلبه العاشق الذي يجد من دقاته ووجيبه سبباً للحياة،وكأنّه عبر هذا الشّعور النّبيل يجد للبشرية مساحة للحياة والفرح والأمن عبر الاستسلام لنداء القلب والعشق،فيترنّم قائلاً:

                       " الله أكبر... الله أكبر     على كلّ من أحبّ وأنكر"

   وهذا العشق الذي يسكنه هو أكبر من رجل وامرأة،بل يمتدّ ويكبر ليصبح عنده قضيّة وطن وإنسان وعدالة وإخلاص للذكريات البريئة السّعيدة والماضي والتّفاصيل الجميلة.

    والانطلاق من الإنسان للوصول إليه هي أجمل مميزات هذا العمل الإبداعيّ؛فهناك وقفة فلسفيّة جدليّة أمام التّجربة الإنسانيّة بكلّ ما فيها من إشكالات وصراعات وأولويات،وهذه الوقفة تنطلق من ذات المبدع لتصبّ في التّجربة الإنسانيّة الجمعيّة لتضعنا وجهاً لوجه أمام أسئلة الوجود والخير والشّر والخلود والصّراع،ولنا عندها أن نختار مآلات أفكارنا وأرائنا وتوقعاتنا لمصير الإنسانيّة وفق خياراتها الكبرى.

  ولنا أن نقول أنّ هذا العمل يستثمر التّاريخ والحضارة والمنجز والإرث العربيّ ليصنع منه قارباً للنّجاة والحياة لمن أراد أن يختار الحياة،ويرفض الموت في مستنقع الذّل والفشل والهصر ،بل إنّه يستولد التّجربة الإنسانيّة الذاتيّة للشاعر كي يرسم ملامح للواقع والإنسان من خلال مفردات ذاكرته وشخوص حياته أمثال أمّه ووالده وجدّه ورموز البطولة الماضيّة والحاضرة في وجدانه وفي وجدان أمّته.

   هذا العمل الإبداعيّ هو باختصار حالة جماليّة خاصّة تصنع الثّورة والتمرّد على السّائد المهين،وتكسر أفق الصّمت والذّل،وتملك حساسيّة خاصّة تجاه الزّمن والفعل والتّاريخ والموقف بل والإنسان ذاته،هو حالة شعوريّة وجماليّة وفكريّة تجاه الذّات والآخر والواقع والمأمول والإكراهات والأمنيات،هو تجسيد للواقع الكريه المزري،وفضح لمعايبه وزلاته وسقوطه،وهو مطالبة قويّة بحياة كريمة وسط غابة من الإذل والإكراه والقهر والتعسّف والظّلم،هو تجسيد جميل لكلمة "لا " بكلّ ما فيها من جمال الرّفض ومشروعيّة الحلم.

      لقد أختار عبد الله الزعبي اسم "آدم" لعمله هذا كي يجعله وثيقة إنسانيّة جدليّة تتسع للرؤى جميعها،وتخصّ الإنسان على العموم بقدر ما هي منطلقة من تجارب مخصوصة ومواقف محدّدة وقضايا وطنيّة وإنسانيّة محدّدة؛فآدم ليس هو الإنسان الأوّل فقط،بل هو الإنسان في كلّ زمان ومكان بكلّ تناقضاته وقبحه وجماله وضعفه وقوّته،هو عبد الله الزّعبي ذاته عندما يسجّل الإنسان من ذاته،وينطلق منه ليرفض الإنسان المشوّه بالخطيئة والظّلم والقسوة،ويترك الباب مشرعاً أمامه علّه يتوب لخالقه إن أخلص النيّة،واختار درب النّجاة والفلاح.

   أستطيع أن أزعم أنّ هذا العمل الشّعريّ النثريّ لمبدعه هو حالة إبداعيّة ناضجة ترتقي عن هفوات المبتدئ،وتتجاوز بمراحل الخطوات الأولى للمبدع،لتأخذنا نحو تجربة ناضجة لمبدع يبدو أنّه قرّر أن لا يسمح لعمله أن يعلن عن ولادته وحياته إلاّ إن جاء إلى الحياة ناضجاً قويّاً متعاظماً على الضّعف ومتاهات التّجربة الأولى وأخطاء المبتدئين.نحن الآن أمام مبدع متميّز يقول لنا:هاأنذا،فهل ترونني؟

  هذه دعوة كي نرى عبد الله الزعبي المبدع الأنيق اللّغة والحضور والفكر والفلسفة والطّرح،ولنا أن نعبّ من ذاته المفعمة بالحياة والإباء لننطلق في رحلة مقدّسة في أنفسنا لننصفها من الجور والغبن والقمع،فعبد الله الزّعبي يجيد أن يصنع من الشّمس طوقاً من الفلّ يعشق كلمة :لا.

    لنا أن نقرأ على أنفسنا ترنيمة الحياة الحرّة الكريمة التي تنقذنا من لعنة الوجود الإنسانيّ التي تجعل الحياة امتداداً للبشريّة من ظهر القاتل الظّالم لا من المقتول المظلوم،وتقول:"

   "أنا خلقت نصفاً

   ثم خُلق من نصفي نصفاً

  وإذا بنصفي ينكح  نصفه

  فولد النصّف الذي قتل النصف"

انتصار الفكرة واقتناص الشّكل ومغامرة السّرد

clip_image001_702c0.jpg

clip_image003_69be7.jpg

       نحتفلُ اليوم بولادة منجز إبداعي للأديبة الأردنية د.سناء الشّعلان،وهو مولودها الإبداعي الرّابع عشر في إرثها القصصيّ،وهي مجموعة قصصيّة تتكوّن من أربع عشرة قصّة قصيرة،والاستثنائي في هذه المجموعة أنّ معظم قصصها -قبل أن تنشر في هذا السّفْر- قد نالت الكثير من الجوائز العالميّة والعربيّة،منها:جائزة زحمة كتاب للثقافة والنّشر الدّوليّة،وجائزة أفضل صحفي في جريدة رأي الأمّة،وجائزة صلاح هلال الأدبيّة،وجائزة مهرجان القلم الحرّ للإبداع العربيّ،وجائزة القصّة الومضة العالميّة،وجائزة منظمّة كتّاب بلا حدود،وجائزة أحمد بوزفور للقصّة القصيرة،وجائزة معبر المضيق.

   وهذه المجموعة هي تمثيل حقيقيّ وناضج لتجربة الشّعلان في الكتابة القصصيّة؛إذ أنّها تنحاز إلى اللّغة المتفرّدة التي تنتصر للمعمار اللّغوي الرّاقي الذي لا يقبل أن يتنازل عن جماله واستدعاءاته في سبيل مخاطبة المتلقّي ضمن شرائحه كاملة،بل هي تأخذ المتلقي في رحلة لغويّة خاصّة في سهوب من الجمال والانتقاء،لتصل به إلى مبتغى مغامرة الشّكل من أجل حمل الفكرة والرّسالة التي لا يمكن إلاّ أن تكتمل أو توصّف دون التّعاطي مع الثيمات الكبرى في هذه المجموعة التي تتلخّص في الحريّة والخير والجمال في أشكاله المتنوّعة التي تتضافر جميعاً لأجل الثّورة على التّعنصر والقبح والظلم والاستبداد والقسوة.

   هذه المجموعة تملك لساناً لا يعرف الخوف أو الازدجار أو التّراجع،ويصمّم على أن يتصدّى للظلّم والظّالمين،ليكون خصمهم الذي لا يعرف مهادنة،هي صوت الثّورة والرّفض والإصرار على الحياة والعدالة والكرامة،هي إعلاء لقيم الجمال في كلّ مكان وزمان،هي تلك الكلمات التي لا نقولها جهراً إلاّ نادراً،في حين نهمس بها سرّاً لأنفسنا في كلّ لحظة.

  وتمثّلاً لهذه الكلمات والأفكار والقيم فقد عزفت المجموعة على أكثر من وتر شكليّ،فزاوجت بين الشّكل التّقليديّ والحداثيّ،واستعارت أشكالاً قصصيّة تراثيّة متوالدة،واستسلمت أكثر من مرّة للتّجريب في تكوين معمار الشّكل،وقفزت بين فضاءات مختلفة،واستدعت أنماطاً سرديّة متداخلة لتجهر بما تريد أن تقوله بكلّ صدق وصراحة.

 ومن يطّلع على منجز الشّعلان القصصيّ،ويعرف شخصيتها عن قرب،يدرك أنّ هذه المجموعة هي من روحها وطباعها ومراسها الصّعب،كما هي من فكرها،فهي انتصار لفكرة الشّجاعة والإفصاح والاعتراف،وتجريم الفاسدين دون خوف أو مواربة،هي الوجه الإبداعيّ لسناء الشّعلان الإنسانة حيث الإيمان بالنّفس،والإصرار على التّحدي،والانتصار للذّات والكرامة والحقوق على الرّغم من التّحديات والانكسارات والمؤامرات،ولذلك تعلّمنا هذه المجموعة أن نقول "لا" بملء أفواهنا للظّلم والاستلاب والاستبداد والمفسدين واللّصوص وصانعي القبح ومحاربي قيم الجمال والحق والعدالة.

  وهذه الفكرة التي تسيطر على هذه المجموعة هي من تقودنا في دروب سردها،وبغير الاهتداء بقبسها لا يمكن أن نجيد أن نفكّ رموز هذه المجموعة،لنقترب من دلالاتها ومبتغاها؛وعندما نقرأ تعويذة هذه الكلمة نجد أنفسنا قد أصبحنا قادرين على الانعتاق في فضاءات هذه المجموعة لنطوف في عوالم مختلفة تعيش جميعها حالة التّجريم للاستلاب؛فنصرخ محتجين ضدّ الحاكم الجائر الذي أعدم الإسكافيّ المسكين بجريرة كذبة صغيرة كذبها على خطيبته،فزعم أنّه سرق لها نجمة ليهديها لها في حفل زفافهما،فما كان من الحاكم الظّالم إلاّ أن استغلّ هذه الكذبة كي يحمّل هذا الرّجل البريء الضّعيف أوزار جرائمه وجرائم حاشيته كي يحوّل نقمة الجماهير المستلبة والمسلوبة إلى وجهة غير حقيقيّة،وينجو وشاكلته من المجرمين المفسدين من تحمّل جرائر أعمالهم الشّريرة.

   وسناء الشّعلان إن كانت تحفّزنا على الثّورة على الاستبداد والذّل،إلاّ أنّها تلتزم بخطّها السّاخر الذي ينيم السّخرية في سرير المفارقة حيث تحاصرنا بأحداث قائمة على المفارقة،فننفجر ضاحكين من غرابة ما نرقبه في السّرد من أحداث،ثم لا نلبث أن نجد أنفسنا في مواجهة وجة أسود كئيب اسمه الحزن والواقع المرير،فيختفي الضّحك،ويولد المرار من رحم واقع يجلد الإنسان،ويدوس على كرامته،ويكسر أحلامه،ويصادر حقوقه،فيدفعنا من جديد إلى أن نصرخ "لا" مراراً وتكراراً،وننضمّ إلى شخوص قصصها الذين يعيشون حيوات متناقضة،ويكابدون الألم،ويتنصرون لأحلامهم.

  ومن هذا المنطلق نصرخ في قصّة "منامات السّهاد" مع الشّعب ضدّ السّلطة المتعنّتة الظّالمة التي تضلّل الشّعوب،ونتمرّد مع بطلة قصّة "حيث البحر لا يصليّ"،ونرفض الانصياع لعادات مجتمعيّة تقمع حرّياتنا وذواتنا،وننتصر للحبّ الذي يُقابل صدفة هناك في الجبال حيث التّمرّد والرّجال الأشواس ونشوة العشق،فنعيش تفاصيل الهوى والبوح في قصّة" الضّياع في عيني رجل الجيل"،ونتمرّد على سطوة المخدّرات في قصّة "الاستغوار في الجحيم"،وننتصر لجمال السّرد وسحر الكلمات وحريّة اختيار الشّريك في قصّة"جريمة كتابة"،ونعاين مثالب النّفاق الاجتماعيّ في قصّة "سحر وداد"،وندخل عوالم الصّوفيّة وطقوس الجسد في قصّة "راقصة الطّاغيّة"،ونصفّق لبطل قصّة " أبو دوح"،ونطبع قبلة محبّة على جبين بطلة قصّة "غالية سيّدة الحكايا"؛لأنّهما رمزين من رموز برّ الوالدين إذ ينخرطان في أجمل قصص الرّحمة والمحبّة والعرفان التي تنسجها روابط الأمومة والبنّوة،كما نعيش في قصّة "العيون التي ترى" تفاصيل الأخوّة الصّادقة التي تنتصر على عقبات الإعاقة والقيود الاجتماعيّة التي تسجن الإنسانيّة خلف أسوار عالية من الخجل والخوف والنكوص،وفي قصّتي " حدث في مكان ما" و"يوميّات إنسان مهزوم" نعاين أزمة النّفس الإنسانيّة في إزاء تجليّات الضّعف والهزيمة،وهي ترسم لنا خارطة الفشل والإفلاس الإنسانيّ كي نستطيع أن نبتعد عن جغرايتها،ونعدم الدّروب إليها،وننساق نحو شاهق السّعادة والأمل،وننبذ مخاوفنا جانباً لنعيش تجربة النّضال ضدّ كلّ ما يأسرنا،ويسرقنا منّا،ويقدّمنا أسرى لغيرنا.

  سناء الشّعلان تكتب بفكرها الواعي لأزمة الإنسان قبل أن تنساق لمشاعرها،وتنطلق من طبيعتها عندما تفكّر بالمتلقّي،فتكون في أصدق لحظاتها منه،هي تريده أن يعيش تجربة الحياة حيث الانتصار للجمال والحريّة،وهي كافرة بامتياز بكلّ قهر وظلم وتجنّي،ومستسلمة لعشقها للجمال والفرح،وتبغي الحريّة للإنسان بغضّ النّظر عن عرقه أو دينه أوجنسه أو معتقداته،ولذلك نجد قصصها في هذه المجموعة تنأى عن تحديد زمان أو مكان للأحداث،بل أنّ الشخصيّات في الغالب تلعب أدوارها القصصيّة دون تعين أسمائها أو تحديد أوطانها والتّعريف بهويتها؛لأنّ الشّعلان تريد أن تعمّم التّجربة والدّرس والفكرة في هذه المجموعة القصصيّة،ولا تريد أن أن تقصرها وتحبسها على أماكن أو أزمان أو شخوص بعينها.هي باختصار تكتب لمشروعها الإنسانيّ الكبير الخارج عن حدود الإقليميّة أو الذّاتيّة،وإن كانت تنطلق منها لحمل رسالتها الإنسانيّة الكبرى،وهي التّمرّد والنّضال لأجل حياة إنسانيّة شريفة عادلة.

      وهي تصمّم على تعميم التّجربة الإنسانيّة وتعويمها،وعدم تخصيصها،وهي من تقول في هذه إحدى قصص هذه المجموعة القصصيّة :" تتشابهُ تفاصيل النّاس المهزومين في هذا الكوكب،حتى لا تغدو هناك أيّ أهمية للأسماء أو الأزمان أو الأماكن؛فالحدث والمصير هما البطلان"(1).حتى عندما تتكلّم عن ذاتها تتنكّر لها،وتنكر أنّ اسمها "سناء"،وتسميّ نفسها" سونا"،كي تدخلنا إلى العوالم الإنسانيّة الرّحبة عبر تجربتها الخاصّة التي تقدّمها على استحياء في قصّة"تقاسيم" التي أزعم أنّها سيرة ذاتيّة لها،وليست مجرّد سرد خياليّ،وإن قدّمتها بشكل سرديّ خرافيّ يجمع بين الحقائق والتّخيلات التي تجمع بين التّهويم والتّهويل والإلغاز والتّعميّة،ومن هذه القصّة بالتّحديد نستطيع أن ننطلق في سبر أغوار الفكرة،ورصد جماليّات السّرد،والانسياح في حيوات مفترضة في إزاء حيوات مقهورة مسحوقة مضطهدة.

     وهذه القصّة بالتّحديد تمثّل مركزيّة لعبة الشّكل في هذه المجموعة؛فإن كانت هذه القصّة هي جسم سرديّ واحد ينتظم في حكاية الطّفلة "سونا" التي اكتشفت موهبتها في الكتابة،وشرعت تفهم الكون والحياة من منطلق هذه الموهبة،إلاّ أنّ هذه القصّة تُقدّم بطريقة السّرد المتوالد الذي يخرج من رحم القصّة الأم ليقودنا في قصص صغيرة متوالدة،ثم يعود بنا إلى القصّة الأساس لنرى بطلة القصّة،وهي سناء الشعلان دون شكّ تجسّد حياتها وفكرها ومسيرة قلمها في قولها:"الحياة هزيمة كبرى،وهذه الحكاية الأولى في عُرفها،وكي تنتصر على الهزائم لا تنقطع تكتب الحكايا،من الهزيمة صنعت أطواق النّجاة،ومن الموت صنعت بشراً لا يموتون،وفي الفقد زرعت أطرافاً لا تُبتر،وأعضاء لا تعطب،ووهبتها للمحرومين والمنكوبين بعد أن نبتت أحلاماً وفرصاً جديدة،ومن سنابل الجوع صنعت بطوناً لا تعرف الخواء،ومن عناقيد الحرمان جدّلت جدائل الألفة والسّكينة والحبور.هي لا تملك غير الحكاية،تهبها مجاناً لكلّ سائل أو حزين أو باحث عن طريق،تزرعها تحت مخدّتها،وتنام بعد أن تتعوّذ بها من الشّر كلّه الذي لا يمكن أن يمسّ امرأة تتمترس خلف فضيلة الحكاية!"(2)

   وهذه المقولة هي ذاتها التي تنفث الحياة في هذه المجموعة القصصيّة،وتستدعي الخرافيّ والأسطوريّ والشّعبيّ والاستشرافيّ،وتجوب عوالم مفترضة،وتعيش تجارب واقعيّة وفنتازيّة،ثم تقف بنا أمام أنفسنا،لتقول لنا بحزم: انتصروا لأنفسكم ولوجودكم ولكرامتم.

  كما أنّ هذه القصّة تمثّل كذلك شبكة البناء اللّغويّ في هذه المجموعة؛إذ هي ترسم معمار اللّغة،وتتخيّر أجمل الألفاظ،وتعدّ اللّغة بطلاً لا أداة،وبذلك تتعلّم "سونا" اللّغة العربيّة وفق أصولها،وتجعل التّعامل معها هي قضيتها الكبرى،وتدخل معها في تجربة سيريّة مدهشة لتعلّمها ومجاورتها وتطويعها،لتعيش معها وبها تجربة حبّ غريبة تمثّلها في قولها :"الطّفلة الصّغيرة تحبّ الكلمة بتجلياتها جميعها،تحبّها مكتوبة بشكل حرفيّ،أو مغنّاة بشكل صوتيّ،أو مرسومة على لوحة،هي تجيد الرّسم كثيراً،وعندما تعيها الكلمات،ترسمها تفاصيل على ملامح وجوه من ترسمهم.تتجادل والدتها وزوجة خالها كثيراً في مضمار التّخمينات لمستقبلها،الأم تراها رسّامة شهيرة،وزوجة الخال تراها روائيّة مجيدة،وهي تبحث عن مبراة لقلمها،ولا تأبه بهذا الجدال المكرور".(3)

    وهذه البناء اللّغويّ الذي يكون قضيّة ومحور حدث في هذه القصّة،يتمدّد ليصبح هويّة وسمة في قصص هذه المجموعة،لتكون اللّغة بطلاً لا حاملاً أو ناقلاً،وتغدو هدفاً وانتصاراً،لا أداة وطريقة؛فالدّرب الطّويل الشّاق المُعنّى في هذه المجموعة لا يسرق الشّعلان من افنتاتنها باللّغة،بل يكرّس هذا الافتنان في تشكيلات لغويّة تقدّم تمرّداً على السّائد،وتعمّق بصمة اللّغة عندها.

    ومن أهم ملامح هذه اللّغة في هذه المجموعة أنّها تستدعي الأنساق التّراثيّة لاسيما النّقليّة منها،مثل أنساق العنعنة والإسناد والتّوثيق لأجل أن تعمّق في المتلقّي أثر الاستيهام في اللّعبّة السّرديّة،فنجد الشّعلان ترفع نصوصها إلى أسانيد وهميّة تعمّق لعبتي السّخرية والمفارقة:"ورد في أسفار المجرّبين والصّالحين المهزومين:"النّوم باب من أبواب البركة المستجلبة،وهو مندوب مُستحبّ عند الخاصّة والعامّة،والاستيقاظ باب من أبواب المنقصة-والمعاذ بالله- وهو مكروه،وفي بعض الأسانيد هو حرام لا خلاف في حرمته.والمستبدّون أعلم"(4)،كما تبدأ بعض القصص بجمل مصنوعة توحي بأنّها أمثال أو عبر أو حكم شائعة،ولكنّها في حقيقة الحال جمل من صنيعة الكاتبة للسّخرية والتندّر،وهي تعدّ عتبة حقيقيّة للدّخول إلى النّص"  أفلح من نام،وتعس من استيقظ"،فضلاً عن افتتاح بعض القصص بفواتح سرديّة تشبه ما هو شائع في قصص الحكايات الشّعبيّة وألف ليلة وليلة،مثل:" سهد السّلطان ثم نام،فرأى في المنام ياسادة ياكرام فيما يرى النّائم..."(5)

  وهناك تطعيم بالمتون الشّعريّة الحديثة،وهي تستثمر لاستدعاء ظلالها النّفسيّة والجماليّة والتأثيريّة لاسيما فيما يخصّ قصص الحبّ،وهذا نراه بائناً في قصّة "الضّياع في عيني رجل الجبل"،حيث تحضر مقطوعتان شعريتان،لتجسدان الحالة الشّعوريّة لبطلة القصة التي تخاطب حبيبها قائلة:"

سمعتني أشدو لكَ قائلة:

لا تنتقد خجلي الشّديد؛فإنّني بسيطة جداً،وأنت خبير

يا سيّد الكلمات،هبني فرصة حتى يذاكر درسَهُ العصفورُ

خذني بكلّ بساطتي وطفولتي،أنا لم أزل أخطو وأنت تطير

من أين تأتي بالفصاحة كلّها؟وأنا يتوه على فمي التّعبير!

أنا في الهوى لا حول لي ولا قوة؛إنّ المحبّ بطبعه مكسور

يا هادئ الأعصاب إنّكَ ثابت،وأنا على ذاتي أدور

الأرض تحتي دائماً محروقة،والأرض تحتكَ مخمل وحرير

فرق كبير بيننا يا سيّدي؛ فأنا محافظة،وأنت جسور،

وأنا مقيّدة وأنت تطير،وأنا مجهولة جداً،وأنت شهير

لا تنتقد خجلي الشّديد" (6)

  وتُختم القصّة ذاتها بالقفلة الشّعريّة الغنائيّة المنفولة على لسان المطربة فيروز:

  " أهواكَ...أهواكَ بلا أمل

وعيونكَ تبسم لي

وورودكَ تغريني بشهيَات القُبل

أهواكَ ولي قلب بغرامكَ يلتهب

تدنيه فيقترب

تقصيه فيغترب

في الظّلمة يكتئب

 ويهدهده التّعب

فيذوب وينسكب كالدّمع من المقل

أهواكَ،أهواكَ بلا أمل

في السّهرة أنتظر،ويطول بي السّهر

فيساءلني القمر،يا حلوة ما الخبر؟

فأجيبه والقلب قد تيّمه الحبّ:يا بدر أنا السّبب؛أحببتُ بلا أمل!!!"(7)

  وهناك تجريب واضح في استدعاء مستويات مختلفة من اللّغة،فتبرز لغة السّحرة وتمتماها وتهويماتها في قصّة" سحر وداد"،في حين نجد لغة الصّوفيّة وشحطاتهم واضحة في قصّة "راقصة الطّاغية" التي تنقل الحبّ من مستواه الاعتياديّ إلى مستوى صوفيّ افتتاني يحلّ الحبّ في نفس العاشق مكان أولوياته وإدراكاته وشعورياته جميعها :"برزت الرّاقصة كحصان بريّ مكبّل في حلبة كبيرة قبالة عرش الطّاغية الخالي منه حيث يترامى حوله الحضور والأخلاء والضّيوف ورجال دولته الجبليون الأشدّاء،الموسيقى بدأت تتنزّى في أذنيها،وحمّاها بدأت تدبّ في أوصالها،وبدأ يغشاها ما يغشاها من جلال وهي تترنّح في رذاذ اللّحن بخدر موصول برعشة سرعان ما تستولي على جسدها،وتغلق عليها حواسها،وتنقلها إلى عالم نورانيّ دافئ يداعب كلّ ذرة من جسدها،ويدفعها إلى انخراط كامل في حركات لا تعرف خبوّاً أو فتوراً" (8)

وبعد؛

    هذه هي سناء الشّعلان،وهذه هي مجموعة" الذي سرق نجمة" التي أعدّها رشفة سرديّة جريئة ومختلفة في سبيل تكوين تصوّر ناضج وعمليّ عن سلوك دروب الإنسانيّة المنجزة الرّاقية المتعاظمة على الضّعف،الرّافضة للهزيمة والاستلاب، التي تعرف تماماً حقوقها،وتصمّم على التّمسك بها،وترفض أيّ مزاودات أو إكراهات أو ضغوط.

   من يرد أن يرقى إلى نفسه،ويعتزّ بوجوده عليه أن يقرأ مجموعة "الذي سرق نجمة" ليبحث عن نفسه المفقودة فيها،فيخلّصها من عذاباتها،ويرهن لها بعض الفرح والأمل المنشود،ويغدو يداعب حكايات الشّعلان التي تتلخّص حكايتها في:"    الحكاية تريد أن تهرب من التّسكع،وأن تركن إلى الخلود،جرّبت أن تسكن السّماء؛فغدت إيماناً ودعاء وفضيلة،فأصابها الملل من ذلك عندما اشتهت الخطيئة،رحلت إلى الجسد والشّهوة،فأنهكتها لعبتا الجوع والإشباع اللّتان لا ترتويان،صادقت القلوب فأحرقها الوجد،طاردت العقل فأعياها المنطق،صادقت القوة والمال والجاه فخذلتها السّعادة، تنسّكت في الجبال فهزمتها شهوة حلمها الكبير في الخلود،ثارت على نفسها،وانضمّت إلى صفوف الثّوار في كلّ مكان،وحالفت الرّفض أينما حلّ في أنفس الشّرفاء،فأصبحت حكاية البشر الباحثين عن العدل،سطّرت فيها قصص من نذروا أنفسهم للنّور والحقيقة،نسيت حلمها البائد بالخلود،وبات حلمها أن تصبح حكاية كلّ من سُرقت حكايته،وكذلك كان"(9).

الإحالات:

1-             الذي سرق نجمة:سناء شعلان،ط1،دار أمواج للنشر والطّباعة والتوزيع،الأردن،عمان،2016،ص133.

2-             نفسه:ص109.

3-             نفسه:ص107.

4-             نفسه:ص15.

5-             نفسه:ص15.

6-             نفسه:ص53.

7-             نفسه:ص57.

8-             نفسه:ص84.

9-             نفسه:ص129.

انتصار الفكرة واقتناص الشّكل ومغامرة السّرد

النّاقد الأديب: د.زياد أبو لبن

رئيس رابطة الكتاب الأردنيين

ورود على هامش مؤتمر أدباء مصر (3)

clip_image002_c7726.jpg 

  ومن نجوم المؤتمر كان القاص والناقد فرج مجاهد، فهو وهج يتلألأ فى جنبات المؤتمر، تراه فى الندوات يدير محاورها فى التغطية الإعلامية يحاور النجوم الكبار فى نشرة المؤتمر اليومية، وقد قرأت للأستاذ فرج مجاهد منذ ربع قرن عندما كنت أطالع مقالاته فى مجلة الأزهر ومجلة المجلة العربية السعودية ومجلة المنتدى، والرابطة، ومنبر الإسلام ومنار الإسلام التى أحرص على اقتنائها حتى يومنا هذا، ثم تعرفت عليه بعد وكنا نتجاذب أطراف الحديث حول الأدب وهمومه فى مصر وكان حديثه عذباً يفيض عذوبة وخصوصا وأنه كان رفيقا لأعلام الأدب فى بلدته الدقهلية "جزيرة الورد" أو على المستوى المصري والعربي منهم الدكتور محمد رجب البيومى، والدكتور على شلش، والدكتور حسين على محمد، والدكتور صابرعبدالدايم، والدكتور أحمد زلط، والدكتور طه وادي والشاعر بدر بدير، والقاص فؤاد حجازى، والأديب الكبير محمد جبريل، وغيرهم من الأعلام، وقد خص هؤلاء بحوار شامل أو بدراسة لأعماله تعد إضافة هامة لتاريخ الأدب ..

  والأديب فرج مجاهد من مواليد مدينة شربين بمحافظة الدقهلية عام 1961، يكتب القصة والمقال والدراسة الأدبية والنقدية وهو عضو باتحاد كتاب مصر وعضو بمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر(فرع الدقهلية ودمياط) وعضو بمجلس إدارة نادي القصة بالقاهرة وعضو أتيليه المنصورة وعضو برابطة الأدب الإسلامي العالمية...

   نشرت أعماله الإبداعية، والنقدية، والحوارات مع أعلام الأدب - ومنهم المشار إليهم سلفاً- بالعديد من الدوريات المصرية والعربية مثل: الفيصل، والمجلة العربية، والرابطة، ومنار الإسلام، والمنتدى، والهلال، وأخبار الأدب، والمساء، والأهرام المسائى، وحواء، وأوراق ثقافية، المنصورة الثقافية، والقصة، وضاد، والمحيط الثقافى، والثقافة الجديدة، والكويت والإمارات الثقافية والكويت وغيرها...

  وقد فاز فرج مجاهد بالعديد من الجوائز منها المركز الأول على مستوى الجمهورية بالقصة القصيرة فى المسابقة التى أقامتها جريدة الجمهورية عام 2009، وفاز بأكثر من جائزة بهيئة قصور الثقافة وقد نشر اسمه فى "انطولوجيا القصة القصيرة" فى الوطن العربى..

 صدر له: "هذا العبث" مجموعة قصصية 1988، و"رحيق الكلمة" مقالات ودراسات 2001، و"أحلام عاجزة" مجموعة قصصية 2011،  والسرد فى جزيرة الورد" مقالات في النقد التطبيقي، ومحمد جبريل ألق الوجدان المصرى".   

  كما صدر له كتب بالاشتراك "معزوفات سماوية" 2001، و"القصة فى المنصورة"، و"قصص قصيرة"، و"أحسن القصص"، و"الدقهلية حكايات أخرى"، و"إبداعات القصة فى المنصورة"، و"رؤى جديدة وتيارات القصة القصيرة فى الدقهلية"، و"القصة القصيرة المعاصرة" دراسات ومختارات، و"رحيق القصة القصيرة فى الدقهلية"، و"فؤاد حجازى يقرع الطبول"، و"حسنى سيد لبيب سيرة وتحية"، و"شعر بدر بدير دراسة موضوعية وفنية"، و"مجدى محمود جعفر أديب على مشارف الأصول".

حوارات مع كبار الأدباء:

  كان فرج مجاهد لديه شغف بمعرفة الكبار والذهاب إليهم فعرف الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومى وكانت له معه ذكريات وأعد عنه كتاباً قيد النشر كما تعرف إلى الدكتور على شلش صاحب التصانيف المفيدة فى النقد والرواية والقصة القصيرة والأديب الدكتور حسين على محمد أحد أهم الأدباء الذين حققوا تميزا كبيرا على المستوى الأكاديمي من خلال العمل الجامعي، وعلى المستوى الإبداعي من خلال الشعر، والقصة القصيرة والمسرح والنقد. وله إسهامات جوهرية في الأنشطة الأدبية والثقافية   بالمملكة العربية السعودية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وقد أسهم بدور كبير في الأدب والنقد والإبداع وبخاصة الأدب الإسلامي. كتب دراسات وبحوث محكمة كثيفة في الشعر وبخاصة السعودي والمصري  وقد تم تكريمه في عدد من الصالونات والمنتديات في السعودية وخارجها، فضلا عن مشروعه الأدبي الكبير(أصوات معاصرة) الذي بدأه في أبريل عام 1980 وقدم خلاله الكثير من الأدباء الإسلاميين على مستوى الوطن العربي، حيث قدمت سلسلة أصوات معاصرة أكثر من 120 كتابا ما بين الشعر والراوية والقصة والمسرحية والدراسة الأدبية، والشاعر الدكتور صابر عبدالدايم، والدكتور أحمد زلط، وفؤاد حجازى، والأديب محمد جبريل حيث أعد عنه- أديبنا - كتابا رائعا بعنوان "محمد جبريل ألق الوجدان المصرى" حاول من خلال صفحاته إجراء حوار طويل وشامل مع الأديب الكبير محمد جبريل، بهدف إلقاء الضوء علي المسيرة الأدبية الطويلة لجبريل، والدخول إلي عالمه الابداعي من كافة نواحيه، والوصول إلي شخصياته الابداعية لمعرفة كيفية بناء هذه الشخصيات، والمنطلقات الابداعية والإنسانية التي تنطلق منها هذه الشخصيات لتجسد الواقع الخاص بعالم محمد جبريل وتتفاعل معه. سواء كان هذا الواقع أيديولوجياً أو دينياً أو عاطفياً أو إجرامياً أو سياسياً أو بوليسياً. فكل تلك المنطلقات تتوقف علي بنية الشخصية. وأهم لبنة في تلك البنية هي: اللبنة الفكرية التي تتحكم في مسارها وفي تحديد مواقفها تجاه كل الآخرين المحيطين بها.

  يحاول مجاهد أيضاً أن يعرف من جبريل لماذا الإسكندرية بالذات.. فالإسكندرية كمدينة كبيرة لا أحد ينكر أنها إحدي الركائز السكانية في مصر، وهي التي تلي القاهرة مباشرة من حيث تعداد السكان، وإن كان جبريل عاش فيها أيام الطفولة والصبا، فإنه بعد ذلك عاش الجزء الأكبر من حياته في القاهرة. فلماذا تحتل الإسكندرية المساحة العظمي من عالم جبريل الروائي، وتهمش إلي جوارها القاهرة؟

  أسئلة كثيرة حول أدب جبريل، وأسئلة كثيرة أيضاً حول التكوين الثقافي والرؤية الخاصة لمحمد جبريل ومشروعه الثقافي وعلاقة هذا المشروع بالأنظمة السابقة ومقاومتها وعلاقته بالمستقبل وشكله المتصور من خلال الابداعات.

 ويتناول في كتاب (محمد يوسف ..الفقراء أخواتي) دور الشاعر الكبير المغترب في دولة الكويت حتى رحيله في 18/11/2003م تجديد الشعر العربي وكتابة القصيدة ذات الرؤية المستقبلية من خلال تناول عدد من النقاد والأدباء الذين شاركوا وعاصروا رحلة محمد يوسف مثل د. حسن فتح الباب وفؤاد حجازي وصبري قنديل والناقد السوري محمد غازي تدمري ود. حمادة هزاع وإبراهيم رضوان وعلى عبد الفتاح ومختار عيسى..وغيرهم.

فرج مجاهد ناقداً:

  القاص والناقد فرج مجاهد مهموما إلى أبعد حد بالإقليم محافظة الدقهلية التى كانت يطلق عليها "جزيرة الورد لأنها محاطة بالمياه من ثلاث جهات وكانت بها أكبر حدائق ورد فى بر مصر" نشأ فيها وأنجبت المئات من القمم الأدبية فيما مضى.. من منا لا تتذكر: الدكتور محمد حسين هيكل باشا صاحب أول رواية عربية "زينب"، وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، وأحمد حسن الزيات، والشاعر كامل الشناوى، والشاعر مأمون الشناوى، والشاعر على محمود طه، وأنيس منصور، ودريني خشبة، وعبد القادر القط، ونعمان عاشور، ورجاء النقاش وأخواته وسعد الدين وهبه، ومحمد التابعى...وأراد فرج مجاهد أن يرد الجميل لأساتذته وزملائه من القصاص فى كتابه المهم الذى صدر مؤخراً وضم مجموعة من الدراسات النقدية فى مجال السرد القصصى والروائى لمجموعة من مبدعى الدقهلية من قبيل تواصل الأجيال من: محمد كمال محمد، وفؤاد حجازى، والحماقى المنشاوى، وعبدالفتاح الجمل، ومحمد خليل، وعبدالمنعم السلاب، إلى فكرى عمر، وحرية سليمان، مروراً بالسعيد نجم ، وعاصم خشبة..ولم يقتصر تناول أدباء إقليمه بل تعداه إلى الدول العربية فتناول أعمال فاطمة يوسف العلى فى الكويت، ويوسف المحيميد وخالد اليوسف ومنصور الشقحاء في السعودية، ومحمود الرحبي في سلطنة عمان، وشهلا العجيلي في سوريا، نادية الكوكباني في اليمن.. وغيرهم الكثير.     

فرج مجاهد قاصاً:

 للأستاذ فرج مجاهد أكثر من مجموعة قصصية، نذكر منها: "هذا العبث" و"الوجه الصبوح"، ولكنتنا سنتعرض لآخر مجموعة له وهى بعنوان "أحلام عاجزة" وقد صدرت عن مطبوعات إقليم شرق الدلتا الثقافى، وتضم 29 قصة قصيرة، وجاء اختيارنا لها لأن العمل الأخير للمؤلف يمثل، على الأرجح، نضج التجربة، واكتمال التكون، وامتلاك الميسم الفني الخاص بالمبدع، أو ينم على متابعة تعميقه، إنْ وُجد له ميسم خاص به. والسرد عن فرج قوى وثرى ومفعم بالحيوية الفنية الساحرة. لم نصادف من خلاله جدباً أو مللاً بل نصادف إيهام وإمتاع وقدرة على تنشيط المخيلة ومن طاقة على الإيحاء بفكرة أو إيصال عبرة، أو تصوير حالة، ومن طبيعة في اختزال الزمن، والخلوص إلى نتيجة.  تعبر عن المتغيرات الاجتماعية وأثرها على الإنسان، في ظل ظروف اقتصادية طاحنة، والوضع السياسي الراهن، وأثره على الفرد، وتقع المجموعة في 97 صفحة.

وقال الناقد السوري محمد غازي التدمرى، في دراسة ملحقة بالمجموعة،   "هي واحدة من المجموعات التي أفرزت الفن القصصي الجديد الذي بدأ يتخلى عن بعض طقوسه حتى يبقى مفتوحا على السؤال والتأويل، الذي أمسى سمة لمعظم ما قرأه لأصدقائه المصريين، فهذه التجارب استطاعت أن تفرض نفسها وتشير إلى حضورها، وإن كانت بحاجة إلى كثير من الدراسة والنقد والبحث في أسباب ومسببات الانزياح القصصي المعاصر في مصر والتي تختلف عما أفرزه القصص المعاصر سواء في سوريا أو العراق أو المغرب العربي.

  بينما قال الناقد صبرى قنديل على كلمة الغلاف، ينتقل الأديب فرج مجاهد في مجموعته الثانية إلى منطقة سردية أكثر رحابة، كما يعمق انتماءه لمدرسة الواقعية الجديدة على نحو صار الواقع رهانه القصصي، وصارت قصصه مرآة تعكس نبضا له شكله وذائقته، خاصة في بعض قصص المجموعة ومنها (عم عبد الباقي، سحب الدخان، ابتسامة مجهضة، أحلام عاجزة، مشهد الأيام الأخيرة، الإيقاف، الدور، الجنيه، غضب، وجع، حابي والضفة الثالثة، القصيدة الأخيرة، على الرصيف، مغيب، رد، غريب، ظل الأيام، تردد، الدفء، خطاب التعيين، الوجه الصبوح).

هذا قليل من كثير عن هذا الأديب العصامى فرج مجاهد الذى شق طريقه منافساً كبار الأدباء فى مصر، وهو فى هذا يشبه الأديب الراحل عبدالمعطى المسيرى، والأديب الناقد ثروت مكايد..الذين تعلموا من مدرسة الحياة الصدق والإخلاص،  وطبقوا ذلك على الكلمة...

بن بريك: لغة الروائي/العقربي تجعل القارئ يصرخ كما صرخ العنوان "وجدتها".

يحيى: "يوريكا" رواية فريدة ونادرة، جمعت بين السرد النثري والشعر المرسل.

clip_image002_a4a41.jpg

أقيم في قاعة مكتبة "مسواط" للطفل في كريتر بعدن حفل توقيع رواية "يوريكا" EUREKA، للكاتب الشاب/علاء خالد العقربي، بتنسيق من مؤسسة "عدن أجين" الثقافية، وبالتعاون مع نادي "كلمن" للقراءة، بحضور مجموعة من الأدباء والكتاب والمثقفين وناشطي مجتمع مدني ومهتمين بالأدب.

قدم فيه مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور/عبدالعزيز بن بريك قراءة انطباعية موجزة حول الرواية، حيث قال: "إن الدخول إلى عوالم يوريكا يجعل القارئ يعيش لحظات ممتزجة بالدهشة والإبهار؛ فيمتزج مع الروائي منذ الوهلة الأولى"، مشيراً إلى أن الرواية تميزت بالإحالات الرائعة التي تحمل أنفاس اللغة الشعرية المكثفة، وكذا الومض الحاني، الذي يتتابع مع السردية المفتوحة في ثنايا الرواية، مضيفاً: "اللغة في الرواية تذكرنا بتلك الروح التي يحملها الشخوص وهم يشعون سير الحدث، وما يتطلبه من اتساق في مكامن ما فيها، حيث الخيال السردي معادل للغة الشعرية، التي تحملها".

ويواصل بن بريك: "الرواية بحد ذاتها وما تحمله من عنوان مدهش تبحث عن سؤال ظل يراود الروائي في كيفية الامتزاج بروح الحدث، هذا الحدث المتتابع والمنفصل أحياناً في ثنايا الرواية يمكن القارئ من ترجمة ما يمكن أن يطلق عليه البحث عن الأشياء المتعلقة بالذات والروح، فلم يغب عن الروائي أن يجعل عدن المدينة المعطاءة أن تأخذ هذا الإبهار في زمن الرواية، ويظل الروائي يبحث عن لغة وحدث تجعل القارئ يصرخ كما صرخ عنوان روايته – يوريكا – بما يعني وجدتها".

بينما قدم الباحث في قضايا الثقافة والأدب/علي محمد يحيى قراءة نقدية للرواية، مشيداً: "كتابة الرواية كانت مغامرة حقيقية، لم يجرؤ أحد في السابق على الغوص في مجال محاكاة الملاحم والأساطير؛ فجميعها تنتهي بفراق الحبيبين أو وفاة أحدهما، بينما لدى علاء إصرار الاستمرار بالتواصل مع محبوبته على أمل لقاء قريب يجمعهما، وتميزت تجربته بالجمع ما بين السرد النثري والشعر المرسل، واعتمد خطاب الروائي على منهج الأسلوب الانفرادي – المونولوج – فقد كان طوال الرواية يتحدث عن محبوبته الوهمية، بحيث يجعل القارئ يشعر بأنها موجودة فعلاً، ومع ذلك لم ينسَ اقحام معاناة الناس من خلال محبوبته الأخرى المدينة، عدن".

منوهاً: "كثير من البدايات في مختلف مجالات الفنون والثقافة فشلت، ولكن العقربي تفوق على نفسه في تجربته الأولى؛ بل سجل حالة فريدة بالتجارب الروائية من المرة الأولى، رواية تعد إعجازاً، في مجال تخصصه العلمي والعملي، وهي من النوادر، ولكنها موجودة، سبقه على المستوى المحلي عدد محدود من الروائيين منهم: وجدي الأهدل وحبيب سرور، مع اختلاف طبيعة منهج كل واحد منهم، متخذاً منهجاً صعباً للغاية، لم يتناوله على المستوى العربي إلا عدد محدود من الأدباء"، متطرقاً بإطار نقده إلى أن الرواية رومانسية بمعنى الكلمة؛ إلا أن الغرام فيها احتل جزء يسير؛ فالرومانسية فيها تجسدت بالتخييل الإيجابي، عُكس تراجيدياً، بأسلوب مائل للتجريد وشيء من السريالية، خاطب من خلاله صدى روحه برسالة امتدت طوال زمن الرواية.

وسأل الحضور: هل شاهدتهم فيلم "رسالة من امرأة مجهولة" لفريد الأطرش ولبنى عبدالعزيز؟، ليجيب: الرواية كما هي بعنوانها مقاربة لأحداث الفيلم المُركبة، عن امرأة أحبت رجل دون علمه، ولم يعلم إلا من الرسالة التي وصلته منها، ولكن بعد فوات الأوان، مشيراً إلى الرواية حملت كافة التناقضات لدى الإنسان من الذاتية "الأنوية"، يحب ويكره وقت ما يشاء، يقبل ويرفض وقت ما يشاء، الحب والاشتياق، التملك والتسلط، يبوح الروائي بالأحداث من خلال أبطال روايته؛ ليسمع بها جميع الناس، وليعلموا بقصته مع محبوبته، ويرى أن جمال وروعة الرواية وذكاء الروائي من أنه ورغم ألمه المستمر ومناجاته المتواصلة لمحبوبته التي هي من محض خياله وعلى شخصيتها بنا الأحداث إلا أنه لم ييأس، ولم يصل بالقارئ إلى تلك النهاية المغلقة، وهذا أهم ما في الرواية، متوقعاً أن تكون روايته القادمة أكثر إبداعاً إذا ما أهتم أكثر بعناصر بناء الرواية الملحمية.

تخلل حفل التوقيع قراءة دنيا جميل – أحد أعضاء نادي "كلمن" لفقرات مختارة من بين صفحات الرواية، وتقديم أمير عبدالله لفقرة غنائية رافقه عزفه على آلة العود، وأختتم الحفل بدعوة الحضور لأخذ الأوتوجرافات من مؤلف الرواية، وتوقيع نسخ منها على منصة القاعة، والتقاط صور تذكارية معه.

جاءت الرواية "يوريكا" في 241 ورقة، و18 فصل، وطُبعت بدعم من برنامج "شباب فكر" التابع لمبادرة الشراكة الشرق أوسيطة MEPI، المُعد من قبل ثلاثة من ناشطي عدن، وهم: علاء اسكندر، وعلي الخضر، وعلاء مؤلف الرواية، وهي باكورة أعماله.

يُذكر أن علاء خالد العقربي من مواليد مدينة عدن، 1987م، يحمل شهادة البكالوريوس بـِ "هندسة الأجهزة الطبية"، من كلية الهندسة بالجامعة الهاشمية، في مدينة "الزرقاء" بالمملكة الأردنية الهاشمية، عمل منسقاً للعديد من المنح الداخلية لمنظمات دولية، وكذا منسقاً معتمداً لشركات أدوية عالمية، ومهندساً لأجهزة طبية في عدد من المستشفيات الخاصة، لديه العشرات من المقالات الاجتماعية والسياسية.

المزيد من المقالات...