عبد الرحمن هاشم

"ما أجدرنا ـ نحن القومة على الثقافة العربية ـ أن ننهض بعبء نشر ذلك التراث وتجليته، ليكون ذلك وفاء لعلمائنا، ووفاء لأنفسنا وأبنائنا".. هكذا صدر الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله كتابه (تحقيق النصوص ونشرها*)، الذي يعد أول كتاب عربي يعالج فن تحقيق النصوص ويضع مناهجه ويبحث مشكلاته.

ولم يمل الأستاذ عبد السلام هارون طوال حياته من المناداة بأن تلتزم كلياتنا الجامعية ذات الطابع الثقافي الإسلامي تكليف طلبة الدراسات العالية أن يقوم كل منهم بتحقيق مخطوط يمت بصلة إلى موضوع الرسالة التي يتقدم بها.

تحدث الأستاذ هارون عن الرواية الشفوية العربية واقترانها منذ اللحظة الأولى بالحرص البالغ، والدقة الكاملة والأمانة، فالتزم القوم الأمانة والحرص فيها حين يروون كلام الله وكلام الرسول، بل حين يروون أشعار الجاهليين والإسلاميين وأيامهم ووقائعهم.

وبعد انتشار الكتابة بينهم بدعوة الإسلام وبصنع الإسلام، كتبوا القرآن كله، ولم يكتبوا من الحديث إلا قليلا مخافة أن يختلط الوحي بحديث الرسول في أثناء نزول الكتاب، فكان القرآن الكريم أول نص إسلامي مكتوب يصل إلينا.

ثم استفاض الإسلام واتسعت رقعته، وظهر التدوين والتصنيف في الحديث وفي النحو، وظهرت الكتب في شتى الفنون الدينية محتفظة بالطابع الذي غلب على المحدثين، وهو إسناد الرواية إلى مؤلف الكتاب، وسرت بين المؤلفين قواعد ألزموا أنفسهم بها في السماع والرواية، والقراءة على الشيخ والإجازة، والمكاتبة والوجادة، وهي ذات القواعد التي تكفلت بها كتب مصطلح الحديث فيما بعد بتفصيلها وبيان شرائطها.

كل هذا كان مقروناً بالحرص على الضبط والتصحيح والإسناد حتى القرن الثامن الهجري، كما قال ابن خلدون في مقدمته.

وتحدث الأستاذ هارون عبد السلام عن الخطوط والورق والوارقين، وكيف كان العلماء يستعينون بالوارقين في التأليف، لما لهم من صنعة ومران في سرعة الخط وحسنه.

ولم يخل هذا الميدان من عنصر المرأة، إذ نجد من أسمائهن "ثناء" الكاتبة جارية ابن فيوما، ذكرها ابن النديم فيمن كتبوا الخطوط الأصيلة الموزونة.

ورتب الأستاذ عبد السلام هارون أصول المحققات في درجات:

(1) فأولها نسخة المؤلف الأم، وهي التي وصلت إلينا حاملة عنوان الكتاب واسم مؤلفه، وجميع مادة الكتاب على آخر صورة رسمها المؤلف وكتبها بنفسه، أو يكون قد أشار بكتابتها، أو أملاها، أو أجازها، ويكون في النسخة مع ذلك ما يفيد اطلاعه عليها أو إقراره لها.

(2) وتليها النسخة المنقولة منها، ثم فرعها وفرع فرعها وهكذا.

(3) والنسخة المنقولة من نسخة المؤلف جديرة بأن تحل في المرتبة الأولى إذا أعوزتنا نسخة المؤلف، وهي كثيرا ما تعوزنا.

(4) وإذا اجتمعت لدينا نسخ مجهولات سلسلة النسب كان ترتيبها محتاجاً إلى حذق المحقق. والمبدأ العام أن تقدم النسخة ذات التاريخ الأقدم، ثم التي عليها خطوط العلماء.

والجوانب الجديرة بعناية فاحص المخطوطة:

دراسة ورقها ليتمكن من تحقيق عمرها، ودراسة المداد ليتضح له قرب عهده أو بعده، وكذلك الخط، فيفحص اطراد الخط ونظامه في النسخة، ويفحص عنوان الكتاب وما يحمل صدره من إجازات وتمليكات وقراءات، وقد يجد في ثنايا النسخة ما يدل على قراءة بعض العلماء أو تعليقاتهم.

وأن ينظر إلى أبواب الكتاب وفصوله وأجزائه، حتى يستوثق من كمال النسخة وصحة ترتيبها، وأن ينظر في خاتمة الكتاب لعله يتبين اسم الناسخ وتاريخ النسخ وتسلسل النسخة.

وعليه أن يعي أن لكل مخطوط ظروف خاصة تستدعي دراسة خاصة.

والكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه.

وليس معنى تحقيق الكتاب ـ كما يؤكد عبد السلام هارون ـ أن نلتمس للأسلوب النازل أسلوباً هو أعلى منه، أو نحل كلمة صحيحة محل أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها، أو أجمل، أو أوفق.

أو ينسب صاحب الكتاب نصاً من النصوص إلى قائل وهو مخطىء في هذه النسبة فيبدل المحقق ذلك الخطأ ويحل محله الصواب، أو أن يخطىء في عبارة خطأ نحوياً دقيقاً فيصحح خطأه في ذلك، أو أن يوجز عباراته إيجازاً مخلاً فيبسط المحقق عبارته بما يدفع الإخلال.

أو أن يخطىء المؤلف في ذكر علم من الأعلام فيأتي به المحقق على صوابه.

ليس تحقيق المتن تحسيناً أو تصحيحاً، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ، فإن متن الكتاب حكم على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها، كما أن ذلك الضرب من التصرف عدوان على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير.

وإذا فطن المحقق إلى شيء من ذلك الخطأ نبه عليه في الحاشية أو في آخر الكتاب وبين وجه الصواب فيه، وبذلك يحقق الأمانة، ويؤدي واجب العلم.

أما الشواهد من القرآن الكريم فلما لها من تقدير ديني، لابد أن توضع في نصابها.

وأما نصوص الحديث فإنها يجب أن تختبر بعرضها على مراجع الحديث، لقراءة نصها وتخريجها إن أمكن التخريج.

وهذا أيضاً هو واجب المحقق إزاء كل نص من النصوص المضمنة، من الأمثال والأشعار ونحوها.

وتحت عنوان فرعي هو "مقدمات تحقيق المتن" ساق الأستاذ عبد السلام هارون مقدمات رئيسية لابد منها وهي:

(1) التمرس بقراءة النسخة، فإن القراءة الخاطئة لا تنتج إلا خطأ. وهذا يحتاج إلى خبرة خاصة تكتسب بالمرانة وبالرجوع إلى كتب الرسم الإملائي. ومن أجمع الكتب في ذلك "المطالع النصرية" للشيخ نصر الهويني.

(2) التمرس بأسلوب المؤلف، وأدنى صوره أن يقرأ المحقق المخطوطة المرة تلو المرة، حتى يخبر الاتجاه الأسلوبي للمؤلف، ويتعرف خصائصه ولوازمه.

وأعلى صور التمرس بأسلوب المؤلف أن يرجع المحقق إلى أكبر قدر مستطاع من كتب المؤلف، ليزداد خبرة بأسلوبه.

(3) الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتاب، وهذا يتحقق بدراسة بعض الكتب التي تعالج الموضوع نفسه أو موضوعاً قريباً منه.

(4) الاستعانة بالمراجع العلمية التي لها علاقة مباشرة بالمخطوط، كالشروح والمختصرات والتهذيبات، وهناك الكتب التي اعتمدت في تأليفها اعتماداً كبيراً على المخطوط (الكتاب) فهي كثيراً ما تحتفظ بالنص الأصلي للكتاب الأول.

ويستعين كذلك بالمراجع اللغوية، كمعاجم الألفاظ، والمعاني، والأسلوب، واللغات.

ويذكر هارون أن التصحيف والتحريف هما أكبر آفة منيت بها الآثار العلمية وتنشأ من تشابه صور الخط وتشابه الحروف في النقط. ومن أقدم كتب التصحيف والتحريف ما صنعه أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري وما صنعه الحافظ علي بن عمر الدارقطني.

ومن المستحسن ألا يترك المحقق الكتاب غفلاً من التعليقات الضرورية التي تجعل القارىء مطمئناً إلى النص، ويقتضي التعليق التعريف بالأعلام الغامضة أو المشتبهة، وكذلك بالبلدان التي تحتاج إلى تحقيق لفظي أو بلداني، وغيرذلك مما يستعصي معرفته على خاصة القراء.

ومن جميل العناية بهذا الفن بعد مراعاة الأمانة والدقة، مراعاة حسن الإخراج وهذا يستلزم:

ـ العناية بتقديم النص ووصف مخطوطاته.

ـ العناية بالإخراج الطباعي.

ـ صنع الفهارس الحديثة.

ـ الاستدراكات والتذييلات.

فتقديم النص يقتضي التعريف بالمؤلف، وبيان عصره، وما يتصل به من تاريخ، ويقتضي كذلك، عرض دراسة خاصة بالكتاب وموضوعه، وعلاقته بغيره من الكتب التي تمت إليه بسبب من الأسباب.

وتقديم دراسة فاحصة لمخطوطات الكتاب، مقرونة بالتحقيق العلمي الذي يؤدي إلى صحة نسبة الكتاب والاطمئنان إلى متنه.

ويجب أن يكون الأصل المعد للنشر دقيقاً مراجعاً تمام المراجعة، مراعىً في كتابته الوضوح والتنسيق وأن يكون مستوفياً لعلامات الترقم.

ويستحسن أن يستعان في مراجعة النص المراجعة الأخيرة بعين أخرى غير عين المحقق، لأن القارىء الغريب أيقظ نظراً، وأدق انتباهاً.

وفي الختام ينبه الأستاذ عبد السلام هارون إلى أن عمل المحقق إنما هو تأدية نص المؤلف إلى القارىء كما صنعه المؤلف، لا كما يستحسنه المحقق.

أي أن يحتفظ للمؤلف بهناته وأخطائه. ومن هنا يخطىء كثير ممن يتصدى لتحقيق النصوص فيخلقها خلقاً جديدا طريفاً لم يدر بخلد صاحبها.

ومهمة المحقق إزاء هذه الأخطاء التي لا يرتاب في وقوعها من المؤلف أن يثبتها كما هي، مشيراً في الحواشي إلى ما يراه من رأي في صوابها.

إن تراثنا العلمي كنز ينبغي أن نقلبه المرة تلو المرة، كي نعثر في كل مرة على ما يفيد العلم و الحضارة والإنسان. والله يقول الحق وهي يهدي إلى سواء السبيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*) الطبعة الرابعة، مكتبة الخانجي بالقاهرة 1977م، وكانت الطبعة الأولى عام 1954م.

قبل أن أخوض في عباب بحر هذا الكتاب أود أن أتطرق إلى أمرين هامين هما مصطلح الأدب الإسلامي ونقده، ودور الشعر الإسلامي في الحياة لما لهما من أثر في نظرة المتلقي إلى الشعر الإسلامي المعاصر .

أولا: مصطلح الأدب الإسلامي :

هناك من يعد الأدب الإسلامي المعاصر امتدادا للشعر الإسلامي أو الديني عبر العصور ، وهناك من يعده جزءا من الأدب العربي الحديث ولا حاجة برأيه إلى أن ينفصل عنه ويتمايز ، وآخرون يرونه أدبا بدا في حلة جديدة صدرت عن رجال الصحوة الإسلامية، ومهّد له سقوط الخلافة الإسلامية في 1342هـ 1923م ، ثم نكبة فلسطين 1948م، وواقع الفساد الاجتماعي والسياسي في العالم الإسلامي إذ كانا محركا لهم ليطلقوا مافي قلوبهم من غليان الثورة ضد الظلم والطغيان والعدوان، سعيا منهم لإعادة المجتمع الإسلامي إلى عهد القوة والنقاء والحضارة الإسلامية المرموقة .

     وقد آمن هؤلاء أن الله سبحانه اتخذ من الكلمة الطيبة منارا لتحريك الهمم يوم أن أعلن في كتابه الكريم قوله "ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون([2]) " .

     واستن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم هذه السنة المباركة، وحض الصحابة على أن يدافعوا عن الإسلام وينشروا الخير بالكلمة الطيبة، وموقفه من حسان بن ثابت رضي الله عنه معروف مشهود، كما صحح لكعب بن مالك قوله :

          مُجالدُنا عن جِذْمنا كل فخمة             ............................... 

إذ قال له لاتقل " عن جذمنا " ولكن قل " عن ديننا " ، وبهذا رشّد خطوات الشاعر([4])

    والتزم الشعراء المسلمون الدعوة إلى الله ورسوله بكلماتهم الطيبات ، وكان شعر الفتوحات الإسلامية وقودا يحث المسلمين على مواصلة الجهاد لبناء الدولة الإسلامية الكبرى، ونشر مبادئها السامية في العالم كله .

    ثم جاءت عصور درس فيها القرآن الكريم لمعرفة أسباب جاذبيته ، وبدأ الجمال الفني يبرز في الدراسات اللغوية ... وبدأ النقاد القدامى يبينون مكانة الشعراء ويفاضلون بينهم لمعانيهم أو أساليبهم، وكان من نتائج ذلك ما ذكره القاضي الفاضل عبد القاهر الجرجاني حول شعر المتنبي وأمثاله ممن انحرفوا عن الإسلام إذ قال " فلو كانت الديانة عارا على الشعر ، وكان سوء الاعتقاد سببا لتأخر الشعراء لوجب أن يمحى اسم أبي نواس من الدواوين .. ولكن الأمرين مختلفان، والدين بمعزل عن الشعر "، وقد بين د. حسن الأمراني قصده من هذه الكلمة ، فالجرجاني الذي عرف بتقواه لم ينتقص قدر الالتزام بالإسلام في قولته هذه، ولكنه رمى أن يبين أن الأدب ليس التزاما بالمضمون الإسلامي فحسب وإن كان للمضمون أهميته، ولا أدب فكرة فحسب وإن كان لايتغاضى عن الفكرة، ولكن الأدب يولي الجمال الفني المرتبة الأولى، لأنه إن فقد هذه الصفة فقد فقد صفة الأدب، أي فقد جوهره ، وعند ذلك سمِّه ماشئت إلا أن تسميه أدبا، كما أن صفة التعهر لايسقط عنه صفة الأدب، إلا أنه يسقط عنه صفة الإسلامية([6]) . ولكن دعاة التغريب فسروا قول الجرجاني على أنه انفصام وخصام بين الأدب والفن لغاية في نفس يعقوب .

     ثم إن كثيرا من النقاد المسلمين القدامى نددوا بشعر المتنبي وأبي نواس لمخالفتهما الإسلام، ومن هؤلاء أبو عمرو الشيباني والأنباري والباقلاني، والقيرواني والأصمعي والآمدي، والثعالبي وابن قتيبة وابن بسام صاحب الذخيرة وابن حزم ... وعدوا المضمون أساسا في الشعر ورفضوا ماخالف الإسلام، يقول الأول " لولا ماأخذ فيه أبو نواس من الإرفاث لاحتججنا بشعره([8]) " . وجعل ابن قتيبة " الشعر الجيد ماجاد لفظه وجاد معناه([10]) .

      ولما جاء العصر الحديث وتأثر بعض النقاد بالآداب الغربية المعادية للدين، وتجرأ بعضهم فدعا إلى كسر قواعد اللغة والأخذ بالعامية، وادعى أن الفصحى ماتت بموت أحمد شوقي([12])

     ويمكننا أن نقول إن مرحلة مابين سقوط الخلافة إلى خمسينات القرن العشرين كانت مرحلة تنوير وبدايات للصحوة الإسلامية الحديثة والأدب الإسلامي المعاصر كما يقول د. عبد الباسط بدر ([14]) .

      لم تمض سنوات على هذه الانتفاضة الفكرية والأدبية المعاصرة حتى ازدهر أدبها، ثم نما في السبعينات وما بعدها كما وكيفا ، وكان للأحداث الدامية التي مرت بها الأمة الإسلامية أثر في إذكاء هذا الأدب ، فنكسة حزيران، وحريق المسجد الأقصى، وانفصال باكستان إلى دولتين شرقية تدعى بنغلادش وغربية حافظت على اسمها، وضغوط السلطات غير المتناهي ضد الإسلاميين، وجرائم الصهاينة والصليبية الغربية، وفتك الشيوعية الإلحادية بالمسلمين في الشرق والغرب، والحروب التي استثيرت ضدهم، والفساد الخلقي الذي استشرى قد فجّر هذا كله الطاقات الكامنة، وغذى الدواوين الإسلامية بشكوى ودموع وآهات، ونقد للحضارة الغربية ومناهجها وفنونها، وسعي الأدب الإسلامي لينقذ البشرية مما تتخبط فيه، وصدرت كتب تنظِّر لهذا النقد وتوضح هذا الأدب، منها النقد الأدبي أصوله ومناهجه لسيد قطب ، ومنهج الفن الإسلامي لمحمد قطب ، ونحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد للدكتور عبد الرحمن رأفت باشا وغيرها، وقد بين هؤلاء سمات الجمال الفني في الأدب الإسلامي، وأنه ينبع من تصور إسلامي للكون والإنسان والحياة([16]) "

     وأوضحت الرابطة من خلال مانشرته من كتب ومقالات الشروط التي يجب أن تتوفر في الأديب  الإسلامي ونصوصه ، كما أوضحت معالم المدرسة النقدية الإسلامية :

1-    الأديب الإسلامي :

     الأديب الإسلامي في أي أرض إسلامية يجب أن يكون مسلما ملتزما بالإسلام قولا وعملا ، منفعلا معه ، ويدور حيث دار ، يعيش من أجله وينخرط في أجوائه ، ويسعى لاستعادة أمجاد الأمة سعيا مستديما لامؤقتا ونابعا من أعماقه لامفروضا عليه ، يقول د. نجيب الكيلاني وهو من أوائل المنظِّرين للأدب الإسلامي :" الأدب الإسلامي لايمكن أن يصدر إلا عن ذات نعمت باليقين ، وتشبعت بمنهج الله ، ونهلت من ينابيع العقيدة الصافية ومن ثَمَّ أفرزت أدبا صادقا وعبرت عن التزامها الذاتي الداخلي دونما قهر أو إرغام([18]) .

     يقول د. عثمان مكانسي([20])

2-    النص الإسلامي :

  للنص الإسلامي شروطه أيضا، وقد قسمت الرابطة النصوص إلى إسلامي ومحايد وثالث موافق ورابع مضاد : 

أ‌-       فالنص الإسلامي :

      ماصدر في مضمونه عن مسلم ملتزم بالإسلام في نظرته إلى الكون والإنسان والحياة على مختلف الأصعدة الفكرية والاجتماعية والسياسية، وكان حريصا على إقامة التوازن بين المادة والروح ، والإيمان والعقل ، والدنيا والآخرة ، والفرد والمجتمع ، والمتعة والانضباط، والثبات والتطور، وكان لايحمل أحقادا أو نعرات مناوئة للإسلام، ولم يكن فيه مايخالفه، يقول الشاعر مقبل عبد العزيز العيسى :

أي حرف ضم فكرا واعيـــــــــــــا     لم أتوِّجــــــه بتقبيـــــــــل جبيــــــــــــــــن

مااجْتَويْتُ الفكر حـــرا واعيـا    ضاق من جهل ومن قيد مهين([22])

    فالشاعر يعجب بالفكر الواعي الذي يضيق ذرعا بالجهل والظلم، ويمقت الفكر المعادي للإسلام المستمد من ظلمات الغرب الحاقد .

     وإذا كان الحداثيون قد رفضوا كل قديم فإن الأدب الإسلامي لايعادي كل جديد ، كما أنه لايرى  كل جديد محمودا، بل يقف موقفا وسطا ، فالثوابت لااجتهاد معها، والانفتاح على الآخر يجب أن يكون بوعي ، والتجديد حرية وقيد ، وكل حرية لها قيود وضوابط([24]) .

   أما من حيث الشكل الفني فإن تعريف الأدب الإسلامي اهتم بفنية النص، فهو" تعبير فني هادف"

وكل نص لاجمال فيه لايعد من الأدب في شيء، ولايبرر للأديب مضمونه الجميل إن كان نصه ركيك الأسلوب،إذ لا تفريط في أحد عنصري الأدب" الفني الهادف "، يقول الشاعر عبد الولي الشميري([26])

     فالشاعر حدد متطلبات الشعر وهي العاطفة المنفعلة، والمعنى الممتزج بالعواطف، والأخيلة، واللغة المشرقة، والموسيقا العذبة كما في شعر حسان بن ثابت ، وإلا فلا، ولايمكن أن نعد ماقاله أدونيس شعرا لأنه خالف قواعد اللغة الفصحى، بل دعا هو وأمثاله من الحداثيين إلى التخلي عنها وتحطيم قواعدها مع أنها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي وقد حملت الدين والتراث، وعلى الأديب المسلم أن يلتزمها ولا يقبل منه الانزياح عنها كما فعل الشاعر أحمد مطر في قوله :

    الدرج الحالي بزيزفون

    والفوقه تعرش ياسمينة

    للحلوة التخطر كالظنون([28]) :

ليس شعري لفظا وسبكا وجرسا     بل شعورا فيه التعابير تغرق

أنا لاأعرف التصنع في شعري      فشعري سجيتي حين تطلق

كلما عاقني عــــن الخير شر     أرغد السخط في كلامي وأبرق

    كلمــا راقني جمــــــال بديــــــــــــع      لمع الحُســـــــــن في بياني وأشرق([30]) :

     أعتنق النور الذي يشدني إلى السماء

    وأجتلي حقائق الوجود

     في برزخ يموج بالضياء

    مضمخ بالعطر .. والجمال .. والبهاء ..

    يغمسني في جنة الطيوب

    الروح من عقالها

    كنفحة الأريج تنتقل

     وترتقي في سلم الخلود

     كطائر يعرج في صعود([32]) ، بينما قبل الشاعر د. عماد الدين خليل ود. وليد قصاب وأحمد محمد الصديق وناجي صبحة وكثيرون شعر التفعيلة، ورفض د. النحوي قصيدة النثر لعلاقتها بالحداثة ولأن فيها تداخل الأجناس الأدبية، ودافع د.عبد المنعم يوسف([34]) .

    وينأى الأدب الإسلامي عن المصطلحات الغربية المتعددة المشارب والمصادر لعلاقة هذه المصطلحات بفلسفة الغرب لأن المصطلح ليس مفردة فحسب بل هو مكتنز بدلالات لها معان متعددة يحار الدارس بينها مما يؤثر على فهم النص، فالواقعية عند الفلاسفة غيرها عند الساسة، ولأن في لغتنا بدائل ولنا من غناها مايساعدنا على الاشتقاق واستحداث ألفاظ حضارية جديدة، وقد أدخل العرب الأوائل إلى العربية ماأخضعوه للنظام اللغوي العربي فكان ضمن تراكيبهم ، وبهذا النظام نمنع إدخال مايخالف قواعد النحو والصرف العربية مما يشوه جمال لغتنا من أمثال مصطلح الزمْكانية، ويُمَشْكل، ويساوق ... ([36]) .

ج- النص الموافق :

     وهو ماصدر عن غير مسلم ولم يكن فيه مخالفات شرعية كما في شعر جاك صبري شماس([38]) لصموده أمام الصهاينة ، يقول فيه :

ياشيخ طرّزت البطولة بالفدا     فتخضّب التفاح والليمون

وتمايست قمم العروبة نشوة     وسهول غزة عسجد وفتون

ولأنت ياشيـــــخ المرافئ شعلة      للثائريـــــن شكيمة ويقيـــــن

علمتــَـــــــنا أن السيادة مــــوقف     ومبــــــادئ وأمـــانــــــــة وأمين([40]) "

من ذلك قول نزار القباني([42])

     ومثل هذا الشعر لايسمن ولايغني ، بل يفسد ويردي ، ويجعل صاحبه تائها حائرا لايدري ماضيه ومستقبله .

ثانيا : المذهب النقدي الإسلامي :

    الأدب هو تعبير عن نِظرة أو فلسفة تجاه الوجود والعالم ، فإن كانت حسب المنظور الإسلامي كان المذهب الذي اتبعه إسلاميا، وإن كانت مادية كان مذهبه ماديا .

1- انحراف المذاهب الغربية نحو المادية :

أ-فالمدرسة الاتباعية تعود جذورها إلى الوثنية الإغريقية، وتدعو هذه إلى محاكاة الأدب الإغريقي الذي يقدس العقل ويعلي شأن الطبقات العليا في المجتمع وينظر إلى الطبقات الفقيرة على أنها حاملة الخطايا كما ذكر لافونتين([44])

فهل يفتدي الملوك فرعون الملحد؟ وهل عظمت فطرته وهو الذي كفر برب العالمين، ومن هم السفهاء الذين حاولوا أن يقودوه؟ وكيف تكبر ذاته عن أن تحصي ثناها الأسماء والألقاب ؟ لقد رفض أبو عمرو الشيباني أن يحتج بشعر المتنبي وأبي نواس لفسقهما ولقول المتنبي :

أي محل أرتـقــــــي      أي عظيم أتَّـقي

وكل ماقد خلق الله -  ومـــا لم يخلـــــق

محتقــــــر في همتي      كشعرة في مفرقي([46])

      ولذلك تصدى له الشعراء الإسلاميون فقال ربيع السعيد عبد الحليم([48]) :

دعوني أقدس خيال الحبيب       ولا تنهروا من يناجي القمر

فكم قد سجدت لذاك الجمال     فلما هجرت عبدت الصور

     وهذا مادعا الشاعر د. عدنان النحوي([50])

     ويقول في استنكار لهذا الأدب :

أدب التائهـــــــين ليــــــــلٌ وخمــــر      بين كأسٍ مُحطَّـــــم أو غِيـْــــــد

أدبٌ ذلَّ في الفجور ونامت       بين أجفانه جفون العبيد

   سوف يفنى مع الزمان ويبقى   أدبُ الحق شعلةً في الوجود([52]) يدعوان إلى مقاومة المحتل واستعادة الماضي العزيز، يقول الثاني :

ياشرق ليتك تستعيد حلاوة الماضي السعيد

أيام لم تدرِ الخنوعَ ولا استكَنْتَ إلى الجمود

وصدى البطولة والإباء يرف في سمع الخلود

فاعصف بقيدك إن عزم الحر يعصف بالقيود

    أما الشاعر جبران خليل جبران فكان يحارب اللغة العربية وكلمته " لكم لغتكم ولي لغتي " معروفة .

ج-أما مدرسة الفن للفن فتستبعد الدين والأخلاق، وتعطي الأديب الحق في أن يقول مايريد دون ضابط شرعي أو خلقي لأن غايته الإمتاع لاالتعليم ، ولهذا كثر عندهم تصوير المجون([54])

 فرد عليه د. وليد قصاب([56])

     ويقول د. عز الدين مختار : " يجب ألا نغض الطرف عن هذا النيل من الدين وأن نكتفي بجمال الشعر... إن نظرية الفن للفن في حقيقتها وهي تفصل الأخلاق عن الفن، تفصل الفن عن الدين وتقوم على علمنة الفن ... وقد أدى هذا الاستخفاف بالدين والأخلاق والانحراف إلى المجون والإلحاد ... وهذا الفصام بين الدين والفن كان داعيا من دواعي الأدب الإسلامي الذي يتبنى أنصاره تصحيح هذا المفهوم المغلوط للعلاقة بين الدين والفن([58]) " ، وقال عبد الوهاب البياتي في إحساس بالانتماء والحب لموسكو :

    وصرخت أني لست يا موسكو وحيد

    مادام قلبك يحتويني

    يحتوي حب الجميع([60]) في قصيدته لغة الخطيئة :

    أحرق ميراثي ، أقول لأرضي

    بكر ولا قبور في شبابي

    أعبر فوق الله والشيطان 

   دربي أنا من دروب الإله والشيطان

       أهتف : لاجنة ، لاسقوط بعدي

       وأمحو لغة الخطيئة([62])

    وأحب أن أشير إلى أن التعبير عن الواقع ليس حكرا على هذه المذاهب الواقعية ، فالأدب الإسلامي يتحدث عن واقع الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها لأن مهمته أن ينقل إلى الآخرين بالكلمة المعبرة مايحدث وما يجب أن يكون([64]) ، كما درس د. نسيب نشاوي الأدب الإسلامي ضمن حديثه عن المدرسة الواقعية، ويقول الشاعر خير الدين وانلي([66]):

ياشاعر الجنس الرخيص قد استوى      في عرفك الصديق والمرتاب

قد عشت للّيـــــل المعربد والخنـــــــــا      لم تَخلُ من خمر لك الأكواب

                       ونديمـــك الخمار مسلوب الحجا     وعدوك القـــــــرآن والمحـــــــــــــــراب([68]) .

وأما نظرية التلقي فتترك فراغات في القصيدة يملؤها القارئ بما يشاء، ويفسرها المتلقي كيفما يشاء من ذلك :

     تجعل النار أيامي                                                                            

    ..... أنثى ..... تحت نهديها      ( أيامي أنثى صليل تحت نهديها )

       والإبط آبار .....                ( والإبط آبار دمع )

      ..... نهر تائه                     ( أيامي نهر تائه )(clip_image001.png                                                  1930    الشمس قدم طفل

        عرفت أقل من امرأة

                   لأنني تزوجت بأكثر من امرأة

الزواج غبار

clip_image002.png           1933 نبتة تشعل قنديلا

                                                  الجسد أطول طريق إلى الجسد([71])

    ويقول الفيتوري

    ليس على الأرض سوى الإنسان

    ماثَمَّ إله يتجبر

    كذب ماقالته الأديان([73]) في أدب هؤلاء :

ياأيها الأدباء أضحى الفـــــــن بالإيمان جحـــــــــــــدا

ياأيهــــــا الأدبـــــاء صــــــــار الشعر للتزييــــــــف نـــــــــدا

كم من ضلالات الفنون تزيد في التضليل بعدا

والجنس في الآداب يهــــــدم مابنـــاه الديــــن وَأْدا([75]) بالبعد عن هذه الضلالات الإلحادية لأنها تودي بحياة الأمم فيقول:

أرى فكرة الإلحاد كارثة الحجى      يصاب بها أرقى الشعوب فينهار

فدم ساميا بالشعر عن كل شبهة       وكل ضلال ألحدت منه أفكار

2-المذهب النقدي الإسلامي وأسسه الفلسفية :

       إزاء هذا التردي كان لابد من وجود أدب ونقد إسلاميين يحملان رسالة الإسلام، ويتصديان لهذه الآداب دون أن يحاربا من الآداب  الغربية ما لايخالف الإسلام، وكان لجهود الشيخ أبي الحسن الندوي ، و د عبد القدوس أبو صالح ، و د. عبد الرحمن رأفت الباشا و د. عماد الدين خليل وغيرهم من جهابذة الأدب الإسلامي ونقده أثرهم في ترسيخ المذهب النقدي الإسلامي ووضع أسسه ، وقد أوضح د. عماد الدين خليل أن أي مذهب يجب أن ينظر إليه من خلال :

1-معطياته الأدبية على اختلاف أجناسها .

2-الرؤية الشمولية لهذه المعطيات .

3-النقد التطبيقي الذي يضيء جوانب الإبداع ويبرز قيمه الفنية .

4-المنهج ، وهو أداة العمل وأسلوب التعامل مع المعرفة وطريقة من طرق التحاور، وهو يدرس الظاهرة الأدبية عبر مساراتها زمانا ومكانا، فإذا كان المنهج الغربي يفصل الدين عن الحياة فإن الله في المذهب الإسلامي هو

 الهدف وإليه المسعى كله والمآل([77]) ناقدا شعراء الواقعية الجديدة الذين باعوا أدبهم للسلطة :

أنا قلمـــــــــي غنيٌّ صـــــــــــامـــدلم      يخـــــض أبـــــــدا بحــــــار الانتفـــــــــــــاع

أنا الشبعان قد سيرتُ جوعي      ولست أسير في ركب الجياع

أنا حَـــــرْفي بنور الله يسمو     وفيه يظـــــــــــل نجمي في ارتفاع

لئن بيــــــع الأديب فإن مثلي    مصـــــون العرض حر لايبـــــاع

    والمنهج  النقدي الإسلامي يستند إلى مرتكزات فلسفية إسلامية في مضمونه وفنيته :

أ-فمن حيث المضمون : يتطلب منه أن يحقق أمورا هي :

1ً-الربانية : وتعني أن يكون الأديب الإسلامي مرضيا لله سبحانه فيما يقوله، غير خاضع للأهواء مهما كان مضمون الشعر عقائديا أو اجتماعيا أو سياسيا، يقول د. فاضل السامرائي([79])

5ً-الواقعية : فالأدب الإسلامي يتحدث عن واقع الأمة الإسلامية من غير جنوح إلى مادية أو تصوير يزين منكرا ، أو جموح إلى أوهام .

6ً-الإيجابية : فالأديب المسلم نشِط يسعى لخدمة أمته بآدابه

7ً-الجمع بين الثبات والمرونة : فهناك ثوابت عقائدية لا يتخطاها المسلم ، ومرونة مع التراث ، ويقبل من الشاعر ما لايتعارض مع نص شرعي قطعي .

8ً-الوضوح : للفكرة أو للشكل الفني ، قال تعالى " الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان([81]) ، يقول الشاعر أحمد بن روان([83])

ب-أما من حيث الشكل الفني : فإن الأدب الإسلامي تعبير فني هادف، و الجمال الفني يعلي من شأن الجمال المعنوي، وقد اتهم الأدب الإسلامي بالسطحية لأنه يجنح إلى الوضوح والمباشرة في معظم نصوصه([85])، ويقول الأخير : 

أنا لاأدافع حين أنشد عن قلوب الوالهين

فقلوب أهل الحق لاتخشى الصبابة والأنين

والقلب حين تناله الأشواق يحرقه الأنيـــــــــــن

إنا سنعلنــــــــــــــها فما نهوى الشباب التائهين

نهوى شبابا أريحيــــــا يرتـــــــــدي ثوب اليقيـــــــــــــن

ويـــــــردُّ عن أوطانـــــــــه بالعـــــــزم كيـــــــــد الخائنين

متوقد العزمات ذا شرف وذا خلـــــق ودين

يعلو بدين الله في صف الرجـــــال الخالدين

      أرأيت أجمل من هذه المعاني النابعة من قلب مؤمن صادق، ولقد جاءت في موسيقا ذات رنين عذب، فهي على البحر الكامل المذيل([87]) " .

ثالثا- : أهداف الأدب الإسلامي ومذهبه النقدي :

   يمكننا أن نقول إن من أهداف الأدب الإسلامي ونقده :

1-ربط المسلم بخالقه وجعله يحس بمسؤوليته تجاه ربه والإنسانية .

2-التهذيب الخلقي لتحصين الجيل بأدب راقٍ لاهدام .

3-المتعة لأنه فن جميل يلتذ قارئه بمعانيه وعواطفه، وصوره وموسيقاه .

4-التعليم فهو ديوان العرب والمسلمين، وحافظ لتاريخهم المعاصر .

5-مشاركة الأمة في أفراحها وأتراحها، وإظهار الأخوة الإسلامية في أسمى معانيها .

6-الوقوف في وجه الآداب الغربية وفلسفاتها الإلحادية .

7- إطلاع الأمم الأخرى على الفكر الإسلامي من خلال نشر هذا الأدب في أجهزة الإعلام ، وقد أشار الشيخ أبو الحسن الندوي([89])

   فالشاعر الإسلامي تعب لينقذ البشرية من أدرانها ، ويحقق للمسلمين حياة العزة والكرامة ، ويقول سيد

قطب([91])

    ولهذا راح الشاعر الإسلامي يتبنى قضايا الأمة  متابعا خطا سلفه حسان بن ثابت في دفاعه عن الإسلام والتزامه قضاياه وهذا ماعبر عنه د. عبد القدوس أبو صالح بقوله :

أنا شاعر الإسلام واكبت  الدهور ندى ورفدا

أنا شاعر الإسلام ناصرت الرسول وبي يفدّى

أنا شاعر الإسلام أستهدي كتاب الله رشدا

هتفت بي الأكوان أقدم إن أردت اليوم خلدا([93]) أن الجهاد بالكلمة لابد أن تؤتي أكلها بإذن ربها فتكون كالسيف مضاء أو كالنور هداية ، يقول :

قاتل بشعرك إن مس الحسام أذى     واسحق بنثرك ماتخفي الأباطيل

            فالكلمــــــــة الحق سيف يستظـــل به     مؤيَّــــــــدٌ من سيـــــــوف الله مسلول

      وقد أوضحت الشاعرة بشرى عبد الله([95])

      ويُعجَب الشاعر ناجي صبحة([97])

   ويجعل الشاعر د. محمد صيام([99])

    وكذلك كان شعر الأميري مناجاة لله سبحانه وقُربى، مع دعوة إلى العلم والمجد في شمولية إسلامية، يقول :

إنه سبحة إلى الله عبر النو     ر في جو قدسه معصومة

    إنه فطــــــرة إلى المجد تــــــــــرنو      وإلى العلم والحجا منهومة([101]) بالشاعر الذي يطري حاكما وينسى جرائره أو تقاعسه عن نصرة المسلمين فيقول :

قد حسبنا عهد التكسب ولى      في بلاط الملوك والأمراء

هو فوق المراء والمين ما عا        ش وفوق الخنوع والأهواء([103]) :

فهذه عين جالوت فلا عجب     إذا التقى بدماها فيك حرُّ دمي

ذرني أدق طبـــــول الحرب داوية     والشعر أضوأ من نار على علم

حتى يرى العمْيُ نور الفجر من ورقي     ويسمع الصم همس الريح من نغمي

      وقد أقض مضاجع الشعراء الإسلاميين إهمال اللغة العربية لغة القرآن الكريم فاتخذوا من الشعر وسيلة

للتعريف بأهمية الفصحى والتنديد بالدعوات المعادية لها ، يقول د. جابر قميحة([105])

    وكان بعض الشعراء ينظرون إلى الحياة بنظرة تفاؤلية ويروحون يهدون قصائدهم إلى من يصنع المجد ويحرر الأرض ، يقول د. محمد صيام :

قالوا إلى من سوف تهدي ما تدبج من قصيد ؟

فأجبتهـــــــم إني أرى أمــــــــــلا يلـــــــــــوح ومن بعيـــــــــــــــــد

من فتيـــــــــــة غــُــــــــرٍّ كرام صارمي القسمات صيد

وسيصنعـــــــــــــــون لهذه الأوطــــــــــــــــان غايــــة ماتريد

ويحـــــــــتررون تـــــــــــــرابها من كل شيطــــــــــــــان مريـــــــــــــد([107]) بمستقبل إسلامي زاهر لأن المرء لايستطيع أن يتحمل الجهالات طويلا :

عاد الربيع وفي أذياله نذر      حذار أن يرجع الإسلام مغتربا

حذار أن يمسخ الإنسان فطرته     فيستسيغ ضلالات وينقلبا([109])

مزقــــــــــت كل قصائدي الأولى     أبليتهــــــا من قبـــــــل أن تبلى

أحرقتهــــــا وقعدت أنظرهــــــــــــــــا    والنــــــــار تأكل فكرتي أكـــــــلا

وكما يموت الصدق في زمني     مات القصيد ولامس الوحلا

                   أوَبعـــــــد أن ضاعت معالمنـــــــا    أوَبعـــــــــد أن عهــــــــدُ الهنــــــــــــا ولى

يأتي فتى للشعــــــــــــر ينظمـــــــه     إن السكــــــــــــــــوت بمثلنــــــــا أولى([111])

    أما الشاعر د. يوسف القرضاوي([113])

[2] -سورة الشعراء /224-227

[4] - الطبقات الكبرى لابن سعد  4 / 54 ، وكلكل : الصدر من كل شيء ، وقيل هو مابين الترقُوَتين : لسان العرب مادة كلل، وجِران : باطن العنق وقيل مقدمه ، لسان العرب مادة جرن .

[6] - مجلة الأدب الإسلامي ع 69 س 1432هـ 2011م ، د. عز الدين مختار ، مذهب الفن للفن في ميزان النقد الإسلامي / 8

[8] -الالتزام في الشعر العربي / 80

[10] -إعلام النبلاء 2 / 329

[12] -  مجلة الأدب الإسلامي م5ع17، نصر الدين دلاوي ، إشكالية الأدب الإسلامي في النقد الحديث / 103

[14] - مجلة الأدب الإسلامي ع45 س1426هـ 2005م ، د. عماد الدين خليل ، مفهوم الأدب الإسلامي ، إشكالية البعد التراثي / 4

[16] - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد / 113، وجريدة الخليج ع 7565 في 4/2/2000م حوار مع د. عبد القدوس أبو صالح .

[18] - مجلة الأدب الإسلامي عدد خاص عن عبد العزيز الرفاعي م14 ع54 ربيع الأول 1428هـ 2007م،عبد العزيز الرفاعي ، الأديب المسلم بين الالتزام والإبداع / 77

[20] - من رسالة للشاعر في 2010م

[22] - مجلة الأدب الإسلامي م1 ع4 ربيع الثاني 1415هـ إيلول –ت2 س1994م، مقبل عبد العزيز العيسى، النبع الهجين / 79

[24][24][24] - مجلة الأدب الإسلامي ع2 س2 ، 1415هـ 1995م د. محمد رجب البيومي، ظاهرة الأدب المكشوف في كتب التراث /28

[26] -مجلة الأدب الإسلامي م10ع37س1424هـ2003م ، محمد عبد الشافي في حوار مع الدبلوماسي اليمني الشاعر عبد الولي الشميري : الأدب الإسلامي جاء ردا على موجة التغريب العاتية / 20

[28] - عمر بهاء الدين الأميري (1915-1992م) شاعر من حلب بسورياأسس حركة سوريا الحرة في 1953م ، له دواوين كثيرة منها مع الله ونجاوى محمدية وحجارة من سجيل : معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 922 

[30] - أحمد محمد الصديق شاعر من عكا بفلسطين ولد 1941م ، له دواوين كثيرة منها الإيمان والتحدي وقادمون مع الفجر ، وله أناشيد الطفل المسلم ، وقصائد للفتاة المسلمة : معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 156، ومعجم شعراء الطفولة / 56

[32] - مجلة الأدب الإسلامي ع69 س1432هـ 2011م، بوبكر عبد الحليم ، قراءة في كتاب الشعر المتفلت بين النثر والتفعيلة وخطره ، تأليف د. عدنان علي رضا النحوي / 59

[34] - مجلة الأدب الإسلامي ع 45 1426هـ 2006م حوار مع شمس الدين درمش ، قصيدة النثر من منظور إسلامي / 44-48

[36] - مجلة الأدب الإسلامي ع 68 س 1431هـ 2010م ، صديق بكر عيطة ، بين الأدب افسلامي والأدب العربي العام / 25

[38] - الشيخ أحمد ياسين( 1936-2004م) مؤسس حركة حماس الجهادية في فلسطين بعد نكسة حزيران ، اعتقل في 1965م وفي 1989-1997م ، واستشهد بقصف الصهاينة لسيارته : الشيخ أحمد ياسين مجددا / 19

[40] - سورة المائدة / 50، وينظر لذلك في مجلة الفتح ع22و، 23س1423هـ، د. وليد قصاب ، أبرز الملامح الفكرية للحداثة / 38

[42] - مجلة الفتح ع 22و 23 ، س1423هـ، د. وليد قصاب ، أبرز الملامح الفكرية للحداثة / 38  

[44] - ديوات الشوقيات 1/ 20-21

[46] - ديوان إيليا أبو ماضي / 95

[48] - أحمد زكي أبو شادي ( 1892-1955م) شاعر من مصر ألف مدرسة أبولو النقدية ومجلتها الأدبية التي تحمل الاسم نفسه : يوميات أحمد زكي أبو شادي / 5-6، والشعر في نفسه ص 142

[50] - مجلة الأدب الإسلامي م7 ع25 س1421 أحمد محمود مبارك ، قراءة في ديوان مهرجان القصيد للدكتور عدنان النحوي / 51

[52] -د. عيسى الناعوري شاعر أردني أصدر مجلة القلم الجديد في 1953 ، له مؤلفات منها أدب المهجر ، وإيليا أبو ماضي ، وله دواوين وقصص : مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية /307 ، والشعر في نفسه / 308

[54] - أشعار من زمن القهر / 58

[56] - أشعار من زمن القهر / 58

[58] - مجلة الفتح ع16-17 س1422هـ ، د. عبد القدوس أبو صالح ،حوار عن الأدب الإسلامي / 20

[60] - أدونيس شاعر سوري من جبلة يدعى علي أحمد سعيد ولد 1930م ، أصدر مع يوسف الخال مجلة شعر في 1957م ثم مجلة مواقف  ، له مؤلفات ودواوين حداثية منها أغاني مهيارالدمشقي ، والمسرح والمرايا : مدخل إلى دراسة المدارس / 500

[62] - الحداثة في الشعر العربي المعاصر / 168

[64] - مجلة الأدب الإسلامي م6ع24 س1420هـ عبده زايد ، قضية المصطلح الإسلامي

[66] - يوسف العظم (1931-2007م) شاعر من معان بالأردن ، أسس مدارس الأقصى في عمان بالأردن ن له دواوين كثيرة منها في رحاب الأقصى والفتية الأبابيل وعرائس الضياء : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1487م ووفاته من مجلة الأدب الإسلامي ع56س 1428ه تموز 2007م، صفحة الأخبار ص 102

[68] - مدارس النقد الأدبي الحديث / 176-185

[70] - الحداثة العربية / 82

[72] - نفسه / 96

[74] - من الشعر الإسلامي الحديث / 11

[76] - مجلة الأدب الإسلامي م5 ع19 س1419هـ ،1998م ، د. جابر قميحة ، شمس من المغرب / 84 ، وم7 ع25 س 1421هـ  د. عماد الدين خليل ، ثنائية الأنا والآخر / 13

[78] -فاضل بن صالح السامرائي شاعر من سامراء العراق له مؤلفات كثيرة منها بلاغة الكلمة في التعبير القرآني ، ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل، وعلى طريق التفسير البياني: القصيدة الإسلامية / 299والشعر/308

[80] - سورة الرحمن / 1-4

[82] - أحمد بن روان شاعر من الجزائر ولد 1965م، له ديوان المعراج الصعب : معجم الأدباء الإسلاميين1/121

[84] - ينظر رأي د. نبيل قصاب باشي فيه في مجلة الأدب الإسلامي ع 71، شعبان-شوال س1432هـ تموز –إيلول 2011م  بعنوان نظرية الأدب الإسلامي بين التطرف الحداثي والتطرف التقليدي /42

[86] - التذييل هو علة بزيادة ساكن على الوتد المجموع في آخر التفعيلة فتصير متفاعلن متفاعلان : الشافي في العروض والقوافي / 229

[88] - أبو الحسن علي بن عبد الحي الندوي (1914-1999م) ولد في قرية التكية شمالي الهند كان عضو رابطة الأدب الإسلامي من مؤلفاته ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، والصراع بين الإسلام والمادية ، وقضية فلسطين: موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1/ 31

[90] - سيد قطب (1906-1966) شاعر من أسيوط بمصر مات بالإعدام ، له تفسير في ظلال القرآن ، وقصص وديوان شعر : معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 567

[92] - من الشعر الإسلامي الحديث / 78

[94]- بشرى عبد الله شاعرة من الشارقة بالإمارات ، لها ديوان مرافئ : من لقاء مع الشاعرة في 2007م

[96] - ناجي مصطفى صبحة شاعر من فلسطين ولد 1937، له ديوان جراحات : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1403

[98] - د. محمد صيام من عسقلان بفلسطين ولد 1937م، لد دواوين منها ديوان الانتفاضة ودعائم الحق وسقوط الرفاق : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1169 ، والشعر في / 1170

[100] - دواوين الشعر الإسلامي /167

[102] - ماكياجات أمريكية الصنع /30

[104] )د. جابر قميحة من الدقهلية بمصر (1934-2012م) له مؤلفات ودواوين منها الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود أو ملحمة الكلمة والدم، الزحف المدنس ،لجهاد الأفغان أغني : معجم الأدباء الإسلاميين 1/257 ولوفاته : مجلة الأدب الإسلامي ع79 ص27-28

[106] - معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1170

[108] - من الشعر الإسلامي الحديث / 253

[110] -دواوين الشعر الإسلامي / 204

[112] - د. يوسف القرضاوي شاعر من محافظة الغربية بمصر ولد 1926هـ له مؤلفات كثيرة منها الخصائص العامة للإسلام وديوان نفحات ولفحات ، والمسلمون قادمون، وعالم وطاغية : معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1498،وموسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 2/ 639

[113]- الموقع الإلكتروني للدكتور يوسف القرضاوي .

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

رُؤى ثقافيّة 169

(20- بين شواهد الآثار وغرائب الأحبار!)

تشير النقوش العربيَّة المعينيَّة والسبئيَّة، من جهة، والكتابات المِصْرِيَّة، من جهة أخرى، خلال الألف الأُولى قبل الميلاد، إلى قيام علاقات تجاريَّة بين جنوب الجزيرة العربيَّة و(مِصْر)، لاستيراد بعض الصادرات العربيَّة، كالمُرّ، واللُّبان، والعُطور، والتوابل، والصوف، والشِّياه، والإبل، والأخشاب.  وكذا قيام علاقات مصاهرة، أو علاقات دِينيَّة، ولاسيما تلك المتعلِّقة بالمعبودة المِصْريَّة (إيزيس).  وقد سُجِّلت هذه المعلومات في نقوش اليَمَن، كما عُثِر على نقشٍ واحدٍ يشير إلى اتِّصالٍ ما بمِصْر في (مملكة كِنْدَة)، وذلك  في (قرية الفاو)، جنوب غرب (السُّلَيِّل)، التي تبعد عن (الرِّياض) حوالَى 700كم إلى الجنوب الغربيّ، و150كم إلى الجنوب الشرقيّ من الخَـمَاسِيْن، في المنطقة التي يتداخل فيها (وادي الدواسر) ويتقاطع مع جبال (طُوَيْق)، عند فُوَّهَة مجرَى قناةٍ تسمَّى: الفاو.(1)  لكن ذلك كلّه إنما يبدو نتيجةً لإيلاف العرب إلى مِصْر متاجرين، لا أكثر من ذلك، ممّا أسرف (كمال الصليبي) في افتراضه.  أمَّا حين يَرِد في تلك النقوش مصطلح "م ص ر ن" فإنما كان يشير- حسب المختصِّين في قراءة النقوش اليَمَنيَّة- إلى (دادان، أو العُلا حاليًّا، شَمال غرب السعوديَّة).  وكانت مفردة "مِصْر" تُستعمل بمعنى: حَدّ، أو نِطاق، أو إقليم، مذ ذلك التاريخ، كما في الأكديَّة، وهو ما بقي حاملًا الدلالة ذاتها في العربيَّة الفصحى.  وأمَّا في النصوص المِصريَّة الهيروغليفيَّة، فظلّت الإشارات إلى الجزيرة العربيَّة نادرة، إلى قرونٍ متأخرةٍ قبل الميلاد، وغير مؤكَّدة، أو عموميَّة الدلالة ومبهمتها.  وهذا لا ينمّ على أنها كانت لمِصْر أيّ مستعمرات تاريخيَّة في جنوب جزيرة العرب، فضلًا عن أن تكون بالغة التطوّر وثيقة الاتصال بحضارة وادي (النِّيْل)، من قَبيل ما افترضه الصليبي.  بل إن عكس ذلك هو ما تدلّ عليه الوثائق المِصْرِيَّة القديمة، (الديموطيقيَّة واليونانيَّة)، وهو وجود جاليات عربيَّة مستوطنة في مِصْر، كان أفرادها يعملون في العسكريَّة، أو التعليم، أو الزراعة، أو الرعي، ونحوها من الحِرَف.  ما ينفي أن استيطان العرب مِصْر ما جاء إلّا بعد الفتح الإسلامي.  والعرب معروفون عبر التاريخ بحُبّ الترحُّل والمغامرات في ارتياد الأمصار.  ولذلك لا غرابة أن نجد أن المؤرّخين الكلاسيكيين، كالمؤرِّخ الإغريقي الروماني (سترابو Strabo  Στράβων، -24 ب.م)(2)، كانوا يُطلِقون على المنطقة الشرقيَّة من مِصْر، الواقعة بين النِّيْل وما كان يسمّيه سترابو "الخليج العربي"- مشيرًا إلى البحر الأحمر- تسمية: "العربيَّة"، أو إقليم العرب؛ لاستيطان العرب في تلك المنطقة؛ ناصِّين على هذا بقولهم، مثلًا:

"The country between the Nile and the Arabian Gulf is Arabia."

  جديرٌ بالإشارة هنا أن الصليبي لم يأت بجديد- في حقيقة الأمر من أصل افتراضاته- وإنما ردَّدَ نظريَّة توراتيَّة أكل الدهر عليها وشرب، ثمَّ انتسخها من اليهود بعض المؤرِّخين العرب.  كلّ ما فعله أنه أسرف في تبنِّي تلك النظريَّة واعتقادها ومدِّها وتوسيعها والتماس ما رآه من مؤيِّداتها، ومهما كلَّفه ذلك من تعسُّف.  تلك النظريَّة النَّسبيَّة التوراتيَّة تذهب إلى أن (سبأ) ليس بـ(سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان)، كما يقول العرب، بل هو (شبأ بن يقشان بن إبراهيم)!  ففي (العهد القديم) نقرأ: "وعَادَ إِبْرَاهِيمُ فأَخَذَ زَوْجَةً اسْمُهَا قَطُورَةُ، فوَلَدَتْ لَهُ: زِمْرَانَ، ويَقْشَانَ، ومَدَانَ، ومِدْيَانَ، ويِشْبَاقَ، وشُوحًا.  ووَلَدَ يَقْشَانُ: (شَبَا)، ودَدَانَ."(3) ومن ثَمَّ فإن القبائل اليَمَنيَّة هي من ذلك الأصل الإبراهيمي.  وما دامت من أصلٍ إبراهيميٍّ، فهي- حسب المقولات اليهوديَّة والمسيحيَّة- تنتسب إلى عابر؛ فعابر أحد أجداد إبراهيم؛ ولذا يُسمُّون إبراهيم: (ابرام العبراني).  وفي مواضع أخرى من التوراة يَرِد قولٌ آخر، هو أن (شبأ) شقيق (حضرموت)، وأنهما ابنا (يقطان بن عابر): "ولِعَابِرَ وُلِدَ ابْنَانِ: اسْمُ الوَاحِدِ فَالَجُ؛ لأَنَّ في أَيَّامِهِ قُسِمَتِ الأَرْضُ. واسْمُ أَخِيهِ: يَقْطَانُ.  ويَقْطَانُ وَلَدَ: أَلـمُودَادَ، وشَالَفَ، وحَضَرْمَوْتَ، ويَارَحَ، وهَدُورَامَ، وأُوزَالَ، ودِقْلَةَ، وعُوبَالَ، وأَبِيمَايِلَ، وشَبَا، وأُوفِيرَ، وحَوِيلَةَ، ويُوبَابَ.  جَمِيعُ هؤُلاَءِ بَنُو يَقْطَانَ.  وكانَ مَسْكَنُهُمْ مِنْ مِيشَا حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ سَفَارَ جَبَلِ المَـشْرِقِ.  هؤُلاَءِ بَنُو سَامٍ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ كأَلْسِنَتِهِمْ بِأَرَاضِيهِمْ حَسَبَ أُمَمِهِمْ."  ويقطان هو الذي يسمِّيه العرب (قحطان)، وهو أبو العرب العاربة.  وعابر  هو: ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن  نوح، وهو أبو العبرانيَّة.  وبذا يبدو أن لا مفرّ من العبرانيَّة.(4)  

ثمَّ جاء المؤرِّخون العرب - كنهجهم المعتاد في النقل والتسليم بما أَلْفُوا عليه آباءهم من الرواة وأهل الكتب- فتبنَّوا الرواية الكتابيَّة في هذا النَّسَب، بعجرها وبجرها.  بل نقلوا من التوراة نقلًا حرفيًّا في بعض الحالات(5)، ناسبين (قحطان) إلى مَن سُمِّي في التوراة: (عابر)(6)، ذاهبًا بعضهم إلى أن عابرًا هذا هو النبي (هُوْد).(7)  ولسنا ندري كيف صار الرجل ذا اسمين؟  وما أولئك- على كلِّ حالٍ- بالمؤرِّخين، بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، بل هم أشبه بحاطبي الليل، إنْ استثنينا منهم (ابن خلدون)، في بعض ما كَتَب.  حسبك من شواهد ذلك أن تجد (ابن كثير)(8)- وهو من هو لدى السلف والخلف- يقول مثلًا: "ويُقال: إن هودًا، عليه السلام، أوَّلُ مَن تكلَّم بالعربيَّة.  وزعم (وهب بن مُنبِّه) أن أباه أوّل من تكلّم بها.  وقال غيره: أوّل مَن تكلم بها نوحٌ.  وقيل: آدم.  وهو الأشبهُ.  وقيل غير ذلك.  والله أعلم."  فكلّ الأقوال لديه واردة محتمَلة، لكن أشبهها بالصواب: أن آدم أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة!  وحسبك بهذا شاهدًا على عِلْمِيَّة العقل الذي اشتغل بتاريخنا القديم.

ومن خلال تلك الرواية اليهوديَّة، الدائرة حول أن "سَامًا أَبُو كُلِّ بَنِي عَابِرَ"(9)، جاء احتكار الصهيونيَّة المعاصرة للساميَّة، واتّهام من ينالها بنقدٍ بالعداء للساميَّة.  ومن هذا المنطلق جاء مشروع الصليبي، غير مكتفٍ بأُسطورة العِبرانيِّين التاريخيَّة في فلسطين، بل كأنما ذهب ليؤسِّس من خلال أُسطورة أنسابهم تلك أصلًا أُسطوريًّا عِبرانيًّا أشمل، يلتهم الأُمَّة العربيَّة برُمَّتها!  قائلًا، وقد آمن بتلك الأنساب التوراتيَّة:

- ما المانع، إذن، من أن نزعم أن (بني إسرائيل) كانوا قبيلة عربيَّة بائدة (أو عِبرانيَّة، لا فرق)؟! 

- ونقول: إن المانع هو، أننا- حتى لو سلَّمنا جدلًا بتلك النظريَّة التوراتيَّة الجذور- لن نجد أثرًا لذلك التاريخ التوراتي في جنوب الجزيرة العربيَّة.  هذا على الرغم من أن الصليبي لم يستطع إنكار أن (مصر/ مصرايم- موسى)، التي ينسبها إلى (عسير)، كانت ذات حضارة لا تقلّ عن حضارة مِصْر الأفريقيَّة، إن لم تفُقها، ولا أن (داوود) و(سليمان) كان لهما هناك مُلك مُؤثَّل، وتاريخ، وحضارة، وحروب طاحنة، وشأنٌ أيُّما شأن، ظلّ ينسبه زورًا إلى مَواطن لا أثر له فيها البتة، لا من قريب ولا من بعيد. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في هذا: الأنصاري، محمَّد الطيِّب، (1979)، أضواء جديدة على دولة كِـنْـدَة (بحث ضمن كتاب الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة: مصادر تاريخ الجزيرة العربية، الجزء الأوَّل: ص3- 15)، (الرِّياض: جامعة الرِّياض- الملك سعود حاليًّا)، 16.

(2) See: Strabo, (1967), THE GEOGRAPHY OF STRABO, (v. 8), With an English Translation By: Horace Leonard Jones,  (Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press- London: William Heinemann LTD), 17, 1, 21, 30.

وانظر: السعيد، سعيد فايز، (2003)، العلاقات الحضاريَّة بين الجزيرة العربيَّة ومِصْر في ضوء النقوش العربيَّة القديمة، (الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنيَّة)، 23، 35،  41، 49، 51- 52، 54- 57، 99،  138- 140.

(3) سفر التكوين، الإصحاح 25: 1- 3.

وردَّد ذلك (الطبري، (1967)، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف)، 1: 311)، مسمِّيًا أُمَّ هؤلاء: (قنطورا بنت مقطور)، من العرب العاربة.  وفي رواية أخرى: (قنطورا بنت يقطان).  وكانت له امرأة عربيَّة أخرى، في ما زعموا، اسمها (حجور بنت أرهير).

(4) حول تلقيبهم بالعبرانيِّين أراء مختلفة، منها: أنهم عَبَروا الأنهار من العراق إلى الشام، أو أنهم "عَبْرنهريُّون".  و"عبر نهر": مصطلحٌ جغرافيُّ، كان يشير إلى البلاد الواقعة غرب الفرات، ولاسيما سوريا وفلسطين.  ففي الأكديَّة: "إبرناري"، وفي العهد القديم: "عِبَرْهَنَّاهار"، وفي الآراميَّة: "ع ب ر ن هـ ر أ"، وفي المعينيَّة: "ع ب ر ن هـ ر ن". (انظر: السعيد، 44).  أو لأنهم عَبَروا البحر مع موسى.  لكن أوضح الأسباب وراء ذلك اللقب ما سجّلته التوراة من انتسابهم إلى (عابر).

 (5) يظهر النسخ من التوراة مثلًا في نصّ (الطبري، م.ن، 1: 205): "ووُلد لعابر ابنان: أحدهما فالغ [كذا!]، ومعناه بالعربيَّة: قاسم؛ وإنما سمّي بذلك لأن الأرض قُسِمَت والألسن تبلبلت فِي أيَّامه. وسمَّى الآخر: قحطان. فوُلد لقحطان: يعرب ويقطان ابنا قحطان بن عابر بن شالخ، فنزلا اليَمَن...".  فقارنه بنص العهد القديم أعلاه، تجده ينظر إليه وينقل عنه.  وهو- على كلّ حال- يعترف أن مصدره التوراة وأنه ينسخ عنها. (انظر: 1: 210).

(6) انظر: الطبري، م.ن، 1: 211.

(7) انظر: ابن كثير، (1998)، البداية والنهاية، تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي (القاهرة: دار هجر)، 1: 282.

(8) م.ن، 1: 283.

(9) سفر التكوين، الإصحاح10: 21.

سلام عليكم، طبتم مساء - أيها العلماء- وطاب مسعاكم إلينا! بسم الله - سبحانه، وتعالى!-  وبحمده، وصلاة على رسوله وسلاماً، ورضواناً على صحابته وتابعيهم، حتى نلقاهم!

أحمد الله الذي يسر لي أن أجاور هذه الطبقة من العلماء الأجلاء، وأسأله كما جمعنا عاجلاً أحباباً سعداء، أن يجمعنا آجلا أحباباً سعداء، بلا مناقشات ولا مداولات ولا قرارات.

قدم إلينا الطالب عمر محمد عبد الغفور بإشراف الأستاذ الدكتور عبد الحكيم الأنيس، نسخة من رسالةٍ للماجستير بعنوان "تَفْسِيْرُ الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ لِلْأُسْتَاْذِ أَبِيْ بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَـُورك(406هـ) مِنْ أَوَّلِ سُوْرَةِ قَدْ (سَمِعَ) إِلَىْ آخِرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ: دِرَاْسَةٌ وَتَحْقِيْقٌ.".

وقد وقعت رسالته هذه في 498 صفحة، وانقسمت على قسمين: دراسة المخطوط ثم تحقيق المخطوط، قبلهما مقدمة (طبيعة العمل) ثم تمهيد (تعريف عصر ابن فورك)، وبعدهما خاتمة (أهم نتائج العمل) ثم سبعة فهارس (الآيات، ثم الأحاديث، ثم الأشعار، ثم الأعلام، ثم الأماكن والبلدان، ثم المصادر والمراجع، ثم الموضوعات). ولقد بنى عمله في دراسة المخطوط على التعريف بالمؤلف في فصل بسبعة مباحث (اسمه ونسبه ولقبه ونسبته، ثم ولادته ونشأته ورحلته العلمية، ثم شيوخه، ثم تلاميذه، ثم عقيدته ومذهبه، ثم مصنفاته، ثم وفاته وثناء العلماء عليه)، وعلى التعريف بالكتاب في فصل بمبحثين (التثبت من اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه وموضوع الكتاب ومنهج المؤلف في كتابه وآراؤه الكلامية وأهمية الكتاب وقيمته العلمية ومصادر المؤلف وتأثره بمن قبله وأثره فيمن بعده، ثم حصر النسخ ووصف المخطوط وملاحظاته على الكتاب وملاحظاته على النسخة ومنهجه المتبع في التحقيق ونماذج من المخطوط). وبنى عمله في تحقيق المخطوط على نسخه وتصحيح أخطائه وتوثيق أقواله وتخريج نقوله وترجمة أعلامه المغمورة وترقيمه.

وعلى رغم أن كثيراً مما أريد قوله قد أتى عليه الدكتور زكي أبو سريع، أتلمس فيما يأتي ما يزيد الطالب انتفاعاً والعمل إتقاناً، والله المستعان.

جاءتني هذه الرسالة وأنا أقرأ رسالة القشيري، فحلت أهلاً ونزلت سهلاً؛ فالقشيري تلميذ ابن فورك صاحب ليلتنا هذه، فكان من الفأل الحسن!

ثم جاءت بي مناقشة هذه الرسالة إلى معهد البحوث في هذا القصر المستأجر من بعض أهلي؛ فكان من الروح والريحان!

وفُوْرَك بضم الفاء وفتحها جميعاً، اسم علم، ولم أعرف معناه!

دعاني أخي الكريم الأستاذ الدكتور فيصل الحفيان المشرف المساعد، أول ما دعاني إلى رسالة في ألف صفحة، فإذا هي في خمسمئة، بل إذا عَدَّلْناها لم تتجاوز الثلاثمئة، ولا بأس عليكما؛ فما في مثل هذه القلة من ذلة، إلا أن تخل بأعمال التحقيق!

رأيت تغليف الرسالة خفيفاً هيناً، فاستحسنتها سنة تتبع فيما قبل المناقشة!

ثم قرأت عنوان الرسالة، فتمنيت أن تكون من أول التفسير، لتستفيد من عادة المفسرين أن يقدموا آراءهم ثم يحيلوا عليها، ثم عرفت أن أوله مفتقد!

أحسنتَ شكر من أحسن إليك؛ فلا يشكر الله من لا يشكر الناس.

ثم قرأت - ص3- عن اتفاق على إكمال ما بدأه الأستاذ علال بندويش، بتحقيق ما تبقى منه؛ فأحببت أن تحدثني عن أحداث هذا الاتفاق وأطرافه!

سبحان الله! كأن الأستاذ علالاً نفسه اطلع على هذا الاتفاق من قبل أن يكون أو من بعده فقال في "وصية واقتراح"  من آخر خاتمته - ص477- : "رغم التطور العلمي الذي يعيشه العالم لا زالت أواصر الترابط والتعاون بين الجامعات ضئيلة، ولا أدل على ذلك من تكرار الأعمال الأكاديمية؛ لذا فإنني أنادي باسم طلاب الدراسات العليا بضرورة التنسيق والتعاون بين الجامعات وتبادل الخبرات"!

لدينا خمسة من باحثي قسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين من جامعة أم القرى، قاموا على هذا الجزء الثالث الباقي من تفسير ابن فورك، فقسموه على خمسة أقسام:

1- فأما علال بندويش فقد أنجز القسم الأول من أول المؤمنون إلى آخر السجدة بإشراف الدكتور غالب الحامضي.

2- وأما عاطف بخاري فقد أنجز القسم الثاني من أول الأحزاب إلى آخر غافر بإشراف الدكتور عبد الله الغامدي.

3- وأما صاحب القسم الثالث من أول فصلت إلى آخر ق، فلم يتم عمله بعد.

4- وكذلك صاحب القسم الرابع من أول الذاريات إلى آخر المعارج، لم يتم عمله.

5- وأما سهيمة بخاري فقد أنجزت القسم الخامس من أول سورة نوح إلى آخر القرآن الكريم بإشراف الدكتور أمين باشا. وبين عملك وعمل سهيمة هنا تداخل واضح يستحق بعض التفصيل!

ومن أدلة اتصاف عمل أولئك الباحثين بالجماعية، أن شارك الأستاذ الدكتور أمين باشا المشرف على رسالة القسم الخامس، في مناقشة رسالة القسم الأول.

وقعت رسالة سهيمة في 380 صفحة، ووقعت رسالتك في 498 صفحةمن أول سورة قد سمع - ص98- إلى آخر سورة المعارج - ص203- ثلاث عشرة سورة بـ105 صفحة.

ومن أول سورة نوح - ص204- إلى آخر سورة الناس - ص443- أربع وأربعون سورة بـ239 صفحة؛ فقد شاركتها إذن في 44 سورة و239 صفحة من رسالتك، وانفردت عنها بـ13  سورة و105 صفحة، ولم تشر إلى ذلك، فأغريتنا بالارتياب في عملك!

لم يكن بد من الموازنة بين عملك وعمل سهيمة، بمقابلة مثل مقابلة المحققين بين المخطوطات التي افتقدتموها جميعاً - معشر خَدَمَةِ تفسير ابن فورك- لوحدة المخطوط الذي اعتمدتم عليه!

شغلت سورة نوح من عملك ست صفحات (204-209)، وشغلت من عملها سبعاً (49-56)، وهما قريب من قريب، إلا ما أفضت إليه عند سهيمة زيادةُ حواشي الإحالات زيادةً تجاوزت المطلوب، ولا تستغني أنت عموماً عن بعض ما أضافته!

ما عندها

ما عندك

إن سئل (...) فقال

إن سأل (...) فقال

فتكون مِنْ بمعنى عَنْ (...) ويعم الجميع

فتكون مِنْ بمعنى عَنْ (...) وتعم الجميع

لا يجوز الوعد (...) لن يجري

لا يجوز الوعد (...) لئلا يجري

وجه ذلك

وجهٌ ثالث

أمرهم أن ينذرهم

أمره أن ينذرهم

لتخص الذنوب (...) لا لتبعض الذنوب

لتخص الذنوب (...) لا لتبعيض الذنوب

لين لا

من جهتنا فيها

لئلا

من جهة ما فيها

لا يخل لأن الثاني مثل الأول

لا يخل به لأن الثاني مثل الأول

يلائمه يشاكله

يلائمه ويشاكله

الغشي

التغشي

أي: يسمعون كلام نوح

لئلا يسمعوا كلام نوح

تجلب الشيء

تَحَلُّب الشيء

معناها هنا سعة المقدرة

معناه ها هنا سعة المقدرة

أصل الوقار ما به يكون الشيء عظيماً

أصل الوقار ثبوت ما به يكون الشيء عظيماً

من الحكم والعلم الذي يمتنع معه الخرق

صبياناً

من الحلم والعلم الذي يمتنع معه الخوف

صُبْياناً

طباقاً ثم نصبه وجهان

طباقاً في نصبه وجهان

جعلهن طباق

جعلهن طباقاً

القادر على الأول قادر على الثانية

القادر على الأولى قادر على الثانية

الفجاج جمع فج المسلك بين الجبلين

الفجاج جمع فج وهي طرق متشعبة وقيل سبلاً فجاجاً طرقاً مختلفة عن ابن عباس الفج المسلك بين الجبلين

المكر القتل

المكر الفتل

عجاب بالتخفيف وعجاب بالتشديد

عجاب بالتخفيف والتشديد

عبدتها العرب

عبدها العرب

دياراً فيعال من الدوران

دياراً فيعال من الدويران 

لمدحج

لمُذْحِج

وقرأ الباقون ماله ووُلده بضم الواو

وقرأ الباقون مالُه ووُلَدُه بضم الواو       

مما خطيئاتهم (بالرسم الحديث الذي لم تلزمه)

مما خطيئـتهم (بالرسم العثماني الذي لزمته)

فلما تبين لي أنك لم تطلع على عمل سهيمة - بل لو كنت اطلعت عليه لوجب عليك أن تعيده مرة أخرى!- أقبلت أنظر في عملك.

ضَمَّنْتَ المقدمة مفردات الموضوعات، وما لمثلها كانت المقدمات، ولو تركت هذه المفردات لفهرس الموضوعات، وقدمته إلى ما بعد صفحة الغلاف الداخلية وصفحة البسملة - لتفرغت في المقدمة لطبيعة عملك ومقتضياته ومشكلاته.

إن عمل التحقيق عمل عظيم، لا يعرف قدره كثير من الناس. وإنّ نقد الكتب عمل عظيم كذلك، ولكن يعرف قدره كثير من الناس! ولقد رغبت أنت في الجمع بين الحسنيين، ولكنك اكتفيت أحياناً بهذه الرغبة، فكسلت - ص48، وغيرها -عن الاستقصاء الكامل الذي يقتضيه الحكم على ابن فورك في كتابه بأنه انتهج كذا وكذا-واقتصرت على أمثلة متفرقة- ويقتضيه الحكم على الطوسي في التبيان بأنه نقل من تفسير ابن فورك ما يقارب 95%!

ولكنك أحسنت حين عبت على الطوسي إهماله نسبة آراء ابن فورك إليه، كما في نسبته فهم الإصابة بالعين من قول الحق - سبحانه، وتعالى-: "إِنْ يَكَاْدُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَيُزْلِقُوْنَكَ بِأَبْصَاْرِهِمْ"، إلى الرماني لا إلى ابن فورك، وهو أستاذه وحموه(أبو زوجه)! فذكرتني الدينوري يترك ثعلباً حماه كذلك، إلى مجلس المبردعياناً بياناً، فيعنفه: إذا رآك الناس تترك مجلسي إلى ذلك الرجل يقولون ماذا!

لقد أصابتك بركة ابن فورك فإذا كان قد بنى تفسيره في صورته هذه على أسئلة وأجوبة محددة، فقد بنيت دراستك على رؤوس أفكار تشير إليها بشرطات أو أرقام، أشبه بعناصر موضوع اكتفيت بها ولم تشرحها!  إنه لشيء منظم ميسر، ولكنه موجز جداً! وهي بركة عامة لم يخل من أثرها سائرُ خَدَمَة تفسير ابن فورك.

       وكذلك تُعَنْوِنُ عناوين تمر بها على عمل ابن فورك مروراً عابراً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً! مثل مرورك على إهماله للمناسبات بين السور وعلاقات الآيات؛ إذ كيف لمتكلم كبير أن يهمل هذه العلاقات العميقة المهمة! أتراه اكتفى بالتنبيه عليها فيما ذهب من أوائل تفسيره، أم تراها لم تصلح لمنهج الأسئلة والأجوبة الذي انتهجه؟

ولولا خوضك قليلاً في بحر آراء ابن فورك الكلامية، لادعيتُ أنك ممن يخافون مما يحققون، فيقصرون دراسته على التقديم له، ويتركون للقارئ أن يكتشف ويحكم!

ويظهر أثر أعمال خَدَمَة الكتاب، على خشيتك الواضحة من أن تترك فكرة مما أوردوا من غير أن تختبرها، فإنظهرتْ في نصيبك اعتمدتها وإنخفيت أهملتها! دَلَّني على ذلك أنك أثبتَّ أمامك عناوين المسائل التي يسأل عنها في التفاسير، ثم تكلمت عن كل منها بما تيسر؛ فثم أفكار دراسية ولكنها غير مدروسة!

جريت - ص88- مجرى الأستاذ علال بندويش في ملاحظاته على الكتاب- ص62-ولكنه لاحظ على تفسير ابن فورك الاقتضاب أحياناً، والصمت عن إسناد النقول، وسرد الأقوال دون ترجيح، وتأويل بعض الأسماء والصفات دون موجب، وخلط القراءات المتواترة بغيرها دون تنبيه، وخلط كلام الصحابة بكلام العلماء، وتمريض رواية بعض الأحاديث الصحيحة. وقد وافقتَه بعدم نسبة الأقوال، وعدم الترجيح بينها، ووقوع بعض الأخطاء في القراءات وعدم التفصيل فيها، وخالفته بعدم إسناد الأحاديث، وعدم ربط السور وعدم ذكر مناسبتها، وإهمال إجابة بعض الأسئلة أحياناً وإجابة ما لم يسأل، وعدم ترتيب الأسئلة على ترتيب الآيات. ولكن ألا يجوز فيما لاحظتَه من أسئلة لم تجب وأجوبة لم تسأل، أن يكون ثَمَّ سقط؟

ولقد اضطرب حديثك عن منهجك في التحقيق وليس هذا من التحقيق:

1- فأخرت العمل السابع وحقه التقديم.

2- وأهملت التنبيه على أخطاء الناسخ التي صححتها كما قلت.

3- وأعدت بالعملين 13،14 العمل 6!

4- وأعدت بالعمل 16 العمل 5!

ثم ما "بين قوسين معكوفين" هذه؟ الذي أعرفه "بين قوسين مَعْقُوْفَيْنِ" أي مَحْنِيَّيْنِ! وكذلك لم أستحسن تعبير الفَلَتان الأمني - ص10- ففضلاً عن سوء سمعته هذه الأيام، يدل في متن اللغة على الشخص لا الحدث، ويكفيك هذا دليلاً على أنه من كلمات الحكومات المتكبرة، عافاك الله وإيانا!

عنايتك بتصوير المخطوطة أكبر فيما أظن من عناية سائر خدمتها؛ فقد استطعتُ من على صورتك أنت أن أميز أكثر كلمات تقريظ مالك المخطوطة المنظومة من بحر المجتث على روي التاء الموصولة بالهاء الساكنة:

هَذَاْ كِتَاْبٌ نَفِيْسٌ لِكَشْفِ هَمِّي ادَّخَرْتُهْ

وَقَدْ حَلَفْتُ بِمَوْلَاْيَ (؟) صَاْدِقاً لَاْ أَعَرْتُهْ

إِلَّاْ بِرَهْنٍ وَفِيْرٍ (؟) لِصَاْحِبٍ قَدْ عَرَفْتُهْ

فَمَنْ أَرَاْدَ كِتَاْبِيْ فَلْيَجْلُ (؟) مَاْ قَدْ شَرَطْتُهْ

وإن بقيت مرتاباً فيما تحته خط!

خاتمتك قصيرة كخاتمة الأستاذ علال تماماً أو أقصر؛ ففضلاً عن توصيته التي قدمتُ ذكرها من قبل، يثني على ابن فورك من جهة وعلى تفسيره من جهة أخرى، لتأتي أنت فتوزع الثناءين على خمسة (طريقة تفسير، وذود عن أهل السنة، وعناية بأسماء الله الحسنى، وعناية باللغة، ولفتات رائعة)!

وعلى حين راعى الأستاذ علالما أثنى به على ابن فورك وعلى تفسيره، بفهارس معبرة كفهرس المفردات اللغوية، وفهرس الفرق والقبائل وكذلك سهيمة! لم تراعه أنت، واقتصرت على الثناء المطلق للقارئ إذا شاء اختبره هو!

لقد كنت أشرت- ص47- إلى عشرة موضوعات اشتمل عليها تفسير ابن فورك، تفتقر خمسة منها على الأقل إلى فهرستك، ليهتدي إليها القارئ ويستفيد منها، وهذا أصل عمل المحقق (هداية القارئ إلى الكتاب). وكلامك - ص78- عن أهمية الكتاب يزيدعملك حاجة إلى فهرسة ما لم يفهرس مما أشرت لك إليه!

استقامت لك فهرسة الآيات بطبيعة وجودها في المصحف، فأما فهرسة الأحاديث فاستعصت عليك فهربت إلى أرقام صفحات ورودها، والمعروف الذي اتبعه خَدَمَةُ تفسير ابن فورك أنفسهم، الفهرسةُ بأطراف الأحاديث!

وكذلك استعصت عليك فهرسة الشعر، فهربت إلى أرقام صفحات ورودها - وكذلك استعصت على خَدَمَة تفسير ابن فورك؛ فهربوا مثلما هربت!- والمعروف الذي اصطنعه كبار المحققين الفهرسةُ بقوافي الأبيات، ثم بأبحرها من داخل قوافيها.

ثم لديك تحريفات في فهرس الأشعار عما كانت عليه هي نفسها في المتن، وهذا اضطراب واضح! وفي ترتيب فهرسي الأعلام والكتب اضطراب واضح!

ثم ما مصادر وما مراجع هذه المتواترة بينكم! هلا اكتفيتم بكتب مثلاً؛ فإن المصادر ينابيع العمل نفسه، وإن المراجع ما روجعت فيه الأفكار وانبنىبها الحوار! فإذا أردت الإتقان فميز بين ما اعتمدت عليه في التحقيق وما اعتمدت عليه في الدراسة!

وكتبك كثيرة، ولكن وضعت في ابن فورك بعض الرسائل مع تلك التي اختصت بتفسيره، لو كنت اطلعت عليها لاستفدت منها:

1- ابن فورك وأثره في المدرسة الأشعرية للسيد أحمد محمود عبد الغفار (دكتوراه بالأزهر 1989م).

2- آراء ابن فورك الاعتقادية عرض ونقد على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة لعائشة روزي علي الخوتاني (دكتوراه بأم القرى 2000م).

3- ابن فورك وآراؤه الأصولية لمحمد بن سعيد الغامدي (ماجستير بأم القرى 2001م).

ولا أحب أن أترك كلمتي هذه حتى أحذر نفسي وسائر الباحثين، من جناية الحاسوب المخبوءة في عنايته، ونعمته المخبوءة في نقمته - فإن الصبر على التهذيب، أهون من الصبر على التأنيب- وربما اطمأننت إلى عمل يدك، فخانك عمل يده، كما خان صاحب هذه الرسالة - ص 6-فأدخل بعض الكلام أحياناً في بعض، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

clip_image0026265.jpg

صدرت  الطبعة  الثالثة  من  قصة يارا  ترسم حلما ، بحلة قشيبة ،  تأليف المربي والأديب  سهيل  ابراهيم عيساوي ، ، القصة مزينة برسومات الفنان محمود إبراهيم زيدان ، تدقيق لغوي الأستاذ أحمد شدافنة ، تنسيق الأستاذ رافع يعقوب، القصة تقع  في 36 صفحة، ورق مصقول وملون ،غلاف سميك ومقوى . تتحدث القصة عن أحلام الأطفال والطلاب ، وكيف يمكن للطفل أن يتمسك بها حتى يحققها وينعم بها ، ويخدم المجتمع والانسانية ، وعن دور الأهل الايجابي ، ودور المعلم والمدرسة في توجيه وتعزيز شخصية الطالب لينال مراده ، وتمنح لكل طالب فرصة ومكانة وامكانية في التخطيط للمستقبل ورسم معالم الطريق بوضوح، والتعرف على العديد من المهن الحيوية  التي تخدم المجتمع ، القصة تحمل في طياتها العديد من القيم الانسانية والتعليمية وتزخر بالمواقف والأفكار الجميلة التي تقوي شخصية الطفل وتساهم في صقلها   ، يشار أن اللجنة  الخاصة  بمشروع  مسيرة  الكتاب عام 2014 ، قررت  ضم  القصة لقائمة الكتب  الموصى بها  للمشروع، وقد قامت العديد من المدارس العربية بتدريس القصة ضمن برامج خاصة بتشجيع المطالعة ،كذلك قام الطلاب بمسرحتها وعرضها أمام الطلاب في أيام اللغة العربية وتتويج مشروع مسيرة الكتاب  ، وقد تناول القصة العديد من  النقاد ،من بينهم  المغربي محمد  داني  ،علي قدح ،حاتم جوعية ، صالح أحمد ، غسان حاج يحيى . كتب الناقد المغربي محمد  داني عن القصة  دراسة  اكاديمية شاملة تحت  عنوان " الحلم والعجائبي في يارا ترسم حلما "  يخلص إلى نتيجة مفادها  " والقيم الأخلاقية المتضمنة في النص القصصي نجد ما يلي:

- الثقة بالنفس والاعتزاز  بها.

- محبة الآخرين.

- المبادرة بالسلام والتحية.

- حب العمل والإخلاص فيه وإتقانه.

- الاحترام والتقدير.

- التخطيط ووضع هدف في الحياة.

- التفاؤل والأمل.

- بذل الجهد والمثابرة.

- التعاون ومساعدة المحتاجين.

- التضامن والتكافل.

- إسعاد الآخرين.

- الصدقة والبر والإحسان

- الترويح عن النفس.

- مواساة الآخرين.

- التعلم ومحاربة الجهل والأمية.

- العدل واحترام حقوق الإنسان

- النصيحة والإرشاد.

- احترام القوانين.

- بناء المستقبل.

- المحبة والحنان والرحمة.

- الصداقة.   

أما الناقد  والأديب حاتم جوعية أشاد بالقصة في دراسة خاصة وأشار إلى أن القصة تحتوي على عدة أبعاد :

: 1 ) البعد الإنساني .

2 ) البعد الفكري والتَّأمُّلي .

3 ) البعد الإجتماعي .

4 ) البعد الوطني .

5) البُعد الأخلاقي .

6) البُعد الفلسفي .

7) البعد التثقيفي والإرشاد .

8) البعد الفنِّي .

9) البُعد الفانتازي والخيال .

صدر  للكاتب  :

1 - وتعود الأطيار إلى أوكارها - (قصائد). 1994

2 - نظارتي - (تأملات) .1996

3 - فردوس العاشقين - (قصائد وخواطر ).1996

4 - وتشرق أسطورة الإنسان - (قصائد ). 1998

5 - بين فكي التاريخ - (بحث تاريخي) .1999

6- غسان 2000- (وهو دراسة عن الشيخ غسان حاج يحيى ) . 2000

7- أوراق متناثرة – مقالات 2003

8- قصائد تغازل الشمس (قصائد).2003

9- ثورات فجرت صمت التاريخ الاسلامي. ( بحث تاريخي) 2005

10- النحت في ذاكرة الصحراء ( ذكريات ومواقف)2007

11- معارك  فاصلة  في  التاريخ السلامي, بحث  تاريخي 2008

13- 60  لعبة  شعبية ، اعداد وترجمة ،مشترك مع  د .أمين مقطرن ،محمد جنداوي ، وفيقة ايوب  ،  إصدار وزارة المعارف،2008

14- عندما  تصمت  طيور  الوطن ،شعر ،2009

15-  الطريق   الى  كفرمندا  عروس  البطوف – بحث-2010

16- تصبحون  على  ثورة , بحث  سياسي، 2011.

17- على ضفاف نهر الأدب ،قراءة في عالم الكتب ،2013

في مجال قصص الأطفال :

18 – يارا ترسم حلما-  2013، ط 2 - 2014 ، ط 3  - 2015

19- احذر يا جدي –2013

20- طاهر يتعثر بالشبكة العنكبوتية ،2013، اصدار المكتبات العامة ومركز الكتاب

21- بجانب  أبي ، 2014 ، إصدار أ.دار الهدى

22 – الأميرة ميار وحبات الخوخ ، 2014 ،إصدار أ.دار الهدى

23- الصياد والفانوس السحري، 2014 ، إصدار  أ.دار الهدى

24 – ثابت والريح العاتية ، 2014 ، وطبعت طبعة خاصة في بيروت –لبنان  2014

25 – توبة الثعلب – بالعربية والعبرية ،2014

صدر  عنه:

1-اضاءات  في  شاعرية  سهيل عيساوي ,للناقد  المغربي محمد  داني 2008

   2- أدب الأطفال ،دراسة في قصص الأطفال لسهيل عيساوي ،للناقد المغربي محمد داني   ،2015

 

جوائز حصل عليها المؤلف

-         جائزة الابداع من وزارة الثقافة 2014

-         جائزة ناجي نعمان ، عن قصة ثابت والريح العاتية ،2014

الكاتب يعمل مديرا لمدرسة ابن سينا الابتدائية  بكفرمندا ، حرر العديد من المجلات والكتاب ،نشر القصائد والمقالات والدراسات في مختلف الصحف والمجلات ومواقع الانترنت، مدون وناشط ثقافي ،ترجمت قصائده إلى عدة لغات منها : الانجليزية والفرنسية والألمانية والايطالية والعبرية والبولندية ،واشترك في العديد من الموسوعاتالأدبية  في العالم العربي وبعدة لغات . 

المزيد من المقالات...