sdgsdfhfggf918.jpg

أهمية الشعر ولماذا نحتاجه ؟

الشعر هذا التكوين اللغوي الجميل والغامض . هو إناء كبيرٌ أو/ melting pot تنصهر فيه كل الفنون من موسيقا ، رقص، رسمَ، ورواية . هو فن الفنون وأصعبها .

و يرى أرسطو أنه محاكاة لكل الفنون .ولكل فن جميل أسلوب في المحاكاة ولكن ليست كل محاكاة فناً جميلاً . وقد رفع ارسطو قيمة الشعر فوق الفلسفة وفوق التاريخ .

هناك قول آخر يقول : كما تحتاج السماء إلى نجوم ، يحتاج المجتمع إلى شعراء ( شوفالييه دو بوفور )

وقال ميلان كونديرا : (ليست رسالة الشعر ان يبهرنا بفكرة مدهشة ولكن أن يجعل لحظة في الوجود لا تنسى وتستحق حنيناً لا يطاق . )

مقدمة عن الشاعر

عامر الطيب شاعر وشاب عراقي استطاع أن يكون لنفسه مملكة شعرٌ صغيرةً يدعونا إليها

كلما ضاقت بنا الحياة . الشعر بالنسبة له كحبة فرح يتعاطاها كل يوم لتصبحَ الحياة أجمل وأقل خسائر وقبح . ولينجو من واقع الحياة المؤلم   .

وإذا كان إيتاليو كالفينو يكتب عن مدنه بحبر خفي فإن الشاعر عامر الطيب يكتب قصائده بكل ألوان قوس قزح ولاشيء ينجو من شعره . لأن في نفسه نوازع لا يجليها النهار ولا يحتملها الليل . حولته إلى ساحر الكلمة ومروض للمعاني . إنه شاعر يستعصي على اللغة كما يقال . لو لم يكن اسمه عامر الطيب لسميته عامر البحر ، الذي يرمي قوارب كلماته ليجوب بها العالم ليبحث عن فكرة جديدة ، عن كلمات بكر لم يقترب منها أحد ليعيد صياغتها بأسلوبه الساحر ويمنحها ألواناً وملمساً غير مألوف .    

هو mecca (المكان الذي يجذب الناس ) لمن يريد أن يتنزه في حدائق الشعر .

-صورة من الخلف للرقم9 - كان عنوان ديوانه الذي صدر عن دار دلمون الجديدة في سوريا . إنه عنوان يشدّ القارئ ليعرف ماذا هناك في تلك النصوص . فهي إذاً لعبة الكلمات والأرقام المعكوسة التي لا يتقنها أحد سواه .

جاء الديوان مقسماً إلى تسعة أجزاء ١- في مكان صغير لا يوجد الموت

حيث تحدث فيه عن الموت والحب والحزن ، الوجود والعدم ، المعاناة الإنسانية

٢- الحيلة ٣- فكاهات مسيلة للدموع

٤- فراغات

٥- المصابيح مشتعلةٌ في البيوت

٦- تاريخ حديث لامرأة

٧- الوحدة

٨- بيضة الديك

٩-الأشياء كلها لسببٍ ما

ثم ينتهي الديوان بهوامش وهي ومضات ومقاطع شعرية قصيرة ورائعة .

الأسلوب

.............

نلاحظ في البداية ، الذي يشدنا بالفعل هو أسلوبه المتميز ، الذي جاء كالسهل الممتنع المسيطر على كل القصائد ، ترتدي الكلمات حلة قشيبة ، متهادية، بإيقاعات داخلية ، طرية وناضجة من خلال جمل شعرية تحمل ظلالاً ومفردات غنية .  

يقول في : ملاحظات أولى قبل البدء

منْ تشابكِ الأصابع تعلّم الإنسانُ أنْ يصنعَ نافذة منْ ضمّها لبعض،

تعلّم أنْ يصنعَ جداراً منْ صفّها بشكلٍ متساوٍ تعلّم الإنسانُ أنْ يبني سجناً !

قبلَ اختراعِ الأعداد كان منَ الممكنِ أنْ تقولَ هذهِ شجرة، عنْ شجرةٍ واحدة.. هذهِ شجرةٌ معَ شجرةٍ أخرى عن شجرتين.. هذه شجرةٌ تصفُ نفسها عنْ غابةٍ كاملةٍ منَ الأشجار!

فنرى هنا أن الشاعر ينظر إلى الأشياء بنحو عام من زوايا مختلفة بمعنى تاتي القصيدة بنحو مجسم وتأخذ أكثر من بعد تأويلي حيث يعيد ترتيب الأشياء الكونية بواسطة مجموعة من الممارسات غير النمطية والتي تتمحور بهدم القناعات المتولدة عند معظم الناس

   ومن ثم بناء هيكل قناعات جديدة تتساوق والزمن الحاضر، معتمداً على فائض الرؤية المتولد عنده ، تناسب ما يؤمن به من فلسفة ورؤى .

يقول في قصيدة ذاكرةً العصر البشري الأبشع :

عصرُ البشريّ الأبشع

حيثُ يستيقظُ البشرُ ويجدونَ مدنَهم صغيرة كتلالٍ بعيدة. أيّتها التلالُ اقتربي إذن نريدُ أنْ نصيرَ بشراً طبيعيين نؤلّفُ كلَّ شيءٍ ونموت، نريدُ غرفاً ضيّقةً للفنِّ ومدناً كبيرةً للنسيان!

يقول( في الوجود والعدم )

وجودي صغير

على مقاس يدكِ

هكذا تركت لك خيار أن تلوحي بيد واحدة

وكأنك تضعين اليد الأخرى على وجهي .

الصور والخيال : فكما نرى تبدو الطاقة التصويرية غير ثابتة بواسطة ما يضخه الشاعر من صور وخيال ليجسد الرؤية الاجتماعية الحاضرة . فنحن نشعر تماماً بأنه يملك مفاتيح اللغة ويفتح لنا باب الشعر ليدعونا إلى ارتقاء روحي جميل .

ومن حيث تنوع المواضيع غير المطروقة وغير المستهلكة يقول في( نص دماغ السمكة )

تجتهد الأسماك لتعرف المزيد عن الحياة خارج الماء

تستغرب كيف تموت الأشجار

واقفة في عالم الهواء العالي .!

وكيف يقتل البشر

أصغر نواياهم وهم يعرفون الكثير عن الحب ليعيشوا سعيدين

وكيف ينامون يائسين

وقد اخترعوا الهواتف مع بشر ألف منهم وحبال الملابس من أجل شَيْءٍ ما .

يحاول الشاعر أن يلفت نظرنا بطريقة مذهلة وذكية ، إلى عمق الحزن الذي يكتنف الوجود والإنسان .مع توفر كل الرفاهية المحيطة به .

يقول في نص رصاصة صوتية:

أنهيتُ حياتي برصاصة واحدة

وكتبت ذلك على قبري

فاعتقد الآخرون أنني قتلت نفسي

لكنني في الحقيقة فرغت مسدسي في الهواء

لأطمئن على حياتي .

مع أن الموت شيء بشع ومخيف أصبحت فكرته هنا فناً مختلفاً ، ثمّة دهشة مشرقة في هذا النص ؛ فالشاعر يفارق الواقع بالخيال   حيث يموت ويكتب على قبره . فالنعترف إذاً أنه مصور وحداّس ذكي ولديه تجربة واسعة في تقنية الانزياح والمفارقة . وثمّة دهشة تتوغل في عروقنا ونحن نتابع حروفه التي تشق طريقها إلينا بطريقة سلسة وتتربع على قلوبنا

يقول في الجزء السابع من نصوصه :

ثوبك القصيرُ مثل هذهِ الأيّامِ الأخيرةِ

لميّتٍ يريدُ فراشاً طويلاً

وأصدقاءً طويلين لا يسمعونَه وهو يهذي.

ثوبُكِ القصيرُ مياهً صافية أحرّكُها بيدي مرّةً لأرى ومرّةً لأختبرَ حدْسي!

فكما نرى نصوصه لم تكتب كتابةً وإنما صُورت بكاميرا دقيقة للغاية ، وكأنه أرسل آلهة الصيد والإنجاب – آرتيمس- لتلتقط له مشاهداً بالغة في الدهشة لتصبح الحارس الذي يخرج لذلك التيه البعيد . يبوح بشبكة من الرؤى والتصورات ليكون لنفسهِ لغةٍ شعرية مبهرة . حيث نغرق فيها ببحر فلسفي عميق . يرمي فيه خلاصة أفكاره وثقافته المتعددة الجوانب ليصطادها بعد ذلك قصائداً متفردة.

ترتدي خيالاً ملوناً ومتميزاً . إنه شاعر استطاع أن يعجن صلصال الحروف ويشكلها كما يحب يبني مدناً ويهدم أخرى يشق البحور بعصاه ويطير بجناحين خفيفين ليلامس ذهب النجوم .

تابعت قصائده لمدة زمنية طويلة وبعدها اقتنعت بأنه شاعر اكتوى بجمرة الحروف ولذعته نار الكلمات . وقد فجرت في أعماقه جداول خضراء ، انبثقت نجوماً في سماء الظلام

لتنير زوايا القلوب لعلها تغسلها من القسوة والبشاعة . هو شاعر يحملُ وجع الكائنات المسحوقة ويحاول أن يرمّم العالم . يعيد هندسة الكون بالشعر يزرع في حقوله أشجاراً وتارة يفجر أنهاراً من الإبداع لا تنضب ليجعله أقل قساوة من الحديد وانعم من الماء

ويغرقنا نحن في بحر الجمال العميق .

dsgdhsghhhh918.jpg

الهايكو شكل شعري ياباني أصبح له تأثير عالمي خلال القرن العشرين ببساطته وإيجازه , ويعتبر الشاعر الياباني ( ماتسو باشو ) 1694 – 1644 / صانع قصيدة الهايكو , قبل زمن شاعر الهايكو كانت القصيدة المسماة ( هايكاي ) لعبة متمدنة لتزجية الوقت أكثر مما كانت شعرا ً جادا ً , وكان مطلعها المسمى آنذاك ( هوكو ) والذي سينفصل فيما بعد ويستقل تحت أسم ( الهايكو ) , وأن أشهر شعرائها رهبان بوذيون ويعتمدون على فلسفة بوذية الزن ( التأمل ) .

هناك قواعد شكلية كان لابد للهايكو الياباني أن يلتزم بها وتتمثل في نظام المقاطع الذي يتكون من ثلاث جمل تحوي الأولى خمسة مقاطع والثانية سبعة والثالثة خمسة هي التعبير المركز عن تلك الصورة الشاعرية المختصرة التي توحي ولا تصرح , تشير الى الفراغ ولا تملؤه , تركز عنايتها على بدايات الأشياء , ونهاياتها , لا تهتم بلحظات التمزق والصراع بل بلحظات الصفو والاستنارة, والملاحظ أن الخصائص الفونولوجية في شعر الهايكو تذكر في خطاطتها الإيقاعية بإيقاع الموسيقى الشعبية التقليدية اليابانية , هذه الأبوة بين شعر الهايكو والأغاني الشعبية تتعدّىالى مستوى الصّور الأسلوبية والموضوعات مثل العلاقات العائلية والحيوانات الصغيرة والتي يعزى الأهتمام بها الى الفلسفة أو الذيانة الكونفوشيوسية المؤسسة على إرث الآباء والأجداد , عندما أستعار الغرب هذه التجربة في مطلع العشرينيات في القرن الماضي , لم تمنع الشعراء من أن يحدثوا بعض التعديلات .

ويعتبر كتاب ( واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق) ذو العنوان الناضج بالصور الشعرية , والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في سلسلته الجديدة ( إبداعات عالمية / فبراير 1999) والذي سهرعلى ترجمته وتعريب محتواه النقدي والدراسي والشعري بأسلوب شائق وجذاب الشاعر والروائي والناقد(محمدالأسعد ) نقطة ضوء للقارىء العربي تمكنه من رؤية وتلمس بعض من تلك العوالم الأدبية والفكرية الساحرة للحضارة اليابانية الأصيلة , وبعد ما يقارب نصف قرن على ظهور نبأ قصيدة الهايكو في اللغة العربية بين سطور مقالة مترجمة للأستاذ (دونالد كين ) عن الشعر الياباني نشرتها فصلية (عالم الفكر) الكويتية عام 1973 ( المجلد الرابع العدد الثاني ) وما توالى بعدها من ترجمات أو محاولات كتابة هايكو(عربية) ثم تشكيل تجمعات وعقد ملتقيات وصولا ً الى الوقت الراهن .

أنقسم المهتمون بالهايكو الى تيارين : الأول يرى أن الهايكو يجب أن يبقى داخل الإطار الذي أطره به أصحابه اليابانيون , إذ يرفضون خروج النص عن خصائصه الكلاسيكية , والثاني : ذو نزعة تجديديه , يرى أنه من الضروري إضافة أشياء تتميز بها اللغة العربية مع الاحتفاظ بالمشهدية التي هي أساس الهايكو وروحه , نقل الشاعر السوري المقيم في اليابان ويعمل أستاذا ً لغويا ً ومدرسا ً للغة العربية (محمد عضيمة ) ألف قصيدة وقصيدة من الهايكو مباشرة الى العربية , ولعل المبدع             ( محمود الرجبي ) واحد من الطلائع التي أهتمت بهذا الجانب التواصلي عبر أكثر من صفحة وتجمع على الفيس .

ديوان الشاعر ( علي محمد القيسي ) المعنون ( شفة الاوركيد ) ** يتميز بقصائده التي تتبع نمط شعر الهايكو بأسلوب متميز , جاءت تسمية مجموعته الشعرية من زهرة ( الأوركيد ) التي تحمل من المعاني العميقة والتي جاءت من رمزية هذه الزهرة الجميلة , تحمل رسائل الحب والحكمة والتفكير , أطلق عليها الفيلسوف الصيني ( كونفوشيوس ) أسم ( زهرة عطر الملوك ) , وتتمتع بالجمال والغرابة وفي الشرق عموما ترمو ( الاوركيد ) الى الرفاهية والخصب .

( علي محمد القيسي ) شاعر من العراق , مواليد 1971 / بكالوريوس إعلام من جامعة بغداد , كتب النثر والشعر ووجد نفسه في النثر أكثر , تعرف على شعر الهايكو بالصدفة حيث يقول : ( قبلها كنا نكتب التوقيعة للشاعر عز الدين المناصرة عام 2004 , كنا مجموعة من الشعراء اسسنا موقع على النت أسمه " الأقلام " فيه عدة أبواب لمختلف الأجناس الأدبية , وكان معنا شعراء من جميع بلداننا العربية , وزدت حبا ً بالتكثيق الذي ممكن أن يفتح على آفاق التأويل , وبدأت القراءة للشاعر المناصرة وأمين الذيب وأسماء عدة ومن ثم أتجهنا الى الفيس بوك وعالمه الشاسع لتكون المحطات وآفاق جديدة ) .

أسس نادي ( نبض الهايكو ) عام 2015 واصدار مجلتها المعروفة( نبض الهايكو) وتأسيسه ( مختبر الهايكو ) عام 2018 ليكون مدرسة شعرية ونقدية في مجال شعر الهايكو , الشاعر ( علي القيسي ) في مجموعته الشعرية ( شفة الاوركيد ) تضم عددا ً من قصائد الهايكو , وكل قصيدة تعكس تجربته في تأمل واستكشاف جمال الطبيعة , وتمثل له بمثابة غصن إنساني يشكل شمعة في ظلام القصيدة .

حتى تأتي

                 أقارن بين فتنتها

                 والاوركيد

ليلة مطيرة

               على شفة الاوركيد

               قطرة عالقة

حقل الاوركيد

                 كل الأفكار اترجمها

       بعناق

من خصلات شعرك

               استدل وجهة الريح

               التي تحمل عبق الاوركيد

الصفة الحقيقية للهايكو هي الحيوية وحس الحياة , وقصائد الهايكو لا تهدف الى أن تسحر بفنيتها , بل تسعى إلى أن تكشف من خلال التأمل أعاجيب الخلق الطبيعي .

الشاعر (علي القيسي ) مسكون باللعب الشعري الموغل في المجازات والاستعارات والتي تمنح الجمالية للقصيدة الهايكوية , وقصائده تعتمد البساطة والعفوية .

على الشاطىء

           كما لو تتراقص الصواري

                                   من تنهيدة عاشقة !

صخب العالم

                   كم هو صغير أمام

         ابتسامتك !

بالطباشير

                 الطفل يرسم أمه

                   بعيون لا لون لها

شتاء

                         أكسر حدة البرد

                 حين أتذكرك

قهوة مرّة

               يخبرني انكماش عينها

   عن المذاق

تقول الدكتورة ( آمنه بلعلي ) :

( قصيدة الهايكو في الوطن العربي تكتب بطرق شتى استنادا الى دعاوى شتى , حتى أصبحت قصيدة بلا ضفاف , لقد وصلت إلى العالم العربي بشخصية اخرى , لأنها أكتسبت هويات اخرى لا تسمح لنا بمعرفة بنيتها ولا منطق كتابتها سوى أنها تجربة تقنية , فهل نحتاج الى قارىء سيأتي يقرأ الهايكو بطريقة اخرى أم يمكن أن تتجرد البلاغة من هويتها فيكون الهايكو هو بلاغة المستقبل وقصيدة المستقبل التي تنهي هيمنة أشكال مؤثرة في الذائقة العربية ؟ ) .

sgdhagfgsh9181.jpg

وفاء عمران محامدة / روائية فلسطينيّة ومشرفة تربوية

sgdhagfgsh9182.jpg

 "ثمة أشياء ستحدث لي مع نشر هذا الكتاب، سيشيع بين القراء شيوعا كبيرا وسيطبع عدة طبعات عربية ومحلية، وسيزوّره تجار الكتب، أما أكثر الاحداث توقعا فهي ترجمة هذا الكتاب إلى أكثر من ثلاثين لغة وسأجني منه مبلغا من المال يفوق المليون دولار".

بهذه المقدمة يبدأ الزميل والكاتب فراس حج محمد كتابه "نسوة في المدينة"، وأنا أعرف الكاتب شخصياً كونه زميل عمل، وهو في الحقيقة مغاير لما تعكسه كتاباته ومختلف عن الفكرة التي يمكن للقارئ أن يكوّنها عنه، فهو مهذب جدا وخلوق ومتواضع لدرجة أنه يشكو كثيرا أنّه لا قراء له، وربما مرد تلك الشكوى هي قلة الاهتمام بالكتاب عموما، لدرجة أن قلة الاهتمام تلك هي ما شجعتني على الكتابة وعلى إصدار روايتي الأولى وساهمت في إظهارها إلى العلن فقد قلت مرة أنني لا أحب الشهرة لقد اعتقدت ورسم لي خيالي قبل أن أخوض غمار الكتابة أن الكتّاب تلاحقهم عدسات التصوير ويتلقف الناس أخبارهم كما هم الفنانون والمطربون، ولما عرفت أن فراس حج محمد أصدر في وقتها تسعة عشر كتابا، ولم تكن تحيط به تلك الهالة التي توقعتها تدور حوله، عرفت أن الكتّاب يمكثون طي النسيان وقتا طويلا، وذلك يطول أيضا الكاتبات، وأعتب على فراس لماذا دائما ما يتهم الكاتبات عموما أنهن يستخدمن سحرهن الخاصّ في الوصول، وليس موهبتهن كما أشار في مقدمة كتابه.

لنعد إلى "نسوة في المدينة"، وأجد أن الخيال يختلف عن الواقع، وأن الكاتب قد يخوض في كتاباته ما لا يخوضه في الحقيقة الواقعية، وأنا وربما هو وكثيرون أيضا ننظر إلى العالم الافتراضي كخيال، لكن البعض يسترسل به وكأنه غير مرئي وكأنه يحدث نفسه، وربما ينسى تدريجيا أن هناك روحا تقف خلف الجهاز، لها مشاعرها وأفكارها وفهمها المختلف أيضا، وهل كان سيسترسل الكاتب في الواقع كما هو في الخيال؟ لا أدري. ربما المواجهة الفعلية تجعل الإنسان يلجم عن الخوض في مشاعره وأفكاره، ويورد الكاتب في مقدمة كتابه "الأثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"، هل يقصد الكاتب من سرد تجاربه الالكترونية وبعض من تجاربه الحقيقة التي لا أعتقد أن كلها حقيقة تماما أن يطلق ذلك الإثم من صدره فيصبح كأنه تحرر، ولكن ألا يشكّل ذلك فهما خاطئا للحديث وربما هي مجاهرة، وأعترف أن مقدمة الكتاب وسرد بعض قصصه البريئة في البداية أعجبتني خاصة عندما وصف إرسال كتابه الى ناقد مع ولاعة، فهي متسلسلة لدرجة أنه يمكن أن يكتب رواية جيدة، وباقي الكتابات فإنني لن آتي على ذكرها؛ احتراما لمبادئي التي لا تحب الخوض في الابتذال، ومع احتفاظي بوصف الكتاب على أنه "سيء السمعة"، وقد تردد كاتبه في إهدائه لي من أجل توجهاتي الخاصة وعالمي البريء كما يقول، وعزوفي عن كتابة أو قراءة الكتابات المفرطة في الجرأة، ليس لشيء سوى أنني لا أراها إبداعا أو تقدما أو اختراعا، فهي لا تزيد عن كونها وصفا لشيء ليس بجديد؛ فهو موجود منذ بدء الخليقة، ويمكن دائما التقديم للعبرة دون الأخذ بالتفاصيل؛ فالقرآن الكريم- وهو كتاب متعبد بتلاوته- يورد قصة سيدنا يوسف وامراة العزيز بطريقة جميلة وراقية، لأن الأصل "إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا". وأذكر أن صديقة قالت لي يوم ناقشنا عزوف العرب عن القراءة: إنه لا يمكن الإنكار أن معظم الروايات غير لائقة، وقتها لم أكن أقرأ كثيرا لكتّاب جدد، بل كتباً أو روايات لكّتاب من الجيل القديم، وأيضا بعض المترجمات التي كانت تترجم بحرَفية وبرقابة، ولكن أجد هذه الأيام حتى الترجمة لم تعد مراقبة.

الحرية زادت إلا في المعتقدات الدينية؛ فقد تم التضييق عليها وأصبحت أقرب الى التهمة، ربما حان موعد ظهور الهالة المفقودة للكاتب، فهو يتفق مع السائد في الوضع الراهن ومع حب الناس لمواقع التواصل الاجتماعي، شخصيا أنصح بقراءة الجزء الأول من الكتاب.

لا يتميز طولُ شيء إلا بقِصر شيء آخر، قولا منطقيا طبيعيا واحدا لا ثاني له؛ فمن ثم ينبغي ألا تَتصف قصيدة بطول أو قصر، حتى تُحشر مع غيرها في صعيد واحد، لتكون مثلَها أو أطولَ منها أو أقصرَ. ولكننا وجدنا من النقاد من وصفوا القصيدة دون موازنتها بغيرها، استنادًا إلى تصوراتٍ ثلاثة مكَّنتهم -زَعَموا!- من اصطناع الوزينة الغائبة.

أول هذه التصورات الثلاثة بنائيٌّ تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تعددت موضوعاتها دون التي انفرد بها موضوع واحد. وهذا التصور أقرب إلى أن يكون تنبيها للشاعر قبل نظم قصيدته، منه إلى أن يكون وصفا تصنيفيا؛ إذ لا يمتنع أن تتعدد موضوعات القصيدة القصيرة، ولا أن ينفرد بالقصيدة الطويلة الموضوع الواحد، وهو ما أرجو أن أبينه فيما بعد. وليس ببعيد من هذا التصور عَدُّ بعض الموضوعات أحوجَ إلى تفصيلٍ تتصف معه القصيدةُ بالطول، وبعضها أغنى بإجمالٍ تتصف معه بالقِصر.

وثاني تلك التصورات تاريخيٌّ تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تجاوزَت الحد المُراعى على مر الزمان دون التي وازَتْهُ أو تخلفت عنه. وهذا التصور محدود بثقافة الناقد إحاطة وحضورا -"ومن حفظ حجة على من يحفظ"- وليس أدل عندي هنا من أنني بعدما ألممت عرَضًا في كتابي "ظاهرة النص الشعري القصير"، ببعض القصائد الطوال- تعقبني بعض الشعراء بما رآه أولى بالذكر منها!

وثالث تلك التصورات عمليٌّ تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تستغرق قراءتُها جلَسات متعددة دون التي يُفرغ منها في جلسة واحدة! ولا معيار يُرجى من هذا التصور الخاص؛ فعلى لطافة مجازيَّته تسرع بنا إلى غايتها بعضُ القصائد الطويلة الشفيفة، وتبطئ بعضُ القصائد القصيرة الكثيفة، وتختلف أحوالُ القارئ الواحد أحيانا اختلافَ أحوال القراء المتعددين!

إنه ليس أدق في المعايرة من الاحتكام إلى علم الإحصاء، وليس أنفس في مقولات علم الإحصاء من مقولة "الإحصاء علم المتوسطات"، وليس أصدق في متوسطات أطوال القصائد من متوسط أعداد أصواتها، وهو غير متيسر الآن، فأما المتيسر من أعمال غيرنا فأعداد القصائد العمودية التي اشتملت عليها الموسوعة الشعرية الإلكترونية وأعداد أبياتها، التي إذا قسمناها عليها كان متوسط أبيات القصيدة العمودية الواحدة12.62 ، ليُصنَّف في الطويلة كل ما فوق هذا المتوسط، وفي القصيرة كل ما دونه، وفي الوسيطة كل ما فيه.

لقد استوت في إحصاء الموسوعة أنماطُ الأبيات، وبينها من التفاوت ما يجعل أحدها في عدة أمثال غيره، ثُم إنه لم يكن مِن همّها التصنيفُ الموضوعي الذي يُستند إليه في استنباط وجوه أخرى من دلالة طول القصيدة؛ ومن ثَم ينبغي ألّا يُكتفى بها.

خلَصَتْ لي من ديوان أوس بن حجر أربع وخمسون قصيدة، في اثنين وخمسين نمطا عروضيا، بثمانية وثلاثين وخمسمئة بيت، في ستة وعشرين غرضا (ثلاثة عشر متنا، وثلاثة عشر حشوا). وخلصت لي من ديوان البهاء زهير ثمان وخمسون وأربعمئة قصيدة، في سبعة وتسعين وثلاثمئة نمط عروضي، ببيتين وثمانمئة وثلاثة آلاف، في ثلاثة وعشرين غرضا (ثمانية عشر متنا، وخمسة أحشاء). وخلصت لي من ديوان علي محمود طه ثلاث وتسعون قصيدة، في خمسة وثمانين نمطا عروضيا باثنين وثمانين وثلاثة آلاف بيت، في ثمانية وأربعين غرضا (أحد عشر متنا، وسبعة وثلاثين حشوا). وهي معطيات بيانية لا تستغني قبل الاستنباط عن التوضيح.

إذا كانت غرض القصيدة مصطلحا على رسالتها التي أراد الشاعر إرسالها إلينا، فمتن هذا الغرض فصل من القصيدة يصيب به الشاعر عين هذه الرسالة، وسواه حشو، دون أن يعني الحشو عدم الإفادة؛ فمنه ما عُرف بالإفادة من قديم. وإذا كان عروض القصيدة مصطلحا على وزنها وقافيتها اللذين جرى عليهما كل بيت من أبياتها، فنمطها العروضي بحر بيتها وطوله وصفتا عروضه وضربه وروي قافيته ومجراه وردفها أو تأسيسها أو تجردُّها منهما ووصلها وحركته إذا تحرك أو سكونه.

بتغيير هذه الخصائص الوزنية والقافوية كلها أو بعضها يستحدث الشاعر لقصيدته نمطًا عروضيًّا خاصًّا، حتى إنه ليستحدثه بلزومه ما لا يلزمه منها، كأن ينظم قصيدتين تنفرد إحداهما وزنًا بلزوم صورة تفعيلة كان غيرُها معها جائزا؛ أو قافيةً بلزوم حرف أو حركة كان غيرُهما معهما جائزا، بمثل هذا اللزوم الذي لا يؤبه به يستحدث الشاعر لقصيدته نمطًا عروضيًّا خاصًّا؛ فكيف بما هو أكثر تغييرا!

المزيد من المقالات...