السبعُ العِجاف

عندما يتجسد عشق الحبيبة بعشق الوطن تصبح الحبيبة هي الوطن ويتحول الحب إلى إعصار لاتقف في وجهه كل سدود الدنيا ..

عامٌ جديدٌ ذاخِرٌ بهواكِ

يا نَجمةً حطَّتْ على شُبّاكي

و تغلغلتْ كالعطرِ بينَ فواصلي

و تسلَّلتْ كالضوءِ دونَ حِراكِ

و أصابَ قلبي من شِراكِ لِحاظِها

سهمٌ تمكَّنَ من عرينِ شِباكي

فصْلٌ جديدٌ من فُصولِ روايةٍ

حبَّرتُها بمدامعي و شذاكِ

و رَوَيْتُ من عُنّابِ كرمِكِ ريشتي

فتوهَّجَتْ نَشْوى بقطْرِ نداكِ

و جدلْتُ من شعرِ الغرامِ ضفيرةً

بأنامِلي ما ضُفِّرتْ لسواكِ

 * * *

عامٌ جديدٌ يا ربيعَ قصائدي

و قِطافَ وَجْدي من جنى ذِكراكِ

أطعَمْتُ للأحزانِ فِلْذَةَ أعْيُني

فخَبَتْ من الإجْهادِ و الإنهاكِ

سبعٌ خَلَتْ و أنا ألُمُّ غِلالَها

من بيدرِ الأحطابِ و الأشواكِ

سبعٌ عِجافٌ عُمْرُ أحلامي التي

مَخَرَتْ مراكبُها عُبابَ هواكِ

أحصيْتُ أنفاسي بها و حبسْتُها

كيْ لا يراني باكياً إلاكِ

خلفَ الحُدودِ هُنا حكايةُ عاشقٍ

تمتدُّ آلافاً من الأسلاكِ

أستحضِرُ الوطنَ الحبيبَ بغُربتي

و أُذيبُهُ بمحاجِري لأراكِ

فيرِقُّ لي عيْشُ الخِيامِ و بُؤْسُها

لما تهُبُّ معَ الصَّبا رَيَّاكِ

أشتمُّ تُرْبَ الشامِ من نفحاتِها

فتذوبُ في شفتي كعودِ أراكِ

وتفيضُ أجفاني بما لمْ أستطعْ

إخفاءَهُ عن أعْيُنِ الأتراكِ

عاينتُ أدواءَ الغرامِ فلمْ أجدْ

أوْفى و أصدقَ من مُحبٍّ باكِ

 * * *

عندَ الغُروبِ أمُدُّ طرفي مُشْرَعاً

صوْبَ الجنوبِ لعلَّني ألقاكِ

وأفوزُ منكِ معَ الأصيلِ بنظرةٍ

تسري كنشوةِ خمرِكِ الفتَّاكِ

و أذوبُ في دُنيا الوِصالِ كقُبلةٍ

جادَتْ بها معْسولةً شفتاكِ

و أُسائلُ الشُّطآنَ عن ألوانِها

أوَما تزالُ ترودُها عيناكِ

و شقائقُ النعمانِ ما أخبارُها

هل ما تزالُ ضُحىً تقبلُ فاكِ

و نسائمُ الصيفِ المُذابةُ بالشذى

من شعرِكِ المُتعرِّجِ الأشراكِ

ملأتْ دفاترَ ذكرياتي أنجُماً

و قَصائداً من أُرجُوانِ رُباك

ِ

في كلِّ غُصنٍ منكِ يُزهِرُ عاشقٌ

و يفوحُ منهُ صَبابةً خدَّاكِ

 * * *

عُذْرِيَّةُ الأشواقِ يا سُورِيَّتي

بحريَّةُ الأنواءِ و الأفلاكِ

عصفَتْ بأشْرِعتي رياحُكِ فارتمى

قلبي على الشطآنِ دُونَ عِراكِ

سَبْعٌ تروِّيني كُؤوسَ صَبابتي

و البُعْدُ أضناني كما أضناكِ

سَبْعٌ أهيمُ بها بغير هويَّةٍ

مُتوارِياً عن ساحةِ الإدراكِ

غادرتُ فردوسَ الشآمِ مُفارِقاً

قلبي و روحي مُؤْثِرين حِماكِ

وعبرتُ بحرَ الخوفِ دُونَ سفينةٍ

فعَلِقْتُ بينَ مخالبِ الأسماكِ

أستلُّ من رحِمِ العذابِ مواجعي

ما بينَ مُخْضَلِّ الجُفونِ و شاكِ

قَدَرُ المُحبِّينَ المبيتُ على الطَّوى

و تجرُّعُ الشكوى بلا إمْساكِ

 * * *

يا زهرةَ النسرينِ يا سُورِيَّتي

و حبيبتي و مليكتي و ملاكي

يا نجمتي و سُلافتي و رِوايتي

و يقينَ باصِرتي و نَسْغَ سِواكي

يا زعترَ الشهباءِ فاحَ بنكهةِ

الزيتونِ يا فُلَّ الشآمِ الذاكي

يا زُرْقةَ الأمواجِ ينزفُ دمعُها

من حشرجاتِ رمالِها تَنْعاكِ

يا صرخةَ العاصي وأنّاتِ النواعيرِ

الحزينةِ من زفيرِ صداكِ

يا نخلةً شاختْ على كَتِفِ الفراتِ

ولمْ تزلْ في عُنْفوانِ صِباكِ

يا سهلَ حَوْرانَ الخصيبَ وَسَامةً

في بُرْدَةِ القلمونِ فوقَ ذُراكِ

أكلَ الحنينُ جوارحي حتى ذَوَتْ

وترنَّحتْ تُنْبي بقُربِ هلاكي

أسْتَلهِمُ الليلَ المُضيءَ بعَتْمتي

لما تشِعُّ بفيضِها نجواكِ

فتبوحُ بالألمِ الدفينِ شوارِدي

و تبثُّهُ عَبْرَ الفضا إياكِ

 * * *

قلبي كمنديلٍ تبلَّلَ بالأسى

وجُمانَةٍ عَلِقَتْ بحبلِ شِراكِ

علَّقتُهُ قبلَ الرحيلِ قِلادةً

لكِ علَّهُ يحْظى بنَيْلِ رِضاكِ

ويقيكِ كالحِرْزِ الحصينِ من الأذى

ويذودُ عنكِ إذا أغارَ عِداكِ

فأموتُ دُونَكِ سامحيني ليسَ لي

دُنيا بها أحيا سوى دُنياكِ

ألقيتُ بينَ يدَيْكِ مِنديلَ الأسى

و خشيتُ أنْ تبتلَّ منهُ يداكِ

قدْ كانَ في صدري يضجُّ إذا انجلى

ليلٌ و لمْ يطلُعْ عليهِ ضُحاكِ

فغدَتْ أمانيهِ طويلاً عمرُها

طولَ الدُّهورِ على مدارِ مداكِ

فتقبَّلي فيهِ العزاءَ حبيبتي

وابكيهِ كمْ في محْبسَيْهِ بكاكِ

هيَ مُنْيَةٌ ما عاشَ يلهجُ باسمِها

حتى قضى كَمَداً شهيدَ هواكِ

لو أنَّهُ قدْ كانَ خُيِّرَ مِيتَةً

ما اختارَ إلاّ أنْ يموتَ فِداكِ

وسوم: العدد 776