على لسان طفلٍ فلسطينيٍّ مولودٍ في أحد سجون الاحتلال

هنا وُلِـدْتُ وحَـوْلي الجـنـدُ والحَـرَسُ      

وكـلُّـهُـمْ كـوحـوشِ الغـابِ مُـفـتـرسُ 

وبيْن جُـدرانِ هـذا السِّجـنِ راحِـلـتي      

حَـطَّتْ ولمْ تـكُ كالأحجارِ تـنـبـجسُ

فـي قـعْـرِ زَنـزانـةٍ صـمَّـاءَ عـاتـمـةٍ      

أطلقتُ صَوْتي فكان النَّحسُ والعَبَسُ 

فـيــهـا الـنَّـهـارُ كــلَـيْــلٍ كـالـحٍ أبَــدًا      

لا فـجْـرَ فـيـه عـلى الأيَّـامِ يُـلـتـمَـسُ

والـيَــوْم كالأمْـسِ وَجْـهٌ واحـدٌ وقـفـا      

وإنْ يُــوافِ غــدٌ وافــى به الـيَــبَـسُ 

قد كنـتُ في رَحِم الأحزانِ تلـفـحـني      

نـارٌ تـلَـظَّى ولا يَـخـبـو بـها الـنَّـفَـسُ

مَشِيـمةُ القهـرِ بالأحشاءِ قـد عـلِـقـتْ      

ولا يـزالُ لـها في الـنَّـفـسِ مُـنغـرَسُ

وجـئـتُ قـدْ  قـدَّ سَـمْعي في تـبَـجُّحهِ      

صوْتُ الحديـدِ وصوْتٌ حاقِـدٌ شَرِسُ 

لا يُـفـتَـحُ الـبــابُ إلَّا كـيْ يَـعـودَ بـه      

صَــوْتٌ لـقـفْـلٍ بـه الآلامُ تـنـغــرسُ

هنا أباحـوا دمَ الأطـفـال وافـتـرسـوا    

آمالَهـُـمْ وتهـاوَتْ في الـوَرى الأُسُسُ

قد أهدروا عِزَّةَ الإنسانِ وامْـتـهَـنـوا      

فـيه الـكـرامةَ حيْـثُ الـلُّـؤْمُ والنَّجَسُ

وكـبَّـلـوا أيْـدِيَ الأســرى فـكــادَ دَمٌ      

مـن شـدَّةِ الـقـيْـدِ والأصفـادِ يَـنحـبسُ

أمٌّ تُـقـادُ وقـد جـاءَ الـمَخــاضُ إلـى      

ضِعفِ العذابِ هـنا الأفـراحُ تـبتـئِـسُ

هـنـا تُـقَـدُّ مـن الـصَّخرِالحـيـاةُ فـلا      

تـدِبُّ روحٌ إذا مـا جَـلْـجَـلَ الـجَـرَسُ

هنا الأمـومـةُ تـذوي لا ربـيـعَ لـهـا      

ولا شِــهـابًـا مـن الأحــلامِ يُـقـتَـبَـسُ

هـنا الـطفـولةُ تـنـعي حِـسَّ عالَـمِها      

فـلا بـراعـمَ في الإحـساسِ تُـلـتَـمَـسُ

هـنا الـدِّيـاناتُ تشكو زَيْـفَ حامـلِـها    

فـلا دِيـــــانـةَ والإنـسـانُ يُــفْـــتَــرَسُ

وحالُـنـا إنْ رآها الـصَّخـرُ رَقَّ لـنـا    

لـكـنَّه الـظُّـلْـمُ فــيــه الحُــرُّ يَـنـدهِـسُ

مهما صَرَختُ فـلـن يَـنـداحَ داخِـلَـهُ    

صدى الصُّراخِ فقـد أوْدى به الخَرَسُ

مهما تـلَـفَّـتُّ لا أُلْـفـي ســوى جُـدُرٍ    

وقـد أقــامَ عـلى أكْــتـــافِـهـا الـغَـلَـسُ 

بأيِّ ذنبٍ أنا في السِّجْنِ هل نطقـتْ    

يَـوْمًا بـهـذا لـنـا الأحـبـارُ والـقُـسُـسُ؟

وُلِدْتُ ما كنتُ أدري مَن يكون أبي    

فـإنْ سألـتُ تـراهم في الـلَّغَى هَمَسوا

أبـوه فـارسُ فـرسـان فوا لَـهَــفـي    

قـدْ خـرَّ لـمَّـا كـبـا بالـفـارسِ الـفرَسُ

وسوم: العدد 812