لقطات من معاناة معتقل -1-

تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:

الخميس 22 آذار 1984م:

عُمَر اعتقل بعد مجزرة حماة بأشهر من قبل مخابرات يحيى زيدان ثم أخلي سبيله. واعتقل ثانية من قبل مخابرات أمن الدولة، يعترف على ما لم يعترف عليه سابقاً لمخابرات يحيى زيدان العسكرية.. يحيى زيدان له مخابرات للتجسس على أمن الدولة تأتيه بإضبارة عمر وفيها اعترافاته الجديدة التي لم يبح بها من قبل.. يحيى زيدان يُجَن جنونه ويستدعي عمر لجلسة التهديد والوعيد. هذه القصة كانت أول شيء يعرّفني على نظام المخابرات المتعدد الفروع والمهام والتنافس على اعتقال العدد الأكبر منا نحن طلاب الجامعات والمدارس.. أخلي سبيل عمر بعد عدة أيام.

سمعتُ قصيدةً قرّرتُ أن أحفظها لإعجابي بها، وهي لشاعر دمشقي، وتمنيت أن أخرج من السجن لأقصّها على والدتي التي كانت شغوفة بالأدب العربي شعره ونثره.

قم سائل الرمل هل أصغى لشكوانا       أم يا ترى الرمل لا تعنيه بلوانا

ننام نصحــو على أقــــــدام طاغيــــــــة       يلوّن الأرض من أشلاء قتلانا

تطاولَ البغي حتى اســــتلّ مُـدْيتــــــه       فارتدّ عن دمنا ســـكران نشــــوانا

يا حادي العيس إن العيس لو عرفت   ما تحت منسمها لم تجر تحنانا

بل لاعتَلَت في فضاء الكون طائرة     تشـكو إلى الله من أبناء حمدانا

كم ذا صبرنا وإن الصبر شيمتنا       كم ذا ابتلينا كأن الهــــول يهـــوانا

مساجـد الشــــــام، يا ربّــــــاه، باكية       وحمص شاكية من هول ما كانا

وطفلة اليتم في الشهباء دمعتها       تُفجّــــــر الأرض زلزالاً وبـــركــــانا

أبا الفــــــداء أنلني منك لي خبـراً       عن موطن العز عن إخوان مروانا

هم أوقدوها على الإسلام داميةً       حمــــراءَ لاهبــــة، هبّت ســـــــرايانا

فكم شــــــهيدٍ مضى لله مبتســــــماً       والنفس قد ملئت بِشــــراً وإيمانا

يــــا جنّـة الخُـــــــلد قد وافت مــــــواكـــبنا       والشوق يسبقنا يا طِيبَ لقيانا

جئناك جئناك في شوق وفي طرب     فأين منزلنا والحــــــور تلقانا

رغم المصاب ورغم الهَول يغشانا       لا نســـــتذلّ لغير الله مــولانا

لان الحديــــــدُ وما لانتْ عزائـــــــمنا       والقلب ذو ثقة باللّه ما لانا

هذي عطاياك يا مولاي يا أملي       فسدّد الخطو بارك كلَّ مسعانا

وسوم: العدد 968