خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة مهاجرا ومعه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ووصل قباء ، وأسس مسجده فيها ، ثم تابع هجرته حتى وصل المدينة المنورة ، ودخلها يوم الجمعة (12) ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة النبوية ، والموافق (27) سبتمبر عام 622م . وعمره آنذاك صلى الله عليه وسلم ( 53 ) عاما . واستقبله الأنصار مع مَن هاجر من أهل مكة أجمل استقبال . ويومها بدأ النُّور ينتشر ليملأ الدنيا هدى ، ويزيل ظلمات الجاهلية .
هوامش :
(1)الحَدَثَان : بفتح الدال هي نوائب الدهرِ .
(2)خِب ، فَدْم : الخب : اللئيم ، والفَدْمُ : الغَلِيظُ الأحْمَقُ الجافي .
(3)الجديدان : هما الليل والنهار .
(4)مهرجان : احْتفال عَظيم حاشد، حفلة ابتِهاج .
قد طوتْ هجرةُ النَّبِيِّ الهوانا = والرزايا الثِّقالَ والحَدَثانا(1)
ودعتْنا إلى احتمالِ أذاهم = في إباءٍ يُجَنِّدُ الركبانا
فطغاةُ الكفَّارِ هاهم تمادوا = في المخازي وأمعنوا إمعانا
يشهدُ الناسُ بغيَهم في زمانٍ = عاصروهُ سفاهةً في ربانا
واستهانوا بديننا وبشعبٍ = يَتَفَيَّا ظلالَه إيمانا
مَقَتَ الكفرَ والطغاةَ وألقى = فلسفاتٍ لهم تعيقُ خطانا
ليس ترضى شعوبُنا غيرَ دينٍ = أنزلَ اللهُ سِفْرَه مزدانا
ما تخلَّتْ عن الهدى في زمانٍ = تتراءى فصولُه عنفوانا
فلديها أمجادُها ولدينا = مكَّةُ النُّورِ لم تزل في رؤانا
في رباها أشواقُنا تتجلَّى = في سُمُوٍّ يطوي سناه دُجانا
والحنينُ انبجاسةٌ في فؤادٍ = يتثنَّى بنورِها ولهانا
ترجمتْهُ الأيامُ سِفرَ وفاءٍ = و ولاءِ لفضلها ما توانى
في معانٍ قدسيَّةٍ تتسامى = في الملمَّاتِ حكمةً و اتِّزانا
ما قلى النُّورَ غيرُ خِبٍّ وفدمٍ = وعدوٍّ يعيشُها أضغانا (2)
فطرة الله حاربوها ووالوا = في ضلالٍ يسوقُه عريانا
واستجابوا للموبقاتِ جهارا = فأماتوا الإحساسَ والوجدانا
قد دعاهم إلى النجاةِ نَبِيٌّ = وأراهم من هديِه التِّبيانا
فأشاحوا وعاندوا وتمادوا = في الضلالاتِ والأذى عدوانا
وأتاهم بالمنجياتِ ولكنْ = ليس ينجو مَن أنكرَ القرآنا
فهو النورُ كلُّ آياته من = بارئ الكونِ فضلُها أغنانا
وتنمِّي روحَ البطولةِ فينا = وتربِّي بهديِها الفرسانا
يومها آمنتْ قلوبُ كرامٍ = ماتخلَّتْ عن دينها إيمانا
رغمَ عنفِ الأذى وعصفِ الرزايا = ما رأوا غيرَ دينِهم برهانا
وبصبرٍ وعزَّةٍ وثباتٍ = أكرم اللهُ شأنَهم شجعانا
حملوها رسالةً يوم عافوا = للطواغيتِ الزخرفَ الفتَّانا
سِيَرٌ عذبةٌ لهم ترجمتْها = قيمٌ تُروَى وازدهتْ عرفانا
الميامين أهلُها قد أزالوا = بالفتوحاتِ الفرسَ والرومانا
وأشادوا حضارةً ذاتَ وجهٍ = ألفتْهُ أيامُهم تحنانا
بيدينا أسبابُها وارفاتٌ = فَلْنُشَيِّدْ في ظلِّها مغنانا
لغدٍ نرصدُ الدروبَ فقد غامتْ . = . بأُفْقِ اكتوائنا شكوانا
آلمتْنا الأوجاعُ من كأسها المرِّ . = .ومن بغيِ شرِّهم حرمانا
ودعانا من هجرةِ النُّورِ داعٍ = أن أفيقوا ومزِّقُوا الأكفانا
فَلْنُفَتِّقْ في عصرنا اليومَ عزما = لايُجارَى يُجدِّدُ الإيمانا
في شبابٍ تحدوهُمُ الهجرةُ اليومَ . = . انبعاثا لايرتضي الإذعانا
فنراهم إذا الملاحمُ جدَّتْ = في غمارِ استبسالهم فرسانا
هم تآخوا وللجهادِ استعدُّوا = فزمانُ القعودِ قد أوهانا
فهواهم لدينهم لا لزيف = فانفلاتُ الأهواءِ قد أشقانا
صحوةُ المسلمين في الأرضِ حانتْ = وزمانُ انتظارِهم قد آنا
هكذا تبصرُ العيونُ الرَّواني = ومضاتٍ تنمُّ عن رؤيانا
فَلْنُهَيِّئْ فتياننا للمعالي = وَلْنُطَرِّزْ أفهامَهم عرفانا
ما أجلَّ الإيمانَ إن هذَّبَ النَّفسَ . = . وأرسى عبر القلوبِ هًدانا
وأعادَ الأجيالَ للقيمِ الفُضلَى . = . وأغنى أرواحَهم إيقانا
فلنا من تاريخنا العطِرِ العَذْبِ . = . نداءٌ يشنِّفُ الآذانا
الفتوحاتُ والتراحمُ والفضلُ . = . عناوينُ أكرمتْ دنيانا
لو سبرنا أطيافَها لوجدنا = في ثنايا أسفارِها مُبْتَغانا
من عطايا ثمارِها خيرُ دنيا = حمَلَتْها للعالمين يدانا
وجههُا السَّمحُ مشرقٌ بالتآخي = تنثرً الشَّمسُ فوقها مرجانا
والرضا باسم الثُّغورِ بهاءً = لم يزل رغم حقدِهم في مدانا
لن يُوارَى الإسلامُ فالدِّينُ أبقى = من ضلالٍ ومن فسادٍ عرانا
فيه مافي قلوبنا من يقينٍ = وجديداهُ أُولِعا بِهُدانا(3)
وشعورٍ مطرَّزٍ بابتهاجٍ = صاغه جمعُ أُمَّتي مهرجانا(4)
كم نشرنا على الأنامِ بنودًا = خافقاتٍ لاتعرفُ النسيانا
يذكرُ الدَّهرُ مجدَها بافتخارٍ = وبنوها لم يعرفوا الخذلانا
أبدا تنحني العصورُ لماضٍ = أبدعَتْهُ أكفُّنا إحسانا
لم يزل فرحةً بصدر الحزانى = وعزاءً من أجله نتفانى
هجرةُ المصطفى تصوغُ انفراجا = من قيودِ وموئلا فينانا
ونهارا يتيحُ سَعْيًا يُرَجَّى = بمثاني الهدى يقودُ خُطانا
فمُنادٍ عند انبلاجِ دجاها = يخبرُ القومَ أن أتى مصطفانا
ماتولَّى عند النداءِ حفِيٌّ = عن جهادٍ يبيدُ مَن عادانا
فالفتوحاتُ لم تزل تتوالى = وجموع الأنام لبَّتْ نِدانا
وتآختْ أقطارُهم حيثُ طابتْ = برخاءٍ ونعمةٍ تتدانى
فالحضاراتُ أمرعتْ بيدينا = وأحالتْ رحبَ الوجودِ جِنانا
راقُ كأسُ الإيمانِ يسقي قلوبا = مارأتْ غيرَ دينها عنوانا
وأزالتْ من الوجودِ مجوسا = وأذلَّتْ بعزِّها الرومانا
من جناها شريعةُ اللهِ تُؤتي = مَن أتاها الإيثارَ والتَّحنانا
مَن تُرى أكرم الأنامَ وأحيا = بهجةَ العيشِ في الشعوبِ سِوانا !
قد سقينا الشعوبَ شهدا مصفَّى = وهو الدِّينُ إذ سقاهم سقانا
يومها أُمَّتي استظلتْ بشرعٍ = وحيِ ربِّي سبحانه ما جفانا
فيداها للعالمين حِباءٌ = وشذاهُ يغشى المدى ريحانا
تلكمُ الشِّرعةُ الأثيرةُ تُغني = عن سِواها فبوركتْ شكرانا
هي دينُ الحبيبِ هلَّتْ رخاءً = وانتصارا لأهلها وأمانا
فإذا الأرضُ جنَّةٌ و ربيعٌ = والمغاني تزاحمتْ عمرانا
والليالي في عهده مقمراتٌ = والنِّداءُ المحبوبُ كان أذانا
ليس في الناس مَن يريدُ فسادًا = وانحدارا يُسَفِّهُ الإنسانا
حيث كان الترفيهُ في ظلِّ ذكرٍ = فيه تلقى ياطيبه اطمئنانا
إنها الأنفسُ الكريمةُ تصغي = كلَّ آنٍ لتسمعَ القرآنا
كان حكمُ الديَّانِ أمنا وعدلا = وابتهاجًا ورحمةً وحنانا
وتهاوى الطاغوتُ يومئذٍ يُطوَى . = . ذليلا مكبَّلا خذلانا
صورٌ هكذا ويحنا تتراءى = وتناجي الأفاضلَ الشجعانا
هاهنا صورةُ السنين الخوالي = وطيوفٌ من مجدنا تغشانا
مايئسنا حاشا فنحن انبعثنا = من مآسي مصابنا ودمانا
وبثوراتِ شعبنا ويقينٍ = في الحنايا توهَّجتْ بركانا
هي باتتْ أخا العقيدةِ تُنْبِي = عن قويٍّ في حصنه آوانا
إنَّهُ اللهُ ربُّنا وله المُلْكُ . = . تعالى ، ولم يزلْ معوانا
ننحرُ اليأسَ والشُّجون ونستلُّ . = . سيوفا إذا العدوُّ رمانا
لِعُتُوِّ التَّحدياتِ شبابٌ = ورجالٌ ونسوةُ في حِمانا
هم جنودٌ لدينهم ما استساغوا = أن يوالوا من الشباب الجبانا
فاعتدادٌ بدينهم ليس يُنسَى = وسيفنى المنبوذُ مَن عادانا
إنَّه اللهُ ربُّنا ما قلانا = ويرينا آياتِه برهانا
والنَّبيُّ الحبيبُ طيفُ رؤانا = وأيادي حُنُوِّه ترعانا