ما حاجتي للأسئلة؟

ما حاجتي للأسئلة؟

نمر سعدي

[email protected]

أغنيةٌ مجهولة لإبراهيم القاشوش

كلَّما رأيتُ بردَى بلا حنجرةٍ مذبوحاً من الوريدِ إلى الوريدِ

محمولاً على الريحِ في عَينَيْ إبراهيم القاشوش يدمعُ قلبي

روحي سماءٌ مُهملَةْ

ويدايَ خابيتانِ من شهدٍ ومن وردٍ

شفاهي غيمتانِ صغيرتانِ تعانقانِ الأرضَ

قلبي وردتانِ

دمي فمي

عينايَ نافذتانِ في برَدى إلى الدنيا

وجوهرتانِ غامضتانِ من جمرِ الحنينِ إلى الحياةِ

فمي دمي يبكي

وحنجرتي وراءَ الخنجرِ المأفونِ قبَّرتي

وصوتي مقصلَةْ

برَدى أبي النهريُّ يحملني كأني طفلُهُ الموعودُ

أو إكسيرُهُ المشهودُ

حزنُ الياسمينِ أخي

ويفترشُ اليمامُ خطايَ

يقتسمُ الجنودُ وكلُّ أشباحِ الجنودِ رؤايَ

يُولمُ من دمائي الناسُ

ها أنذا مغنِّي النارِ في أوغاريتَ

حنجرتي بكفِّ القاتلِ المأجورِ جوهرتي

فما...ما حاجتي للأسئلةْ؟

قدرُ الرصاصِ أو الجحيمُ – جحيمُ كلِّ الآخرينَ –

يهبُّ زخَّاتٍ على ما ظلَّ في عينيَّ من حبقِ الطفولةِ

يُحرقُ الأطفالَ والأشجارَ والأنهارَ والأزهارَ

والقمرَ المحنَّى بالدماءِ وبالدموعِ

ونسوةَ التفَّاحِ

يُطلعُ من براعمهنَّ أحجارَ الجماجمِ

والربيعُ الحرُّ والحريَّةُ الخضراءُ والحمراءُ والبيضاءُ

قابَ قرنفلَةْ

ما حاجتي للأسئلة؟

الأفعوانُ يخضُّ أوردتي

فما للدُبِّ والتنِّينِ راحا يحرسانِ بغيرِ ما قلبٍ

شهيَّةَ ذلكَ المسخِ الزنيمِ إلى الدماءِ

ويُطلقانِ جنونَهُ الأعمى على الفردوسِ

في ريحِ الأفاعي المرسلَةْ؟

روحي سماءٌ مُهملَةْ

ويدايَ نورستانِ في بحرٍ بلا ماءٍ

أصابعُ صرختي ريحٌ

تظلُّ النارُ في الأجسادِ منها مُوحلَةْ

هل من دمٍ لمْ يجرِ بعدُ؟

ومن نساءٍ بعدُ لم يُذبَحنَ؟

هل يكفي رخامُ الشامِ كلَّ مقابرِ الشهداءِ..؟

يومُكَ..بل جحيمُكَ أيها الطاغوتُ يأزفُ ها هنا والآنَ

فيما جنَّةُ الشعبِ العظيمِ مؤجَّلةْ

كلُّ الخطاباتِ التي تستلُّها الأممُ الحديثةُ

من عذاباتِ المهرِّجِ ليسَ تُغني خردَلةْ

كلُّ الشعاراتِ الرخيصةِ

كلُّ هذا العُهرِ

هذي العنتريَّاتِ العقيمةِ

فوقَ أشلاءِ الضحايا مهزلةْ

هل يفهمُ الجلَّادُ صمتَ الحزنِ في عينيَّ؟

ها أنذا مغنِّي جمرةِ الشهداءِ

روحي في معارجها تخفُّ وتقتفي

ما شعَّ من ألقِ الخلاصِ على الرصاصِ

دمي فمي يبكي وهذا الحُبُّ روحيٌّ

وأفراسُ العروقِ مُجلجِلةْ

بردَى صليبي والزبانيةُ القدامى حولَ رأسي

طائفونَ وطائفونَ وطائفونْ

بردَى مساميري المضيئةُ والخبيئةُ في كلامي

بيْدَ أني منكِ يا عشتارُ مولودٌ

وتكفيني عيونُكِ يا ابنةَ الشعبِ المعذَّبِ جلجلَةْ

هل يفهمُ الجلَّادُ أني حبَّةٌ من حنطةٍ ذابتْ

على هذا الترابِ كقبلةٍ ثلجيَّةٍ في النارِ

فيما قلبُكِ المسكونُ بالمرجانِ أبهى سنبلَة؟

هل يفهمُ الجلَّادُ سرَّ الماءِ في أعماقِ حنجرتي

وفي عينيَّ حينَ تحوِّمانِ على البنفسجِ

طائرينِ معذَّبينِ

وتحملانِ رؤى مزاميرِ البهاءِ المنزلَةْ؟

روحي سماءٌ مقفلَةْ

وصراخُ قلبي أبكمٌ

عينايَ صاريتانِ من رملٍ

وبحري يابسٌ

لا شيءَ يُرشدني إلى نفسي سوى حدسي

وضوءِ قرنفلَةْ

سأكونُ في أوغاريتَ...

حنجرتي بكفِّ القاتلِ المأجورِ جوهرتي

فما..ما حاجتي للأسئلة؟