رفض الهزيمة

محمود حسن إسماعيل

رفض الهزيمة

محمود حسن إسماعيل

( وقد نظمها حينما رأى نعش عبد الناصر ـ رمز الهزيمة ـ يحمل إلى قبره ) .

.. أرفض أن أتوهم نعش خيالٍ ،

.. عبرت فيهْ !

.. أرفض حتى صوت القدرِ ،

إذا ما انحدرت من أيديهْ

أرفض خطو العمرِ

إذا لم تصبح عدما لا يدريهْ

... ترفض روحي كل رؤاها

يرفض زمني أن يحياها

يرفض صمتى همس صباها

يرفض غضبُ الناي سُراها

يرفض وهمي أن يتمثلَ

طيف أسى منها يخزيه ! 

... يرفض أن يلقاها شبحا ،

ضريح اللعنة لا تطويه !

يرفض وتري أن يعزفها

يرفض خَلَدي أن يعرفها

وإذا قدر دام الخطوة

مر علي ودس أساهْ !

وغفى قدر كان بصدري

سد زوالٍ لو لاقاه !

ودنت مني أفعى التيهْ !

هتفت وأمسيَ لا أحكيهْ :

أرفض أن أتوهم نعش خيال عبرت فيه

ترفض مثلي ...

أرض سمعت نجوى الله على شفتيها

أصْغت ورنتْ  ,

ثم أضاءت حَلكَ الدنيا من خديها 

ثم تهادى خطوُ الرسلِ 

يدفق نورا بين يديها

.. عانق فيها كل نبي مر أخاه ...

وغدت كل حصاة فيها قُدس صلاة 

حين أتاها حادي النورِ 

يشق ضحاه

.. فوق سفين عبرت لُجَّ الغيبِ

وطارت دون شراع ...

غير نداء الأفق الأعلى

سبح في يمناه شعاعْ ...

فدنا منه ، وشرب الحق من الآياتْ

ومضى ينقذ وجه الأرض من الظلماتْ

كل ظلام مر عليه توهج نورا منه وذاب

غير وجوه أبت اللعنة ملء دجاها أن تنسابْ

  حملت حقد الكون وسارتْ

تئد الطهر بكل تراب

ثم رماها التيهُ 

فألقت عار خطاها في المحراب

مهما نهبت مني مهما ،

 بِنْت الغدر ... ولا أرويه !

أرفض أن أتوهم نعش خيال عبرت التيه !!

              *********

أرفض نور الشِمس ،

إذا أحلامي لم تقطفه شرارْ

وتُجَرعهُ غضبَ العزهْ

وتلقنه حقد الثار ...

وتجسِّده فوق سماها ،

بغتة هولٍ في إعصار 

كلُّ زماني فيه يدورْ

كل وجوديَ فيه عبور

كل دروبي فيه سعير

كل كياني فيه أسير ...

كل الماضي ...

كل الآتي ...

كل حياتي قيدَ خطاه

حتى يسحق هذا الليلَ ،

ويُهلكَ في جنبَّي دجاه !

حتى يغرق في مسراه

صوت كُبِّلَ فيه صداه  ،

في مئذنةٍ ....

وقفت تجأر في الظلمات بلا كفينْ 

لا تسبيحَ

ولا ترتيل يعج به ثاني الحرمين

ذُبح النور عليه ،

وعاد رفاة دعاءٍ من شفتين

وغدا الرجس

يدوس سراه وينهش فيه بالقدمين

مهما دنس باغ فيه

مهما فجرت أم التيه ،

أرفض ... حتى نعش خيال

عبرت فيه  !!

        *********   

 يرفض شيءٌ ...

ظل يغني فوق جبينيَ طول العمر

ذَوَّبَ كِبرْ الشمس وذاب ،

فأنبت فيه إباء الدهُرُ

لمع النجم ، وشاب سناه ،

وكل شعاع منه يمر ...

خلقََتْ منه صلاة البيدْ

ألفَ لهاةٍ ألفَ قصيدْ 

تبدي منه ثم تعيدْ

هبَّ العزةِ في التغريد !!

شيء .. منه انتفض الأمسْ ،

وشق حشاي على سكينْ  

وأتى يزأر في شفتيه ،

قسم الثأر بألف يمين :

.. لن أتركها ، وخزة عار فيَّ لعين !!

لن أتركها .. يطرق منها أي جبين !!

ترفض أرضي ..

ترفض عرضي ..

ترفض كِبْرٌ فيَّ ٍٍطعين !!

يرفض وجهي

يرفض لهب تحت جراح القلب دفين ! !

يرفض كل وجود حولي ،

كل حراك ، كل سكون !!

يرفض أن يحياها قدرا .. 

لم تسحقه رياح جنون !!

حتى يصعق يوم الثأر ،

خطاها السود بكل بنيهْ !

حتى ينفض حقدُ الرمل ،

صداها الأثم من أيديه ...

حتى يرفع وجه القدس ،

أذان النصر إلى حاميه ...

... أرفض !!

.. حتى أن أتوهم نعش خيال

.. عبرت فيهّ