فرات الأمل

يوسف و الربيع العربي

تدندن ليلى

بليل ترّنح فيه الضياء

(( إذا الشعب يوماً ...))

و قبل المخاض

تهزّ الحناجر جفن المدى:

((يريد الحياة ...))

فيبتلّ ُبالصوت ثوب الوجود

لينفضَ عنه رذاذ الصدى

( يريدُ الحيااااه...))

يهيج المخاض

و ليلى تعطر مهد الوليد

بدمع تلألأ مثل الندى

على وجنة الياسمين

مخاض يغير وجه الحياة

و يرسم وشم انتصارْ

على جبهة الحلم قبل الربيع

أنين وخوف وطول انتظارْ

سنون عجاف و طول انتظار ْ

وقهر و ذلٌ

و في القلب غلٌ وطول انتظارْ

و شهقات أمّ تشق ّ الستار آه ٍ و آهْ

     .... أكاد أراه

     ( 2)

وفي السجن يخنق صوت البريء

بحبل السؤالْ:

( ولادة عسيرة

ومات الجنين

فأين الربيع؟!  )

و يلقي الخبرْ

وشاح السكون الموشّى

 بحمى الألم

يلحّ السؤال

ليقطع صمت المكان :

( أما زلت ترقب طيف الربيع

و يبصق سجّانه في غرورْ

يعيد السؤالْ:

( أما زلت ترقب حلم الربيع ؟ )

فتزحف نظراته المجهدة

ومن خلف قضبان سجن مقيتْ

بعيدٍ ...بعيدْ

تطلّ على بلبل غردا:

(فلابدّ أن يستجيب القدرْ ...)

فيضحك ذاك البريءْ

و سيف النظام ْ

يحزُّ الوريدْ

و يجتثّ أنفاسه بانتظامْ

يتمتم قبل الرحيل:

( فلا بدّ أن يستجيب القدر...)

            أكاد أراه ...

  (3)

وتغسل ليلى

ثيابَ التمنّي

بدمع الرضى

و تلقي على شرفة المجد ثوباً

من الصبر يلثمه المستحيل ْ

فيصغي إلى شجوها في السحرْ:

ربيعي أراه

يئن جريحاً

بأرض فلاة

براها الإله

لكلّ البشرْ

وجبّ الطغاة سحيق عميقْ

بعمق الظلام

وفوق الدلاء التي ألقيت ْ

ينوح الحمامْ

و رجع النداءْ

يؤوب وحيداً

يموت وحيدا
بقبر طواه جنون البشر

(4)

ربيعي أراه

ندياً

بلون الصباح

كسير الجناح

على المنحدرْ

و ينمي إليّ إذا الديك صاحْ

أزيز الرصاص

لهاث السلاحْ

يريد اغتيال الضياءْ

من الأرض حتى السماءْ

إذا الفجر لاحْ

وفوق السماء

و تحت السماءْ

رثاء براحْ

  (5)

ربيعي أراه

 بلون الدماءْ

و طعم الدماءْ

ووهج الدماءْ

وينساب مراً

فيحلو على ثغر حريّة أجهضت

يموت الجنين

و يذبل صوت الضمير البريءْ

و تقسو الجباه

و يعلو صراخ الغويّ الرديءْ

و يعلو صداه

وفي غرفة للولادة

ربيعي أراه

تهدهده أمنيات الشهيد

و أحلام ثائر

لأجل الحياة

لأجل الكرامة

يمدّ الوريدْ

كجسر يُعلّق بين الحياة

وعمر جديدْ

ربيعي أراه

(6)

أرى مدية ً

تحزّ رقاب الزهور

وتخنق نفح النسيم

وسهماً يصيد الغيوم

ليوقف غيثاً

يحيّي الربيع

وناعورة تسلخ الأضحيات

قرابين عيد

أكادأراه

و أسمع حين يمرْ

خرير دم ساخنٍ

يدندن لحن الشهادة

يصلي

لكيما يقول الجناة

بسخرية و امتعاض

وهم يحملون الرفاة :

فأين الربيع ؟!

و في غرفة للولادة

ربيعي أراه

 (7)

أسروا وكادوا

وجاؤوا أباهم

بإفك وزيفْ

وما أنتن الجرم حين يكون

دماً كاذبا

وظن الجميع الحقيقة

عسيرة

وظنوا الولادة تكون عسيرة

فألقى التراب قميص البريء

زكياً ..نقياً

ليرتدّ قلب الوجود بصيرا

وفي غرفة للولادة

ربيعي أراه

  (8)

و يمضي على الدرب موكب ثورة

يمر بحاجزْ

على حين غرة

كلاب عصي قيودْ

وفوق الرصيف ظلال لأسرى

وزحف جنودْ

بطونُ جياعْ

و كرش الوصيِّ

سمين وبارز:

(( توقف ْ..توقفْ))

فينبش كلب غبي ّ

متاع السعاة

لهاث يلاحق حتى النفس

بأمر الطغاة :

(( صواع الملك ...صواع الملك ))

وما في الحقيبة أي صواع

فيرنو ملياً

من الخف حتى العمامة ْ

يشمّ التراب ْ

 يشمّ القمامة ْ

وذاك السمين

قريب يراقبْ

تغيب مواكبْ

وتدنو مواكبْ

وما من صواع

وما في الحقائب إلا الكرامة

وتبحث عما يسمى الربيعْ

فأين اختفى ؟

وفي غرفة للولادة

و نفس الوسادة

وأم تعطّر مهد الوليد

فتياً نراه

قويّ الجناح

ربيعاً تدثر بالأرجوانْ

وقصّ بكفيه شوك الهوانْ

وفي الخلف جبّ الطغاة سحيق

هو الفجر لاح

أكاد أراه بعين القدر

بأرض خصيبة

براها الإله لكل البشر